أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-04
891
التاريخ: 2023-04-10
953
التاريخ: 2023-04-26
843
التاريخ: 2023-04-03
897
|
عندما زار أنور باشا المدينة المنورة في طلائع سنة 1916، سافر في معيته من سوريا وفد من العلماء، بينهم شاب عربي يناهز الثالثة والثلاثين من العمر؛ خصه رئيس الوفد الشيخ أسعد الشقيري بالذكر لدى معالي الوزير، قائلًا: «مما يثبت لكم تعلُّق الموحدين ومكانتكم في قلوبهم أنه بمناسبة هذه الزيارة وُجد في معيتكم من آل الرسول صلى الله عليه وسلم الأمير فيصل نجل أمير مكة المكرمة.» وكان الإنكليز قد باشروا باسم الأحلاف مُفاوضة أمير مكة يومئذ، الملك حسين اليوم، لينهض بالعرب على الأتراك، فبعث جلالته يعتذر لأنور على عَدَمِ تمكَّنه من زيارته في المدينة المنورة، وأرسل سَيْفين مُرصَّعَين بالحجارة الكريمة هدية منه إليه وإلى رفيقه جمال باشا - وبينما كانت تقام الحفلات في المدينة لدولتي الأنور والجمال»، وكان الوزيران الورعان – وقد ظهرا في مظهر الدين وترديا برداء اليقين يقومان بالمراسم الدينية ويرددان الصلوات، ويجلسان كالتلاميذ في حضرة العلماء ومشايخ الطرق وهو يتكلمون في علم الجهاد ويفسرون الآيات التي لها تعلُّق بالعلوم الحربية؛ كان الأمير فيصل بك مُلازمًا لهما مُشاركًا في كل مظهر من مظاهر الحفاوة والإكرام، ولكنه لم يكن ليستوقف الأنظار؛ إذ كان ظله الصغير يومئذٍ يضيع بين ظلي بطلين من أبطال العثمانيين، وهادِمي ملكهم. بعد ثلاثة أشهر من هذه الزيارة المباركة كان فيصل أيضًا من المشتغلين في التهديم ولم يكن ليخطر في بال الوزيرين أو أحدٍ من حاشيتهما أنه سيكون كذلك، وأنه سيبدأ في البلد الطيب الذي هم فيه، فيهدم الركن العربي من ملك بني عثمان. أما أنَّ الأمر كان يجول في صدر الأمير نفسه فمِمَّا يَحتمل الريب؛ لأنه لو أدرك أنَّ أباه سينفر قريبا في النفير لَما كان رافق الوزيرين في عودتهما إلى الشام، وكَادَ يقع هناك في قبضة جمال لولا حيلة دبَّرَها أبوه. عاد الأمير فيصل من الشام في صيف تلك السنة بأربعة آلاف بندقية وعشرة آلاف ليرة ليُجهز حملة من العرب تشترك في الزَّحف مع الترك والألمان على ترعة السويس، فلما وصل إلى المدينة سمع النفير يستنفر من ظِلالِ الكعبة القبائل لمحاربة الأتراك، «أعداء العرب والإسلام»، فأطاع طبعًا أباه الذي كان قد بَدَأَ بتأليف جيش من القبائل تحت قيادة نجله الأمير عبد الله، فانتظم الأمير فيصل في هذا الجيش، ثم أُسندت إليه قيادة جيش الشمال المشهور، فباشر عمله في حصار المدينة وتخريب قسم من سكة الحديد قرب العلا ليؤخّر في الأقل وصول النجدات من الشام إلى العدو. وصلت أخبار النهضة إلى سوريا، فرددت صداها الأستانة، ولكن أولياء الأمر هناك لم يهتموا في البدء لها، فأدركوا خطأهم عندما صدرت الأوامر بالزحف ثانيةً على ترعة السويس؛ إذ وجدوا العرب الذين كانوا قد اتكلوا عليهم يُحاربون مع الأحلاف. بيد أنهم لم يأتوا في بداءة الأمر بعمل في الشِّمَال يُذكر؛ أي إنَّهم لم يُؤثروا، لا سلبًا ولا إيجابًا، في حملة السويس الثانية. إنِّي في كتابة هذه النبذة أرجعُ إلى أربعة مصادر طالبًا الحقيقة المجردة من الأهواء والتعصب، ومع ذلك أراني في بعض الأحايين حائرًا بين الشهود الأربعة؛ هذا يبالغ، وذاك يجامل، وواحد يُزيّف الأعمال، وآخر يزخرفها. فقد جاء في كتاب فرنسي طبع السنة الماضية في باريس " أنَّ الفضل، كل الفضل في انتصار العرب في شرقي الأردن هو لشرذمة من الجنود الإنكليز وطابور من الفرنسيين البواسل وقد قال المؤرخ الإنكليزي: " إنَّ العرب في الحرب خفيفو الحركة، سريعون، مرنون، لا يحمِلُون الثقيل من العُدَّة، وهم في القتال شجعان أشداء. أما شهادة العرب أنفسهم فأُسجِّلُ منها ما فيه الاعتراف بفضل غيرهم؛ فقد أجمَعَ مَن حَدَّثْتُهم ممَّن شاركوا في تلك الحملة، وسمو الأمير فيصل في مُقدِّمتهم، على أنَّ الفضل الجم في جمع شمل العربان في بداءة النهضة والتأليف بينهم، إنَّما هو لشاب إنكليزي يُحسِنُ العربية كأهلها، ويُحسن كذلك التخلُّق دون تكلُّف بأخلاقهم، هو الكرنل لورنس. وقد أخبرني بعضُ مَن حاربوا تحت قيادة الأمير زيد أنه لم يكن ليأمُرَ جُنُوده مرَّة بالهجوم إلَّا كان هو في الصف الأول. فإذا فات ذلك الكونت دي غنطو بيرون، المتحامل على العرب والإنكليز تحاملا لا يليق بفرنسي كريم، فكيف يفوته ذكر الكرنل لورنس ولو بكلمة في كتابه؟ إنِّي أُسجل الحقيقة كلها، فلا أنسى من له الفضل الأكبر في نجاح النهضة؛ وهو «الخيال» الإنكليزي، الذي لبى دعوته كثيرون من العربان وفيهم من عشائر القصيم ونجد. قد ينكر جلالة الملك حسين أن أحدًا من نجد اشترك في جهاد الأتراك، ولكني اجتمعتُ ببعض أولئك المتطوعين، فأخبروني بصراحة، عُرف العربي بها، أنهم كانوا يُحاربون أولاً مع الأتراك، فزاد الملك حسين الراتب فانحازوا إليه. وما كان أمراء العرب أنفسهم ليركنوا دائما إلى البدو؛ فقد قال الأمير علي – الذي كان في المدينة عندما وصل فيصل إليها، فاشتركا في حصارها - إنَّه لم يتمكَّن، بَادِئَ ذي بدء، من عمل كبير؛ لأنَّ البدو لم يلبوه دائمًا، ولم يثبتوا إذا كانوا ملبين. وكذلك الأمير فيصل الذي حاول متابعة الهجوم بعد تخريب سكة الحديد عند العلا، فخرج الأتراك من حصونهم في شهر آب وحَدَثَ بينهم وبين العرب قتال خارج المدينة، خَسِرَ فيه الأمير خمسمائة من رجاله، وخسر الأتراك ضعفي هذا العدد، فعادوا إلى المدينة وطَفَقُوا يضطهدون أشياع الشريف من أهلها وينكلون بهم، على أنَّ الأمير لم يتمكَّنْ مِن مُتابعة ما عده نصرًا في تلك الواقعة؛ لأن قواته لم تكن مُنظّمة، وبالأحرى لأنَّ قواته كانت لا تزال من العربان الذين لا يأتمرون بغير أوامر شيوخهم وينفرون من التنظيم. أما اندحار الأتراك في مكَّة، فقد أثر تأثيرًا عظيمًا في قوى العدو المادية والمعنوية فتوقف جمال باشا عن شنق الأحرار في سوريا، وأمر أنور قائد الحامية في المدينة أن يُدافِعَ عنها حتى الموت، وضُوعِفت الحامية في معان للاحتفاظ بخطّ الحديد، واستؤنفت المواصلة بين دمشق والمدينة بالرَّغمِ عمَّا خرَّبَه العرب من الخط قرب العلا. كذلك أوقف الأتراك الأمير فيصلا فاتَّخَذَ لنفسه مقرًا حربيًّا بين العلا وينبع، ولبث ينتظر إنشاء جيش نظامي يُدير جيوش البدو؛ إذ إنَّ الإنكليز كانوا قد أسروا كثيرين من العرب وضباطهم الذين حاربوا في صفوف الأتراك، فجاءوا بهم إلى مصر؛ حيث بدأ التجنيد لجيش العرب الشمالي. كان أكثر الأسرى من العراق وسوريا وفلسطين، فلبوا مُهلِّلين دعوة الشريف حسين، وفيهم من الضباط الذين اشتهروا بعدئذٍ في ساحات القتال؛ مثل: جعفر العسكري، وجودت البغدادي، ونوري السعيد، وغيرهم. بيد أن تنظيم هذا الجيش لم يتم حتى أوائل سنة ،1917، فلما ظهر في الحجاز ازداد عدد الفارين من جيوش الأتراك المنضمين إلى جيوش العرب. من أنكر فضل الملك حسين وأنجاله في النهضة لا يستطيع، إذا كان مُنصِفًا، أن يُنكر فائدتين على الأقل فيها فائدة للأحلاف وخصوصًا للإنكليز، وفائدة لعرب سوريا وفلسطين الذين أثارت فيهم مظالم جمال كوامنَ الضغينة والغضب، فوجدوا في صاحب النهضة الأكبر زعيمًا يَتَّبعون، وقطب ثأر فيثأرونَ، ومحطّ آمال يحققون. جاءوا - كما تقدم - من مصر، يقود قسمًا منهم الأمير لواء السيد علي باشا، فانضموا إلى جيش الأمير فيصل الذي شرع يزحف شمالا في شتاء تلك السنة حتَّى وصل إلى حدودِ بادية التيه. وكان الأمير علي مشتغلا في ضرب مراكز الأتراك العديدة على جانبي سكة الحديد، فحمى بذلك مؤخّر جيش أخيه الذي استولى في زحفه على خط مسافته ستون ميلًا يمتد من البحر إلى معان. أما إكليل انتصارات العرب في هذه السنة، فهو سقوط العقبة ودخول الأمير فيصل إليها في 6 تموز، ولم يكن ذلك ليُذكر لولا تأثيره الحَسَن في حركة الجنود البريطانيين في هجومهم على غزّة وبير السبع. كان الجنرال النبي قد استلم آنئذ قيادة الجيش، فاعترف بفضل العرب في ردّهِم سريات الأتراك التي كانت تجيء من معان إلى بادية سينا، فتَضْرب الإنكليز في مؤخرهم. ولو لم يكن للعرب غير هذا الفضل – أي تأمين مؤخّر جيش الجنرال النبي – لَكَفى به فضلا فلولا تقدم فيصل إلى حدود سينا لَمَا ضَرَب النبي غزة وبير السبع، ولولا سقوط العقبة لما سقطت تلك البلدة على البحر التي دَافَعَ عنها الترك والألمان دفاعًا يستحقُ الذكر والإعجاب، ولَما أعاد الإنكليز الكَرَّة على بغداد لولا ثقتهم بالنهضة العربية ورجالها وجنودها. جاء في نشرة من نشرات الوزارة الحربية في آب 1917: إِنَّ خطة العرب في بداءَةِ نهضتهم لَخُطَّةٌ وجيهة فيها حذق وحزم ودهاء؛ فقد خرَّبوا أقسامًا من سكة حديد الحجاز، واستولوا على مراكز الأتراك إلى جانبي السكة، وكانوا في أعمالهم على جانب عظيم من الجُرأةِ والبسالة، فيتغلبون غالبًا على جيش أكثر منهم عددًا وأوفر منهم عُدَّة. وجاء في كتاب الكونت دي غنطو بيرون: لا قيمة حربية لجموع العرب، فَهُم يَظهرون ويختفون كيفما يشاءون وساعة يشاءون، ولا يستطيعون ردَّ الصدمات الشديدة، بل يتفرَّقُون ويهربون أول مرة تطلق عليهم النار.» وجاء في الأعمال وهي أصدق الشهود: عندما سقطت غزة في منتصف تشرين الثاني، كانت قد وصلت سريات الأمير فيصل إلى ما بين عمان ودرعا، فهدموا جسرًا هناك، وغلبوا الأتراك في واقعة صغيرة قتل فيها خمسة من العرب ومائة وعشرون من الترك، ونسفوا القطار الذي كان مقلا جمال باشا وهو عائد من القدس إلى الشام، وقد كتبت له السلامة. في الشهر الأول من سنة 1918 استأنف الأميرُ القتال والهجوم، فاتصل جيشه بطرف من جيش الجنرال النبي في ناحية البحر الميت قرب رجم البحر، وتجددت الهجمات على معان التي كانت لا تزال في حوزة الأتراك، ثم أمعن العرب في الغزوات شرقا، فوصلوا إلى ناحية الجوف؛ حيث كان الترك يُحاولون مُفاوضة ابن الرشيد في حايل ليُغروه بالشريف استولى العرب على تيماء، وقطع العرب الخطّ على العدو، فاستحال عليه بعدئذ إرسال النجدات من معان إلى المدنية نسف العرب قطارًا قرب تبوك مشحونا بالجنود، فقتلوا كل من فيه، وغنموا كل ما فيه مع أربعة وعشرين ألف ليرة. قد كانت خطة الأمير فيصل في بداءة هذه السنة تنحصر ظاهرًا في الاستيلاء على معان الكرك. ولكنه أراد في إشغال الترك هناك أن يستولي على بقعة مهمة في شرق الأردن. هيا فأرسل شراذم من جنوده على معان يداومون الهجوم والمفاجآت، وساعده الجنرال النبي بما ساق من الطائرات على البلد. قد غنم العرب في هجماتهم مدفعين جَبَلِيَّين، وثمانية عشر مدفعًا رشَّاشًا، وثمانمائة بندقية، ومائتي رأس من الخيل، واستولوا على جوف الدرويش؛ أحاطوا بالعدو ومنعوه من إرسال نجدات إلى المرابطين من الأتراك في الكرك. كذلك تقدم الأمير. وهو أمين من الغدر - إلى محجَّتِه، فقسم جُندَه قسمين؛ قِسما مشى من العقبة فاجتاز خط الحديد شمالاً وردَّ العدو إلى مركز يبعد خمسة أميال من معان، وقسمًا مشى من وادي موسى فأخرج العدو من مراكزه في الطريق حتى الطفيلة التي هي على مسافة ثمانية عشر ميلا من البحر الميت. فلما سلمت حامية الطفيلة، اضطرب الأتراك في الكرك وخرجوا بأحد عشر طابورًا وبعض الخيالة والمدافع يستعيدونها، فالتقى الفريقان في 26 كانون الثاني على شاطئ سيل الحسا وهي على مسافة أحد عشر ميلا شمال الطفيلة، فانهزم الأتراك، وكانت خسائرهم أربعمائة من القتلى وثلاثمائة أسير. لم يقف الأمير فيصل عند هذا الفوز، بل استمرَّ زاحفًا حتَّى وَصَلَ بعد يومين إلى البحر الميت، فضَرَبَ جيشه مركزا للتُّركِ هُناك، فأغرق مركبًا حربيًّا صغيرًا وعدة سنابك، وغَيْمَ كثيرًا من الحبوب، وأسر عددًا من الجنود. ثم أعاد الأمير تنظيم جنوده، بعد أن ثبت قدمه على شاطئ البحر شرقًا، ليُواصِلَ الزَّحف على الكرك. وكان الجنرال النبي قد استولى على أريحا وعبر بجنوده الأردن فتقدَّمَ نحو عمان. لا شك أن الهجوم البريطاني شرقي الأردن كان عونا للأمير فيما سَعَى إليه، وكان من حظه أيضًا أن الطائرات التي جاءت تساعد الجنرال في زحفه إلى عمان ساعدت كذلك العرب في زحفهم على الكرك التي استولوا عليها في 7 نيسان، فقطعوا عن الأتراك في معان مورد تموين مهم.
..............................................
1- دليل ذلك ما جاء في تقرير أركان الحرب العامة في الأستانة المؤرخ في 25 ت 1 سنة 1916؛ أي بعد إعلان الثورة بأربعة أشهر: قد حَمَلَ العرب على الأتراك في خط طوله ستون كيلومترا جنوبا بغرب من المدينة، والثورة تمتد بسرعة توجب الاهتمام، فلا يجوز أن نصدق الأخبار التي تُصوِّرها لنا أنها حركة بسيطة لا أهمية لها.»
خمس سنوات في تركيا»، تأليف ليمان من سندرس Cinq Ans en Turquie, Par Liman von .Sanders. Payot, Paris
2- كيف استقرت فرنسا في سوريا Comment la France s'est Installée en Syrie, Par Comte R. de .Gontaut-Biron, Paris, Librairie Plon 1923
3- تاريخ الحرب لجريدة التيمس الإنكليزية الفصل الذي عنوانه نهضة العرب. The Times History of .the War, (The Arab Uprising
4- «وقد ساعدنا العرب في هذا الشهر العصب شهر تشرين الثاني، مساعدة تُذكر في هجماتهم على الخط بين عمان ومعان، فأوقفوا النقليات بضعة أيام في الوقت الذي كان الأتراك يُحاولون إمداد جنودهم في القدس (تاريخ الحرب: نهضة العرب).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|