المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



حاجة الطفل الى الدفاع  
  
1335   08:08 صباحاً   التاريخ: 11-1-2023
المؤلف : د. علي القائمي
الكتاب أو المصدر : الأسرة ومتطلبات الطفل
الجزء والصفحة : ص555 ــ 566
القسم : الاسرة و المجتمع / الطفولة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-6-2017 2635
التاريخ: 18-7-2017 1944
التاريخ: 13-8-2022 1290
التاريخ: 5-6-2017 2950

لو كان المجتمع الانساني أو الحيواني مجتمعاً لا أبالياً والموجودات فيه غير مكترثة ببعضها البعض وغير متربصة لم تكن هناك أي حاجة للحرب والنزاع والدفاع عن النفس، وان لم يتخذ العناد واللجاجة في الانسان طابعاً غريزياً لم تكن هناك حاجة لتعليم الانسان على الدفاع عن نفسه أيضاً. ولكن مما يؤسف له ان القضية تكمن في ان المجتمع الانساني يعيش دائماً حالة الحرب والنزاع، وتروج فيه مسألة الغالب والمغلوب والافراد الاقوى في صدد الثورة والهجوم على بعضهم البعض والفرد الذي يملك قوة اكبر يتغلب على الاضعف ويخضعه لسلطته ونفوذه واستخدامه.

ولا يتمكن الانسان في هذا العالم الشرور والمليء بالمخاطر حسب رأي بعض الفلاسفة ان يكون غير آبهاً تجاه ما يجري ويدور حوله ولا يعير أهمية لمصيره. ويجب عليه ان يخير فنون الدفاع لا محالة لكي يصبح بوسعه ان يتخذ موقفاً صارماً وثابتاً في حالة بروز كارثة معينة نس أمامه.

حاجة الطفل الى الدفاع:

الحاجة الى الدفاع موجودة لدى جميع افراد البشر إلا انها اكثر وضوحاً لدى الاطفال. فالطفل بحاجة الى ان يخرج نفسه من الحالة الانفعالية ويصل الى مرحلة الموقف واتخاذ القرار. ويستعين بعقله ويتخذ موقفاً ضد الاشخاص، والاشياء، والحوادث التي يشكل وجودها خطراً عليه؛ إذ يجب ان يكون قادراً على المضي في طريقه دون ان يظهر أمامه مانع يحول دون ذلك. وما أكثر الاخطار والموانع الانسانية وغير الانسانية التي تنتصب في طريقه وتهدد كيانه وفكره وشرفه وما أكثر المشاكل والمعضلات التي يواجهها الانسان بنحو أو آخر.

وفي هذه الحالات فان الازمات النفسية تواجه الذين لم يتمرنوا على عملية الدفاع ولا يخبرون اسلوب المواجهة، ولا يتملكون الاستعداد اللازم وعاجزون عن الدفاع عن أنفسهم وعندها يقع الانسان أسير ضعفه وعجزه وسيفقد القدرة على مواصلة الحياة. ولكي لا يتعرض طفلنا الحالي في الغد لهذه الحالة وكذلك بسبب ابعاده وجوانبه الفطرية فانه بحاجة الى الدفاع.

جذوره ومنشأه :

هناك وجهات نظر مختلفة بشأن منشأ هذه الحاجة؛ إذ ان اكثرية علماء النفس يقولون ان وجوده في الانسان يعد امراً طبيعياً ويمتلك جذوراً واسساً فطرية لديه. وتوجد في فطرتنا الرغبة في الخلود والبقاء، والرغبة بصيانة النفس، وحب الذات ومشاعر الاحترام، وعزة النفس و... وهذه الموارد هي التي تدفعنا الى الدفاع عن انفسنا لكي نصون كياننا من الاخطار المتعددة.

أو ان الرغبة بالخلود تصبح السبب في أن لا يرغب الانسان بالموت المبكر. وهناك الكثير من الاخطار التي تشكل له عوامل الموت والفناء فتراه يقف بوجهها ويدافع عن نفسه لكي يحذر خلوده ويدحر عوامل الموت. ونماذج هذه التبريرات الدفاعية كثيرة لدى الافراد.

ومن جهة اخرى يمكن اعتبار الدافع الدفاعي دافعاً اكتسابياً ايضاً وذلك لأن الطفل سيدرك طوال مدة حياته مع أبويه والآخرين وخلال معاشراته وتقلباته انه لا يمكن ان يقف على قدميه ويحافظ على منافعه ومصالحه بدون مسألة الدفاع. وهذا الامر بحد ذاته يعد سبباً للدفاع عن النفس.

الآليات الدفاعية:

عادة ما يقوم الافراد ومنذ مرحلة الطفولة بإبراز اساليب ومواقف معينة عندما يواجهون الحوادث والموانع والتي يمكن ان نجمعها بمجملها تحت عنوان آلية الدفاع؛ إذ اننا نلاحظ ذلك لدى الاطفال والكبار بصورة متعددة ومجموع تلك الاعمال يمكن ان تمثل في الواقع نظاماً دفاعياً للإنسان وعلى سبيل المثال فانه ازاء امرٍ سلبي يقوم:

ـ احياناً باختيار اسلوب المواجهة والثبات، خاصة وانه يهجم فيما لو رأى ان لديه القوة والقدرة على ذل الطرف الآخر.

ـ واحياناً ينكر الوقائع والحقائق لدرجةٍ يبدو معها وكأنه لم يقع ذلك الامر اطلاقاً.

ـ في بعض الاوقات يختار اسلوب الفرار والهروب وينأى بنفسه عن كل ما هو مضرٌ له.

ـ وفي بعض الأوقات يلجأ الى اسلوب الاستتار والاختفاء خلف مانعٍ معين وبهذا الاسلوب يحافظ على نفسه.

ـ وفي بعض الموارد يتمارض لكي يفلح في كسب انظار الآخرين ورعايتهم له، وهكذا فانه يلجأ الى استخدام اساليب أخرى مثل تغيير الآمال والطموحات، ونسيانها، تغيير مواقفه، والاستسلام، التعلل، و.. لكي يتمكن في ظل هذه الاساليب المحافظة على كيانه من الاخطار والحوادث ويصون نفسه تجاهها وهي بمجموعها تمثل اساليب مختلفة للدفاع عن النفس.

فوائد ذلك واهميته للطفل :

ان امتلاك القدرة الدفاعية والاطلاع على الاصول المتعلقة بالحفاظ والدفاع عن النفس يعد امراً ضرورياً ولازماً لغرض الحفاظ على كيان الانسان وبقاء النوع؛ إذ ان الانسان ليس بوسعه ان يبقى سالماً حتى ولو ليوم واحد في خضم الحياة الفردية والاجتماعية بدون أمر الدفاع لان الاخطار تحيط به من كل حدب وصوب وهي في صدد الايقاع به وتركيعه.

وعلى الطفل أن يكون قادراً على ان يدافع عن نفسه ويحافظ على كيانه ويبعد نفسه عن الاخطار المختلفة المحدقة به. ويكون قادراً على الاعتماد على نفسه وسط الاشياء، والحوادث والاشخاص ويمضي بكل ثقة واطمئنان نحو هدفه ومقصده المعين.

كما ان الطفل مضطر الى ان يخبر اساليب الدفاع وفنونه فيتعلم منها ما هو ضروري لسد حاجته. حتى انه من الضروري ان يقوم الآباء بتعليم الطفل اصول الدفاع واساليبه بل ويطالبون منه احياناً ان يتمرن على ذلك لكي تختمر قابليته ضمن هذا التمرين ويمضي في حياته بوعي متضح ونظرة سيمة.

اضرار عدم القدرة على الدفاع :

يمكننا الوقوف على قيمة وأهمية القدرة الدفاعية عندما نضع نصب أعيننا فرداً مجسماً عارياً عن القدرة الدفاعية؛ إذ ان الانسان عندما يفتقد القدرة على الدفاع :

ـ تتغلب عليه المشاكل والمعضلات. وتسلبه القدرة على المضي والحركة، وتجعله فرداً منزوياً وتسلبه امكانية مواصلته الحياة الاجتماعية.

ـ لا يملك الاستعداد اللازم امام المشاكل والمعضلات التي تلوح أمامه ويكون عاجزاً على العزم والاقدام بجرأة.

ـ واحياناً تتعرض حياتهم وسلامتهم للخطر وينظرون الى المسائل بخوف واضطراب وتظهر عليهم روحية التملق عند اقامة العلاقات.

ـ ويصبحون افراداً يتسمون بالخجل، ويبتلون بالحياء المفرط، والرياء، والترديد، وفي صدد العثور على منفذ للهروب وهي بمجموعها تمثل موانعاً في طريق الرشد الطبيعي والاجتماعي للأفراد.

ـ ان حالات التمارض، والصراخ، ودموع الاطفال واختلالاتهم النفسية وتقلبات سلوكياتهم يمكن تبرير اغلبها في هذا المجال ولن تتوفر لهم امكانية ممارسة الحياة الطبيعية والاعتيادية.

ـ واخيراً فان الذين لا يملكون القدرة على الدفاع أو حتى الذين لديهم قدرة دفاعية ضعيفة يلجأون الى اخفاء أنفسهم عندما يواجهون المشاكل خوفاً منها أو يعمدون الى اسلوب التظاهر بالبكاء.

ضرورة التعليم الدفاعي :

من اجل تأمين حاجة الطفل الى الدفاع من الضروري تعليمه طرق واساليب الدفاع، لغرض تأمين المصالح التي فيما بعد في حياة الطفل. ونسعى في هذا التعليم الذي يتم عادة عن طريق ملاعبة الطفل، والالقاء والتلقين، وذكر القصص والاساطير، وتمكين الطفل من مشاهدة الافلام المتعلقة بهذا الشأن. وزجه في مواجهة المسائل المتعلقة بعمليات الدفاع العملية في ميدان الحياة الاجتماعية، وحتى عن طريق التعليم الرسمي نسعى الى تعليمه الاسرار والفنون الازمة وننقل له التجارب الجديدة في هذا المجال. لكي نمتلك الاستعداد اللازم في ميدان الحياة الحاضرة والمستقبلية.

والمعلوم لدينا ان الطفل قابل للتلقين ويمتلك الرغبة في التقليد ومشابهة الآخرين ومن الممكن ايجاد قوة الدفاع لديه من خلال الاستفادة من هذه المؤهلات لكي لا يستسلم امام اي فكر أو وجهة نظر أو أي أمر يصوره له الآخرين. وعلى أي حال لو أردنا ان نجعل من الطفل فرداً حياً ذو شخصية واعتبار يجب علينا أن نهيئ له مقدمات ذلك وموجباته منذ هذه اللحظة. وفيما يتعلق بزمن الشروع بهذا التعليم لا بد من القول انه يجب الشروع بذلك منذ ان يقوم الطفل بالإصرار امام والده ووالدته ويبدأ بالعناد واللجاجة من أجل ان ينفذ ما يريده.

ومنذ أن يكتشف الطفل شخصيته يجب ان تحقق له القدرة على المواجهة لكي يصبح بوسعه حل المسائل والمشكلات التي تواجهه في حياته ويكافح الاخطار والمعضلات. وبداية ذلك يكون في الاربعة اشهر الأولى، إذ يبدأ الطفل بمحاولة معرفة بعض الاشياء تدريجياً ويطلع على نمط واسلوب الحياة. ولو بكى الطفل احياناً أو لج في أمر ما يجب ان نقبل ذلك منه لكي يتأكد من ان هذا الاسلوب يمثل احدى طرق الدفاع عن النفس والبقاء على قيد الحياة.

ابعاد القدرة على الدفاع:

المراد بهذا الحديث ما هو المقدار الذي يحتاجه الطفل من القدرة الدفاعية والى اي مدى هو بحاجة الى ذلك. والجواب هو انه بحاجة الى الدفاع عن البدن، والدفاع عن الفكر والعقيدة، والدفاع عن الشرف والشخصية والاصالة، وبشكل عام الدفاع عن كل ما هو عائد اليه وله ضرورة لحياته.

احياناً يتمثل الامر بالدفاع عن البدن اذ يقوم فيه بمصارعة غريمه، واحياناً يكون الدفاع عن الفكر والعقيدة اذ يقوم فيه بالدفاع عن كل ما يعتقد به واحياناً يطالبونه بأمور لا تنسجم مع شرفه وأصالته وعليه ان يكون قادراً في تلك الحالة أيضاً ان يدافع عن نفسه.

كما ينبغي للطفل الصغير ان يعلم بأن احداً لا يملك الحق في ان يجعله مرتعاً للاستغلال. والطفل الذي يبلغ الخامسة من عمره يجب ان يعلم بأن احداً لا يملك الحق في ان يلمس بدنه، أو ان يتطاول ويمد يده الى سرواله، والطفل الذي يبلغ السادسة أو السابعة من العمر يجب ان يكون قادراً في الدفاع عن نفسه وان لا تقبله المرأة الاجنبية. والبنت كذلك في هذه السن يجب ان تعلم بان الرجل الاجنبي لا يملك الحق في ان يقتلها، وعليها في هذه الحالة ان تدافع عن نفسها. وفيما يتعلق بحدود هذه القدرة الدفاعية لا بد من القول بانها يجب ان تكون بالمقدار الكافي لإبراز وجوده في ميدان الحياة وعلاقاته في المجتمع وبأنه يواجه المجتمع والمشاكل والمعضلات.

ابعاد الدفاع:

لكي يكون الطفل قادراً على الدفاع عن نفسه يجب ان يمتلك بعض الخصائص في جوانب حياته الفردية ويدافع عن نفسه في الابعاد المختلفة التي سنشير لها فيما يلي :

١- الدفاع عن البدن:

إذ يجب ان يمنح بقدرة بدنيه كافية لكي يتمكن الدفاع عن جسمه ونفسه. وبناءً على هذا الاساس من الضروري الاهتمام بتقوية بدن الطفل ونجعله فرداً قوياً من الناحية البدنية. ونقوم بتقوية اعضائه ونضاعف من قدرته على المقاومة. ونحافظ عليه من الاصابة بالأمراض ونبعده عن العوامل المضرة والمسببات المرضية. والمعلوم ان الابدان القوية تبعث على أن يمتلك المرء المزيد من الجرأة والقلب الجلد ويشعر بالقوة والمقدرة وفي هذه الحالة لن يستسلم للرذائل والدناءة.

٢- الدفاع النفسي:

ليس المراد بالدفاع النفسي في كل الاوقات الدفاع عن البعد النفسي، بل المراد بذلك أن يكون على درجة عالية من القوة والاستقامة الروحية بحيث لا يكون طعمة للتملق والرياء، وان لا يخسر نفسه امام مظاهر التملق ولا يخدع نفسه. أو ان لا يكون في البعد العاطفي أسير القهر والغضب بل يفرض سيطرته على هذه الانفعالات ويكون مديراً لذاته وشؤونه.

اننا لا نرمي الى القضاء على قوة الغضب لدى الطفل، بل نريد أن نرشد ذلك في الطفل ونوجهها لكي يكون موفقاً أكثر في البعد الدفاعي. والمراد بكلامنا هذا ان قدرة الدفاع النفسية ضرورية للحفاظ على شخصية وكيان الطفل وانسجامه الفكري مع المجتمع.

3- الدفاع اللفظي:

لا بد من تقوية قدرة البيان لدى الطفل وتنميتها اكثر فأكثر وتعريفه بالمنطق والاسلوب المنطقي ليكون قادرا للدفاع عن حقوقه في المحاكم وبين الناس. حتى انه من الضروري ان يكون الطفل في بعض الموارد قادراً على اثبات أحقيته في البيت بدلاً من اظهار الندم على عمله الناجم عن عدم قدرته على الدفاع. وعلى هذا الاساس من الضروري ان نمرّنه ونعلمه على الكلام لكي يكون قادراً على انقاذ نفسه من الخطر. ولا يختلف اثنان في ان الفرد الاوفر حظاً في قاعة المحكمة هو الذي يكون قادراً على الدفاع عن نفسه بشكل أفضل وبيان أقوى وأبلغ. كما أن الاكثر توفيقاً ونجاحاً هو الاقدر على الدفاع عن نفسه بأسلوب منطقي أغنى من غيره.

الضروريات في هذا السبيل :

في سبيل القيام بالتعليم الدفاعي وتمكين الفرد من الدفاع عن نفسه من الضروري ان يمتلك الفرد منا تصوراً صحيحاً عن نفسه وشخصيته ويعلم لأي مدى يمكنه العمل والمضي قدماً في مسيرته.

كما انه من الضروري له أن يمتلك اطلاعاً كافياً عن الاساليب الجديدة اللازمة لمسألة الدفاع. وان يختبر استعداده وقدرته الروحية في الدفاع. ويمتلك الجرأة والشجاعة وحتى يجب ان تبقى قوته الغضبية موجودة وبحدود متزنة. لان الانسان ان لم يغضب لن يكون قادراً في الدفاع عن نفسه.

كما انه من الضروري ان تكون أعصابه سليمة وقوية، ويمتلك المهارة الكافية في المجالات التي يحتاج إليها. وان تكون معلوماته في المجالات المختلفة، وكيفية ايجاد الحلول لها كافية، وان تكون مسألة اختيار الافضل والاحسن نصب عينيه. وان يخبر الفنون اللازمة في الحياة الفردية وسباقاً في حل وازالة المشاكل. ويعرف موقعه ومطلعاً على مكانته في الحياة.

في سياق التعليمات والتدريبات الدفاعية واعداد الطفل للدفاع عن نفسه والقيام بالتمهيدات اللازمة لذلك من الضروري في هذا السياق دفع الطفل في بعض الموارد للقيام بأداء التمرينات الدفاعية. والمطلوب حقاً في هذا السياق ان يستعد الطفل في البيت استعداداً كافياً لدرجة يصبح معها قادراً على الدفاع عن نفسه وشؤونه في المجتمع.

ومن اللازم في هذا السياق ان تقوموا بإجراء الالعاب الدفاعية والاشتباك مع الطفل في البيت ، وان تعطوه الفرصة للدفاع عن نفسه، وتناقشوا معه ونمّوا قدرته البيانية، وجادلوه وانتقدوا نمط تفكيره ليتمكن من الدفاع عن نفسه. حتى انه من الضروري قيامكم بترشيد روح العناد والمواجهة لديه.

هذه التمرينات يجب ان تكون ذات طابع تدريجي ويشرع بها منذ سني العمر الاولى. ويجب ان نعرضه لمواجهة المشاكل والمعضلات شيئاً فشيئاً لكي نهيئ الارضية المناسبة لصياغته وتوجيهه ويجدر بنا طبعاً ان نسعى دائماً الى مراقبة حالاته وسلوكياته وحركاته وسكناته.

الاعداد لامتلاكه القدرة:

من المهم في سياق تأمين المتطلبات الدفاعية للطفل ان نذكر الملاحظة التالية؛ إذ يجب ان نقوي الطفل من حيث قدرته على البيان، وقدرته الروحية، والبدنية ونجعله بدرجة من التجهيز بهذه الامور لدرجة لا يتمكن معها أي فرد ان يخضعه لسلطته أو يعتدي عليه. ويجب ان تكون قدرة الطفل الدفاعية بمقدار لا يجرأ معه أي فرد ان يفرض عليه شروطه بالقوة أو ينوي الاعتداء وهتك حرمته وكرامته.

ويجب ان يكون وضع الطفل من حيث القدرة والجرأة وامتلاك الحماية بشكل لا يدع معم مجالاً امام أي فرد في أن ينمي فكرة التجاوز والاعتداء عليه في رأسه، وان يكون قادراً على الدفاع عن نفسه ولا ينسى دابه ومواجهته للأخطار؛ إذ يجب ان يدافع عن نفسه، ويعتمد على نفسه. وأنه لمن الخطأ ان نجعل الطفل فرداً خجولا لدرجة يكون معها عاجزاً في الدفاع عن نفسه أو يخجل فلا فصح عما يريد.

فيما يتعلق بشأن نزاع الاطفال :

وهذا كلامٌ جدير بالذكر ايضاً، إذ يشتبك الاطفال احياناً في نزاع أو شجار فيما بينهم في البيت أو خارجة أو ما نصطلح عليه بتنعيم قبضاتهم في بعض الاحيان. هذا الامر يصبح السبب في ان يظهر الآباء حساسيه فائقة تجاه هذه الحالة ويحولوا دون وقوع النزاع بينهم. طبعاً هذا الامر جيد ويجب ان يحظى باهتمامنا ورعايتنا ايضاً. خاصة عندما يتضح لنا انه من الممكن ان يتعرض الطفل للخطر والاذى من خلال ذلك، أو قد ينجر الأمر الى جرحه واصابته بالنقص جراء ذلك.

ولكن نريد ان نؤكد هذه الملاحظة وهي ضرورة عدم استحواذ القلق علينا اثناء نزاع الاطفال بالرغم من كل التدابير والرقابة التي نفرضها على هذه الاشتباكات وذلك لأن هذه المسألة تمثل احدى طرق اجراء التمرينات الدفاعية للطفل. ان الاطفال من خلال هذه النزاعات يختبرون انفسهم ويقفون على حقيقة قدرتهم في واقع الامر. ويتعلمون اسلوب وطريقة الدفاع ويحصلون على الاستعداد اللازم في هذا المجال. ومن هذا المنطق راقبوا سلوكهم ولكن لا تكونوا جديين اكثر مما ينبغي.

الاخلاق والدفاع:

يجب ان تسود الاخلاق وتتحكم بجميع السلوكيات وامور الحياة الاخرى، حتى في جهادنا، ودفاعنا وقتالنا؛ إذ ان الاصول الانسانية لا يمكن نسيانها في أي مرحلة من المراحل على الاطلاق، حتى في قتل الخصم واسره، وبإمكانكم مشاهدة اسمى صور التجلي في هذا الأمر في مبارزة الامام علي ين أبي طالب عليه السلام مع عمرو بن عبد ود.

الطفل له الحق في الدفاع عن نفسه ولكن لا يملك الحق في التجني والعدوان لان الله لا يجب المعتدين، اننا ندافع والاساس هو طرد الخصم وليس سحقه وابادته، والامر الثاني يتقرر حسب الضرورة. كما اننا نمضي قدماً في سعيناً طالما هناك مجال لاستخدام المنطق وقدرة البيان والاستدلال ونرى له تأثير بنّاء ومتى ما حصل خلاف ذلك أو يتعذر علينا النجاح عن طريق هذا الاسلوب فان ابواب المبارزة والقتال ستفتح على مصراعيها.

واخيراً فان الخطوط الدفاعية التي أقمناها للطفل انما هي خطوط اسلامية وعلى اساس رؤية ونهج الاسلام ، لذا علينا السعي في ان لا يتخطى الطفل هذه الثوابت.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.