المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

الإطار العملي لمشكلة عجز الموازنة العامة في مصر
25-10-2016
تقييم الخبر
15/11/2022
الحاج زكي
3-9-2017
السب مذموم وله مردود سلبي
9-11-2014
إحتمالات لا ضرر(قاعدة لا ضرر)
3-6-2020
نبوءة ‏ الانتصار في معركة بدر
3-12-2015


مظاهر الانحراف في عصر الإمام الرضا ( عليه السّلام )  
  
1712   08:38 مساءً   التاريخ: 31-1-2023
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 10، 71-88
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / موقفه السياسي وولاية العهد /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-10-2015 3110
التاريخ: 16-10-2015 7712
التاريخ: 10-8-2016 3394
التاريخ: 7-8-2016 3136

نستعرض في هذه المقالة مظاهر الانحراف المختلفة في العهد العباسي وفي فترة حكومة هارون وابنه محمد حتى قتله من قبل جيش أخيه المأمون سنة ( 198 ه ) وهي الفترة الواقعة بين سنة ( 183 ه ) و ( 198 ه ) ، ثم نتبعه في فصل آخر ببيان دور الإمام الرضا ( عليه السّلام ) لمعالجة أنواع الانحراف في هذه الفترة .

الانحراف الفكري

لقد راجت التيارات الفكرية المنحرفة في عهد العباسيين ، ووجدت لها اتباعا وأنصارا ، وكثر الجدل والمراء وانشغلت الأمة بذلك ، وهذا ان دلّ على شيء فإنّما يدل على منهج الحكّام العباسيين في الترويج لها وتشجيع القائمين عليها ؛ لاشغال الأمة عن الأحداث والمواقف التي يتخذونها في السياسة والاقتصاد والحياة العامة ، وإبعادهم عن ما يثيرهم اتخاذ الموقف المعارض للسياسات القائمة .

فعلى مستوى أصحاب الديانات نجد اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة وهكذا الملحدين والدهرية وباقي أصناف الزنادقة كان لهم مطلق الحرية في التعبير عن أفكارهم وعقائدهم .

وتعددت المذاهب الإسلامية بتعدد أربابها ، وانتشرت الافكار العقلية الصرفة والفلسفية المثالية ، وكثر الجدل في الجبر والتفويض والارجاء والتجسيم والتشبيه ، وتحوّلت المذاهب السياسية إلى مذاهب عقائدية .

فالزيدية والإسماعيلية كانتا من الحركات والمذاهب السياسية التي تتبنى الجهاد المسلّح فتحوّلت إلى مذاهب عقائدية وفكرية ، وانتشرت الادّعاءات الباطلة والمزيّفة ، كادّعاء النبوة ، وكادّعاء أحد الأفراد انه إبراهيم الخليل . ولولا تشجيع الحكّام ومنح الحرية للتيارات والمذاهب المنحرفة لما انتشرت ولما استشرت هذه المذاهب في أوساط المسلمين .

وكان الحكّام يفتعلون الآراء والنظريات أو يتبنونها لاشغال المسلمين بالجدال والنقاش وكثرة القيل والقال ، وكانوا يعاقبون المخالفين لآرائهم المتبنّاة بالسجن والقتل على الرغم من عدم وجود تأثير واقعي لتلك الآراء ، فقد شجّع هارون على القول بانّ القرآن قديم ، وقام بقتل من يخالف رأيه .

فحينما سئل عن رجل مقتول بين يديه أجاب : قتلته لانّه قال القرآن مخلوق[1].

وتغيّر الرأي في عهد ابنه المأمون وناقض قرار والده والتزم بالقول بخلق القرآن وانه ليس قديما ، وكان يمتحن العلماء في ذلك[2].

وكان هارون يشجّع على الروايات والأحاديث الكاذبة المنسوبة إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وخصوصا روايات وأحاديث الخرافة ويعاقب كل من يعارض الترويج لهذه الروايات ، ومن الأمثلة على ذلك : انه دخل أبو معاوية الضرير على هارون وعنده رجل من وجوه قريش ، فجرى الحديث إلى أن ذكر أبو معاوية حديث أبي هريرة المنسوب إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « انّ موسى لقي آدم فقال : أنت آدم الذي أخرجتنا من الجنة » ، فقال القرشي : أين لقي آدم موسى ؟ ! فغضب هارون ، وقال : النطع والسيف ، زنديق واللّه ! يطعن في حديث رسول اللّه » ، فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول : كانت منه بادرة ، ولم يفهم يا أمير المؤمنين حتى سكّنه[3].

وكان هارون يشجّع ويكرّم العلماء الذين ينسجمون مع آرائه وأهوائه ، في الوقت الذي كان يسجن العلماء العظام ، والأئمة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) ويحاصرهم . ومن تشجيعه في هذا المجال انه صبّ الماء على يد أبي معاوية ، وقال له : أتدري من يصبّ على يديك ؟ قال : لا ، قال : انا ، قال أبو معاوية : أنت يا أمير المؤمنين ، قال : نعم اجلالا للعلم[4].

وكان هارون يشجّع الافكار والآراء والأقوال التي تلبس حكمه لباسا مقدسا ، فقد انشده أحد الشعراء أربعة أبيات لقّب فيها هارون بأمين اللّه ، فأمر له لكل بيت بألف دينار ، وقال : لو زدتنا لزدناك[5] ، فانساق الشعراء وراء الأموال واخذوا يروّجون لقدسية الحكّام حتى قال أحدهم مادحا هارون :

حب الخليفة حبّ لا يدين له * عاصي الاله وشار يلقح الفتنا[6]

وقال سلم الخاسر يمدح الأمين وهارون :

قد بايع الثقلان مهديّ الهدى * لمحمد بن زبيدة ابنة جعفر

قد وفق اللّه الخليفة إذ بنى * بيت الخلافة للهجان الأزهر

فأعطته زبيدة جوهرا باعه بعشرين ألف دينار[7].

ومن أجل إبعاد المسلمين عن نهج أهل البيت ( عليهم السّلام ) قام العباسيون بمحاصرة الفقهاء المؤيّدين لهم ، وشجّعوا على نشوء التيارات الهدّامة ، وهذا واضح من خلال عدم ملاحقتهم لاتباعها وأنصارها .

فقد نشأ تيار الواقفة وتيار الغلاة ، ولم يبادر العباسيون إلى تطويقهما في بداية نشوئهما ، سعيا منهم لتشويه منهج أهل البيت ( عليهم السّلام ) وتفتيت كيانهم .

وقام المأمون بترجمة كتب الفلسفة من اليونانية إلى العربية[8] وبطبيعة الحال تؤدّي الترجمة إلى انتشار الأفكار والمصطلحات المنطقية والفروض الذهنية البعيدة عن الواقع .

وفي عهدهم كثر الافتاء بالرأي ، وتفسير القرآن بالرأي ، وراج القياس الباطل القائم على أساس قياس حكم فرعي بحكم فرعي آخر ، وأصبحت الفتاوى تابعة لأهواء الحكّام وشهواتهم ، فعن ابن المبارك انّه قال : لما أفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي ، فراودها عن نفسها ، فقالت : لا أصلح لك ، إنّ أباك قد طاف بي ، فشغف بها ، فأرسل إلى أبي يوسف ، فسأله : أعندك في هذا شيء ؟ فقال : يا أمير المؤمنين أو كلّما ادّعت أمة شيئا ينبغي أن تصدّق ؟

لا تصدّقها فإنّها ليست بمأمونة ، قال ابن المبارك : فلم أدر ممن أعجب : من هذا الذي قد وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرج عن حرمة أبيه ؟ ! أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين ؟ ! أو من هذا فقيه الأرض وقاضيها ؟ ! قال : اهتك حرمة أبيك ، واقض شهوتك ، وصيره في رقبتي[9].

وعن عبد اللّه بن يوسف قال : قال الرشيد لأبي يوسف : اني اشتريت جارية وأريد أن أطأها قبل الاستبراء ، فهل عندك حيلة ؟ قال : نعم ، تهبها لبعض ولدك ، ثم تتزوّجها[10].

وهكذا أصبح الفقهاء تبعا للحكّام يفتون بما ينسجم مع أهوائهم ورغباتهم باستثناء الفقهاء من أتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) ممن كانت لديهم شجاعة لمقارعة الظالمين فإنهم كانوا مطاردين وملاحقين من قبل الحكّام وأعوانهم .

ونشر فقهاء البلاط مفاهيم خاطئة عن الزهد ومفاهيم التصوّف المنحرف لابعاد المسلمين عن التدخل في السياسة أو الاعتراض على مواقف الحكّام ، فانتشر التصوّف وانزوى الكثير واعتزلوا الحياة ، ولم يقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

التلاعب بأموال المسلمين

خالف العباسيون أسس النظام الاقتصادي الاسلامي التي تنصّ على أنّ الأموال هي وديعة عند الحاكم وليست ملكا خاصا له ، وانّ انفاقها يجب ان يكون مقيدا بقيود شرعية ، فكانوا يتصرّفون بالأموال حسب رغباتهم وشهواتهم ، فكانوا ينفقونه لشراء الذمم من أجل تثبيت سلطانهم ، وكانوا يعيشون أعلى درجات البذخ والترف ، وكان للجواري والمغنيين والمتملّقين نصيب كبير في بيت المال ، وقد جيء إلى هارون بخراج عظيم وأموال طائلة من الموصل ، فامر بصرف المال إلى بعض جواريه ، فاستعظم الناس ذلك وتحدّثوا به ، فقال أبو العتاهية : ايدفع هذا المال الجليل إلى امرأة ، ولا تتعلق كفّي بشيء منه ، ثم دخل على هارون فأنشده ثلاثة ابيات ، فأعطاه عشرين ألف درهم ، وزاده الفضل بن الربيع خمسة آلاف[11].

وأسمعه إبراهيم بن المهدي أغنية فأمر له بألف ألف درهم[12].

واشترى هارون جارية بسبعين ألف درهم ، واشترى لها جوهرا باثني عشر ألف دينار ، ثم حلف ألا تسأله يومه ذلك شيئا الّا أعطاها[13].

وفي مقابل ذلك نجد ان كثيرا من المسلمين كانوا يعيشون الفقر والحرمان ، كما هو ظاهر من حوار رجلين من قريش مع هارون إذ قالا له :

نهكتنا النوائب ، وأجحفت بأموالنا المصائب[14].

وكان الترف والبذخ من نصيب الحكّام والمقربين لهم ، من وزراء وولاة حتى بلغت أموال والي هارون على خراسان ثمانين ألف ألف[15].

وقد وصلت ملكية هارون حدا غير متصور فقد خلّف مائة ألف ألف دينار ، ومن الأثاث والجوهر والورق والدواب ما قيمته مائة ألف ألف دينار ، وخمسة وعشرون ألف دينار[16].

وسار أولاده على نهجه في البذخ والترف والتلاعب بأموال المسلمين ، فقد بنى محمد الأمين قبة اتخذ لها فراشا مبطنا بأنواع الحرير والديباج المنسوج بالذهب الأحمر وغير ذلك من أنواع الإبريسم . . .[17].

وفي الوقت الذي يعيش فيه المسلمون أجواء الفقر والحرمان نجد الأمين يتلاعب بالأموال دون قيود ، فقد صيدت له سمكة وهي صغيرة فقرّطها حلقتين من ذهب فيهما حبتا درّ ، وقيل ياقوت[18] ، وكان ينفق الأموال على لهوه وعلى جلسائه والخصيان[19].

وانفق المأمون في زواجه أموالا طائلة لا حصر لها ، وأمر باعطاء خراج فارس والأهواز إلى والد زوجته يجبى اليه لمدة سنة[20] ، وكان بطانة والي بغداد في عهده ينهبون أموال الناس وممتلكاتهم ولا أحد يمنعهم من ذلك[21].

الانحراف الأخلاقي

لعبت أجواء الترف والرفاهية دورا كبيرا في انتشار وتفشي الانحراف الأخلاقي ، عند الحاكم ومؤسساته الحكومية وعند الامّة ، فكان الحاكم يعيش مظاهر اللهو واللعب والانسياق وراء الشهوات ، فهارون أول خليفة لعب بالصوالجة والكرة ورمي النشاب في البرجاس ، وأول خليفة لعب الشطرنج من بني العباس[22].

وكان يجري سباق الخيل فجاء في أحد الأيام فرسه سابقا فأمر الشعراء ان يقولوا فيه شعرا فسبقهم أبو العتاهية ، فاجزل صلته[23].

وبعض هذه الأمور وان كانت مباحة إلّا انها لا تليق بالحاكم الذي يحكم دولة إسلامية مترامية الأطراف ، ومعرضة لمخاطر ومؤامرات من قبل أعداء الإسلام .

وكان مولعا بالغناء ، ومن اهتمامه وتشجيعه للغناء ان جعل للمغنين مراتب وطبقات[24].

وكان ينفق الأموال والهدايا على المغنين - كما تقدّم - وكان مولعا بحب ثلاث من الجواري المغنيات حتى انشد شعرا في ذلك قال فيه :

ملك الثلاث الآنسات عناني * وحللن من قلبي بكلّ مكان

مالي تطاوعني البرية كلها * وأطيعهنّ وهنّ في عصياني

ما ذاك الّا ان سلطان الهوى * وبه غلبت غرزن من سلطاني[25]

وفي الوقت الذي يذهب آلاف الجنود ضحايا في الغزوات تجده لا يكترث من كثرة القتلى والمعوّقين وإنّما يؤلمه موت جارية من جواريه تسمى هيلانة ، فيرثيها بأبيات شعر :

فلها تبكي البواكي * ولها تشجي المراثي

خلقت سقما طويلا * جعلت ذاك تراثي[26]

وكان مدمنا على شرب الخمر وربما كان يتولّى بنفسه سقاية ندمائه[27].

وكان من حبّه للضحك والفكاهة ان اختص بابن أبي مريم المدني ، وكان لا يصبر عن فراقه ولا يملّ من محادثته ، وبلغ من خاصته به أن بوّأه منزلا في قصره ، وخلطه بحريمه وبطانته ومواليه وغلمانه[28].

وكان لا يتحرّج من سماع ألفاظ الفحش والبذاء في مجلسه ، فحينما اهدى له العباس بن محمد اناء من خزف فيه مسك وعنبر وهبه هارون إلى ابن أبي مريم ، فتألم العباس وقال لابن أبي مريم : أمه فاعلة ان دهن به الّا استه ، فضحك هارون ، ثم وثب ابن أبي مريم ، وأدخل يده في الاناء ثم دهن بها عورته وجميع جوارحه ثم أمر غلامه ان يذهب بما تبقى إلى زوجته وان يقول لها : ادهني بها حرك إلى أن انصرف فأ . . . وهارون يضحك وهو يسمع ألفاظ الفحش ، ولم يكتف بذلك وإنّما وهب لابن أبي مريم مائة ألف درهم[29].

ولما وصل الأمين إلى منصبه في رئاسة الحكومة طلب الخصيان وابتاعهم وغالى فيهم ، فصيّرهم لخلوته ليله ونهاره . . . وفرض لهم فرضا ، ثم وجّه إلى جميع البلدان في طلب الملهّين ، وضمّهم البه ، وأجرى عليهم الأرزاق ، واحتجب عن أخويه وأهل بيته ، واستخف بهم وبقوّاده ، وقسم ما في بيوت الأموال وما بحضرته من الجواهر في خصيانه ، وجلسائه ، ومحدثيه ، وأمر ببناء مجالس لمتنزهاته ، ومواضع خلواته ولهوه ولعبه ، وعمل خمس حرّاقات في دجلة على صورة الأسد والفيل والعقاب والحية والفرس ، وأنفق في عملها مالا عظيما[30].

وأمر ان يفرش له على دكان في ساحة مفتوحة ، ففرش عليها أفخر الفراش ، وهيّئ من آنية الذهب والفضة والجواهر أمر عظيم ، وأمر قيّمة جواريه أن تهيّئ له مائة جارية صانعة فتصعد اليه عشرا عشرا بأيديهن العيدان ، يغنّين بصوت واحد . . .[31].

وذكر الأمين عند الفضل بن سهل بخراسان فقال : كيف لا يستحل قتل محمد وشاعره يقول في مجلسه :

الا فاسقني خمرا * وقل لي هي الخمر

ولا تسقني سرّا * إذا أمكن الجهر[32]

وقال ابن الأثير واصفا له : ولم نجد في سيرته ما يستحسن ذكره من حلم ، أو معدلة ، أو تجربة ، حتى نذكرها[33].

وتابع المأمون أباه وأخاه في اللهو واللعب وحب الغناء والطرب ، قال إسحاق بن إبراهيم بن ميمون : وكان المأمون من أشغف خلق اللّه بالنساء ، وأشدّهم ميلا اليهنّ واستهتارا بهنّ[34].

وكان يشرب الشراب مع ندمائه فيأخذ الشراب منهم مأخذا[35].

وأخرج من طرق عدة أن المأمون كان يشرب النبيذ[36].

وكان يسهر الليالي مع الجواري والمغنيين في شراب وغناء حتى الصباح ، ففي ليلة من الليالي كان محمد بن حامد واقفا على رأس المأمون وهو يشرب ، فاندفعت عريب فغنّت . . . فأنكر المأمون أن لا تكون ابتدأت بشيء . . . فقال محمد بن حامد : أنا يا سيدي أو مأت إليها بقبلة . . . فقال المأمون : . . .

لقد زوجت محمد بن حامد عريب مولاتي ، ومهرتها عنه أربعمائة درهم . . . فلم تزل تغنّيه إلى السحر وابن حامد على الباب[37].

ومن مصاديق الانحراف الأخلاقي ان أحد قضاة الأمين ثم المأمون كان يمارس اللواط حتى اشتهر به ، فاشتكى المسلمون إلى المأمون منه فأجابهم :

لو طعنوا عليه في أحكامه قبل ذلك منهم ، وبعد ازدياد الشكاوي عليه عزله ، ثم أصبح فيما بعد من ندمائه ورخّص له في أمور كثيرة[38].

وكان الانحراف واضحا لدى المقربين من الحكام ، ففي بداية عهد المأمون كان بعض الجنود والشرطة في بغداد والكرخ يجهرون بالفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق . . . وكانوا يجتمعون فيأتون القرى . . . ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغير ذلك ، لا سلطان يمنعهم ، ولا يقدر على ذلك منهم ، لان السلطان كان يعتزّ بهم ، وكانوا بطانته[39].

الانحراف السياسي

1 - الأوضاع السياسية في عهد هارون

عاصر الإمام الرضا ( عليه السّلام ) في مرحلة إمامته حكومة هارون عشر سنين من سنة ( 183 ه ) إلى سنة ( 193 ه ) ، ولم تختلف سياسة هارون عن سياسة من سبقه من الحكّام ، ولا عن سياسته السابقة في مرحلة الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) إلّا انه لم يتعرض تعرضا مباشرا للإمام الرضا ( عليه السّلام ) ؛ لأن الظروف والأوضاع السياسية لم تساعده على ذلك ، فاغتيال الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) مسموما لا زال يثير هواجسه خوفا من ردود فعل الحركات المسلّحة المرتبطة بأهل البيت ( عليهم السّلام ) ، ولذا نجده في بداية استشهاد الإمام ( عليه السّلام ) أحضر القوّاد والكتّاب والهاشميين والقضاة ، ثم كشف عن وجهه ، وقال : أترون به اثرا أو ما يدل على اغتيال ؟[40].

ولهذا لم يقدم على اتخاذ نفس الأسلوب مع الإمام الرضا ( عليه السّلام ) ورفض الاستجابة لمن حرّضه على قتله - كما تقدّم - وإضافة إلى ذلك فإن الإمام الرضا ( عليه السّلام ) اتخذ أسلوبا واعيا في التحرك السياسي ، ولم يعط لهارون أيّ مبرّر للتخوف من تحركه ، على أنّ أغلب الرسائل التي رفعت إليه لم تتطرق إلى نشاط سياسي ملحوظ للإمام الرضا ( عليه السّلام ) .

إذن كان حكم هارون أكثر هدوء وسلاما مع الإمام الرضا ( عليه السّلام ) ، وإن كان قد اتّسم بالمظاهر التالية :

أولا : الارهاب

إن وصول هارون للحكم كغيره من بني أمية وبني العبّاس لم يكن بنص من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ولا باختيار من المسلمين ، ولم يختاره أهل الحل والعقد طبقا للنظريات السائدة آنذاك . وإنّما وصل عن طريق العهد والاستخلاف من قبل من سبقه ، وهذا الشعور دفعه للتشبث بالحكم بأيّ أسلوب أمكن ، ولهذا استخدم الارهاب إلى جانب الاغراء في تثبيت حكمه ، فلم يسمح لأي معارضة وان كانت سلمية كما لم يسمح لأيّ نصح أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، ففي أحد خطبه قام اليه رجل فقال : كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ[41] ، فأمر بضربه مائة سوط[42].

وفي سنة ( 188 ه ) أخذ هارون أحد المقرّبين إلى أحمد بن عيسى العلوي ، وضربه حتى مات - على الرغم من تجاوزه التسعين من عمره - لأنه لم يعلمه بمكان العلوي[43].

وطارد هارون يحيى بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ، ثم آمنه ، وحينما حمل اليه ، سجنه وبقي في السجن إلى أن مات فيه ، وقيل إن الموكل به منعه من الطعام أياما فمات جوعا[44].

وفي عهده قتل حميد بن قحطبة الطائي ستين علويا ورماهم في البئر بأمر من هارون حينما كان بطوس[45].

وعلى الرغم من ممارساته للارهاب وقتله للعلويين إلّا انه لم يقدم على قتل الإمام ( عليه السّلام ) ، وإنّما كان يكتفي بالتهديد أو التخطيط لقتله دون تنفيذ ، ففي أحد المواقف قال : لاخرجنّ العام إلى مكة ولآخذنّ علي ابن موسى ولأوردنّه حياض أبيه ، وحينما وصل الخبر إلى الإمام ( عليه السّلام ) قال :

« ليس عليّ منه بأس »[46].

وحينما طلبه هارون للمثول أمامه قال ( عليه السّلام ) لمن معه : « انه لا يدعوني في هذا الوقت إلّا لداهية ، فو اللّه لا يمكنه أن يعمل بي شيئا أكرهه » ولما دخل على هارون أكرمه وطلب منه ان يكتب حوائج أهله ، وحينما خرج ( عليه السّلام ) قال هارون :

أردت وأراد اللّه وما أراد اللّه خير[47].

وبقي الإمام ( عليه السّلام ) تحت رقابة شديدة من قبل عيون وجواسيس هارون ، وكانوا ينقلون له كل ما يقوله ، وكل ما يفعله ، ويحصون عليه لقاءاته وزياراته ، إلّا انه كان شديد الحذر من أجل ان يأمن هارون جانبه .

ثانيا : الاستبداد

لقد استبد هارون بالحكم وجعله موروثا لأولاده الثلاث من بعده ، واختار ابنه محمدا بن زبيدة ارضاء لها على الرغم من اعترافه بعدم أهلية محمد للخلافة ، حيث اعترف بذلك قائلا : وقد قدمت محمدا . . . واني لأعلم انّه منقاد إلى هواه مبذر لما حوته يداه ، يشارك في رأيه الإماء والنساء ، ولولا امّ جعفر - يعني زبيدة - وميل بني هاشم اليه لقدمت عبد اللّه عليه[48].

فاختار ابن زبيدة لهواها فيه ، ولم يكترث ممّا سيحل بالمسلمين من كوارث جراء التنافس بين ولديه الذي ذهب ضحيته آلاف المسلمين في قتال دموي وإنفاق لأموال المسلمين في ذلك القتال .

ومن مظاهر الاستبداد هو اسناد المناصب الحكومية والعسكرية إلى أقربائه وخواصّه والمتملّقين اليه دون النظر إلى مؤهلاتهم الدينية والخلقية والإدارية .

ثالثا : الأخطار الخارجية

كانت الدولة والحكومة محاطة بمخاطر خارجية ففي بداية عهد الإمام الرضا ( عليه السّلام ) أوقع الخزر بالمسلمين وقعة شديدة الوطأة ، قتل فيها الآلاف وأسر فيها من النساء والرجال أكثر من مائة ألف ، وكما يقول المؤرخون :

جرى على الإسلام أمر عظيم لم يسمع قبله بمثله أبدا[49] .

وكان الروم يتحيّنون الفرص للوثوب على المسلمين ، وكانوا ينقضون الصلح بين فترة وأخرى ، ولا يرجعون إليه إلّا بمعارك طاحنة ، وكان الغزو غير قائم على أسس نشر الإسلام وتوسيع رقعة الدولة الاسلامية ، وإنّما الدافع إليه هوى الحاكم ورغبته في السيطرة على أكبر مساحة وأكثر عدد من الناس ، وإضافة إلى اشغال المسلمين وابعادهم عن السياسة والمعارضة وسلوك هارون خير شاهد على هذه الحقيقة ، فالحريص على الإسلام والمسلمين لا ينشغل بالجواري والأمسيات الفكاهية ، ولا ينشغل بالترف والملذات .

رابعا : اختلال الجبهة الداخلية

بسبب السياسات الخاطئة التي مارسها هارون في مرحلة حكمه ، ظهر الخلل والاضطراب في الجبهة الداخلية ، ففي سنة ( 184 ه ) خرج أبو عمرو حمزة الشاري ، واستمر في خروجه إلى سنة ( 185 ه ) ، وقمع هارون حركته بعد مقتل عشرة آلاف من أنصاره والخارجين معه .

وفي نفس السنة قتل أهل طبرستان والي هارون .

وفي السنة نفسها خرج أبو الخصيب للمرّة الثانية وسيطر على نسا وأبيورد وطوس ونيسابور وزحف إلى مرو وسرخس وقوي أمره ، ولم تنته حركته إلّا بمقتل الآلاف من الطرفين سنة ( 186 ه )[50].

وتوسع الخلل في الجبهة الداخلية سنة ( 187 ه ) حينما قام هارون بقتل البرامكة وهم أركان الحكم والمشيدون له[51]  ، وقد كان لهم دور كبير في القضاء على خصوم العباسيين ومخالفيهم .

وفي السنة نفسها سجن هارون بن عبد الملك بن صالح بن علي العباسي ، لسعي ابنه به وادعائه بأنه يطلب الخلافة[52] .

وقتل إبراهيم بن عثمان بن نهيك لطلبه بثأر البرامكة[53].

وفي سنة ( 189 ه ) توجه هارون إلى الري بعد ما وصلته الاخبار بأنّ علي بن عيسى بن ماهان - والي خراسان - قد أجمع على خلافه ، إضافة إلى القطيعة بينه وبين أهل خراسان ، وعاد بعد أربعة اشهر إلى بغداد دون أن يعزله[54].

وكان هارون كثير العزل والاقصاء لقادة الأجهزة الحسّاسة في الحكومة ، فمنصب قائد الشرطة قد تناوب عليه ثمانية اشخاص يعزل أحدهم ويستبد له بثان وهكذا[55].

والسياسة الخاطئة أدّت إلى ضعف العلاقة بين هارون والأمة ، والتي وصلت إلى حد الكراهية والبغضاء ، فعند مرور هارون على فضيل بن عياض بمكة قال فضيل : الناس يكرهون هذا[56].

وخلاصة القول انّ الأوضاع السياسية التي كان يمرّ بها حكم هارون جعلته يستثني من قتل الإمام الرضا ( عليه السّلام ) لقرب العهد بمقتل والده مسجونا ، إضافة إلى انّ عهد الإمام كان خاليا من الثورات العلوية التي قد تنسب مسؤوليتها إلى الإمام ( عليه السّلام ) لو كانت قائمة .

وكان دور الإمام ( عليه السّلام ) في هذه المرحلة هو الاصلاح الهادئ لجميع الأوضاع ، ومن اعماله القيام بتوضيح المفاهيم السياسية السليمة دون اعلان المعارضة الصريحة .

2 - الأوضاع السياسية في عهد محمد ( الأمين )

عاصر الإمام ( عليه السّلام ) حكومة محمد بن هارون خمس سنين ، من سنة ( 193 ه ) إلى سنة ( 198 ه ) ، وفي هذه المرحلة لم تظهر من محمد بن هارون أي مبادرة إرهابية باتجاه الإمام ( عليه السّلام ) وباتجاه أهل البيت عموما ، فلم يهدّد بقتله وقتل بقية العلويين ، ولم يذكر لنا التأريخ تصريحا منه بالتفكير في ذلك ، ولعلّ الظروف والأوضاع التي أحاطت به لم تساعده على ذلك ، ففي بداية حكومته بدأ الخلاف بينه وبين أخيه عبد اللّه المأمون ، وانقسمت الدولة الاسلامية في الحكم إلى قسمين ، فلكل منهما أنصار وأتباع ومصادر قوة من أموال وسلاح .

وفي سنة ( 194 ه ) تمرّد أهل حمص على الحكومة العباسية فقام قائد جيش محمد الأمين بقتل وجوه أهالي حمص وسجن أهاليها والقاء النار في نواحيها ، ولم ينته التمرّد الّا بعد مزيد من القتلى والخراب الاقتصادي .

وفي السنة نفسها أمر الأمين بالدعاء على المنابر لابنه موسى بولاية العهد من بعده ، ثم أمر أخاه المأمون أن يقدم ابنه موسى عليه فرفض .

وفي سنة ( 195 ه ) أرسل جيشا إلى خراسان لقتال أخيه المأمون ولكن مني جيشه بالهزيمة ، واستمر بارسال الجيوش تباعا إلى سنة ( 197 ه ) ولم تفلح جيوشه بالسيطرة على خراسان بل عادت متقهقرة ، ولاحقتها جيوش المأمون إلى أن حاصرت بغداد حصارا شديدا دام سنة كاملة .

وفي سنة ( 198 ه ) سيطرت جيوش المأمون على بغداد بعد قتال دام ذهب ضحيته عشرات الآلاف من الطرفين ، وقتل الأمين ومن بقي معه من أصحابه ، وأصبح المأمون هو الحاكم الوحيد الذي لا ينازعه منازع بعد مقتل أخيه[57].

وهذه الظروف أدّت إلى عدم توفر فرصة لملاحقة الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وغيره من العلويين . وبطبيعة الحال ، كان الإمام ( عليه السّلام ) يستثمر هذه الظروف لاصلاح ما أمكن إصلاحه مما فسد في المجتمع الاسلامي والقيام بتوسيع القاعدة الشعبية الشيعية ، ونشر المفاهيم والافكار السليمة . وكان العلويون يقومون بإعادة بناء تنظيماتهم العسكرية ، والإعداد لمرحلة مقبلة تبعا للظروف التي تمر بها الحكومة والأمة الإسلامية معا .

 

[1] البداية والنهاية : 10 / 215 .

[2] تاريخ الخميس : 2 / 334 .

[3] تاريخ بغداد : 14 / 8 .

[4] تاريخ بغداد : 14 / 8 .

[5] مروج الذهب : 3 / 365 .

[6] تاريخ الخلفاء : 233 .

[7] تاريخ الخلفاء : 233 .

[8] مآثر الإنافة في معالم الخلافة : 1 / 209 .

[9] تاريخ الخلفاء : 233 .

[10] تاريخ الخلفاء : 233 .

[11] الأغاني : 4 / 67 .

[12] الأغاني : 10 / 99

[13] الأغاني : 16 / 342 - 343 .

[14] الأغاني : 16 / 261 .

[15] تاريخ الطبري : 8 / 324 .

[16] تاريخ الخلفاء : 237 .

[17] مروج الذهب : 3 / 392 .

[18] مروج الذهب : 3 / 394 .

[19] الكامل في التاريخ : 6 / 294 .

[20] مروج الذهب : 3 / 443 .

[21] تاريخ الطبري : 8 / 551 .

[22] تاريخ الخلفاء : 237 .

[23] الأغاني : 4 / 43 .

[24] تاريخ الخلفاء : 237 .

[25] الأغاني : 16 / 345 ، فوات الوفيات : 4 / 226

[26] فوات الوفيات : 4 / 226 .

[27] حياة الإمام علي بن موسى الرضا : 2 / 224 .

[28] تاريخ الطبري : 8 / 349 .

[29] تاريخ الطبري 8 / 349 - 350 .

[30] الكامل في التاريخ : 6 / 293 - 294 .

[31] الكامل في التاريخ : 6 / 295 .

[32] الكامل في التاريخ : 6 / 295 .

[33] الكامل في التاريخ : 6 / 295 .

[34] العقد الفريد : 8 / 156 .

[35] الكامل في التاريخ : 6 / 437 .

[36] تاريخ الخلفاء : 260 .

[37] تاريخ الخلفاء : 260 .

[38] مروج الذهب : 3 / 435 .

[39] تاريخ الطبري : 8 / 551 .

[40] تاريخ اليعقوبي : 2 / 414 .

[41] سورة الصف ( 61 ) : 3 .

[42] العقد الفريد : 1 / 51 .

[43] تاريخ اليعقوبي : 2 / 423 .

[44] تاريخ اليعقوبي : 2 / 408 .

[45] عيون أخبار الرضا : 1 / 109 .

[46] اثبات الوصية : 174 .

[47] بحار الأنوار : 49 / 116 ، عن مهج الدعوات .

[48] تاريخ الخميس 26 / 334 .

[49] تاريخ الاسلام للذهبي حوادث سنة ( 181 ، 191 ) : 12 .

[50] تاريخ الطبري : 8 / 272 - 273 .

[51] تاريخ الطبري : 8 / 287 .

[52] الكامل في التاريخ : 6 / 180 .

[53] الكامل في التاريخ : 6 / 186 .

[54] الكامل في التاريخ : 6 / 191 ، 192 .

[55] تاريخ اليعقوبي : 2 / 429

[56] تاريخ بغداد : 14 / 12 .

[57] الكامل في التاريخ : 6 / 222 - 282 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.