أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-04-2015
3439
التاريخ: 16-10-2015
3640
التاريخ: 17-04-2015
3278
التاريخ: 16/12/2022
1252
|
صعّد المنصور من تضييقه على الإمام الصادق ( عليه السّلام ) ، ومهّد لقتله .
فقد روى الفضل بن الربيع عن أبيه ، فقال : دعاني المنصور ، فقال : إن جعفر بن محمد يلحد في سلطاني ، قتلني اللّه إن لم أقتله . فأتيته ، فقلت :
أجب أمير المؤمنين . فتطهّر ولبس ثيابا جددا .
فأقبلت به ، فاستأذنت له فقال : أدخله ، قتلني اللّه إن لم أقتله .
فلما نظر إليه مقبلا ، قام من مجلسه فتلقّاه وقال : مرحبا بالتقيّ الساحة البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمي .
فأقعده على سريره ، وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال :
سلني حاجتك ، فقال ( عليه السّلام ) : أهل مكّة والمدينة قد تأخّر عطاؤهم ، فتأمر لهم به .
قال : أفعل ، ثم قال : يا جارية ! ائتني بالتحفة فأتته بمدهن زجاج ، فيه غالية ، فغلّفه بيده وانصرف فأتبعته ، فقلت :
يا بن رسول اللّه ! أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك ، فكان منه ما رأيت ، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول ، فما هو ؟
قال : قلت : « اللّهم احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك عليّ ، ولا تهلكني وأنت رجائي . . . »[1].
ولم يكن هذا الاستدعاء للإمام من قبل المنصور هو الاستدعاء الأول من نوعه بل إنّه قد أرسل عليه عدّة مرات وفي كل منها أراد قتله[2].
لقد صور لنا الإمام الصادق ( عليه السّلام ) عمق المأساة التي كان يعانيها في هذا الظرف بالذات والأذى الّذي كان المنصور يصبه عليه ، حتى قال ( عليه السّلام ) - كما ينقله لنا عنبسة - قال : سمعت أبا عبد اللّه ( عليه السّلام ) يقول : « أشكو إلى اللّه وحدتي وتقلقلي من أهل المدينة حتى تقدموا[3] وأراكم أسرّ بكم ، فليت هذا الطاغية أذن لي فاتّخذت قصرا في الطائف فسكنته ، وأسكنتكم معي ، وأضمن له أن لا يجيء من ناحيتنا مكروه أبدا »[4].
الإمام الصادق ( عليه السّلام ) في ذمّة الخلود
وتتابعت المحن على سليل النبوّة وعملاق الفكر الإسلامي - الإمام الصادق ( عليه السّلام ) - في عهد المنصور الدوانيقي - فقد رأى ما قاساه العلويون وشيعتهم من ضروب المحن والبلاء ، وما كابده هو بالذات من صنوف الإرهاق والتنكيل ، فقد كان الطاغية يستدعيه بين فترة وأخرى ، ويقابله بالشتم والتهديد ولم يحترم مركزه العلمي ، وشيخوخته ، وانصرافه عن الدنيا إلى العبادة ، وإشاعة العلم ، ولم يحفل الطاغيه بذلك كلّه ، فقد كان الإمام شبحا مخيفا له . . . ونعرض - بإيجاز - للشؤون الأخيرة من حياة الإمام ووفاته .
وأعلن الإمام الصادق ( عليه السّلام ) للناس بدنوّ الأجل المحتوم منه ، وان لقاءه بربّه لقريب ، وإليك بعض ما أخبر به :
أ - قال شهاب بن عبد ربّه : قال لي أبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) : كيف بك إذا نعاني إليك محمد بن سليمان ؟ قال : فلا واللّه ما عرفت محمد بن سليمان من هو . فكنت يوما بالبصرة عند محمد بن سليمان ، وهو والي البصرة إذ ألقى إليّ كتابا ، وقال لي :
يا شهاب ، عظّم اللّه أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد . قال : فذكرت الكلام فخنقتني العبرة[5].
ب - أخبر الإمام ( عليه السّلام ) المنصور بدنوّ أجله لمّا أراد الطاغية أن يقتله فقد قال له : ارفق فو اللّه لقلّ ما أصحبك . ثم انصرف عنه ، فقال المنصور لعيسى بن علي : قم اسأله ، أبي أم به ؟ - وكان يعني الوفاة - .
فلحقه عيسى ، وأخبره بمقالة المنصور ، فقال ( عليه السّلام ) : لا بل بي[6].
وتحقّق ما تنبّأ به الإمام ( عليه السّلام ) فلم تمض فترة يسيرة من الزمن حتى وافته المنية .
كان الإمام الصادق ( عليه السّلام ) شجي يعترض في حلق الطاغية الدوانيقي ، فقد ضاق ذرعا منه ، وقد حكى ذلك لصديقه وصاحب سرّه محمد بن عبد اللّه الإسكندري .
يقول محمد : دخلت على المنصور فرأيته مغتمّا ، فقلت له : ما هذه الفكرة ؟
فقال : يا محمد لقد هلك من أولاد فاطمة ( عليها السّلام ) مقدار مائة ويزيدون - وهؤلاء كلهم كانوا قد قتلهم المنصور - وبقي سيّدهم وإمامهم .
فقلت : من ذلك ؟
فقال : جعفر بن محمد الصادق .
وحاول محمد أن يصرفه عنه ، فقال له : إنه رجل أنحلته العبادة ، واشتغل باللّه عن طلب الملاك والخلافة .
ولم يرتض المنصور مقالته فردّ عليه : يا محمد قد علمت أنك تقول به ، وبإمامته ولكن الملك عقيم[7].
وأخذ الطاغية يضيّق على الإمام ، وأحاط داره بالعيون وهم يسجّلون كل بادرة تصدر من الإمام ، ويرفعونها له ، وقد حكى الإمام ( عليه السّلام ) ما كان يعانيه من الضيق ، حتى قال : « عزّت السلامة ، حتى لقد خفي مطلبها ، فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون في الخمول ، فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت ، والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها »[8].
لقد صمّم على اغتياله[9] غير حافل بالعار والنار ، فدسّ اليه سمّا فاتكا على يد عامله فسقاه به ، ولمّا تناوله الإمام ( عليه السّلام ) تقطّعت أمعاؤه وأخذ يعاني الآلام القاسية ، وأيقن بأن النهاية الأخيرة من حياته قد دنت منه .
ولمّا شعر الإمام ( عليه السّلام ) بدنوّ الأجل المحتوم منه أوصى بعدّة وصايا كان من بينها ما يلي :
أ - إنه أوصى للحسن بن علي المعروف بالأفطس بسبعين دينارا ، فقال له شخص : أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة ؟ فقال عليه السّلام له : ويحك ما تقرأ القرآن ؟ ! وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ، وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ[10].
لقد أخلص الإمام ( عليه السّلام ) كأعظم ما يكون الإخلاص للدين العظيم ، وآمن بجميع قيمه وأهدافه ، وابتعد عن العواطف والأهواء ، فقد أوصى بالبرّ لهذا الرجل الذي رام قتله لأن في الإحسان اليه صلة للرحم التي أوصى اللّه بها .
ب - إنه أوصى بوصاياه الخاصّة ، وعهد بأمره أمام الناس إلى خمسة أشخاص : وهم المنصور الدوانيقي ، ومحمد بن سليمان ، وعبد اللّه ، وولده الإمام موسى ، وحميدة زوجته .
وإنما أوصى بذلك خوفا على ولده الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) من السلطة الجائرة ، وقد تبيّن ذلك بوضوح بعد وفاته ، فقد كتب المنصور إلى عامله على يثرب ، بقتل وصي الإمام ، فكتب إليه : إنه أوصى إلى خمسة ، وهو أحدهم ، فأجابه المنصور : ليس إلى قتل هؤلاء من سبيل[11].
ج - إنه أوصى بجميع وصاياه إلى ولده الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) وأوصاه بتجهيزه وغسله وتكفينه ، والصلاة عليه ، كما نصبه إماما من بعده ، ووجّه خواصّ شيعته إليه وأمرهم بلزوم طاعته .
د - إنه دعا السيّدة حميدة زوجته ، وأمرها باحضار جماعة من جيرانه ، ومواليه ، فلمّا حضروا عنده قال لهم : « إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة . . . »[12].
وأخذ الموت يدنو سريعا من سليل النبوة ، ورائد النهضة الفكرية في الإسلام ، وفي اللحظات الأخيرة من حياته أخذ يوصي أهل بيته بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، ويحذّرهم من مخالفة أوامر اللّه وأحكامه ، كما أخذ يقرأ سورا وآيات من القرآن الكريم ، ثم ألقى النظرة الأخيرة على ولده الإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) ، وفاضت روحه الزكية إلى بارئها .
لقد كان استشهاد الإمام من الأحداث الخطيرة التي مني بها العالم الاسلامي في ذلك العصر ، فقد اهتزّت لهوله جميع ارجائه ، وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميين وغيرهم وهرعت الناس نحو دار الإمام وهم ما بين واجم ونائح على فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذا ومفزعا لجميع المسلمين .
وقام الإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) ، وهو مكلوم القلب ، فأخذ في تجهيز جثمان أبيه ، فغسل الجسد الطاهر ، وكفّنه بثوبين شطويين[13] كان يحرم فيهما ، وفي قميص وعمامة كانت لجدّه الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) ، ولفّه ببرد اشتراه الإمام موسى ( عليه السّلام ) بأربعين دينارا وبعد الفراغ من تجهيزه صلّى عليه الإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) وقد إأتمّ به مئات المسلمين .
وحمل الجثمان المقدّس على أطراف الأنامل تحت هالة من التكبير ، وقد غرق الناس بالبكاء وهم يذكرون فضل الإمام وعائدته على هذه الأمة بما بثّه من الطاقات العلمية التي شملت جميع أنواع العلم . وجيء بالجثمان العظيم إلى البقيع المقدّس ، فدفن في مقرّه الأخير بجوار جدّه الإمام زين العابدين وأبيه الإمام محمد الباقر ( عليهما السّلام ) وقد واروا معه العلم والحلم ، وكل ما يسمّو به هذا الكائن الحيّ من بني الإنسان[14].
ويناسب أن نختم الكلام عن الإمام الصادق ( عليه السّلام ) برثائه على لسان أحد أصحابه وهو أبي هريرة العجلي بقوله :
أقول وقد راحوا به يحملونه * على كاهل من حامليه وعاتق
أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى * ثبيرا ثوى من رأس علياء شاهق
غداة حثى الحاثون فوق ضريحه * ترابا ، وأول كان فوق المفارق[15]
[1] سير أعلام النبلاء : 6 / 266 ، ملحقات إحقاق الحق : 19 / 513 ، والفرج بعد الشدة : 70 عن التذكرة لابن الجوزي : 308 ، 309 مسندا .
[2] الكافي : 2 / 559 و 6 / 445 وعنه في الخرائج والجرائح : 2 / 195 وتاريخ مدينة دمشق : 19 / 516 .
[3] الموالون لأهل البيت أو خاصة الإمام .
[4] الكافي : 8 / 215 ورجال الكشي : 365 وبحار الأنوار : 47 / 85 .
[5] اختيار معرفة الرجال : 414 ح 781 ودلائل الإمامة : 138 وإعلام الورى : 1 / 522 ، 523 ومناقب آل أبي طالب : 4 / 242 .
[6] مهج الدعوات : 231 .
[7] مهج الدعوات : 247 .
[8] حياة الإمام موسى بن جعفر : 1 / 412 .
[9] نور الأبصار : 133 ، الإتحاف بحب الاشراف : 54 ، سائك الذهب : 72 .
[10] الغيبة للطوسي : 197 ، بحار الأنوار : 47 / 276 .
[11] الكافي : 1 / 310 وانظر مناقب آل أبي طالب : 4 / 345 .
[12] بحار الأنوار : 47 / 2 عن عقاب الأعمال للصدوق : 272 ط طهران - الصدوق .
[13] شطويين : مفرده شطا إحدى قرى مصر .
[14] عصر الإمام الصادق ، باقر شريف القرشي : 167 - 170 .
[15] مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر ، للجوهري : 52 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|