أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-28
945
التاريخ: 19-1-2022
2506
التاريخ: 2-4-2016
2656
التاريخ: 2023-04-05
1349
|
لم تعرف المجتمعات القديمة التي عاشت في بلاد اليونان والرومان ظاهرة التنازع بمعناها الحالي، فمن جهة كانت كثرة الحروب تمنع نشوء علاقات تجارية وروابط أسرية بينهم، ومن جهة أخرى كانت هناك قواعد مشتركة سائدة لديهم تتمثل في حرمان الأجانب من التمتع بالشخصية القانونية اللازمة للدخول في علاقات قانونية على قدم المساواة مع المواطنين، لذلك لم تكن لهم حقوق معترف بها فليس لهم حق التصرف أو حق الملكية وليس لهم حق الزواج، وكانوا محرومين من الحقوق الخاصة الملازمة لشخصية الإنسان (1)، والسبب في ذلك أن هذه المجتمعات كانت مؤسسة على الديانة و العبادة، والأجنبي الذي لا يشارك الجماعة ديانتها وعبادتها لا يشاركهم في قوانينها، وكانت القوانين توضع من اجل الجماعة الوطنية، وكان القاضي يطبق قانون جماعته على المنازعات التي ترفع إليه أيا كان أطراف النزاع. إلا أن هذه الأوضاع لم تبق على ما هي عليه، فقد طرأت بعض التطورات، إذ تمكن اليونانيون القدامى خاصة في عهد الاسكندر الكبير من مد سلطانهم إلى البلدان المجاورة مثل مصر، وسوريا، وبلاد فارس، وأدى ذلك إلى تعدد القوانين وتباينها في العالم اليوناني، كما أدى احتكاك هؤلاء مع أبناء البلدان التي دخلوها، والتي خضعت لسلطانهم إلى قيام علاقات تجارية وأسرية بينهم (2).
وفي العهد الروماني خضعت أمم عديدة لسلطان روما، ولم يكن بالإمكان تجاهل وجود هذه الأمم إلى جانب الرومان، وكان لكل منهم قوانين وأعراف و عادات تطبق عليهم، وكانت هذه القوانين والأعراف والعادات تتباين فيما بينها، ونشأت علاقات بين الرومان أنفسهم والأجانب أبناء الأمم الأخرى التي كانت تعيش تحت سيطرة الرومان من جهة، وبين الأجانب أبناء الأمم الأخرى من جهة ثانية، لذلك فهناك بعض ملامح تنازع القوانين في الأنظمة الحقوقية لبلاد اليونان والرومان (3):
فقد عرفت بلاد اليونان نظام الضيافة، فكان اليوناني يستضيف الأجنبي، وإذا قبله ضيفا عنده أصبح تحت ولايته وحمايته، وكان نظام الضيافة يسمح للأجانب بالإقامة في بلاد اليونان وممارسة بعض الحقوق مثل ممارسة التجارة، كما عرفت بلاد اليونان نظام المعاهدات الثنائية بين المدن اليونانية المختلفة، وهذه المعاهدات كانت تسمح لإفراد المدينة المتعاقدة التمتع على إقليم المدينة الأخرى بكل الحقوق أو بعضها، وتضمنت بعض هذه المعاهدات أحكاما لا تحول من حيث المبدأ تطبيق محاكم إحدى المدن لقوانين مدينة أخرى متعاقدة، وقد دلت الاكتشافات في ميدان تنازع القوانين وجود وثائق تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد كانت تتضمن بعض القواعد المتبعة بشأن تنازع القوانين في العقود (4).
كما عرفت بعض البلدان التي خضعت للحكم اليوناني مثل مصر في القرن الرابع قبل الميلاد، مناخا مناسبة لتنازع القوانين، فمصر الفرعونية كانت تضم العديد من الأجانب من أصول مختلفة، من س وريين، ويونان، وفرس وغيرهم، وكان كل من هؤلاء يخضع لقوانينه الخاصة، وعندما احتل اليونان مصر لم تلغ هذه القوانين، لأنها كانت قوانين متقدمة نسبيا حتى على القوانين اليونانية، فأصبح في مصر نظامان قانونيان هما: النظام المحلي، و النظام اليوناني، هذا فضلا عن قوانين الجماعات الأخرى المتوطنة في مصر، وفي هذه المرحلة عرفت مصر أنظمة قضائية متعددة، فكانت هناك محاكم مصرية ومحاكم يونانية، وكانت كل محكمة تطبق قوانينها الخاصة بها، وساهمت هذه العوامل المختلفة في تنشيط العلاقات بين أفراد هذه الجماعات التي كانت تعيش على ارض مصر خاصة في ميدان العلاقات التجارية، هذا الأمر أدى إلى وضع قواعد محددة لحل المنازعات المتعلقة بالعقود التي كانت تبرم بين المصريين من جهة واليونانيين من جهة أخرى، وكانت هذه القواعد تقضي بخضوع العقد لقانون المحكمة المختصة (5) . وكانت اللغة التي يحرر بها العقد هي المعيار في تحديد المحكمة المختصة ومن ثم تحديد القانون الواجب تطبيقه، فإذا حرر العقد باللغة اليونانية كان الاختصاص للمحاكم اليونانية ومن ثم للقانون اليوناني، وإذا كان محررة باللغة المصرية كان الاختصاص للمحاكم المصرية ومن ثم يطبق القانون المصري، ويشير احد الفقهاء (6) إلى أن هذه الفكرة بحماية تعكس قاعدة التنازع القائمة في القوانين المعاصرة، التي تقرر مبدأ سلطان الإرادة كأساس لتحديد المحكمة المختصة "الخضوع الإرادي" وتحديد القانون واجب التطبيق القانون الإرادة (7).
وفي روما حصل تطور في معاملة الأجانب نتيجة للوضع السياسي الذي أوجده التوسع الروماني، فبعد أن كان الأجنبي يعامل معاملة الرقيق، وكان محرومة من كل حق، عرفت روما نظام الولاية كما في اليونان، وبعد توسع امتداد سيطرة روما على الشعوب المجاورة ومن ثم شعوب أخرى عديدة و اتسعت رقعة السيطرة الرومانية، ميز القانون الروماني بين ثلاث فئات من الناس داخل الإمبراطورية الرومانية: المواطنون الرومانيون وكانوا يتمتعون بالحقوق كافة، ويطبق عليهم القانون المدني "Jus Civile"، واللاتين وكان يطبق عليهم القانون المدني كذلك، إلا أنهم لا يتمتعون بكامل الحقوق (8). والأجانب وهم سكان بقية الأقاليم في الإمبراطورية، وكان يطبق عليهم قانونهم الأصلي (9).
هذا التطور أدى إلى ظهور قانون الشعوب "Jus Gentium" وهو قانون خاص بالأجانب، والى نشوء وظيفة قاضي الأجانب الذي كان يسمى ب "بريتور الأجانب"(10) وقد ألمحت فكرة قاضي الأجانب لأول مرة إلى فكرة تنازع القوانين (11)، لكن فكرة التنازع اختفت بعد أن تحول قانون الشعوب إلى قانون يحكم الأجانب والرومان في الوقت نفسه، كما أنه تم توحيد الحقوق الرومانية في عهد جستنيان فلم يعد هناك فرق بين الرومان والأجانب، إلا أن مشكلة التنازع عادت للظهور عندما نشأت روابط بين سكان الإمبراطورية و البرابرة، وبعد أن توسع دخول البرابرة إلى الإمبراطورية تم الاعتراف لهم بالخضوع لقوانينهم الخاصة كما كان شأن الأجانب في العصور الأولى للقانون الروماني (12).
____________
1- ولم يكن لهم حق الالتجاء إلى المحاكم لمطالبتها بتعويض الأضرار التي تلحق بهم، فحالتهم كانت أشبه بالرقيق فهم لم يكونوا أهلا للحق وأن كان يجوز أن يكونوا محلا له. ينظر: د. جابر جاد عبد الرحمن، القانون الدولي الخاص العربي، تنازع القوانين، الجزء الثالث، معهد الدراسات العربية العالية، جامعة الدول العربية، من دون مكان نشر، 1960، ص 27
2 - د. فؤاد ديب، القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين ، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية ، منشورات جامعة حلب 1996 ، ص 20-25.
3- وان كان هذا الأمر محل خلاف، فيرى العلامة الفاليري أن تنازع القوانين ظهر عند اليونان والرومان لأسباب عديدة منها: 1. كان يوجد عند اليونان نظام معين لحماية الأجانب الذين يفدون عليهم ويتعاملون معهم، هو نظام الضيافة التي كان اليوناني يتعهد بموجبها ضيفه الأجنبي، ويمنع الأذى عنه عند عمل المبايعات و العقود، والدفاع عنه أمام المحاكم. 2. كان عند الرومان قانون الشعوب الذي كان يطبق على الأجانب، وهو غير القانون الروماني الذي يسري على الرومان وحدهم.
إلا أن معظم الفقهاء يخالفون هذا الراي ويقولون بعدم وجود تنازع القوانين في هذه الفترة وذلك يرجع إلى: 1. أن الأجنبي لم يكن يعترف له بحقوق معينة بصفته أجنبيا، وهذا يتنافى مع أساس التنازع، كما لم يكن يحق له الظهور أمام المحاكم إلا بشخص مضيفه اليوناني. 2. إن قانون الشعوب لم يكن إلا قانونا رومانية وضعه الرومان أنفسهم ليطبق على رعايا الولايات التي فتحوها، فهو قانون إقليمي يطبق داخل أراضي الإمبراطورية الرومانية شأنه شأن القانون الروماني نفسه، أما الأجانب بالمعنى الحقيقي وهم أهالي البلاد الذين يقطنون خارج الإمبراطورية، فلم يكن يعترف الرومان بوجود علاقات قانونية معهم. ينظر: د. عبد الحميد عمر وشاحي، القانون الدولي الخاص في العراق، الجزء الأول، مطبعة النفيض الأهلية، بغداد، 1940-1941، ص 75- 79، وهو يؤيد الرأي الثاني بعدم وجود تنازع القوانين في هذه الفترة، لأن كل من القانون اليوناني، و القانون الروماني، كان إقليمية لا مجال فيه لشخصية القوانين.
4- د. فؤاد ديب، القانون الدولي الخاص، المرجع السابق، ص23.
5- المرجع نفسه، ص24
6- د. أحمد عبد الكريم سلامة، علم قاعدة التنازع والاختيار، بين الشرائع اصولا ومنهجا ، الطبعة الاولى وكتبة الجلاء الجديدة ، المنصورة 1996، ص 182
7- ينظر للمزيد من التفصيل حول قانون الإرادة د. محمود محمد ياقوت، الروابط العقدية الدولية بين النظرية الشخصية و النظرية الموضوعية، الطبعة الأولى، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2004، ص 75
8- ينظر للمزيد من التفصيل د. عز الدين عبد الله، القانون الدولي الخاص المصري، تنازع القوانين وتتنازع الاختصاص القضائي الدوليين، الجزء الثاني، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، من دون سنة نشر، ص19-20
9- و الأجانب كانوا يخضعون لقانونهم إذا كانوا من رعوية واحدة، فإذا ما اختلفت رعويتهم أو دخلوا في علاقات مع الرومان خضعوا القانون الشعوب، ينظر المرجع نفسه، ص19-20
10- هذا القضاء كان يختص بنظر المنازعات التي يكون أحد أطرافها أو كلهم من الأجانب، ولم يكن يطبق القانون الرماني الخاص بعلاقات الرومان بعضهم البعض الآخر، وإنما اوجد قواعد موضوعية جديدة عرفت بقانون الشعوب، وهي قواعد مستمدة من مبادئ العدالة، ومن المبادئ المهيمنة على مختلف النظم القانونية دون التقيد بالشكليات التي تميز بها القانون الروماني. ينظر د. فؤاد عبد المنعم الرياض ود. محمد خالد الترجمان، تنازع القوانين، من دون دار نشر و مكان نشر وسنة نشر، ص19-20 .
11- هذا التنازع من وجهة نظر جانب من الفقه و ان عرفته الشرائع الرومانية إلا أنه لم يبرز كنظرية لها مقوماتها، فحلول النزاعات في العلاقات ذات العنصر الأجنبي كانت حلوة موضوعية مستمدة من قانون موضوع مسبقا لرعايتها، دون المرور بقواعد تنازع القوانين فالرومان كما بينا في المتن عرفوا نوعين من القوانين كل منهما يختص بحكم علاقات محددة، فالقانون المدني كان يحكم علاقات الرومان فيما بينهم، وقانون الشعوب كان يحكم علاقات الأجانب مع الرومان و فيما بينهم، ونتيجة لهذا التقسيم وجد تقسيم آخر في الاختصاص القضائي، فكان القضاء الروماني يختص بنظر علاقات الرومان فيما بينهم، وقضاء الأجانب يختص بالمنازعات فيما بين الأجانب فضلا عن العلاقات المختلطة، والتلازم كان موجودة بين المحكمة والقانون، فقضاء الرومان كان يطبق القانون الروماني، وقضاء الأجانب كان يطبق قانون الشعوب مما ينفي وجود نظرية التنازع بانتقاء عملية الاختيار والمفاضلة. ينظر: د. سامي بديع منصور ود. عكاشة عبد العالة القانون الدولي الخاص، الدار الجامعية، بيروت، من دون سنة نشر، ص48-49
12- د. سعيد يوسف البستاني، القانون الدولي الخاص، تطور وتعدد طرق حل النزاعات الخاصة الدولية ، تنازع القوانين – المعاهدات – التحكم التجاري الدولي ، الطبعة الاولى ، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت لبنان 2004 ، ص68-69
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|