أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-27
1276
التاريخ: 23/11/2022
1357
التاريخ: 5-4-2016
1790
التاريخ: 4-4-2016
5290
|
إن النظام العام هو ما يتعلق بالمثل الأعلى للمجتمع أما الدفع بالنظام العام فهو عبارة عن اعتراض يبديه القاضـي على تطبيق القانون الأجنبي واجب التطبيق بموجب قواعد التنازع الوطنية على العلاقة المشوبة بعنصر أجنبي بسبب مخالفتها للنظام العام في دولة القاضي فهو دفع موضوعي ضد القانون الأجنبي المذكور في حال كونه يخالف النظام العام, ولكي يمكن ابداء هذا الاعتراض أو الاحتجاج بالنظام العام يتوجب توافر ضوابط معينة كما وينبغي عدم توافر موانع تمنع من أعمال الضوابط اللازمة للدفع بالنظام العام وسيتم دراسة ضوابط الدفع بالنظام العام أولاً, ثم القيود الواردة على هذه الضوابط ثانياً.
اولا ضوابط الدفع بالنظام العام// إن الاحتجاج بالنظام العام باعتباره وسيلة دفاع ضـد تطبيق القانون الأجنبي القائم على غياب الأسـاس المشترك بينه وبين قانون القاضي(1) والرغبة في توفير حماية خاصة لأسس نظام دولة القاضي بكل أنواعها يلزم اجتماع عدد من الضوابط لذلك الدفاع وللوصـول للحماية المرجوة عند أعمال القانون واجب التطبيق بموجب قواعد التنازع لدولة القاضـي ومن ثم اكتشاف حالة من التعارض الجوهرية بين القانون المذكور ومبادئ قانون دولة القاضي وهي كالاتي:
1) اعمال القانون الأجنبي بموجب قواعد التنازع الوطنية//
يتبين من هذا الضابط أن تطبيق القانون الأجنبي على العلاقات الدولية الخاصة يلزم ابتداء استشارة قواعد التنازع في قانون القاضـي فهو أمر تتابعي أي أن تطبيق قواعد القانون الأجنبي بشكل عام (قواعد تشـريعة وغير تشريعية)(2) يتوقف على تطبيق قاعدة التنازع الوطنية وهذا يوضـح بطبيعة الحال تسـامح المشـرع الوطني في تطبيق القانون الأجنبي على العلاقة التي يتنازع فيها أكثر من قانون أجنبي باعتباره اكثر القوانين ملائمة في حكم العلاقة. (3) ولكن هذا الإسناد لا يؤخذ به على الاطلاق لحالات منها ما تتعلق بموقف قانون القاضـي نفسـه من بعض المسائل والتي يستأثر بها لنفسه في التطبيق تقديرا منه وبشكل وقائي لرعاية الاسس الجوهرية للنظام لديه كما هو الحال في تطبيق قانون القاضي بشأن التكيف واستقلال حكمه كذلك في مسائل الأحوال الشخصية (4) ويطلق على هذا النظام بالنظام العام التوجيهي أو النظام العام الاسنادي فهو توجيهي لأنه يعمل على توجيه تطبيق قانون القاضي في مسائل يقدر اهميتها على مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وهو اسنادي لأنه يعمل كما تعمل ضوابط الإسناد في قواعد التنازع في تفوق تطبيق قانون على غيره من القوانين المتنازعة ابتداءا (5).
ومنها ما يتعلق بقانون الارادة إذ يسري القانون الذي اختارته ارادة المتعاقدين وقد نص على ذلك القانون المدني العراقي في المادة 25 على ذلك بقولها (يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين اذا اتحدا موطنا فاذا اختلفا يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد هذا مالم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانونا أخر يراد تطبيقه). ويزاد على ذلك المسائل المتعلقة بالقانون واجب التطبيق على المال لأنه يخضع لقانون المشار اليه مسبقا وهو ما نصت عليه المادة (24) من قانوننا المدني بقولها المسائل الخاصة بالملكية والحيازة والحقوق العينية الاخرى , وبنوع خاص طرق انتقال هذه الحقوق بالعقد والميراث والوصية وغيرها , يسري عليها قانون الموقع فيما يختص بالعقار , ويسري بالنسبة للمنقول قانون الدولة التي يوجد فيها هذا المنقول وقت وقوع الأمر الذي ترتب عليه كسب الحق أو فقده) . إلا اذا عينت قاعدة التنازع لدى دولة القاضي قانونه باعتباره واجب التطبيق فلا يمكن تصور وجود الدفع بالنظام العام وتعطيل حكم قاعدة التنازع الوطنية لأن القاضي سيطبق قانونه ، وهذا الاختصاص الحصري القانون القاضي لا يقدح منه الا وجود حالة كون القانون المذكور يسود في نظام الدولة تتعدد فيها الشرائع سواء تعدد اقليمي على مستوى الولايات أو تعدد شخصي والقائم على مسائل الأحوال الشخصية والتي للدين اثر كبير فيها (6).
2) تعارض القانون الأجنبي مع مبادئ النظام العام لدولة القاضي///
إن تقدير وجود هذا التعارض يعود للقاضي نفسه باعتبار فكرة النظام العام فكرة مرنة ومطاطة وتستمد من قانون دولة القاضي نفسه أي هي فكرة وطنية بامتياز وتستمد مضمونها من النظام القانوني الوطني للقاضي. وبالطبع هذا سيلقي على القاضي عبئا في اجراء تحليل لمضمون القانون الأجنبي ولا يكتفي بكونه القانون الملائم للعلاقة بسبب أعمال قاعدة التنازع الوطنية خاصته ، ولا يخفى أن مهمة البحث في القانون الأجنبي من الصعوبة بمكان اشرنا اليه فيما تقدم إذ قد يعتبر فعل معين مباحا في دولة قانون القاضي ولكنه محرم في دولة أخرى فتعدد الزوجات يختلف حكمه فالدول التي تأخذ بمبادئ الشريعة الاسلامية في نظامها القانوني وهي تجيز تعدد الزوجات لقوله تعالى ((وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع....)) (7) , وهذا لا ينسجم بالضرورة مع دول أخرى التي تحرم الزواج بأكثر من واحدة أو حالة الدول التي لا تأخذ بموانع الارث وهذا بخلاف الحال بالدول العربية لتأثرها بالدين الاسلامي و ولا يقف هذا التحديد عند البحث المجرد للتعارض بل ينبغي التدقيق وبشكل فعلي له فقد يتبين في بعض الحالات عدم وجود تعارض ظاهري بين أحكام القانونين الا أن تطبيق القانون الأجنبي بحد ذاته قد يؤدي له وهو ما قضت به محكمة النقض الايطالية بقولها (وان كان القانون الانكليزي لا يتعارض مع أحكام القانون الايطالي ومبادئ النظام العام لديه في امكانية العيش المشترك من دون وجود رابطة الزواج الا أن هذا التعارض يتبين عند التطبيق الفعلي لأنه يجوز لشخص متزوج أن يعاشر امرأة أخرى وهذا يتعارض مع النظام العام الايطالي). (8) وعليه يعتبر القانون الأجنبي مخالف للنظام العام لدولة القاضي في حال كانت احكامه تخالف السياسة التشريعية لديه وخاصة في مسائل الأحوال الشخصية وبالذات في حال كون أحد الأطراف مسلما حيث يعمل النظام العام بدفع القانون الأجنبي فيها بشكل تلقائي ولكن ينبغي عدم المبالغة في تقدير التعارض في حالات النظام العام هذا وأن لا يتعدى عتبة دفع الخطر الذي يزعزع النظام في دولة القاضي لأن قواعد التنازع تعتبر من قواعد السير الطبيعي لتنظيم العلاقات ذات العنصر الأجنبي (9) هذا من جهة ومن جهة أخرى أن مسألة تقدير هذا التعارض بين القانون الأجنبي مع أسس النظام العام لدولة القاضي ينفي أن لا يتعدى مسائل أولها علم تجاوز حدود أسس هذا النظام دون غيره ذلك لأن الدفع بالنظام العام يعبر عن فكرة حماية نظام القاضي الوطني والتزامه بالتشريعات الوطنية دون تشريعات ومبادئ الدول الأجنبية التي يتضمنها النظام العام فيها ، وثانيها ضرورة الالتزام بأنية أو حالية النظام العام فالعبرة في تقدير التعارض هذه يجب أن تكون حين البت في النزاع من قبل القاضي فتقدير مدى تعارض القانون الأجنبي مع مبادئ النظام العام لدولة القاضي يجب أن يكون عند الفصل والبت بالمنازعات لا عند نشأة الوقائع المسببة لها فقد يصادف أن يحدث هذا التعارض عند حصول السبب في الالتزام وهي الواقعة القانونية لكنه يزول سواء بتعديل القانون الأجنبي أو حتى تعديل قانون القاضي نفسه بما يساهم في رفع هذا التعارض قبيل البت في المنازعات (10) كما وينبغي على القاضي وهو يعمل على تقدير التعارض ضرورة البحث فيها على انفراد ولا يكتفي بالاطار العام لأن الأخير اذا كان موحدا مع الدول المتقاربة حضاريا كالدول الاسلامية حيث تتأثر بالعقيدة الاسلامية فلا يعني ذلك أن لا يخالف القانون الأجنبي واجب التطبيق مبادئ النظام العام لدولة القاضي فأن كان القانون التركي واجب التطبيق في العراق والذي يجوز زواج المسلمة من غير المسلم فانه يعد مخالفا للنظام العام لديه ويكون مصيره البطلان (11)، ونفس الشي يمكن أن يساق مثلا يتعلق بدولة تقر تعدد الزوجات رغم أنها لا تؤمن بالشريعة الاسلامية فان حكم قانونها لا يتعارض مع مبادئ النظام العام العراقي والمصري الذي يقر تعدد الزوجات لتأثره بموجهات الشريعة الاسلامية الا أن ذلك منوط بحكم العدد الوارد في الشريعة الاسلامية في حدود الأربع زوجات فأن جوز القانون الأجنبي المذكور أكثر من ذلك غد في ذلك مخالفة للنظام العام ويضاف لذلك ملاحظة اتجاه بعض الفقه والقضاء الألماني في توقف قيام القاضي ببحث التعارض المذكور على وجود صلة بين العلاقة محل النزاع ودولة القاضي المذكور لأجل تقدير التعارض والامتناع عن تطبيق القانون الأجنبي عند حصوله ذلك بموجب سلطة القاضي التقديرية في ظل مرونة ونسبية فكرة النظام العام (12).
وفي الحقيقة أن جانب أخر من الفقه لا يرى ضرورة وجود هذه الصلة بين العلاقة محل النزاع ودولة القاضي في بحث التعارض المذكور ، ويقيس هذا البحث في مدى التعارض على مسألة تطبيق قاعدة التنازع الوطنية فلا يشترط فيها وجود هذه الصلة فيكفي من وجهة نظره ثبوت الاختصاص القضائي لدولة القاضي للنظر بالعلاقة محل النزاع من دون عمل غش أو تحايل ، فمجرد ثبوت الاختصاص القضائي ينبئ عن وجود هذه الصلة (13) ، ولكن من وجهة نظر مطروحة الا ينبغي التساؤل عن ماهية المصلحة أو التهديد الذي يتعرض له النظام العام في دولة القاضي والأسس التي تقام عليه في حال قيام علاقة دولية خاصة اجنبية من حيث الأطراف أو الموضوع أو المحل أو السبب المنشأ لها أن لم تتوافر هذه الصلة بدولة القاضي وما شأن النظام العام لدولة القاضي بها وأن كان مختصا قضائيا للنظر بها ، فإن كان القاضي العراقي هو المختص في النظر بصحة تلك العلاقة الدولية الخاصة وحيث لا يوجد من بين أطرافها وطنيا استنادا لنص الفقرة الخامسة من المادة التاسعة عشر من قانوننا المدني (14) ، أو أنها لا تعارض السياسة التشريعية فيه كما ولا تحمل اعتداء على القيم الاساسية للناس ولا تفرق بينهم بسبب الدين أو العرق أو اللون وغيرها ومثاله اقرار أثار المعاشرة بين فرنسيين من دون رابطة زواج فيما يخص ثبوت نسب مولود منها , ويمثل الاعتراف بهذا الاقرار أي اعتداء على النظام العام العراقي طالما كان بين اطراف غير وطنيين من جهة ومن جهة أخرى غير مسلمين خاصة أن بعض الفقه يشترط لأعمال الدفع بالنظام العام لمواجهة القانون الأجنبي أن لا يتعارض مع المبادئ الاسلامية التي يلتزم بها جميع المسلمين في حال عدم توافر الجنسية الوطنية للعلاقة محل النزاع تلك (15) ، وهذا ما دفع القضاء الفرنسي لعدم الاعتداد بالدفع بالنظام العام وخاصة في مسائل تعدد الزوجات والآثار المترتبة على ذلك طالما لم يكن أحد الأطراف فرنسية أو لا يقيمان أو أحدهما في فرنسا. (16) .
ثانيا : القيود الواردة على ضوابط الدفع بالنظام العام //
إن استعمال النظام العام باعتباره وسيلة للدفاع واداة لحماية نظام دولة قانون القاضـي يستتبع عدم تطبيق القانون الأجنبي والذي يعتبر قانون مختص وملائم للعلاقات الدولية الخاصـة وبموجب قواعد التنازع لدولة القاضي نفسه وهذا الاختصاص هو الطريق الطبيعي للأمور في مجال العلاقات في القانون الدولي الخاص ، في حين استخدام النظام العام كوسيلة للدفاع يقطع هذا الطريق الطبيعي للأمور ويمنع تطبيق قانون ملائم للعلاقة, ومن ثم يستوجب تقييد هذا الاستخدام للنظام العام بقيود لتقدير التعارض الجوهري والحقيقي وهي وجود اتفاقية دولية بين دولة قانون القاضي والقانون الأجنبي فضلاً عن ضرورة الرقابة القضائية لهذا التقدير ونعرض لكل من ذلك بنقطة مستقلة.
1)وجود اتفاقية دولية بين دولة قانون القاضي والقانون الاجنبي//
إن تزايد حصــول الاتفاقيات الدولية يقلل من حالات التنازع الدولي بين القوانين ذلك أن هذه الاتفاقيات تعمل على وضع قواعد اتفاقية دولية تحل التنازع المذكور بطريق اسرع وملائم للنزاع كما هو الحال في اعتماد قانون الموطن أو محل الاقامة للطرف عديم الجنسية ما يعرف بالتنازع السلبي للجنسية وهو حل يلائم العدالة ويهيئ نظام قانوني معين لشخص لا ينتظم بنظام معين لافتقاده ضابط الجنسية.(17) وينطبق الحل المتقدم في حالة التنازع الايجابي للجنسية أي في حالة كون الشخص يمتلك أكثر من جنسية ويرتبط بأكثر من نظام قانوني باعتماد قانون الجنسية الفعلية للشخص باعتباره من مبادئ القانون الدولي الخاص الاكثر شيوعاً, مع العرض في حالة وجود جنسية دولة القاضي بين الجنسيات المتنازعة إيجابيا يتفوق قانون القاضي على قانون او قوانين الجنسيات المتنازعة (18).
أما عن مدى حصول التعارض بين القانون الأجنبي مع النظام العام لدولة القاضي المرتبط مع دولة الأول باتفاقية تلزم تطبيقه فان ذلك يتوقف على بنود الاتفاقية نفسها فان نصت على تطبيق القانون الأجنبي وعدم السماح للاحتجاج بالنظام العام لدفع هذا التطبيق فلا يكون للقاضي قدرة الدفع هذه خاصة اذا كانت الاتفاقية لاحقة للقانون الذي تتعارض القواعد فيه لا حكام النظام العام ، والعكس بالعكس للفكرة المطروحة وهي أن تنص بنود الاتفاقية على توقف تطبيق القانون الأجنبي للدولة ذات الطرف بالاتفاقية على عدم مخالفة النظام العام لدولة القاضي مثال ذلك معاهدة الصداقة المعقودة بين تركيا ومصر عام 1937 والتي أشارت إلى تعليق تطبيق قانون دولة كل منهما في مسائل الأحوال الشخصية للمتقاضين في حال عدم مخالفة النظام العام لكل منهما (19) ولا يقف الاحتجاج بالنظام العام على وجود نص صريح يجوز هذا الاحتجاج في الاتفاقية بل أن قانون دولة القاضي تكون له الأولية في التطبيق في حالة عدم وجود بند في الاتفاقية يجوز أو يمنع الاحتجاج بالنظام العام ذلك أن ارتباط دولة القاضي باتفاقية دولية بالإطلاق تتضمن دائما تحفظا ضمنيا يجوز الدفع بالنظام العام ويمنع تطبيق القانون الأجنبي بواسطته طالما كان الأخير يتعارض مع الأول ، لكن يجب أن لا يغيب عن البال أن الدفع والاحتجاج المذكور ينبغي أن يكون في حالات التعارض الصارخ بين القانون الأجنبي ومبادئ النظام العام لدولة القاضي خاصة في حالة كون الاتفاقية لاحقة لقانون دولة القاضي ، كما أن ذلك يمنع السير الطبيعي لقواعد حل تنازع القوانين (20) ، وهو يمثل بنفس الوقت خرق لمبدأ تفوق قانون القاضي إلا أنه خرقا ظاهريا ذلك أن الاتفاقية بعد المصادقة عليها تصبح أحد قوانين دولة القاضي ومن ثم تطبيقها يمثل تطبيق لدولة القاضي .
2) الرقابة القضائية على مدى التعارض بين القانون الأجنبي واجب التطبيق والنظام العام في دولة القاضي //
إن فكرة النظام العام فكرة نسبية من حيث الزمان والمكان وهي من حيث المعيار تمتاز بكونها فكرة وظيفية مطاطة لا يمكن رسم حد معين لظهورها وهذا يجعل من تطبيقها رهنا بما يراه القاضي المختص من تفسير للاعتبارات التي يشكل تطبيق القانون الأجنبي اعتداء عليها مما يفسح المجال لتأثير الاعتبار الشخصي للقاضي في مهمة التفسير من جهة أو التوسع بهذا التفسير من جهة أخرى ، وهذا بطبيعة الحال يشكل تهديدا لأسلوب التناسق والانسجام في اطار العلاقات في القانون الدولي الخاص ، لأن فكرة النظام بحد ذاتها تؤدي لقطع السير الطبيعي للأمور لحل النزاع في أطار العلاقات الدولية الخاصة فكيف بنا مع اضفاء الطابع الشخصي عليها أو التوسع في تفسيرها أصلا . لهذا يسعى الفقه والقضاء جاهدا على التشدد على مهمة التفسير التي يتولاها القاضي في بيان مدى التعارض بين النظام العام لدولة القاضي واحكام القانون الأجنبي ويلزمون القاضي المعني بضرورة التقيد بالتفسير على أساس موضوعي ونبذ التفسير الذي يتأسس على الآراء الشخصية له ، إذ يتطلب تفسير القانون الأجنبي احيانا البحث في مضمونه وما لذلك من صعوبة بانت لنا سابقا فضلا عن أن الحاجة في التعامل التجاري تفرض أعمال القانون الأجنبي كتطبيق استثنائي لا يعد بذاته خرقة أو تهديدا للنظام العام لدولة القاضي بخلاف الحال لو تم اعتماده كمبدأ في دولة القاضي ، فضلا عن أن بعض أحكام القانون الأجنبي قد لا يبدو للوهلة الأولى تعارضها مع النظام العام الا أن وضعه موضع التطبيق قد يؤدي إلى ذلك التعارض كما هو الحال في حكم محكمة النقض الايطالية المذكور أنفا والذي برز فيه وعلى الرغم من تشابه القانون الانكليزي والايطالي في الأحكام الا أن تطبيق أحكام القانون الانكليزي شكل اعتداء على مبادئ النظام العام الايطالي. (21) لذا فإن تفسير القاضي لمبادئ النظام العام لدولته ومدى حصول التعارض بينها وبين أحكام القانون الأجنبي ينبغي أن يخضع لرقابة المحكمة المختصة باعتبار كونه يعبر عن فكرة قانونية فهذه الرقابة فضلا عن دورها في ضرورة أن يكون التفسير من القاضي مبنيا على اعتبارات موضوعية فانه يعمل على توحيد اتجاه أحكام المحاكم كما هو الحال في تقدير هذا التوحيد في أحكام المحاكم على المستوى الداخلي (22).
ويقدر البعض ضرورة هذه الرقابة ليس فقط لكون فكرة النظام العام فكرة مطاطه تعبر عن حالة قانونية بل يضيف اسباب منطقية أخرى تتلخص بالقول أن الاحتجاج بالنظام العام كوسيلة لمنع تطبيق أحكام القانون الأجنبي المتعارض معه لا يعتبر مستقلا بذاته وانما يكون تابع لتطبيق قاعدة التنازع الوطنية نفسها واي خطأ يرد على تفسير هذه القواعد يخضع لرقابة المحكمة المختصة ، كما أن استعمال النظام العام وسيلة للاحتجاج لمنع تطبيق القانون الأجنبي الذي يحمل في طياته التعارض معه ينظم بدوره تحت عملية التكييف القانوني والذي يخضع دائما لقانون القاضي كما لاحظنا وهو عملية فنية يهدف من خلالها لوصف علاقة قانونية ما تمهيدا لضمها لأحدى الفئات القانونية المحددة ضمن قواعد التنازع الوطنية الخاصة المراد تطبيقها على النزاع واي خطأ لهذا التكييف يخضع بدوره الرقابة المحكمة المختصة (23).
وتضرب لنا محكمة النقض الفرنسية مثلا يتعلق بحكمها في نقض حكم محكمة الموضوع والقاضي بعدم تطبيق القانون الالماني واجب التطبيق الذي ينص على عدم الاعتراف بالتعويض الادبي المترتب عن المسؤولية التقصيرية ، فقد قررت أن حكم التعويض الادبي عن المسؤولية التقصيرية وأن كان يعتبر من القواعد الآمرة بخصوص المسؤولية التقصيرية على المستوى الوطني الداخلي فلا يعني التوسع في حكمه واستمرار النص عليه في اطار العلاقات الدولية الخاصة، لأن مفهوم فكرة النظام العام تنكمش قليلا فيما يتعلق بتنازع القوانين عنه في أطار العلاقات الوطنية فليس كل ما يعد من النظام العام الداخلي يعتبر من النظام العام الدولي ، وعليه لا يعتبر حكم القانون الألماني بعدم الحكم بالتعويض المذكور مخالفة للنظام العام الفرنسي ألا أن نتيجة حكم مسألة أخرى تختلف في مصر لاختلاف مصادر الحكم القانوني ففي حكم المحكمة النقض المصرية والمتمثل بنقضها لحكم محكمة الموضوع والقاضي بحصر ارث المتوفي اللبناني المسيحي الأصل والذي اعلن اسلامه وتزوج من مسلمة وكان قد توفي في بيروت بابنته وقد استندت بحكمها هذا على أن القانون اللبناني لا يعتد بإسلام غير المسلم الا اذا تم وفق أوضاع وشكلية معينة لم يتم استيفائها وعليه يبقى مسيحيا وبما أن ارملته مسلمة ولا توارث مع اختلاف الدين فلا ترث منه شيئا وينحصر الارث بأبنته وقد استندت محكمة النقض في نقضها لهذا الحكم على أن يكفي بالنسبة للنظام العام الاسلام غير المسلم استنادا لقواعد الاصول الاسلامية أن يتلفظ الشهادتين من دون الحاجة لأي اجراء شكلي أخر ومن ثم يعتبر حكم القانون الأجنبي يتعارض مع النظام العام وهنا يتفوق قانون القاضي المصري على القانون اللبناني الواجب التطبيق (24).
_____________
1- د. سعيد يوسف البستاني ، القانون الدولي الخاص ، تطور وتعدد طرق حل النزاعات الخاصة الدولية ، ط1 ، منشورات الحلبي الحقوقية ،2004 ، ص223
2- د. عكاشة عبد العال تنازع القوانين دراسة مقارنة ، منشورات الحلبي الحقوقية ، لبنان ، 2004، ص577.
3- د. عباس العبودي ، تنازع القوانين والاختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام الاجنبية ، دار السنهوري ، بيروت ،2015 ، ص213 .
4- د حسام الدين فتحي ناصف ، مركز قانون القاضي في حكم المنازعات الخاصة الدولية ، ط1 دار النهضة العربية القاهرة 1994 ، ص 77 وما بعدها ود. سامي بديع منصور ود. عكاشة عبدالعال ، القانون الدولي الخاص ، الدر الجامعية ، بيروت ، لبنان ، ص 91 .202 ود. سامي بديع منصور ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، ط1 ، دار العلوم العربية ، لبنان ، 1994 ، 342 وما بعدها.
5- د. أحمد عبدالكريم سلامة، الاصول في تنازع القوانين ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2008 ، ص 584.
6- د. صلاح الدين جمال الدين ، فكرة النظام العام في العلاقات الخاصة الدولية بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية ، دار الفكر الجامعي ، مطبعة شركة جلال للطباعة ، الإسكندرية، 2004 ، ص 12 ود. أحمد عبد الكريم سلامة ، الأصول ، مصدر سابق ، ص 601 ود. عكاشة محمد عبدالعال ، تنازع القوانين ، مصدر سابق ، ص 578
7- جزء من الآية (3) من سورة النساء المباركة.
8- د. أحمد عبد الكريم سلامة ، الاصول ، مصدر سابق ، ص 603.
9- د. عباس العبودي ، تنازع القوانين والاختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام الاجنبية ، دار السنهوري ، بيروت ،2015 ، ص 214 ود. أحمد عبدالكريم سلامة ، الاصول ، مصدر سابق ، ص 607.
10- د. صلاح الدين جمال الدين ، فكرة النظام العام في العلاقات الخاصة الدولية بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية ، دار الفكر الجامعي ، مطبعة شركة جلال للطباعة ، الإسكندرية، 2004 ، ص 30 ود. أحمد عبد الكريم سلامة ، الأصول ، مصدر سابق ، ص 597.
11- د. صلاح الدين جمال الدين ، مصدر سابق ، ص 56-57 وعبد الرسول عبد الرضا الاسدي ، القانون الدولي الخاص ، ط1 ، مكتبة السنهوري ، بغداد ، 2013 ، ص 309
12- د. عكاشة محمد عبد العال ، تنازع القوانين ، مصدر سابق ، ص 579(
13- د. أحمد عبد الكريم سلامة ، الاصول ، مصدر سابق ، ص 600-601.
14- نصت المادة 5/19 على أن ( في الأحوال المنصوص عليها في هذه المادة إذا كان أحد الزوجين عراقيين وقت انعقاد الزواج يسري القانون العراقي وحده ) وبالاتجاه نفسه نص المادة (14) من القانون المدني المصري التي قالت (في الأحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين إذا كان أحد الزوجين مصريا وقت انعقاد الزواج ، يسري القانون المصري وحده ، فيما عدا شرط الأهلية للزواج ).
15- د. صلاح الدين جمال الدين ، مصدر سابق ، ص 57.
16- أشار حكم المحكمة النقض الفرنسية إلى هذا بقوله ( تحفظ الاتفاقيات الدولية عدم مخالفة المفهوم الفرنسي للنظام العام اللولي . وهذا المفهوم يحول دون أن يكون للزواج الثاني المعقود خارج فرنسا من قبل الشخص الذي لايزال زوج الفرنسية أن يحدث آثاره تجاه هذه الاخيرة) . نقلا عن القانون المدني الفرنسي باللغة العربية ، مصدر سابق ، ص 17 الفقرة (8) |
17- د. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق ، ص225.
18- نصت المادة (33) من قانوننا المدني على أن (1- تعين المحكمة القانون الذي يجب تطبيقه في حال الأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية أو الذين تثبت لهم جنسيات متعددة في وقت واحد 2- على أن الأشخاص الذين تثبت لهم في وقت واحد بالنسبة إلى العراق الجنسية العراقية وبالنسبة إلى دولة اجنبية أو عدة دول أجنبية جنسية تلك الدول فالقانون العراقي هو الذي يجب تطبيقه ).
19- د. احمد عبد الكريم سلامة ، الاصول ، مصدر سابق ، ص 625 .
20- د. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق ، ص 225
21- إذ اكدت محكمة النقض الايطالية في حكم لها (وان كان القانون الانكليزي لا يتعارض مع أحكام القانون الايطالي ومبادئ النظام العام لديه في امكانية العيش المشترك من دون وجود رابطة الزواج الا أن هذا التعارض يتبين عند التطبيق الفعلي لأنه يجوز لشخص متزوج أن يعاشر أمراة أخرى وهذا يتعارض مع النظام العام الإيطالي) نقلا عن د. احمد عبد الكريم سلامة ، الأصول ، مصدر سابق ، ص 603.
22- د. سامي بديع منصور ود. عكاشة عبدالعال ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق ، 177 وما بعدها.
23- د. أحمد عبد الكريم سلامة ، الاصول ، مصدر سابق ، ص 628 .629.
24- نقلا عن المصدر السابق ، ص 630- 631.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|