أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1904
التاريخ: 10-10-2014
1619
التاريخ: 10-10-2014
1585
التاريخ: 2024-08-07
336
|
لقد ترك منطق موسى (عليه السلام) من جهة ، ومعجزاته المختلفة من جهة أُخرى ، والإِبتلاءات والمصائب التي نزلت على رؤوس أهل مصر والتي رفعت ببركة دعاء موسى (عليه السلام) من جهة ثالثة ، أثراً عميقاً في ذلك المحيط ، وزعزعت أفكار الناس واعتقادهم بفرعون ، ووضعت كل نظامهم الإِجتماعي والديني موضع سؤال واستفسار.
هنا أراد فرعون بسفسطته ومغالطته أن يمنع نفوذ موسى (عليه السلام) عن التأثير في أفكار شعب مصر ، فالتجأ إلى القيم الواهية المنحطة التي كانت حاكمة في ذلك المحيط ، وقارن بينه وبين موسى (عليه السلام) من خلال هذه القيم ليبدو متفوقاً على موسى ، كما يذكر ذلك القرآن الكريم حيث يقول : {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف : 51] (1).
أمّا موسى فماذا يملك؟ لا شيء سوى عصا ولباس صوف ! فلمن الشأن الرفيع والمكانة السامية ، له أم لي؟ أهو يقول الحق أم أنا؟ افتحوا عيونكم جيداً وتأمّلوا دقيقاً في المسألة..
وبهذا فقد عظم فرعون القيم المبتدعة السيئة ، وجعل المال والمقام والجاه هي معايير الإنسانية ، كما هو الحال بالنسبة إلى عبدة الأصنام في عصر الجاهلية في موقفهم أمام نبيّ الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم).
التعبير بـ «نادى» يوحي بأن فرعون عقد مجلساً عظيماً لخبراء البلد ومستشاريه ، وخاطبهم جميعاً بصوت عال فقال ما قال ، أو أنّه أمر أن يوزع نداؤه كرسالة في جميع أنحاء البلاد.
والتعبير بالأنهار ، المراد منه نهر النيل ، بسبب أن هذا النهر العظيم كالبحر المترامي الأطراف ، وكان يتشعب إلى فروع كثيرة تروي كل المناطق العامرة في مصر.
وقال بعض المفسّرين : كان لنهر النيل (360) فرعاً ، وكان أهمها : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تنيس.
أمّا لماذا يؤكّد فرعون على نهر النيل خاصّة؟ فذلك لأنّ كل عمران مصر وثروتها وقوتها وتطورها كان يستمد طاقته من النيل ، من هنا فإنّ فرعون كان يُدِلّ به ، ويفتخر به على موسى.
والتعبير بـ (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) لا يعني أن نهر النيل يمر من تحت قصري ، كما قال ذلك جمع من المفسّرين ، لأنّ نهر النيل كان أعظم من أن يمرّ من تحت قصر فرعون ولو كان المراد أنّه يمرّ بمحاذاة قصره ، فإنّ كثيراً من قصور مصر كانت على هذه الحال ، وكان أغلب العمران على حافتي هذا الشط العظيم ، بل المراد أنّ هذا النهر تحت أمري ، ونظام تقسيمه على المزارع والمساكن حسب التعليمات التي أريدها.
ثمّ يضيف : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ } [الزخرف : 52] (2) وبهذا يكون قد خص نفسه بافتخارين عظيمين ـ حكومة مصر ، وملك النيل ـ ، وذكر لموسى نقطتي ضعف : الفقر ولكنة اللسان.
هذا في الوقت الذي لم يكن بموسى أية لكنة في اللسان ، لأنّ الله تعالى قد استجاب دعاءه ، ورفع عنه عقدة لسانه ، لأنّه سأل ربّه عند البعثة أن : {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه : 27] ، ومن المسلّم أن دعاءه قد استجيب ، والقرآن شاهد على ذلك أيضاً.
ليس عيباً عدم امتلاك الثروة الكثيرة ، والألبسة الفاخرة ، والقصور المزينة ، والتي تحصل عادة عن طريق ظلم المحرومين والجور عليهم ، بل هو فخر وكرامة وسمو.
إنّ التعبير بـ «مهين» لعله إشارة إلى الطبقات الإِجتماعيّة في ذلك الزمان ، حيث كانوا يظنون أن الأشراف الأقوياء والأثرياء طبقة متعالية ، والكادحين الفقراء طبقة واطئة ، أو أنّه إشارة إلى أصل موسى حيث كان من بني إسرائيل ، وكان الأقباط يرون أنهم ساداتهم وكبراؤهم.
ثمّ تشبث فرعون بذريعتين أخريين ، فقال : {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف : 53] (3) فلو أنّ الله قد جعله رسوله فلماذا لم يعطه أساور من ذهب ، ومعاونين له كباقي الرسل؟
يقولون : إنّ الفراعنة كانوا يعتقدون أنّ الرؤساء يجب أن يزينوا أنفسهم بالأساور والقلائد الذهبية ، ولذلك فإنّهم يتعجبون من موسى إذ لم يكن معه مثل آلات الزينة هذه ، بل كان قد لبس بدل ذلك ملابس الرعي الصوفية ، وهذا هو حال المجتمع الذي يكون معيار تقييم الشخصية في نظره الذهب والفضة وأدوات الزينة.
أمّا أنبياء الله فإنّهم باطراحهم هذه المسائل ـ بالذات ـ جانباً كانوا يريدون أن يبطلوا هذه المقاييس الكاذبة ، وأن يزرعوا محلها القيم الإِنسانية الأصيلة ـ أي العلم والتقوى والطهارة ـ لأنّ نظام القيم إذا لم يُصلح في مجتمع فسوف لن يرى ذلك المجتمع وجه السعادة أبداً.
على أية حال ، فإنّ ذريعة فرعون هذه تشبه الذريعة التي نقلت عن مشركي مكّة قبل عدّة آيات حيث كانوا يقولون : لِمَ لَم ينزل القرآن على عظيم من مكّة والطائف ؟!
_____________________________
1- الواو في جملة (وهذه الأنهار تجري من تحتي) يمكن أن تكون عاطفة على (ملك مصر) ويمكن أن تكون حالية (تفسير الكشاف). إلاّ أن الإحتمال الأوّل يبدو هو الأنسب.
2- اعتبر جماعة (أم) في الجملة أعلاه منقطعة ، وأنها بمعنى (بل) ، وذهب البعض أنها متصلة ومتعلقة بجملة (أفلا تبصرون) ، وتقدير الجملة : أفلا تبصرون أم تبصرون أنا خير من هذا...
3- جاءت كلمة «مقترنين» هنا بمعنى المتتابعين أو المتعاضدين ، وقال البعض : إن الإقتران هنا بمعنى التقارن .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|