تتحد نشأة وتطور نظم التصريف بواسطة عاملين رئيسيين هما:

التركيب الجيولوجي: وهنا نقصد التركيب الجيولوجي بمعناه الواسع الذي يتضمن الالتواءات، والعيوب، والفواصل، وزوايا الانحدار الطبقي، ثم نوعية الصخر، ومدى تأثير هذا العامل بعناصره المختلفة في نشأة نظم التصريف النهري وتطورها. وكما سبق واوضحنا فإن شكل السطح الاصلي مرتبط ارتباطا مباشرا بالبنية الجيولوجية من أسلفه، ففي حالة البنيات الالتوائية سنجد الانهار التابعة الثانوية، التي تجري فوق جوانب الثنيات المحدبة لتصب في الانهار الطولية، هي الانهار ميل Dip Streams لأن جوانب الثنيات المحدبة ما هي إلا منحدرات ميل أحدث الصخور التي شملتها واحتوتها حركات الالتواء.

معنى هذا ان الصلة وثيقة بين الانهار التابعة وبين كل من الشكل الاصلي لسطح أرض حوضها ولبنيته الجيولوجية، وذلك حيثما اتفق الشكل مع البنية، وهنا يمكن القول بأن التصريف النهري متوافق Accordant (مع كل من السطح والبنية). أما حيثما غاب تأثير البنية الجيولوجية فإن نظام التصريف النهري يصبح غير متوافق Dilscordant مع البنية. ويتضح ذلك في مثال السهل التحاتي البحري، فقد يكون فعل البحر قد سوى البنية الجيولوجية التي كانت تحتوي على عدد عديد من الثنيات المقعرة والمحدبة، لكنها لم تعد الان بعد نحتها بذات تأثير على مجاري الانهار التابعة, معنى ان التركيب الجيولوجي قد يؤثر على انماط التصريف النهري الاصلية وقد لا يؤثر. لكنه من المؤكد يؤثر على تطور ونمو الانهار. ولعل أهم ظاهرة في هذا المجال ظهور ونمو الانهار التالية Subsequent التي تزداد طولا، بعملية النحت الصاعد، على طول خطوط الضعف الجيولوجي مثل مكاشف الصخور الصلصالية والرملية بامتداد مضارب الطبقات، وتعرف بأنهار المضرب Strike-type وحينئذ تتصل بالنهر التابع بزوايا قائمة، ومثل خطوط الفوالق والعيوب، والفواصل الرئيسية، ومحاور الثنيات المحدبة.

وبهذه الطريقة تضاف أنهار تتحكم فيها التراكيب الجيولوجية الى شبكة التصريف النهري التابعة الاصلية بصفة مستمرة. وسواء أكانت متوافقة او غير متوافقة، فإنها تتميز باستمرار ازداد معدلات تكيفها او انضباطها مع التركيب الصخري Adjustment to Structure وتبعا لذلك قد تعطى هذه الصلة الوثيقة لمراحل تطور نظام التصريف النهري. فإذا ما كان تكيف التصريف النهري مع التركيب الجيولوجي ضعيفا، فإن التصريف يكون في هذه الحالة شابا Youthful، أما إذا كان التكيف بينهما واضحا جدا, فإن ذلك يدل على نمو نظام التصريف وتطوره خلال فترة طولية من الزمن، ربما قد قطع خلالها أكثر من دورة تعرية.

ومن أحسن أمثلة التصريف النهري الجيد التكيف نظم التصريف النهري في سهول انجلترا، حيث تتبع كثير من الانهار الكبيرة مكاشف صخور ضعيفة على الاقل في جزء أو اجزاء من مجاريها, مثال ذلك نهر السيفيرن Severen الذي يقطع في جزئه الادنى الصخور الترياسية واللياسية من المارل والصلصال السهل النحت, ونهر ترينت Trent الذي تكيف في مجراه الاوسط بصخور المارل الضعيفة المقاومة، كما وأن روافد نهر التايمز تتبع مكاشف صلصال اوكسفورد Oxford Clay وفي أقليم الويلد Weald تتخذ أعداد كثيرة من النهيرات الصغيرة مساراتها على طول مكاشف صخور صلصالية.

وقد اتخذ بعض الكتاب، ومنهم ديفيز Davis، هذه الشواهد، وحسبوها دليلا على ان التصريف النهري الحالي في سهول انجلترا قد نشأ أصلا من الزمن الثالث، عقب انتهاء فترة الطغيان البحري التي أرسبت أثنائها تكوينات الطباشير بحلول حركة الرفع الواسعة النطاق لأراضي انجلترا, ومع هذا، فإنه من الصعب التكهن بصحة هذه النتيجة ، نظرا لقلة المعلومات الخاصة بدرجات قدرات الانهار التالية في اطالة مجاريها والوصول الى درجة متقدمة من التكيف مع التراكيب الصخرية. فلابد من معرفة مقدار قوة الرفع ومداه التي إنشات نظام التصريف النهري ومدى مقاومة الصخور التي تجري خلالها الانهار بدقة, وظروف المناخر السائدة, ويرى بعض الكتاب ان بعضا من أنهار الويلد Weald التالية، قد نشأت بالفعل من خلال المليون سنة الاخيرة، ومنذ الانحسار البحري الكلابري.

وينشأ عن نمو وتكاثر الانهار التالية اضطراب وتمزق واسع النطاق بسبب كثرة حدوث عمليات الاسر النهري River Capture لمنابع أو أجزاء من منابع الانهار التابعة, وبمرور الزمن تبدأ الانهار التالية  تسود، بتزايد مستمر، نمطر التصريف النهري برمته، بينما تتضاءل الانهار التابعة الضامرة المقطوعة الرؤوس، ويصبح تمييزها من الصعوبة بمكان.