أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-03-2015
5939
التاريخ: 23-03-2015
2088
التاريخ: 23-03-2015
3101
التاريخ: 16-12-2019
6191
|
الخصائص
المعنوية للشعر الجاهلي:
(أ)
الصدق: الصدق في الشعر ان يعبر الشاعر عما يشعر به حقيقة مما يختلج
في نفسه، والا يتكلف في ايراده، بقطع النظر عما إذا كانت الحوادث التي يذكرها قد وقعت
أو لم تقع أو كان مبالغا فيها. فليس من الضروري مثلا ان يكون قول عمرو بن كلثوم:
ملأنا
البر حتى ضاق عنا... وماء البحر نملأه سفينا
صحيحا
(ونحن نعلم انه غير صحيح). ولكن المهم ان عمرا كان يشعر هذا الشعور فجاء بيته هذا صادقا
في التعبير عن شعوره هو.
(ب)
النزعة الوجدانية: والشعر الجاهلي وجداني في الدرجة الأولى، يصف نفس قائله وشعوره.
حتى ان الشاعر القديم كان إذا عرض «لبحث موضوعي واقعي»، كوصف الصيد والحرب أو كالحكمة
والرثاء، لونه بشعوره هو فانقلب الموضوع الواقعي في شعره موضوعا وجدانيا.
والأدب
في الحقيقة هو الانتاج الوجداني المطبوع. ووصف ابن قتيبة الشاعر المطبوع فقال فيه (1)
هو «من سمح بالشعر واقتدر على القوافي، وأراك في صدر بيته عجزه، وفي فاتحته خاتمته،
وتبيّنت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة، وإذا امتحن (بإنشاد شعره) لم يتلعثم ولم
يتزحّر (2)». ولذلك كره النقاد أشعار العلماء إذ ليس فيها شيء جاء عن إسماح
وسهولة كشعر الاصمعي وشعر ابن المقفّع وشعر الخليل (ابن أحمد)»، وسواهم (3).
ولعلّهم من أجل ذلك أيضا فضلّوا أشعار البدو على أشعار الحضر لما في أشعار البدو من
الطبع في القول والعفو في النظم، ولما في أشعار الحضر من التكلّف بعوامل من العلم والمداراة
وتعقّد الحياة الاجتماعية.
(ج)
البساطة: ان الحياة الفطرية والبدوية والقدم في الزمن عوامل تتضافر على جعل الشخصية
الانسانية ساذجة بسيطة، كذلك كانت البيئة الجاهلية، وكذلك كان أثرها في الشعر الجاهلي.
جرى
الشاعر الجاهلي على طبعه وسجيته فلم يتكلف القول في ما لم يشعر به ولا تكلف الاحاطة
و الشمول و لا التخريج و التعليل و لا التعقيد و المعاصاة في ما شعر
به. إن الطبع والسجية والبساطة والصدق تتمثل كلها في قول عنترة يخاطب عبلة:
ولقد
ذكرتك والرماح نواهل... مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت
تقبيل السيوف لأنها... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
(د)
القول الجامع: كانت الصفة الغالبة على الشعر الجاهلي انه «شعر وجداني»، من أجل ذلك
كان معرضا للآراء المفردة أكثر منه معالجة مستفيضة لشئون الحياة. ولقد مال العرب عموما
والجاهليون خصوصا إلى استجماع القول حتى كان البيت الواحد من الشعر يجمع معاني تامة،
وحتى جعل الاقدمون يفتخرون بذلك. وقد أعجب النقاد بقول امرئ القيس:
قفا
نبك من ذكرى حبيب ومنزل... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وقالوا:
انه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد!
(ه)
الاطالة والاستطراد: وكان يحمد في الشاعر الجاهلي ان يكون «طويل النفس» أي ان يطيل
القصائد. وقد يخرج الشاعر أحيانا عن الموضوع الاساسي إلى موضوعات تتعلق به من قرب أو
من بعد، وهذا يسمّى الاستطراد.
وقد
أثر عن الجاهلية مقطعات قيل إن أكثرها كان في الأصل قصائد طوالا ثم نسي بعضها. ومع
العلم اليقين ان الشاعر الجاهلي نظم مثل هذه المقطعات ابتداء، فان الغالب على طبع الجاهلي
انه كان يميل إلى اطالة القصائد.
(و)
الخيال: وإذا كان اتساع أفق الصحراء قد أدّى إلى اتساع خيال الشاعر الجاهلي، فان هذا
الشاعر الجاهلي كان فطريا بسيطا كبيئته. ولعلك لا تستغرب إذا علمت ان الشعراء الذين
اتصلوا بالحضر كالأعشى وامرئ القيس والنابغة كانوا في خيالهم أوسع وأعمق وأدق كما ترى
في معلقة امرئ القيس عند الكلام على البرق والمطر والسيل وعلى النبات الذي هاج بعد
ذلك المطر.
ولا
ريب في ان الخيال في الجاهلية كان لا يزال يعتمد على التشابيه والاستعارات أكثر من
اعتماده على انتزاع الصور من الطبيعة.
______________________
1) الشعر
والشعراء 26؛ راجع العمدة 1:108 وما بعدها.
2) أحدث
صوتا كأنما يريد أن يخرج منه شيئا بالجهد.
3) الشعر
والشعراء 10-11.