أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-04-2015
3616
التاريخ: 1/10/2022
1956
التاريخ: 11-04-2015
3058
التاريخ: 30-3-2016
3197
|
تختلف دواعي البكاء عند الإنسان ، فقد يبكي شوقا إلى المحبوب ، وقد يبكي اعتراضا وصرخة في وجه النظام الغشوم ، ومن هنا يمكن تفسير وفهم ما جاء من : « أنّ البكاء على الإمام أبي عبد اللّه الحسين وسيّد الشهداء ( عليه السّلام ) من عوامل السعادة الخالدة والزلفى إلى المهيمن سبحانه » .
ولم يزل خاتم الأنبياء محمّد المصطفى ( صلّى اللّه عليه واله ) يبكيه في بيته وفي المسجد وحده تارة ومع أصحابه تارة أخرى ، ويجيب من يسأله قائلا :
« أخبرني جبرئيل بقتل ولدي الحسين في جماعة من أهل بيته وأراني التربة التي يقتل فيها »[1].
مضافا إلى ما في البكاء عليه من التعريف بالقساوة التي استعملها الأمويون ولفيفهم ، ومن هنا كان الأئمّة يحثّون شيعتهم على عقد المحافل لذكر حادثة الطفّ واستدرار الدموع لكارثتها المؤلمة ، وأكثروا من بيان الأجور المترتّبة عليه إلى حد بعيد .
وغير خفيّ أنّ إكثار الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) من البكاء على أبيه سيّد الشهداء طيلة حياته لم يكن لمحض الرقّة والعاطفة ، بل إنّه ( عليه السّلام ) لاحظ به غاية سامية وهي تعريف الأجيال المتعاقبة الواعية لهذا الخطب الجليل وهو ( عليه السّلام ) شاهد حال بما جاء به الامويّون من القساوة والفظاعة وخروجهم عن الدين والشريعة وتنمّرهم تجاه العدل والمروءة والإنسانية . . .
لقد بكى على أبيه المدّة التي عاش فيها حتى قال له مولاه : إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، فقال : إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة »[2].
وقال له آخر : أما آن لحزنك أن ينقضي ؟ فقال ( عليه السّلام ) : « ويلك لقد شكا يعقوب إلى ربّه في أقلّ ممّا رأيت حين قال : يا أَسَفى ولم يفقد إلّا ابنا واحدا وهو حيّ في الدنيا وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبّحون حولي »[3].
وكان ( عليه السّلام ) إذا أخذ الإناء ليشرب الماء تذكّر عطش أبيه ومن معه فيبكي حتى يمزجه من دموعه ، فإذا قيل له في ذلك يقول : « كيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي هو مطلق للوحوش والسباع »[4].
وكثيرا ما كان يحدّث أصحابه بفوائد الحزن في مصابهم والبكاء على ما انتابهم من المحن فيقول : « أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين حتى تسيل على خدّه ؛ بوّأه اللّه في الجنة غرفا »[5] فكان صلوات اللّه عليه بإدامته البكاء على أبيه يؤجّج في الأفئدة نارا لما ارتكبه أولئك الطغاة من الجرائم والمآثم ، يأبى الحنان البشري أن يكون صاحبها إنسانا فضلا عن أن يقود امّة أو يرأس رعيّة ، وفضلا عن أن يكون خليفة في دين أو متبعا في دنيا .
وحيث لم تسعه المجاهرة بموبقات من اغتصبهم الخلافة الإلهية وجرّ إليهم الويلات ونكّل بهم ؛ اتّخذ ( عليه السّلام ) البكاء طريقا لتنبيه الناس بتلكم الجرائم ، وهذا منه أكبر جهاد ناجع في تحطيم عرش من أهلك الحرث والنسل وعاث في البلاد فسادا وخبالا ، فكان بكاؤه متمّما للنهضة المقدسة .
وقد سبقته إلى هذا الجهاد الأكبر جدّته الصدّيقة الزهراء ( عليها السّلام ) وحاولوا إسكاتها معتذرين بأنّ نفوسهم لا تطيب بطعام ولا شراب وعزيزة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) تنوح الليل والنهار فلم تهدأ عن البكاء ، فاضطر سيّد الأوصياء ( عليه السّلام ) إلى إخراجها إلى البقيع بعد أن بنى لها بيتا من جريد النخل سمّاه « بيت الأحزان » ، فإنّ الغرض تعريف الامّة من كان مستحقا للخلافة الإلهية وقد اغتصبت منه .
فالبكاء يوجب إلفات نظر الناس إلى الأسباب الباعثة عليه ، وبهذا التفحّص تتجلى لهم الحقيقة ويسطع بصيص من ألق الحقّ المحجوب بظلم الجائرين . . .[6].
لقد كان البكاء واحدا من الأساليب التي جعلها الإمام السجّاد ( عليه السّلام ) وسيلة لإحياء ذكرى كربلاء ، كما استعمل أساليب أخرى :
منها : زيارة الحسين ( عليه السّلام ) والحثّ عليها .
قال أبو حمزة الثمالي : سألت عليّ بن الحسين عن زيارة الحسين ( عليه السّلام ) فقال : « زره كلّ يوم ، فإن لم تقدر فكلّ جمعة ، فإن لم تقدر فكلّ شهر ، فمن لم يزره فقد استخفّ بحقّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) »[7]!
ومنها : الاحتفاظ بتراب قبر الحسين ( عليه السّلام ) للسجود عليه[8].
ومنها : أنّه ( عليه السّلام ) كان يتختّم بخاتم أبيه الحسين ( عليه السّلام )[9].
[1] كشف الغمة : 2 / 7 - 12 .
[2] أعيان الشيعة : 1 / 636 ، سيرة علي بن الحسين ( عليه السّلام ) بكاءه على أبيه .
[3] المصدر السابق .
[4] بحار الأنوار : 46 / 108 عن مناقب آل أبي طالب : 4 / 179 و 180 وعن حلية الأولياء : 3 / 138 .
[5] راجع : ثواب الأعمال : 83 .
[6] الإمام زين العابدين للسيّد الموسوي المقرّم : 360 - 365 ، نشر دار الشبستري للمطبوعات . وفي النص مقاطع أخذها من مصادر أخرى ذكرها في الكتاب .
[7] جهاد الإمام السجاد : 220 .
[8] بحار الأنوار : 46 / 79 ، باب 5 ، ح 75 .
[9] نقش الخواتيم للسيد جعفر مرتضى : 11 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|