المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



في رحاب المرتضى "عليه السّلام" (ق1)  
  
2560   03:01 مساءً   التاريخ: 17-7-2022
المؤلف : مركز المعارف للمناهج والمتون التعليميّة
الكتاب أو المصدر : سيرة الأئمة عليهم السلام، دروس في الحياة الأخلاقيّة والتربويّة والسياسيّة
الجزء والصفحة : ص31-39
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام) /

تمهيد

إنّ الكلام عن أكمل خلق اللَّه - عزّ وجلّ - بعد نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم صعب مستصعب، فالتواضع والاعتراف بالعجز عن تأدية شيء من حقوق أشرف الخلق لهو السبيل الأسلم للحديث عنهم عليهم السلام والتعرّف إليهم. ومع ذلك، فإنّ اللَّه تعالى أنعم علينا بأن كان لهم عليهم السلام حياةٌ أرضيّة تشبه حياة الناس، وأنّهم عاشوا مع الناس مثل الناس، فكان لهم سيرة يمكن تتّبعها، وأفعال تعبّر عن حقيقتهم عليهم السلام، لذا فإنّ هذا البعد التاريخيّ في شخصيّاتهم هو بابنا للولوج إلى بحر معرفتهم اللّامتناهي.

الإمام عليّ عليه السلام الشخصيّة الجامعة

إذا أردت أن تطلّع على حياة الإمام عليّ عليه السلام على هذه البسيطة، وأردت أن تلاحظ مختلف جوانبها الظاهريّة فقط، فإنّك ستجده صاحب شخصيّة جامعة، شخصيّة حوت من المكارم أرفعها ومن الفضائل أرقاها، بل كلّ كمال وكلّ فضل وكلّ خير كان عليّ عليه السلام معقله. وليست تلك بمبالغة البتّة، بل إنّ الوقائع التاريخيّة تُظهر ما سلف، وهذا ما سيتبين شيءٌ منه فيما يأتي.

فللباحث في حياة إمام المتّقين عليّ عليه السلام أن يُذهل ويدهش من عظم شخصيّته وجامعيّتها، فتحار من أيّ معينه تنهل، فإذا بك تغوص في بحرٍ لُجّيٍّ لا قرار له، بحرٍ من العظمة والجود والعبوديّة والحبّ والرأفة والزهد في حطام الدنيا، ورحمة الأيتام والعدل في كلّ حال.

يُبيّن السيّد الخمينيّ "قدس سره" مسألة جامعيّة شخصية الإمام عليّ عليه السلام فيقول: "عليّ عليه السلام هو التجلّي العظيم للَّه"[1]، ويضيف: "هذا العظيم يمتاز بشخصيّة ذات أبعاد كثيرة، ومظهر لاسم الجمع الإلهيّ الذي يحوي جميع الأسماء والصفات، فجميع الأسماء والصفات الإلهيّة في ظهورها وبروزها في الدنيا وفي العالم ظهرت في هذه الشخصيّة (شخصيّة الإمام عليّ عليه السلام) بوساطة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّ أبعاده الخفيّة هي أكثر من تلك الأبعاد الظاهرة، وإنّ هذه الأبعاد نفسها التي توصّل إليها البشر، ويُتوصّل إليها، قد جمعت في رجل واحد، في شخصيّة واحدة، جهات متناقضة ومتضادّة... تمتلك جميع الأوصاف وجميع الكمالات... لم يكن حضرة الأمير عليه السلام من الجهة المعنويّة شخصاً مفرداً، بل كان كلّ العالم"[2].

ثمّ إنّ هذا المقام المعنويّ العظيم الذي يتحدّث عنه السيّد الخمينيّ قدس سره ووصفه بأنّه مظهر لاسم الجمع الإلهيّ، والذي هو أصل كمالات الإمام عليّ عليه السلام الظاهريّة كلّها، لم يُكتب له أن يظهر كما ينبغي، وذلك بفعل الأحداث التاريخيّة، والتمرّد المتكرّر على إمام الحقّ.

لكن ينبغي لنا أن لا يغيب هذا البعد الغيبيّ المعنويّ الحقيقيّ عن أذهاننا في معالجتنا للقضايا المتعلّقة بالمعصومين عليهم السلام، كي لا نُخفق في معرفتنا لهم، فنظلم أنفسنا ونسدّ عليها أبواب الاقتداء بهم عليهم السلام. يقول الإمام الخمينيّ قدس سره حول هذه المسألة: "يجب علينا أن نأسف لأنّ الأيدي الخائنة، والحروب التي أشعلوها، ومثيري الفتن، لم يسمحوا لبروز الشخصيّة الفذّة لهذا الرجل العظيم في أبعادها المختلفة".

فإذا كان الكثير من أبعاده الظاهريّة خافياً عنّا، فكيف بالأبعاد المعنويّة التي لا ينال معرفة حقائقها أحد من العالمين كما جاء في الأحاديث الشريفة، حيث روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يا عليّ، ما عرفني إلّا اللَّه وأنت، وما عرفك إلّا اللَّه وأنا"[3].

نسب الإمام علي عليه السلام

هو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ، واسم والده المكنّى بأبي طالب هو عبد مناف، وقيل عمران[4]، وهو أخو عبد اللَّهعليه السلام والد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأمّه وأبيه.

أمّه هي فاطمة بنت أسد بن هاشم، أسلمت وهاجرت مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وكانت من السابقات إلى الإيمان، وقد تكفّلت وأبو طالب رعاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد موت أمّه آمنة[5] عليه السلام، فكانت بمثابة الأمّ له صلى الله عليه وآله وسلم، قال فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد موتها: "رحمك اللَّه يا أميّ، كنت أمّي بعد أمّي..."[6].

وقد كانت السيّدة فاطمة بنت أسد أوّل هاشميّة وُلدت لهاشميّ[7]، فعراقة النسب ورفعة الحسب أحاطتا بالإمام عليّ عليه السلام لجهة أمّه وأبيه، وكفى بشرافة نسبه عليه السلام أنّه هو فرع ذلك النسب.

مراحل حياة الإمام عليّ عليه السلام

كان الإمام عليه السلام في فترة حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تابعاً بالكلّيّة، ومنقاداً قلباً ووجداناً لشخص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومدافعاً مستميتاً عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرسالة، ومن ثمّ أمسى هو بنفسه المحور الذي ينبغي أن يُدار حوله، وذلك بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وبناءً على تنوّع أدوار الإمام في هذين العصرين من حياته الشريفة بحسب الظروف، يمكن لنا أن نصنّف حياته إلى مراحل عدّة كالآتي:

1- من الولادة المباركة حتّى البعثة النبويّة، أي من 13 رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة إلى البعثة النبوية في 27 رجب، أي عشر سنين.

2- من البعثة النبويّة حتّى الهجرة، وهي ثلاث عشرة سنة.

3- من الهجرة حتّى رحيل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهي عشر سنوات، حيث يكون عمر الإمام عليه السلام إلى وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثاً وثلاثين سنة.

4- وهي مرحلة الخلفاء الثلاثة، أي من حين حادثة سقيفة بني ساعدة إلى وفاة عثمان بن عفان، وهي خمس وعشرون سنة. وهذه المرحلة هي مرحلة إبعاد الإمام عليه السلام عن الحكم والقيادة المباشرة للمسلمين.

5- من البيعة للإمام عليه السلام سنة35ه حتّى استشهاده عليه السلام في21 من شهر رمضان سنة 40هـ. وتقرب هذه المرحلة من خمس سنوات، وهي مرحلة الحكم والقيادة المباشرة للمسلمين. وفيما يلي سوف نتعرّض لحياة الإمام عليّ عليه السلام وفقَاً لهذه المراحل.

الإمام عليّ عليه السلام من الولادة حتّى البعثة النبويّة

1- ولادته عليه السلام:

بعد مضيّ ثلاثين سنةً من عام الفيل، شرّف اللَّه - عزّ وجلّ - الكعبة المكرّمة وبيته الحرام بمزيد تشريف، فكانت محلّ ولادة أعظم الخلائق بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، الإمام عليّ عليه السلام، وذلك في يوم الجمعة في 13 من شهر رجب، عندما شُقّ جدار البيت المعظّم لفاطمة بنت أسد عليه السلام ودخلت فيه. وقد بقيت فاطمة في بيت اللَّه - عزّ وجلّ - ثلاثة أيّام ثمّ خرجت وبين يديها سيّد الأوصياء[8] عليه السلام. وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه - عزّ وجلّ - بها إجلالاً وإعلاءً لمرتبته عليه السلام، حيث لم يولد قبله في البيت الحرام أحد ولا حدثت لأحدٍ بعده.

2- من كناه وألقابه عليه السلام:

إنّ لأمير المؤمنين عليه السلام ألقاباً وكنًى كثيرة يصعب إحصاؤها، كلّها صادرة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في شتّى المواقف، منها: سيّد الأوصياء، أمير المؤمنين، قائد الغرّ المحجّلين، الصدِّيق الأكبر، الفاروق الأعظم، وغيرها. وأمّا كناه فعديدة، منها: أبو الحسن، أبو السبطين، أبو تراب[9].

3- الإعداد النبويّ للإمام عليّ عليه السلام:

كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كثير التردّد إلى منزل عمّه أبي طالب، على الرغم من زواجه بخديجة وعيشه معها في منزل منفرد، وكان يُظهر رعايةً وعنايةً خاصّتين بعليّ عليه السلام الصغير، فيحمله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه.

عاش الإمام عليّ عليه السلام خلال المرحلة الأولى من حياته، وهي الفترة الحسّاسة لتكوين شخصيّته وتربيته روحيّاً ومعنويّاً، في بيت الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وفي ظلّ تربيته، وذلك بعدما أصابت قريشاً أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرين، فتفرّق أبناء أبي طالب بين إخوته، إلّا أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أخذ عليّاً فضمّه إليه، وكان عمره ستّ سنوات، فلم يزل عليّ عليه السلام مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في بيته حتّى بعثه اللَّه نبيّاً، فاتّبعه عليّ وأقرّ به وصدّقه[10].

وقد أشار الإمام عليّ عليه السلام في الخطبة القاصعة إلى هذه الفترة من حياته، فقال: "وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمُّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثمّ يُلقمنيه...، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به"[11].

وقد شاءت الارادة الإلهيّة أن يتربّى الإمام عليّ عليه السلام في حجر أفضل البشر. ويرشدنا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في خطوته تلك المحاطة بالعناية الإلهيّة إلى مسألة تربويّة غاية في الأهمّيّة، وهي الاهتمام بالبيئة المحيطة بالمتربّي وتنقيتها من الشوائب، خصوصاً إن كان صاحب استعدادات وقابليّات عالية. فمع أنّ المتربّي ليس بطفلٍ عاديّ وليس مجرّد طفلٍ يملك استعدادات روحيّة عالية، بل هو الوليّ المطلق للَّه تعالى، إلّا أنّ ذلك استدعى مزيد عنايةٍ من اللَّه - عزّ وجلّ - عبر نبيّه الذي هيّأ البيئة الملائمة لظهور استعدادات ذلك العظيم عليه السلام.

4- الإمام عليّ عليه السلام في غار حرَاء:

كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يُبعث، يجاور في غار حرَاء من كلّ سنة شهراً. وقد دلّت الروايات على أنّ رسول اللَّه كان يأخذ عليّاً معه إلى غار حرَاء. وحينما هبط ملك الوحي على النبيّ أوّل مرّة، وكرّمه بالرسالة، كان الإمام عليّ عليه السلام بجانبه في ذاك الغار، وقد قال عليه السلام عن ذلك في الخطبة القاصعة: "ولقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يجاور في كلّ سنة بحَرَاء، فأراه ولا يراه غيري...، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي، فقلت: يا رسول اللَّه، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أَيِسَ من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلّا أنّك لست بنبيّ، ولكنّك لَوزير، وإنّك لَعلى خير"[12].

وفي تلك الحادثة دلالة على شدّة الاستعدادات الروحيّة التي كانت نفس أمير المؤمنينعليه السلام تكتنفها، وعلى قُوّتها، حتّى قبل ظهور الإسلام، وهذه الحادثة وغيرها تعبّر عن حقيقة جاء نصّها على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "إنّ اللَّه - تبارك وتعالى - خلقني وعليّاً من نور واحد قبل أن خلق الخلق بخمسمائة ألف عام، فكنّا نسبّح اللَّه ونقدّسه، فلمّا خلق اللَّه تعالى آدم، قذف بنا في صلبه، واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعليّ في الأيسر، ثمّ نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نزل كذلك حتّى أطلعني اللَّه -تبارك وتعالى- من ظَهْرٍ طاهر،  وهو عبد اللَّه بن عبد

المطّلب، فاستودعني خير رحم، وهي آمنة، ثمّ أطلع اللَّه - تبارك وتعالى - عليّاً من ظَهْرٍ طاهر، وهو أبو طالب، واستودعه خير رحم، وهي  فاطمة بنت أسد"[13].

النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليّ عليه السلام هما من حقيقة واحدة بشهادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فلا ريب في أن يكون للإمام عليه السلام قابليّات واستعدادات تماثل ما عند الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

الإمام عليّ عليه السلام من البعثة إلى الهجرة النبويّة

استغرقت هذه الفترة ثلاثة عشر عاماً، وتشتمل على مجموعة كبيرة من الأعمال العظيمة والبارزة التي قدّمها الإمام عليّ عليه السلام في سبيل ازدهار الإسلام ورفعته:

1- الإمام عليّ عليه السلام أوّل من أسلم، وأوّل من صلّى:

كان الإمام عليّ عليه السلام لم يتجاوز عشرة أعوام من عمره الشريف لمّا بُعث رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّ أُولى مفاخر الإمام عليّ عليه السلام هي سَبْقه في الإسلام، وتقدّمه على الجميع، وهي فضيلة يقرّ بها جميع المسلمين، لطهارة روحه وصفاء نفسه وبغضه لعبادة الشرك والأوثان، فقد كان عليه السلام مؤمناً موحّداً منذ خلقه اللَّه عزّ وجلّ. فالأدقّ أن نقول إنّه أوّل من جهر بإسلامه وأعلنه، ذلك أنّ الإمام عليّاً عليه السلام لم يشرك بربّه منذ ولادته، فلا يصحّ أن نقول إنّه أسلم أو آمن، حيث يقول عليه السلام عن نفسه: "فإنّي وُلدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة"[14]. وقد كان الإمام عليّ عليه السلام أوّل من صلّى بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فصلّى معه جماعة في شعاب مكّة متخفيين، حيث كانا يخرجان بعيداً عن أعين الناس عموماً للصلاة[15]، وكانت السيّدة خديجة تصلّي معهما[16].

إنّ إعلان الإمام عليّ عليه السلام إسلامه وهو دون العاشرة من عمره، وتلبيته لنداء الصلاة كما فعل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تماماً، وعدم اكتراثه عليه السلام بتبعات ذلك كلّه، من استهزاءٍ ونبذٍ ومطاردةٍ، لهي موضع تأمّل وتفكّر! فليس أيّ شخص قادراً على نبذ الموروثات والعقائد والسلوكيّات كلّها التي يدين بها رهطُه وعشيرتُه دونما أيّ التفات، بل إنّ ذلك يحتاج قوّة شديدة في روحه!

 

فهذه المواقف تبيّن قوّة الشخصيّة التي كان يتحلّى بها الإمام عليّ عليه السلام منذ صغره، ورقيّ نفسه الطاهرة، وليس هذا فحسب، بل إنّ تلك المواقف تُظهر القوّة الحقيقيّة التي يهبها الحقّ لأتباعه المخلصين، فلا يعبؤون بكلّ ما سوى الحقّ. وقوّة الدين نفسه، وتفاعل الإمام عليه السلام الإيجابيّ مع الدين قد أسهمَا في دفعه إلى التخلّي بسهولة شديدة عن كلّ ما يعادي الدين أو حتّى يقف حياديّاً تجاهه، فكثير من وجهاء قريش ممّن هم من أصحاب القوّة والكلمة في قريش وسواها لم يجرؤوا على فعل بعضٍ من أفعال عليّ عليه السلام، ولا سيّما في بداية الدعوة، بل إنّ أطواق الجاهليّة بقيت تكبّلهم حتّى حين، إلى أن أسلم بعضهم فيما بعد، وأعلن آخرون الحرب، كأبي سفيان، ضدّ الإسلام.

2- مساندة الإمام عليّ عليه السلام للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:

لم يفارق الإمام عليّ عليه السلام رسولَ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم منذ صغره، وقد تأكّد هذا الترابط الوثيق بعد بزوغ فجر الإسلام، حيث كان الإمام عليّ عليه السلام يساند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في فترة الدعوة السرّيّة مدّة ثلاث سنوات. وعندما أُمِر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك بدعوة قومه إلى دين اللَّه، أمر صلى الله عليه وآله وسلم الإمام عليّاً عليه السلام بأن يُعدّ وليمة غداء دعا إليها وجهاء بني هاشم، ثمّ دعاهم إلى الإسلام، وقال: "يا بني عبد المطلب، أنّي واللَّه ما أعلم أنّ شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، أنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللَّه أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟"، فلم يُجبه أحد إلّا عليّ عليه السلام وله من العمر نحو 14 عاماً، فقال في حقّه: "هذا عليٌّ أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا"[17].

وقد كان الامام عليه السلام ينبري للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على الدوام، وكأنّه الحارس الشخصيّ له صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يتصدّى لصبية قريش الذين كانوا يرمون الحجارة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ويدمونه، ويستهزؤون به بعد أن جهر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة، وكان عليّاً عليه السلام يمنعهم عنه صلى الله عليه وآله وسلم، ويقضم لهم أنوفهم، حتّى سُمّي بالقضيم[18].

وبعد أن عجزت قريش عن إيقاف مدّ الدعوة، اجتمع المشركون في دار الندوة وقرّروا قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فانتدبوا من كلّ قبيلة شابّاً يشارك في قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ليضيع دمه بين القبائل. أطلع جبرائيل رسولَ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك، وأبلغه أمر اللَّه بأن يترك مكّة ويتّجه نحو يثرب. واختار اللَّه عليّاً ليفدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه، فبات في فراشه ليوهم المشركين أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال في الدار، وليَسلم نبيّ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم من كيد المشركين، فأيّ إيثار ذلك، وأيّ تضحية وأيّ فداء وشجاعة!

إنّ مثل هذه الأفعال والتضحيات هي سمة المخلَصين الذين لا يحيدون عن إرادة بارئهم مطلقاً، ولا يرون لأنفسهم أيّ وجود ما خلا وجود المحبوب الحقيقيّ الذي قد فنوا في إرادته. فعندما طلب النبيّ المصطفى عليه السلام من الإمام عليّ عليه السلام أن يبيت في فراشه، لم يتردّد عليه السلام ولم يتوانَ، بل لم يسأل الإمام عليه السلام عن أيّ تفصيل، فضلاً عن أن يفكّر في الموافقة وعدمها، وكان جلّ همّه هو الرسالة وحاملها.

وقد خلّد القرآن تضحية عليّ عليه السلام، فقال عزّ وجلّ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾. ثمّ لمّا اجتمع عليه القوم نهض فيهم وفرّقهم عنه، ولمّا رأوا أنّ البائت ليس هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بل عليّ عليه السلام تركوه، وذهبوا يقتفون أثر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي خرج من مكّة يريد يثرب[19]، ثمّ لحقه الإمام عليّ عليه السلام بعد أيّام.

وقد سنّ الإمام عليّ عليه السلام سُنّة الإيثار والتضحية والفداء بفعله ذاك، وقدّم للجميع درساً عمليّاً حول نكران الأنا وعدم رؤيتها البتّة في قبال الحقّ، وهو يعلّم الجميع أنّ المنتسب الحقيقيّ إلى الرسالة والدين ينبغي أن يتحلّى بالشجاعة التي تؤهّله لأن يضحّي بأغلى ما يملك في سبيل قيمه ومشروعه الذي يؤمن به.

 


[1] أهل البيت عليهم السلام في فكر الإمام الخمينيّ قدس سره، مصدر سابق، ص 17.

[2] المصدر نفسه، ص 17 - 18.

[3] المجلسيّ، محمّد تقي، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، الناشر: مؤسّسة كوشانبور للثقافة الإسلاميّة، قم، ط2، 1406هـ، ج5، ص 492.

[4] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السلام، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1403هـ، بيروت، ج35، ص 138.

[5]  المصدر نفسه، ص 179.

[6] المجلسيّ، محمّد تقي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1404هـ، ط2، ج5، ص 278.

[7] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص 230.

[8] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 132 - 133.

[9] راجع: الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص11، الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، مصدر سابق، ج1، ص126، الخصيبي، حسين بن حمدان، الهداية الكبرى، الناشر: البلاغ، بيروت، 1419ه، ص 93.

[10] راجع: العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج35، ص 43 - 44.

[11] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة اللَّه، شرح نهج البلاغة، الناشر: مكتبة السيّد المرعشي النجفيّ، قم، 1404هـ، ط1، ج13، ص 197.

[12] المصدر نفسه.

[13] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج35، ص 10.

[14] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج4، ص 54.

[15] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج35، ص 43.

[16] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج4، ص 119 - 120.

[17] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج13، ص 210 - 211.

[18] القمّيّ، علي بن إبراهيم، تفسير القمّيّ، الناشر: دار الكتاب، قم، 1404هـ ط3، ج1، ص 114.

[19] المصدر نفسه، ص 273 - 277.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.