أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-03
1765
التاريخ: 2024-08-14
485
التاريخ: 10-10-2014
2355
التاريخ: 2024-11-15
200
|
في
الأحاديث الإسلاميّة لم تكتف بالحث والتّرغيب لتعلم العلوم الدينيّة فقط ، بل نجد
أنّ الرّوايات قد اهتمت بالترّغيب لتعلم العلوم المفيدة في الحياة المادية
والمعنوية مضافاً إلى العلوم الدينية ، وإليك نماذج من تلك الرّوايات الشّريفة :
1-
ورد في حديث معروف عن النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال :
«اطلبُوا العِلمَ ولو بالصّين
فإنّ طَلَب العِلم فَريضَةُ عَلى كُلّ مسلمٍ» (1).
وينبغي
الإلتفات إلى أنّ الصيّن في ذلك الوقت كانت أبعد دولة معروفة ، وعليه فإنّ المراد
من ذكر الصين هو التمثيل للبعد في المسافات في هذا الحديث.
ومن
البديهي ، فإنّ ما كان في الصّين من العلوم لم يكن من العلوم الدينيّة والمعارف
القرآنيّة ، إذ لم تكن الصين مركزاً من مراكز الوحي ، بل كان المراد هو العلوم
الدنيوية المفيدة.
2-
وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ، قال : «الحِكْمَةُ ضالةُ المؤمنِ فاطلُبوها وَلو
عِنْدَ المُشرِك» (2).
ومن
الواضح ، أنّ ما عند المشركين ليس من العلوم الدينيّة ومعارف التوّحيد ، بل كان
عندهم بعض العلوم المفيدة الاخرى النافعة في الحياة.
ومن
مثل هذه الأحاديث ، يتداعى إلى الذّهن الشّعار المعروف «العلم ليس له وطن» ويؤكد
على أن العلم ضالة المؤمن ، وقد ورد في حديث آخر : «كلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيثُ وَجَدها
فهو أحقُّ بها» (3).
3-
وفي حديث معروف عن النّبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله : «العلمُ عِلْمان عِلمُ الأديانِ وعِلْمُ
الأبدانِ» (4) (فالعلم الأول أساس سلامة الرّوح والثّاني أساس سلامة
جسد الإنسان).
4-
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه و آله قال :
«العِلْمُ
ثلاثَة : الفِقْهُ للأديان والطِّبُ للأبدان والنّحو للِّسان» (5).
فهنا
يبيّن صلى الله عليه و آله ثلاثة أقسام مهمة من العلوم الإلهيّة والبشريّة ، وهي
العلوم الدينيّة وعلم الطّب والنحو الذي هو مفتاح العلوم الاخرى.
5-
وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين علي عليه السلام :
«العلُوم أربَعَةٌ الفقه للأديان
والطّبُّ للأبدان والنّحو للَّسان والنّجوم لمعرفة الأزمان» (6).
6-
وفي حديث آخر عن الإمام الصّادق عليه السلام يقول فيه :
«وكذلك أعطى (الإنسانَ) علم ما
فيه صلاح دُنياه كالزّراعة والغِراس واستخراج (7) الأرضينَ واقتناء الأغنامِ والأنعام
واستنباط المياه ومعرفة العقاقير التي يُستَشفى بها من ضروب الأسقام ، والمعادن
التي يستخرج منها أنواع الجواهر ، وركوب السَّفن والغوصِ في البحر ... والتصرُّف في
الصّناعاتِ ووجوه المتاجرِ والمكاسبِ»
(8).
وبهذا
، يعتبر الإمام الصّادق عليه السلام أن جميع هذه العلوم من المواهب الإلهيّة وأنّه
يحفِّز ويرغب النّاس على تعلّمها.
7-
وفي حديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ضمن بيان حقوق الأبناء على الآباء ، قال
:
«ويُعَلِّمُهُ كتابَ اللَّهِ
ويُطَهِّرَهُ ويَعلِّمَهُ السِّباحَةَ»
(9).
فمن
هذا الحديث ، يستفاد بوضوح أن تعليم فنِّ السباحة أيضاً اخذ بنظر الاعتبار لدّى
مشرع الإسلام ، وأوصى بتعليمه للأبناء.
8-
وفي حديث عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام : «وبَعْدَ عِلْمِ القرآنِ ما يكون أشرفَ من
علم النّجوم وهو علم الأنبياء والأوصياءِ وورثة الأنبياءِ الذّين قال اللَّه
عزّوجلّ : وعلاماتٍ وبالنّجم هم يهتدون»
(10).
فالمستفاد
من مجموع الآيات والروايات المذكورة ، وروايات أخرى يطول المقام بذكرها جميعاً ، هو
أنّ الإسلام أسَّس نهضة علمية واسعة ، وأنّ هذه النهضة المباركة نمت وترعرعت خلال
قرنين أو ثلاثة وتشعبت تلك الشّجرة المباركة حتى عمَّت غصونها كلّ العالم الإسلامي
، وأثمرت في فترة وجيزة ثماراً كثيرة منها الكتب الكثيرة التي أُلِّفتْ وصُنِّفتْ
في مختلف الفروع العلميّة كالمعارف الإلهيّة والفلسفيّة والطّب والصّحة والجغرافيا
والفيزياء والكيمياء وغير ذلك ، وتُرجِمَ بعضها وحققّ البعض الآخر ونشرت بصورة
تحقيقات جديدة لعلماء الإسلام.
العلماء
الذين بحثوا تاريخ الحضارة الإسلاميّة وكتبوا كتُباً في ذلك ، ومنهم علماء الغرب
خصصوا فصلًا مهما من تاريخ الحضارة الإسلاميّة للنهضة العلميّة عند المسلمين ، وعدّدوا
فروع علوم مختلفة انتشرت وإتخذت رونقاً خاصاً عندهم مع ذكر روّاد تلك العلوم
المسلمين فرداً فرداً.
والنكتة
المهمّة هنا هي اعتراف المؤرخين الغربيين الصّريح بأن النّهضة العلميّة في أوربا
قد استندت إلى نهضة المسلمين العلميّة وأنّ الأوربيين مدينون في نهضتهم لعلماء
الإسلام!
ففي
كتاب «تاريخ الحضارة الغربية ومبانيها في الشّرق» والذي كتب من قبل مجموعة من
علماء الغرب ، جاء : «عندما نطالع خدمات البيزنطينيّة (11) والمسلمين
للثّقافة الغربيّة يمكننا القول بأنّ نوراً عظيماً أشرق من الشرق على الغرب»!
يقول
الدكتور ماكس يرهوف في كتاب «ميراث الإسلام» : «لقد كانت علوم العرب (المسلمين)
كالقمر المنير الذي يضيء ظلمات ليالي أوربا القرون الوسطى ، ولما ظهرت العلوم
الجديدة خفت نور ذلك القمر ، ولكن كان ذلك القمر هو الذي هدانا في تلك الليالي
الظلماء حتى وصلنا إلى هذا المستوى ، ويمكننا القول بأنّ نور ذلك القمر لا زال
معنا» (12).
ونقرأ
في ذلك الكتاب أيضاً : «.... والخلاصة ، وبهذه الوسيلة (ترجمة كتب علماء الإسلام) هطلت علوم الشّرق كمطر الرّحمة
على أرض أوربا القاحلة ، فحولتها إلى أرض خصبة مثمرة ، وشيئاً فشيئاً تعرّف
الأوربيون على علوم الشرق!».
ويقول
هذا الكاتب في مذكرات تحت عنوان «العلوم الطبيعيّة والطّب» : «إنّ ما اكتشف في السنين
الأخيرة كان نوراً جديداً على تاريخ علوم العالم الإسلامي القديم ، ولا شكَّ في
أنّ هذه الإكتشافات ليست كافية لحد الآن ، وأنّ العالم سيقف أكثر فأكثر على أهميّة
العلوم الإسلامية في المستقبل»
(13).
وفي
مقالة اخرى عن البروفسور «كيب» أستاذ اللغة العربية في جامعة
لندن ، تحت عنوان «نفوذ الأدب الإسلامي في أوربا» يقول :
«عندما
نلقي نظرة على الماضي نلاحظ بأنّ علوم وأدب الشرق كان بمنزلة المادة الأولية
للحضارة العربية بنحو أضاءت معنويات وأفكار الشرق ، الروح الكدرة لأهل القرون
السّالفة الغربيين ، وهَدَتْهُم إلى عالم أوسع» (14).
وكتب «جرجي زيدان» المؤرخ المسيحي المعروف في كتابه «تاريخ الحضارة الإسلاميّة» في مبحث تأثير الإسلام في العلوم والمعارف
التي وردت دائرة الإسلام من الخارج ، قائلًا : «عندما وصلت الحضارة الإسلاميّة إلى
مرحلة الكمال ، وانتشرت العلوم الأجنبية في بلاد المسلمين ، بدأ المسلمون بتعلُّمِ
تلك العلوم ، فاستفاد بعض (علماء الإسلام) من نبوغهم وسبقوا أهل تلك العلوم
الأصليين ، وأضافوا إليها آراء واكتشافات جديدة ، وبهذا تنوعت العلوم وتكاملت
وانسجمت مع الثّقافة والآداب الإسلاميّة ، واتخذت شكل الحضارة الإسلاميّة.
وعندما
نهض الغربيون لاستعادة علوم اليونان ، أخذوا أكثر هذه العلوم بنفس ذلك اللون
الإسلامي من اللغة العربية!»
(15).
ويقول
في موضوع آخر : «وممّا قلناه حول دور التّعليم في الحضارة الإسلاميّة ، يمكن الجزم بأنّ العلم والمعرفة نشأتا في جهات
مختلفة عند المسلمين ، وأنّ العلماء والفقهاء والأطباء والفلاسفة قد أبدَوا نبوغهم
وإبداعهم في هذا المجال» (16).
وخلاصة
الكلام ، إنّ الكتب التّاريخية العالميّة العامّة ، أو تلك الخاصّة بتاريخ الحضارة
الإسلامية ، قد ذكرت بوضوح اعترافات مؤرخي الشرق والغرب بتأثير النهضة العلميّة
عند المسلمين على تأريخ وعلم وثقافة المجتمع البشري على المدى البعيد أو القصير ، وتفصيل
الكلام في ذلك يحتاج إلى كتاب مستقل ، وما ذكر إنّما هو جانب مختصر من ذلك.
_____________________
(1) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص
180؛ وكنز العمال ، ح 28697.
(2)
بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 34.
(3)
بحار الأنوار ، ج 2 ، ص 199 ، ح 58.
(4)
بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 220 ، ح 52.
(5)
بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 45 ، ح 52.
(6)
المصدر السابق ، ج 1 ، ص 218.
(7)
بما أنّ استخراج المعادن ذكر في الفقرات اللاحقة ، فلا يبعد أن المقصود من استخراج
الأرضين هو تحضير الأراضي الموات لزراعتها.
(8)
بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 83.
(9)
وسائل الشّيعة ، ج 15 ، ص 199 ، باب 88 ، ح 7.
(10)
بحار الأنوار ، ج 47 ، ص 146.
(11)
«البيزنطينيّة» ، إمبراطورية روما الشّرقية وعاصمتها البيزنطينيّة وهي الآن تشمل
قسماً من تركية ، وتعتبر إسطانبول الفعلية محلًا لعاصمتها البيزنطينيّة.
(12)
ميراث الإسلام ، ص 134.
(13)
ميراث الإسلام ، ص 111.
(14)
المصدر السابق ، ص 181.
(15)
تاريخ الحضارة ، جرجي زيدان ، ج 3 ، ص 196.
(16)
تاريخ الحضارة ، جرجي زيدان ، ج 3 ، ص 222.