الجغرافيا العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية- تاريخها ونطاقها وآخر التطورات:

انبثقت الجغرافيا العسكرية من التداخل بين الجغرافيا والعلوم العسكرية، وهي في أحد تجلياتها نوع من الجغرافيا التطبيقية التي توظف المعرفة بهذا الاختصاص وأساليبه وتقنياته ومفاهيمه في الشؤون والأمكنة والمناطق العسكرية (2003 Palka). ومن جهة أخرى، يمكن مقاربة هذا الاختصاص من منظور تاريخي أيضا Davies 1946; Meigs) (2005 ,2000Winters 1998; Palka and Galgano ;1961، مع التشديد على أثر الظروف الجغرافية الطبيعية أو البشرية في نتائج المعارك أو الحملات أو الحروب الحاسمة.

وفي أي من الحالتين، فقد استمرت الجغرافيا العسكرية في مواكبة التطورات التقنية والعقيدة العسكرية لتطبيق المعلومات والمبادئ والأدوات الجغرافية بشكل فعال على الأوضاع أو المشكلات العسكرية، عبر طيف واسع من أوقات السلم إلى أوقات الحرب (2004Corson and Palka). وضح جوزيف راسل في كتابه المتميز بعنوان الجغرافيا الأمريكية: التقييم والأفق (1954)، أن الجغرافيا العسكرية ظلت ولمدة طويلة تعرف بوصفها فرعا معتمدة من فروع الجغرافيا الأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من الجدل الذي أحاط بهذا الفرع أحيانا منذ تقييمه ;1972 Association of American Geographers) (1973 Lacoste، وفترة السبات التي مر بها ضمن الجغرافيا الأكاديمية في الولايات  المتحدة خلال حرب فيتنام، فقد أظهرت الجغرافيا العسكرية مرونة لا شك فيها في نهاية القرن العشرين. وعلاوة على ذلك، فإن السنوات المضطربة من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أدت دور المحفز لفرص جديدة داخل الفرع.

طوال القرن العشرين، قدم الأكاديميون الجغرافيون مساهمات هائلة لمفاهيم الجيش الأمريكي عن الأمكنة والشعوب البعيدة. ففي معظم المكتبات الجامعية، يمكن أن يصادف المرء مجموعة كبيرة من كتيبات المساحة التي ألفها الجغرافيون في زمن الحرب. وتبقى بعض الأعمال التي ألفها الجغرافيون في وزارة الدفاع سرية، ولكن عددا ضخما من المؤلفات متاح للعموم أو يعتبر "مصدرا مفتوحا". كما أن معاينة مختصرة لأدوار الجغرافيين ومساهماتهم في وزارة الدفاع تتيح للمرء أن يقدر الأثر العميق الذي تركه هذا الاختصاص في الشؤون العسكرية (1980 Munn). ويستمر هذا التوجه اليوم مع مئات الجغرافيين الذين وظفتهم وكالة الاستخبارات الدفاعية، ووكالة الاستخبارات الجيوفضائية القومية وغيرها من المؤسسات الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد هذه الوكالات على مساهمات الأكاديميين الجغرافيين ومجموعة المصادر المفتوحة أكثر من أي وقت مضى.

في الوقت الذي يقر معظمنا بفائدة الجغرافيا العسكرية في أوقات الحرب، فإن هذا الفرع لطالما كان فرعا مهما في أوقات السلم، حيث أتاح منبرة مها للحوار المستمر بين الجغرافيين والمخططين العسكريين والمسؤولين السياسيين والوكالات الحكومية؛ لأن كلا منهم يعتمد على المعلومات والأدوات والتقنيات الجغرافية بهدف مواجهة عدد كبير من المشكلات في إطار الأمن القومي والمساعدات الإنسانية وإدارة المنشآت. ويتقصى هذا الفصل تاريخ الجغرافيا العسكرية بوصفها حقة معرفية مهمة، ويتتبع أصوله وتطوره في الولايات المتحدة، ويركز على تطوراته الأخيرة، ويقدم تقييما راهنا له، ويقترح أجندة للمستقبل.