المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



المراجعة  
  
1747   01:22 صباحاً   التاريخ: 25-09-2015
المؤلف : إبن أبي الإصبع
الكتاب أو المصدر : تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر
الجزء والصفحة : ص131
القسم : الأدب الــعربــي / البلاغة / البديع /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015 4805
التاريخ: 25-09-2015 2558
التاريخ: 25-03-2015 1806
التاريخ: 25-03-2015 5105

وهو أن يحكى المتكلم مراجعة في القول، ومحاورة في الحديث جرت بينه وبين غيره أو بين اثنين غيره بأوجز عبارة وأرشق سبك وأسهل ألفاظ، إما في بيت واحد، أو في أبيات، أو جملة واحدة، كقول عمر بن أبي ربيعة [رمل]:
بينما ينعتنني أبصرنني ... مثل قيد الرمح يعدو بي الأغر
قالت الكبرى: ترى من ذا الفتى ... قالت الوسطى لها: هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمتها ... قد عرفناه، وهل يخفى القمر؟
وفي الأبيات خبئان يدلان على قوة عارضة الشاعر وحذقه بمعرفة وضع الكلام مواضعه: أحدهما، وهو الذي يدل على قوة العارضة، أن قوافي الأبيات لو أطلقت لكانت كلها مرفوعة كما قيل في أرجوزة رؤبة التي أولها [رجز]:
قد جبر الدين الإله فجبر
فإنهم قالوا: إنها تزيد على التسعين شطراً، ولو أطلقت قوافيها لكانت كلها مفتوحة.
والخبء الآخر كونه جعل التي عرفته وعرفت به وشبهته تشبيهاً يدل على شغفها به هي الصغرى، ليدل بدليل الالتزام على أنه فتى السن إذ الفتية من النساء لا تميل إلا للفتى من الرجال غالباً وختم قوله بما أخرجه مخرج المثل السائر موزوناً، ولا يقال إنما مالت الصغرى له دون أختها لضعف عقلها وعدم تجربتها، فإني أقول: قد تخلص من هذا الدخل بكونه أخبر أن الكبرى التي هي أعقلهن ما كانت رأته قبل، وإنما كانت تهواه على السماع به، فلما رأته وعلمت أنه ذلك الموصوف لها، أظهرت من وجدها به على مقدار عقلها ما أظهرت من سؤالها عنه فحسب، ولم تتجاوز ذلك، أو سألت عنه وقد علمته لتلتذ بسماع اسمه من باب تجاهل العارف الذي توجبه شدة الوله والعقل يمنعها من التصريح، والوسطى سارعت إلى التعريف باسمه للعلم، فكانت دون الكبرى في الثبات الذي توجبه سنها وتوسطها، والصغرى لكون منزلتها في الثبات دون الأختين أظهرت من معرفته وصفته ما دلت به على شدة شغفها به، وكل ذلك وإن لم يكن كذلك فألفاظ الشعر تدل عليه.
ومن جيد أمثلة هذا الباب قول أبي نواس [مجزوء الرمل]:
قال لي يوماً سليما ... ن وبعض القول أشنع
قال صفني وعلياً ... أيّنا أتقى وأنفع
قلت إني إن أقل ما ... فيكما بالحق تجزع
قال: كلا قلت: مهلاً ... قال قل لي: قلت: فاسمع
قال: صفه قلت: يعطى ... قال: صفني قلت: تمنع
وإلى لطافة البحتري في باب المراجعة تنتهي الرياسة حيث قال [خفيف]:
بت أسقيه صفوة الراح حتى ... وضع الكأس مائلاً يتكفا
قلت: عبد العزيز تفديك روحي ... قال: لبيك قلت: لبيك ألفا
هاكها، قال: هاتها، قلت: خذها ... قال: لا أستطيعها، ثم أغفى




دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.