المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الانسان الرقمي Digital Human
29-1-2018
سلوك المعادن الطينية في علاقتها مع الماء
2024-06-15
Epigenetics of V(D)J Recombination, CSR, and SHM
2-5-2021
مصحف عليّ عليه السّلام‏
29-04-2015
سفيان بن عطية الثقفي الكوفي.
25-10-2017
المبالغة والإِغراق في تنزيه الصحابة
24-09-2014


جدلية المقارنة بين الماضي والحاضر  
  
2153   09:16 صباحاً   التاريخ: 12/11/2022
المؤلف : حسن علي الجوادي
الكتاب أو المصدر : عشرة موضوعات في حياة الشباب
الجزء والصفحة : ص81 ــ 87
القسم : الاسرة و المجتمع / معلومات عامة /

كل واحد منا لديه طريقة تفكير خاصة به، بيدَ أن هنالك قضايا واحكاماً لا يختلف عليها العقلاء، مثلاً إذا ارتكب المرء جريمة على وجه العمد فهنا الكل يتفق على ادانته وتجريمه وعقابه.

 مثلاً، صدام ارتكب جرائم لا تعد ولا تحصى، هجّر وفجّر ودفن وقتل وأعدم بالرصاص وفعل ما فعل، كل العقلاء يعتبرون سلسلة افعاله من أبشع الجرائم التي شهدها العالم المعاصر، فهل يختلف أحد على قتله الالاف من شعبه بالكيمياوي! ام هل يختلف أحد على حربه التي أكلت خير ابناء العراق ولم يجنِ منها سوى الخراب والتخلف والحصار! هل يختلف!

 بل تجد الناس طارت من الفرح لما قبض عليه، وبعد سنوات من الضيم والمرارة والالم لم تتغير الاوضاع ولم يعد العراقي يهنأ بلقمة العيش بل يكدح من الصباح الى الليل ليعطيها للمولدة والمؤجر والمدرسة والجامعة وغيرها من قوارض المال، فانفجر المواطن بوجه ساسته الذين لم يشبعوا بعد من الخديعة والتظلم، فلما فشلوا صار بعض المواطنين يعيدون اللحظات الايجابية من حكم صدام ويفرشونها على الحالة اليوم ويقارنون بين الامس واليوم، ولما لم تكن المقارنة منصفة وهي خاطئة من الاصل نتج عنها الترحم او المدح للنظام الدكتاتور، ولا ريب ان هذا المدح المبطن بعض الاحيان، قد رفضه العديد من الناس ولا سيما اهل الانصاف والوعي والحكمة، ولا ريب  ان عقلية المقارنة هذه صنعتها عدة اسباب لعل من ابرزها:

1ـ تثقيف البعث ومن استفاد منه من حيث المادة والمعنى، فألقت بظلالها على الثقافة العامة، فصاروا يجهزون الاخطاء الحالية ويكثفون الصورة عليها، بل يساهمون بتخريب الصورة ان كانت جميلة.

2ـ الغضب وهيجان المشاعر، فانهما يسيطران على الانسان ويجعلان حكمه في مهب الريح، فيكون حكمه تبعاً لعاطفته الجياشة في الظرف المحدد.

3ـ نسيان جرائم المقبور وحضور سلبيات واخفاقات وفساد الحكومات الحالية، وهذا النسيان كفيل بان يجعل هذه المقارنة غير متكافئة، وهذه طبيعة المجتمعات التي لا تفصل بين منهج واخر بين قائد واخر بين عامل وآخر وهكذا.

4ـ الغفلة عن الماضي وعيش الحاضر، فالكثير من الناس لديهم مشكلة مع الماضي ينسونه ويعيشون حالة اليوم ويعتبرون أن ما حدث له اسبابه وصار غير ضروري، فينشغل بما هو حاصل عن ما حصل، ولو اتت حكومة أخرى وتقدم بنا الزمن لنسينا وانشغلنا بالوضع الجديد وهكذا.

5ـ حجم الامل الكبير الذي عقده المواطن بالحكومة بعد حكم صدام، وفشلهم في ادارة الدولة جعلت منه مداحاً ومترحماً للتشفي منهم وهو يزعم ان تشفيه هذا تنكيلاً بالساسة لا محبة بصدام.

6ـ الجهل بجرائم الطاغية، فالجيل الحاضر اليوم من الشباب لا سيما مواليد التسعين وما بعده لم يعاصروا ذلك النظام ولم يشعروا بحجم المعاناة التي عاشها الشعب وكيف تراجع البلد في سنوات حكمه، فهم رأوا فساد الطبقة الحالية وقارنوا بما سمعوه فسحب.

ان مدح النظام السابق هو أحد الامثلة المعاصرة على حنين الانسان الى ماضيه، وسنوضح ان الرجوع الى الماضي شيء، والماضي بنفسه شيء آخر، فالمسألة أكبر من ان تحصر في امثلة معينة، فشواهدها كثيرة ولا يصح ان تترك، بل من الضروري ان تناقش، فيعرف الانسان سبب رجوعه الى ماضيه او ماضي الامة.

ان من الظلم حدوث مثل هذه المقارنة بين الماضي والحاضر، فالسيء يقال له سيء ويبقى على سوئه، والظالم يقال له ظالم ويبقى على ظلمه، فسوء وفساد الحاضر لا يبرر سوء وفساد الماضي، لنأخذ المسألة بموضوعية ومهنية، دعونا نكره كل فاسد وظالم، لكن مع الاحتفاظ بنوع الظلم وكميته وبنوع الفساد وحجمه.

ربما يقال: ما الضير إذا قارنّا؟

المقارنة تعني أنك تجانب الصواب فتجعل الدكتاتور الفاشل وكأنه شخصية مظلومة او عاملة منجزة خدمت البلد كثيراً وبالتالي تزيح كل الجنايات والافعال والحماقات التي ارتكبها مقابل افعال غيره، فالإنصاف هنا والشجاعة تقتضي ان يبقى المجرم مجرم والفاسد فاسد والسفاح سفاح والفاشل فاشل.

هل وقعنا ضحية للمقارنة ؟

هل تتصور أن المقارنة تعني التنازل عن الحقيقة وصبغ الدكتاتور واعادة تلميعه من جديد!

هل تؤمن ان المقارنة ستجعل الدكتاتور أشبه بالأسطورة؟

هل ترى المشاكل الحاصلة تصلح ان تكون مبرراً لطلاء شخصية الدكتاتور!

كلا بالتأكيد، فمن يعي حجم خطر الظالم سيتوقف، لكن الناس لما ترتفع اصواتها امام المحن والمصائب والمتاعب يكاد ينسون المواقف الكارثية فتحضرهم صور مشوشة، يلفظون ما لا يحبون في مواطن الغضب والمحنة!

يقول بعض الباحثين ان حنين الانسان الى الماضي هو العودة الى الوراء لما يكون الحاضر غير جيد والمستقبل شبه فوضوي وغير معروف بدقة، وهذا النوع من التحليل يفسر أن الناس اذا مدحوا نظاماً قديماً فلا يعني أنه مدح خاص له، بل هو تهكم على النظام الحالي وتوبيخاً للحكام الذين يلعنون الانظمة السابقة، وجزء من هذا التحليل هو في الحقيقة صحيح وبعض الاحيان نلاحظ هذا الموضوع من شخصيات تبرر مدحها لنظام مجرم قديم نكاية بالمعاصرين، لكن هذا مجرد عواطف لا صحة لها امام التحليل المنطقي، فلا يصح تبييض وجوه الظالمين وتلمعيهم لمجرد وجود سفاحين جدد او شخصيات لم تلبي الطموح الذي علقناه في اعناقهم.

ان من يتابع المجتمعات المظلومة والمقهورة يجد انها تعود الى الوراء في اكثر من موقف، وهذا الرجوع يفسر بالنكوص والتخلف في الوعي والهبوط القيمي، اذ الحنين الى الماضي سمة لا تفارق الكثير من المجتمعات سواء كان هذا الحنين هو رجوع سلبي ام رجوع ايجابي، وكلما اضطرب واقع الانسان واصبح بلا هوية عاد الى ماضيه ونسى حاضره لأنه لا يمثل له ما يطمح له، واذا ما امعنا النظر وتأملنا الموضوع من زاوية أخرى نجده قد يمثل طيبة الانسان وحبه لما اعتاد عليه وما تعلمه، بيد أنه ينبغي ان يعي الماضي الجميل ويفرق بينه وبين الماضي الزائف الباطل، فمجرد الحنين الى الماضي لا يعني ان مادة الماضي ستقدس مهما كانت تحمل من معنى!

يراد للناس في الكثير من المواقف ولا سيما في المقارنة بين الماضي والحاضر ان لا تفكر ولا تتعقل ولا تتثبت، يراد لها ان تكون مادة للتبطيل والتثوير والهيجان! والمتأمل والمتابع للشؤون السياسية بالأخص يجد ان هذا الامر اوضح من الشمس، فطالما انتفع الانتهازي من بساطة المجتمع، وركب فوق تفكيره واستغفل التفكير الفطري للناس، فيدفع ما يريد تحت مبررات فطرية بسيطة يثق المواطن في مضمونها وينسى نتائجها، والتاريخ كفيل بان يعرض لنا العشرات من الحالات والمشاهد التي تم استغفال الناس والاستفادة من صوتهم في تحقيق الكثير من النتائج التي خدمت الانتهازي والفاشل والماكر والداهية، بيد أنها سرعان ما تنكشف، لكنهم بالتأكيد يحاولون ان يلمعوا تلك الخطط الفاشلة بتعليقات جديدة، ترفعها من فشلها الى مقاصد انسانية او فكرية او نهضوية!

الانشغال بالماضي يولد هزيمة نفسية للإنسان في مواجهة حاضره، ويجعله أسير الزمن والتاريخ، فلا ينهض طالما ان هنالك ماضي يجره ويقعده عن مواصلة الاصلاح او التعديل على منهج الحاضر، فمن يشتاق الى الماضي يجد نفسه مغلولاً مكتفاً مهزوماً لا يستطيع ان يقدم اي شيء، بل تجد ان اليأس يأكله من كل حدب وصوب! وفي كثير من الاحيان يدفع كبار السن هذه الفكرة الى ابنائهم فيتأثر جيل كامل بما خلفه الاباء والاجداد من افكار وطروحات لم تصلح في الماضي فضلاً عن الحاضر، وهذه واحدة من أقسى انواع التركة والتراث الذي يخلفه الاب للابن! 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.