المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ماشية اللحم في استراليا
2024-11-05
اقليم حشائش السافانا
2024-11-05
اقليم الغابات المعتدلة الدافئة
2024-11-05
ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
الانفاق من طيبات الكسب
2024-11-05
امين صادق واخر خائن منحط
2024-11-05

Modal (FOR) TO, Judgement TO, and THAT
2023-03-30
معنى كلمة سرج‌
24-11-2015
حسن لقاء الناس / السلام
12-12-2021
الطبيعة القانونية لأسباب الإباحة
19-4-2017
كتاب شذور الذهب وشرحه
12-08-2015
الأسرة وتأثيرها على التأخر الدراسي
2/10/2022


في رحاب الإمام الهادي عليه السّلام (1)  
  
2392   04:26 مساءً   التاريخ: 15-7-2022
المؤلف : مركز المعارف للمناهج والمتون التعليميّة
الكتاب أو المصدر : سيرة الأئمة عليهم السلام، دروس في الحياة الأخلاقيّة والتربويّة والسياسيّة
الجزء والصفحة : ص329-339
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن محمد الهادي / قضايا عامة /

الإمام الهادي عليه السلام

هو عليّ بن محمّد بن عليّ عليه السلام، وهو العاشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام. أبوه الإمام محمّد الجواد عليه السلام، وأمّه هي أمّ ولد يقال لها سمانة المغربيّة، كما عُرفت بأمّ الفضل[1]. وقد روي عن الإمام الهادي عليه السلام في حقّها أنّه قال: "أمّي عارفة بحقّي، وهي من أهل الجنّة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبّار عنيد، وهي مكلوءة بعين اللَّه التي لا تنام، ولا تتخلّف عن أمّهات الصدّيقين والصالحين"[2].

ولد الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام في الثاني من شهر رجب سنة 212هـ. وكان من ألقابه عليه السلام: النجيب، المرتضى، الهادي، النقيّ، العالم، الفقيه، الأمين، الطيّب، المتوكّل، وقد منع شيعته من أن ينادوه به، لأنّ الخليفة العبّاسيّ كان يُلقّب به[3]، وأشهر ألقابه: النقيّ، والهادي، وقد عُرف هو وابنه بالعسكريَّين[4] عليه السلام.

وأمّا كنيته فهي: أبو الحسن الثالث، تمييزاً له عن الإمامَين الكاظم والرضا عليهما السلام[5]. وكان له عليه السلام من الأولاد خمسة، وهم: الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، والحسين، ومحمّد، وجعفر المعروف بجعفر الكذّاب المدّعي للإمامة، وبنت واحدة[6]. وكان الإمام الهادي عليه السلام قبل شهادته قد أوصى لابنه الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام بالإمامة[7]، واستشهد عليه السلام في الثالث من شهر رجب سنة (254هـ). وكان عمره حين شهادته 41 أو 42 سنة تقريباً، واستشهد بالسمّ في زمن المعتزّ، ودفن في سامرّاء.

بعضُ الخصائص الشخصيّة للإمام الهادي عليه السلام

1- عمله في مزرعته:

أُحضر الإمام الهادي عليه السلام إلى سامرّاء، وعاش فيها عشرين سنة، وكانت له مزرعة هناك يعمل فيها، حتّى ذكروا أنّه كان يعمل بيده في الأرض لإعاشة عياله، فقد روى عليّ بن حمزة خبراً، فقال: "رأيت أبا الحسن الثالث يعمل في أرض، وقد استنقعت قدماه من العرق، فقلت له: جعلت فداك، أين الرجال؟ فقال الإمام: يا عليّ، قد عمل بالمسحاة مَن هو خير منّي ومن أبي في أرضه. قلت: من هو؟ قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وآبائي كلّهم عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء الصالحين"[8].

ولعلّ عمله ذاك كان للتخفّي، حيث وُضع تحت رقابة السلطة بشكل كبير، في مدينة سامرّاء، ليوصل رسالة للخليفة أنّه مشغول برزقه وعياله ومتابعة شؤون أرضه ومزرعته بنفسه. لكن جدير بالذكر أنّ الإمام الهادي عليه السلام، كما آباؤه الكرام، يقدّم بسلوكه هذا العديد من الدروس والعبر، فهو صاحب الغلمان والمماليك، ومع ذلك يعمل في أرضه بيديه، فلا يستعلي، ولا يستكثر ذلك على نفسه، وهذا يبيّن مدى تواضعه وبساطة عيشه، ويجيب السائلَ بأنّ ذلك من سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام الذين عملوا بأيديهم خلال حياتهم، فهي سيرة يجب تكريسها وتثبيتها كذلك.

 

2- تكريمه عليه السلام للعلماء:

كان الإمام الهادي عليه السلام يكرّم رجال الفكر والعلم، ويحتفي بهم، ويقدّمهم على بقيّة الناس، مبيّناً بذلك قيمة العلم المصحوب بالتقوى، وقيمة العلماء الحقيقيّين عنده، وأنّ العلم هو مورد التفاضل لا أيّ شيء آخر. وكان من بين الذين نالوا تكريم الإمام الهادي عليه السلام أحدُ علماء الشيعة وفقهائهم، والذي كان قد بلغه عنه أنّه حاجج ناصبيّاً فأفحمه وتغلّب عليه، فسُرّ الإمام عليه السلام بذلك، ووفد العالم على الإمام، فقابله بحفاوة وتكريم، وكان مجلسه مكتظّاً بالعلويّين والعبّاسيّين، فأجلسه الإمام عليه السلام على دست، وأقبل عليه يحدّثه، ويسأل عن حاله سؤالاً حفيّاً.

فشقّ ذلك على الحاضرين في مجلسه من الهاشميّين فالتفتوا إلى الإمام، وقالوا له: كيف تقدّمه على سادات بني هاشم؟ فقال لهم الإمام عليه السلام: "إيّاكم أن تكونوا من الذين قال اللَّه تعالى فيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ﴾[9]، أترضَون بكتاب اللَّه - عزّ وجلّ - حَكَماً؟"، فقالوا جميعاً: بلى، يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم. وأخذ الإمام يقيم الدليل على ما ذهب إليه من رفع العالم على غيره، وإن كان ذاك "الغير" أشرف نسباً، إلى أن قال عليه السلام: "أَوَلَيس قال اللَّه: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[10]، فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللَّه؟ إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج اللَّه التي علّمه إيّاها لأشرف من كلّ شرف في النسب"[11].

أراد الإمام الهادي عليه السلام بفعله هذا أن يثبّت قيمة سامية في الإسلام، وهي قيمة العلم، وأنّ العلم الممزوج بالإيمان هو ما يرفعك في الدنيا والآخرة وهو ما يجعلك محلّ تكريمٍ من وليّ اللَّه لا نَسَبك وإلى من تعود أصولك، وهؤلاء العبّاسيّون أكبر مثال على أنّ النسب لا يُغني ولا يُسمن من جوع، وهم أكثر وأشدّ من نكّل بأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم خلال سنوات حكمهم.

 

3- هيبته ووقاره عليه السلام:

كان الإمام الهادي عليه السلام أطيب الناس بهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت عَلَتْهُ هيبة الوقار، وإذا تكلّم سماه البهاء[12]، وإذا دخل على الناس ترجّلوا له احتراماً وتقديراً.

وقد جاء في رواية عن محمّد بن الحسن بن الأشتر العلويّ: كنت مع أبي بباب المتوكّل، وأنا صبيّ في جمعٍ من الناس ما بين طالبيّ إلى عبّاسيّ إلى جنديّ إلى غير ذلك، وكان إذا جاء أبو الحسن عليه السلام ترجّل الناس كلّهم حتّى يدخل، فقال بعضهم لبعض: لمَ نترجّل لهذا الغلام؟ وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا ولا بأسنّنا ولا بأعلمنا؟ فقالوا: واللَّه، لا نترجّل له، فقال لهم أبو هاشم: واللَّه، لترجلنّ له صَغاراً وذلّة إذا رأيتموه. فما هو إلّا أن أقبل وبصروا به، فترجّل له الناس كلّهم، فقال لهم أبو هاشم: أليس زعمتم أنّكم لا تترجّلون له؟ فقالوا: واللَّه ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجّلنا"[13]. تبيّن هذه الرواية مدى الهيبة والوقار الذي كان يعلو الإمام الهادي عليه السلام على صغر سنّه وقبض يده، إذ إنّه كان مفروضاً عليه الإقامة الجبريّة في سامرّاء، لكنّ ذلك لم يكن ليؤثّر على تأثيره هو في النفوس، فحتّى من لا يبغي الاستجابة لهيبته كان يهابه لا محالة!

وكان الإمام عليه السلام إذا دخل على المتوكّل رفعوا له الستر واحترموه بكلّ وقار. تقول الرواية: "إنّ أحد الأشرار قال للمتوكّل العبّاسيّ يوماً: ما يعمل أحد بك أكثر ممّا تعمله بنفسك في عليّ بن محمّد، فلا يبقى في الدار إلّا من يخدمه ولا يتعبونه بشيل ستر ولا فتح باب ولا شيء، وهذا إذا علمه الناس قالوا: لو لم يعلم استحقاقه للأمر ما فعل هذا..."[14]، ويظهر من هذا الحديث - أيضاً - أنّه عليه السلام كان مهيباً مبجّلاً حتّى في بلاط أشدّ الخلفاء العبّاسيّين إرهاباً في عصره، وهو المتوكّل العبّاسيّ.

 

4- كراماته عليه السلام واستجابة دعائه:

ذكرت كتب الحديث الكثير من الكرامات التي ظهرت للإمام الهادي عليه السلام، نذكر نموذجين منها في المقام. ففي رواية أنّ حاقداً من عمّال المتوكّل العبّاسيّ أراد الحطّ من قدر الإمام الهادي عليه السلام، فأقنع المتوكّل بأن يأمر خدمه بالإقلاع عن خدمة الإمام عليه السلام إذا دخل محضره، فلم يُخدم ولم يَشِل أحدٌ بين يديه الستر ليمرّ، فهبّ هواء فرفع الستر حتّى دخل وخرج، فقال المتوكّل عندها: "شيلوا له الستر بعد ذلك، فلا نريد أن يشيل له الهواء"[15]. فقد أراد المتوكّل وذاك الحقود أن يقلّلا من شأن الإمام الهادي عليه السلام بأن لا يُخدم، بل يُترك وشأنه عند دخوله بلاط الخليفة، فأبى اللَّه - عزّ وجلّ - إلّا العزّة لوليّه، فصارت الريح في خدمته، تُعلي له الستار إنْ دخل وإنْ خرج، فلم يجدوا بدّاً إلّا العودة لخدمته لكيلا تتكرّر تلك الكرامة!

ومن التدابير التي اتّخذها العبّاسيّون في حقّ الإمام الهادي عليه السلام لتوهين قدره - والعياذ باللَّه -، أنّهم وبعد إشخاصهم إيّاه إلى سامرّاء، وضعوه في مكان غير لائق به يسمّى خان الصعاليك، فعظم ذلك على موالٍ للإمام عليه السلام فقال له: "جُعِلْتُ فِدَاكَ، فِي كُلِّ الْأُمُورِ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِكَ وَالتَّقْصِيرَ بِكَ حَتَّى أَنْزَلُوكَ هَذَا الْخَانَ الْأَشْنَعَ خَانَ الصَّعَالِيكِ. فَقَالَ: هَاهُنَا أَنْتَ يَا ابْنَ سَعِيدٍ[16]، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: انْظُرْ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَوْضَاتٍ آنِقَاتٍ وَرَوْضَاتٍ بَاسِرَاتٍ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ عَطِرَاتٌ وَوِلْدَانٌ كَأَنَّهُنَّ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ وَأَطْيَارٌ وَظِبَاءٌ وَأَنْهَارٌ تَفُورُ فَحَارَ بَصَرِي وَحَسَرَتْ عَيْنِي، فَقَالَ: حَيْثُ كُنَّا، فَهَذَا لَنَا عَتِيدٌ لَسْنَا فِي خَانِ الصَّعَالِيكِ"[17].

وفي الإطار عينه، ذكرت جولات كثيرة من استجابة دعاء الإمام الهادي عليه السلام تدليلاً على كرامته عند اللَّه - عزّ وجلّ -. ففي رواية أنّ أحد الموالين للإمام الهادي عليه السلام قال: "قصدت الإمام عليّاً الهادي، فقلت له: يا سيّدي، إنّ هذا الرجل - يعني المتوكّل - قد أطرحني، وقطع رزقي، وملّني، وما أُتَّهَمُ به في ذلك هو علمه بملازمتي لك، وطلب من الإمام التوسّط في شأنه عند المتوكّل، فقال عليه السلام: تُكفى، إن شاء اللَّه.

ولمّا صار اللّيل، طرقَته رسل المتوكّل، فخفّ معهم مسرعاً إليه، فلمّا انتهى إلى باب القصر، رأى الفتح واقفاً على الباب، فاستقبله، وجعل يوبّخه على تأخيره، ثمّ أدخله على المتوكّل فقابله ببسمات فيّاضة بالبشر، قائلاً: يا أبا موسى تنشغل عنّا، وتنسانا؟! أيّ شيء لك عندي؟ وعرض الرجل حوائجه وصِلاته التي قطعها عنه، فأمر المتوكّل بها وبضعفها له، وخرج الرجل مسروراً.

وانصرف الرجل، فتبعه الفتح، فأسرع إليه قائلاً: لست أشكّ في أنّك التمست منه - أي من الإمام - الدعاء، فالتمس لي منه الدعاء. ومضى ميمّماً وجهه نحو الإمام عليه السلام، فلمّا تشرّف بالمثول بين يديه، قالعليه السلام له: يا أبا موسى، هذا وجه الرضا، فقال الرجل بخضوع: ببركتك يا سيّدي، ولكن قالوا لي: إنّك ما مضيت إليه ولا سألته (يقصد المتوكّل).

فأجابه الإمام ببسمات قائلاً: إنّ اللَّه تعالى علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمّات إلّا إليه، ولا نتوكّل في الملمّات إلّا عليه، وعوّدَنا إذا سألناه الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا. وفطن الرجل إلى أنّ الإمام قد دعا له بظهر الغيب، وتذكّر ما سأله الفتح، فقال: يا سيّدي، إنّ الفتح يلتمس منك الدعاء. فلم يستجب الإمام عليه السلام له، وقال: إنّ الفتح يوالينا بظاهره، ويجانبنا بباطنه، الدعاء انّما يُدعى له إذا أخلص في طاعة اللَّه، واعترف برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وبحقّنا أهل البيت..."[18].

إنّ هذه الرواية غايةٌ في الروعة ومليئة بالمفاهيم البالغة الأهمّيّة، فهي تبيّن لنا أنّ المعصوم عليه السلام، وإن كان يلجأ في جميع أموره إلى اللَّه، لكنّه ينقطع في لجوئه ذاك إليه إذا تعذّرت الأسباب التي أمر اللَّه الأخذ بها. فالإمام لا يمكن له أن يطلب من المتوكّل أن يعفو عن ذاك الموالي، وإلّا افتُضح أمرُه، لذا لا ملجأ إلّا الدعاء بظهر الغيب، وهي تبيّن أثر الدعاء المخلص، من المخلص للمخلص، فقد امتنع الإمام عليه السلام عن الدعاء لذاك الرجل المسمّى الفتح، لما علم من عدم إخلاصه، وأنّ الدعاء لا يُستجاب في حقّه، وهو من شروط استجابة الدعاء، فالمعصوم لا يدعو بما لا يستجاب! ولو أدرنا أن نقف على مضامين الرواية أكثر مع أهمّيّتها لطال بنا المقال، فنكتفي بما أشرنا إليه.

 

نصّ الإمام الجواد عليه السلام على ابنه الإمام الهادي عليه السلام

إنّ من أهمّ المهامّ التي يشترك فيها الأئمّة عليهم السلام هي دعوتهم إلى الإمام اللاحق، وتثبيت تلك الإمامة عند الطليعة المؤمنة وكبار الشيعة في الحدّ الأدنى، بما يحفظ وجود الإمام المعصوم، ويحافظ على التشيّع، لذا فقد اختلفت أساليب دعوة الأئمّة عليهم السلام إلى بعضهم بحسب الظروف. ولمّا كانت إمامة الإمام الهادي عليه السلام المصداق الثاني للإمامة المبكّرة في مسيرة أهل البيت عليهم السلام، انبرى الإمام الجواد عليه السلام للدعوة إلى إمامة ولده، والتأكيد عليها قبل شهادته في مواطن عديدة[19]، فأمر بكتب الرقاع في ذلك، وأشهد بعض الأصحاب عليها[20]، فضلاً عن تبيانه لإمامة ولده الهادي عليه السلام في كلّ فرصةٍ سانحة.

وكمثال على ذلك، ما جاء عن الخيرانيّ، عن أبيه - وكان يلزم أبا جعفر للخدمة التي وُكّل بها - قال: "كان أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ يجيء في السحر ليعرف خبر علّة أبي جعفر، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفرعليه السلام وبين أبي إذا حضر قام أحمد بن عيسى، وخلا به أبي.

فخرج ذات ليلة، وقام أحمد عن المجلس، وخلا أبي بالرسول، واستدار أحمد حتى وقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول لأبي: "إنّ مولاك يقرأ عليك السلام، ويقول: إنّي ماضٍ، والأمر صار إلى ابني عليّ، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي".

ثمّ مضى الرسول، فرجع أحمد بن محمّد بن عيسى إلى موضعه، وقال لأبي: ما الذي قال لك؟ قال: خيراً، قال: فإنّني قد سمعت ما قال لك، فأعاد إليه ما سمع، فقال له أبي: قد حرّم اللَّه عليك ذلك، لأنّ اللَّه تعالى يقول: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾، فأمّا إذا سمعت، فاحفظ هذه الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوماً ما، وإيّاك أن تُظهرها لأحد إلى وقتها.

فلمّا أصبح أبي، كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع بلفظها وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة - أي الشيعة -، وقال لهم: إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.

قال: فلمّا مضى أبو جعفر الجواد عليه السلام، لبث أبي في منزله، فلم يخرج حتّى اجتمع رؤساء الإماميّة عند محمّد بن الفرج الرخجيّ يتفاوضون في القائم بعد أبي جعفر، ويخوضون في ذلك، فكتب محمّد بن أبي الفرج إلى أبي يعلمه باجتماع القوم عنده... فركب أبي وصار إليه، فوجد القوم مجتمعين عنده، فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الأمر؟ فقال أبي لمن عنده الرقاع: أحضروها، فأحضروها وفضّها وقال: هذا ما أُمرت به، فقال بعض القوم: قد كنّا نحبّ أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر. فقال لهم أبي : قد أتاكم اللَّه ما تحبون، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة، وسأله أن يشهد فتوقف أبو جعفر، فدعاه أبي إلى المباهلة وخوّفه باللَّه، فلما حقق عليه القول قال: قد سمعت ذلك، ولكنّي توقفت لأنّي أحببت أن تكون هذه المكرمة لرجل من العرب!!

فلم يبرح القوم حتى اعترفوا بإمامة أبي الحسن عليه السلام وزال عنهم الريب في ذلك"[21].

هذه الرواية تدلّ على كيفيّة تعامل الإمام الجوادعليه السلام مع إمامة ولده الهادي عليه السلام، وإن كانت تلك المهمّة باتت أسهل بعد أن تصدّى الإمام الجوادعليه السلام بدواً للإمامة مع صغر سنّه وأثبت استحقاقه، فأمسى تقبّل إمامة الهادي عليه السلام أيسر من ذي قبل.

 

ملامح عصر الإمام الهادي عليه السلام[22]

1 - الحالة السياسيّة العامّة:

مارس الإمام الهادي عليه السلام مهامّه القياديّة في حكم المعتصم سنة 220هـ، واستُشهد في حكم المعتزّ سنة 254هـ. وخلال هذه السنوات الأربع والثلاثين، عاصر عليه السلام ستّةٌ من ملوك بني العبّاس، الذين كثرت الفتن والثورات في عصورهم، فتراوحت فترة خلافة كلّ منهم بين ستّة أشهر وخمسة إلى ثماني سنوات، سوى المتوكّل الذي دام حكمه خمسة عشر عاماً.

ويُعَدُّ عهد المتوكّل العبّاسيّ بدء العصر العبّاسيّ الثاني، وهو عصر نفوذ الأتراك (232 - 334 هـ)، وعدّه بعض المؤرّخين بدء عصر انحلال الدولة العبّاسيّة، الذي انتهى بسقوطها على أيدي التتار سنة (656 هـ). وكان لسياسة المتوكّل وأسلافه الأثر البالغ في انفصال بعض أمصار الدولة واستقلالها عن السلطة المركزيّة بالتدريج، حيث نشأت دويلات صغيرة وكيانات متنافسة فيما بينها. وكما كان لهذه الدويلات تأثير في تقدّم الحضارة الإسلاميّة باعتبار انفتاح بعض الأمراء على العلم والعلماء، لكنّها أضعفت كيان الدولة العبّاسيّة سياسيّاً، لأنّها قد أسهمت في إيجاد شرخ في وحدة الدولة الإسلاميّة الكبرى.

وكان المعتصم أوّل الخلفاء العبّاسيّين الذين استعانوا بالأتراك، وأسندوا إليهم مناصب الدولة، وأقطعوهم الولايات الإسلاميّة[23]. أمّا المتوكّل العبّاسيّ فقد انتهج سياسة العنف والملاحقة تجاه العلويّين وشيعة أهل البيت عليهم السلام، فضلاً عن أهل البيت عليهم السلام أنفسهم، وتجلّى ذلك بوضوح في أمره بهدم قبر الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام، ومنع الناس من زيارته، ومعاقبة من يُتّهم بزيارته أشدّ العقاب حتّى القتل[24].

وقد أثار المتوكّل بهذه السياسة حفيظة المسلمين بشكل عامّ، وأهل بغداد بشكل خاصّ. وقد ردّوا على الإهانات التي ألحقها بالعلويّين فسبّوه في المساجد والطرقات. وفي زمن المتوكّل، أصابت مدن العراق مجاعة شديدة، وهلك كثير من الناس، وانتهز الروم فرصة ضعف الدولة، فاستأنفوا غاراتهم على أراضيها. وبعد المتوكّل، تولّى المنتصر العبّاسيّ السلطة، وكان يحسن للعلويّين مخالفاً بذلك سياسة أبيه، وتجلّت سياسته في إزالة الخوف عنهم والسماح لهم بزيارة قبر الحسين عليه السلام، لكنّ حكم المنتصر لم يدم طويلاً، فقد تآمر عليه الأتراك وقتلوه[25]. وبعد مقتل المنتصر، تولّى الخلافة المستعين باللَّه سنة 248 هـ، وأرجع عاصمته إلى بغداد، غير أنّ الأتراك لم يأمنوا جانبه، فخلعوه ونصّبوا المعتزّ مكانه، ثمّ كان موته على أيديهم أيضاً.

إنّ الضعف البارز لشخصيّة الحكّام في مختصر الأحداث التي سردناها، هو أحد عوامل التفكّك والانهيار اللذين أصابا الدولة الإسلاميّة، وقد رافق ذلك نفوذ زوجاتهم وأمّهاتهم، إلى جانب سيطرة الأتراك الذين اعتمدوا عليهم للتخلّص من نفوذ الإيرانيّين والعرب، كما كان لظلم الأمراء والوزراء دوره البالغ في زعزعة ثقة الناس بالحكّام وإثارة الفتن والشغب داخل بلاد المسلمين.

 

2- الحالة الثقافيّة:

كان لترجمة الكتب اليونانيّة والفارسيّة والهنديّة إلى العربيّة أثر كبير في ثقافة هذا العصر، وكانت ظاهرة الترجمة قد بدأت منذ أيّام المأمون، وقد أسهمت في رفد الثقافة الإسلاميّة من جهة، والانفتاح على الثقافات الأخرى التي قد تتقاطع مع ما أفرزته الحضارة الإسلاميّة من اتّجاهات فكريّة وثقافيّة من جهة أخرى.

كما كان لارتحال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أثر كبير في التبادل الثقافيّ بين شرق البلاد الإسلاميّة وغربها، وأنتج ذلك نشاطاً ثقافيّاً متميّزاً وحركةً فكريّةً، أعطت للعلماء والفقهاء دوراً كبيراً وموقعاً مرموقاً عند الخلفاء والحكّام حتّى عُدّ القرن الرابع الهجريّ فيما بعد، العصر الذهبيّ للحضارة الإسلاميّة. وقد حظي الشعراء والأدباء بمكانة رفيعة عند الأمراء، ما أدّى إلى ازدهار الأدب في هذا العصر.

 

3 - الحالة الاقتصاديّة:

إنّ الاضطرابات السياسيّة والصراع على السلطة وبدء انفصال أجزاء عن الدولة العبّاسيّة واستقلالها، قد أثّرت في تدهور الوضع الاقتصاديّ. وكان لظهور الطبقيّة في المجتمع الإسلاميّ آثارٌ سلبيّةٌ أدّت الى سرعة الانهيار الاقتصاديّ، فضلاً عن المجاعة وارتفاع الأسعار، الأمر الذي أسهم في اضطراب الأمن وفقدان السيطرة من قبل الدولة. وقد تجلّى ذلك في قِصَر فترة حكم الخلفاء، إلى جانب انتقال إدارة الدولة إلى القوّاد الأتراك بدل الخلفاء، وهو دليل واضح على ضعف شوكتهم وفقدان هيبتهم أمام قوّاد الجيش ووزرائهم وكتّابهم[26].

 

[1] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص 401

[2] الطبري، دلائل الإمامة،  ص 410.

[3] الشيخ الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص 374؛ الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ص 355.

[4] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص 241.

[5] الشيخ الطبرسي، تاج المواليد، ص 103. المشهور بين المحدّثين في التعبير عنهم بأبي الحسن ثلاثة وهم: الإمام موسى الكاظم، والإمام عليّ الرضا، والإمام عليّ الهادي عليهم السلام، وإن شاركهم بعض باقي الأئمّة عليهم السلام في هذه الكنية، فإذا ورد حديث عن أبي الحسن وأطلق فهو الإمام موسى الكاظم عليه السلام، ويقال له (أبو الحسن الماضي)، وإذا قيّد بالثاني فهو الإمام عليّ الرضاعليه السلام، وإذا قيّد بالثالث فهو الإمام عليّ الهادي عليه السلام.

[6] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص 312.

[7] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص325.

[8] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص 162.

[9] سورة آل عمران، الآية 23.

[10] سورة الزمر، الآية 9.

[11] الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، ج2، ص 455.

[12] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص 401.

[13] العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص 137.

[14] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص 287.

[15] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص 407.

[16] يعني انت في هذا المقام من معرفتنا فتظنّ أن هذه الأمور تنقص من قدرنا.( آت)

[17] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 498.

[18] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص 285.

[19] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 323.

[20] المصدر نفسه.

[21] الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ج2، ص 112 - 113.

[22] راجع: القرشي، الشيخ باقر شريف، موسوعة سيرة أهل البيتعليهم السلام، الإمام علي الهادي عليه السلام، تحقيق: مهدي باقر القرشي، مؤسسة الإمام الحسن لإحياء تراث أهل البيت عليهم السلام- دار المعروف، النجف الأشرف، 1433هـ، ط2، ج33، ص341.

[23] المسعودي، مروج الذهب، ج1، ص 465.

[24] العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص 159.

[25] الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج7، ص 414 - 415.

[26] الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج7، 247 ـ 254 هـ.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.