أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-3-2019
1354
التاريخ: 12-08-2015
6675
التاريخ: 12-08-2015
1465
التاريخ: 12-08-2015
2897
|
إن موضوع.. علم (الكلام) فيه أقوال ثلاثة :
أحدها : ما نُسب إلى المتقدّمين من علماء الكلام
، من أنّه الموجود بما هو موجود ، لكن من حيث كونه متعلّقاً للمباحث الجارية على
قانون الإسلام ؛ ليمتاز الكلام عن الفلسفة الإلهية (1) .
ثانيها : ما نُقل عن أكثر المتأخرين من أنّه
المعلوم من حيث يتعلّق به إثبات العقائد الدينية (2) . قال في المواقف (3) تعلّقاً
قريباً أو بعيداً ، والأَوّل مثل مباحث التوحيد وصفات الله وأفعاله ، والثاني ما
يتوقف عليه هذه الأُمور كمباحث الأُمور العامة والطبيعيات .
وإنّما عدلوا عن لفظ الموجود إلى المعلوم ؛ ليدخل
في العلم مباحث العدم بناءً على رأي مَن ينكر الوجود الذهني ، ومباحث أُمور لا
يتوقف أحوالها على وجودها خارجاً كما يقال : النظر الصحيح يفيد العلم أم لا ؟ ونحو
ذلك .
ثالثها : ما نُقل عن بعضهم (4) من أنّه ذات الله
سبحانه .
أقول : لا بأس بالقول الأَوّل بناءً على دخول
مباحث الأُمور العامة وغيرها في العلم ، والتزام الاستطراد فيما لا يرجع إلى أحوال
الموجود ، غير أنّ ما جعلوه مميّزاً للكلام عن الفلسفة واهٍ جداً ، بل لا فرق
حينئذٍ بينهما من جهة الموضوع أصلاً .
بيان ذلك : أنّ مسائل الكلام إمّا ما يتوقّف عليه
إثبات الشريعة ، مثل مباحث إثبات الصانع ، وعلمه وقدرته ، وامتناع القبح عليه ،
وإثبات النبوّة ونحوها ، وإمّا ما لا تتوقّف عليه فإنّه يستلزم الدور ، وأمّا
القسم الثاني فإن كان ممّا يدركه العقل ويستقل ويستنكف عنه ، بل هو مجبول على
اتّباعه فطرةً ، فإن وُجد هنا ظاهر نقلي منافٍ لهذا الحكم العقلي ، فلا ريب في
لزوم تأويله ، كما هو المتداول في الكلام والتفسير وغيرهما ؛ وسرّ ذلك أنّ الشريعة
أُسست من قبل المحيط بجميع الواقعيات ، فلا تضاد العقل في أحكامه الصادقة ، فنعلم
أنّ الإرادة الجدّية من هذا الظاهر غير موافقة للإرادة الاستعمالية البتة .
وإن شئت فقل : إنّ حجّية النقل بالعقل وطرح الأصل
لأجل الفرع غير معقول ؛ فإنّه ينجر إلى سقوط الفرع وهذا خلف . وأمّا معارضة النقل
القطعي مع حكم العقل الجزمي ، فهذا غير ممكن ثبوتاً كي نبحث عنه إثباتاً ، ولا
يُظن بعاقل أن يدعي ذلك في مورد .
وإن لم يكن ممّا يدركه العقل ، فإن ثبت بدليل
قطعي من الشرع فنعتقد به ؛ ضرورة حكم العقل بلزوم تصديق المعصوم عن الكذب والسهو ،
فهو مثل المستقلاّت العقلية في القبول إلاّ أنّه إدراك إجمالي للعقل ، بمعنى أنّ
العقل يصدّقه وإن لم يحط بوجهه تفصيلاً .
ثمّ إنّ الصحيح هو صحّة حصول القطع من الأدلة
النقلية ، كما هو واقع وجداناً ، فإنكاره
كما عن المعتزلة وجمهور الأشاعرة (5) ـ لا يستحقّ الجواب ، بل لا يُظن بهم
أيضاً الالتزام به ، كما لا يخفى على الناظر في مسائل العلوم الشرعية ، وإن لم
يثبت بدليل قطعي بل بدليل ظني ، فإن كان الظن المذكور حاصلاً من غير الطرق
المنصوبة شرعاً ، فهو لا يغني من الحق شيئاً فلا عِبرة به ، وإن كان من الطرق
الشرعية ، فإن كان المورد ممّا اعتبر الشارع العلم في صحة الاعتقاد به ، فلا
يعتنى بالظن المذكور ، وإلاّ فالأظهر ـ خلافاً لِما نُسب إلى المشهور ـ هو
حجية الظن المذكور ، وجواز الاعتقاد بمتعلّقه ...
وهذا الذي ذكرناه ممّا لا يمكن الشك فيه لمسلم ،
متكلماً كان أو حكيماً ، فأين فائدة هذا القيد ؟ وما هو الفارق بين العلمين ؟ على
أنّ القيد المذكور ممّا لا دخل له في عروض العوارض على الموجود فلا يصح أخذه في
الموضوع ، وإلاّ فتصبح العوارض المذكورة أعراضاً غريبة له ، وإذا لم يصح ذلك فلا
يكون وجهاً للامتياز ، فإنّه عندهم بتمايز الموضوعات ، والحيثية المذكورة راجعة
إلى البحث دون الموضوع ...
والصحيح أنّ الفرق بين العِلمينِ من ناحية الغرض
؛ حيث إنّ المتكلم يبحث لأجل معرفة العقائد الدينية ، والفلسفي لأجل معرفة حقائق
الأشياء عقلاً ؛ ولذا عُنونت في الكلام مسائل اعتقادية غير مذكورة في الفلسفة ؛
لعدم إدراك العقل لها تفصيلاً ، ولعلّه واضح .
وعلى الجملة : لابدّ من انتهاء جميع المباحث
الكلامية إلى البديهيات والقطعيات وإلاّ لا اعتبار بها ، ومن هنا ينقدح أنّ طعن
صاحب الشوارق (6) على هذا العلم بقوله : إنّ الاعتماد على الدلائل الكلامية من حيث
هي كلامية غير مجدٍ في تحصيل العقائد الدينية ، بل جدواها إنّما هو حفظ العقائد
إجمالاً على العقول القاصرة ـ الغير القادرة على البلوغ إلى درجة اليقين التفصيلي
، والتحقيق التحصيلي ـ غير وارد ، بل هذا منه ومن غيره إفراط في القول ، وزلة جمع
من الكلاميين في عدة من المسائل لا تضرّ بالعلم نفسه ، كما أنّ أغلاط قوم من
الفلاسفة لا تُحسب على الفلسفة كما لا يخفى .
وأمّا القول الثاني فهو يساوق إنكار الموضوع من
أصله ؛ ضرورة أنّ المعلوم عنوان انتزاعي لا تأصّل له خارجاً ، كيف ولا يعقل الجامع
التأصلي بين الوجود والعدم ، إلاّ أن يلتزم بتعدّد العلم المذكور حسب تعدّد
الموضوعات كالوجود والعدم والحال ؟ وهو كما ترى ، مع أنّه يدخل في هذا العلم بعض
العلوم الأُخر أيضاً حسب هذا التعريف ؛ لتعلّق العقائد بها ولو بعيداً ، هذا مع أنّ
الحيثية المذكورة ـ وهي المعلومية ـ لا ترتبط بعروض العوارض على موضوعاتها ، فلا
تكون راجعةً إلى الموضوع أصلاً .
فالصحيح هو القول الثالث وإن كان القوم أبطلوه ـ
كما في الشوارق ـ لوجهين :
الأَوّل : أنّه قد يُبحث فيه عن غير الأعراض
الذاتية لذاته تعالى ، كمباحث الجواهر والأعراض وغيرها ، ولا يصح دخولها في
المبادئ فإنّها غير مبيّنة في نفسها ، فلابدّ من كونها مبيّنةً في علم آخر يكون هو
أعلى من الكلام ، وهو باطل اتّفاقاً .
أقول : وفيه ما لا يخفى فلا مانع من إدراجها في
المبادئ .
الثاني ـ وهو العمدة ـ : أنّ البحث عن وجود
الموضوع خارج عن مسائل العلم ، فإنّها مشتملة على إثبات العوارض الذاتية للموضوع ،
وإثبات شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، فلابدّ وأن يكون وجود الموضوع بنحو ( كان
التامة ) مفروغاً منه في كل علم ؛ ليتمركز البحث عن أحواله وأطواره ، وبناءً عليه
لا يجوز جعل ذاته تعالى موضوعاً لعلم الكلام ؛ لأنّ إثباته غير بيّن في نفسه ،
فلابدّ من تبيينه في علم آخر ، أو في مبادئ هذا العلم ، مع أنّه من أهم مقاصد
الكلام .
أقول : قد ذكرنا في تعليقتنا على كفاية الأُصول
أنّ ما قالوه ـ من أنّ موضوع كلّ علم ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتية ـ ممّا
لا دليل عليه ، وعليه فنقول :
إنّ موضوع كلّ علم ما يُبحث عنه وعن أحواله ،
وهذا التحديد لا يخرج عن الاستحسان العقلائي ، الذي هو السرّ في تشعّب العلوم
وتعنون المسائل بعنوان ما ، وحينئذٍ يصحّ جعل واجب الوجود موضوعاً لعلم الكلام ،
فإنّ البحث فيه حوله وحول صفاته وأفعاله ، فيكون البحث عن إثبات وجوده أيضاً من
مسائل العلم ، وإن كان بالنسبة إلى بقية المسائل من المبادئ ، ولا غرو في أن تكون
القضية الواحدة من المسائل باعتبار نفسها ومن المبادئ باعتبار غيرها ، بل هو واقع
في العلوم .
هذا مع إمكان دعوى بداهة هذه القضية وكونها
بيّنةً في نفسها ، فإنّ اختلاف الماديين في الصفات دون أصل المبدأ ...
وأمّا غرضه :
فهو عرفان الحقائق الدينية والأُصول الاعتقادية
كما يظهر من الكلمات المتقدّمة .وأمّا إرشاد المسترشدين ، وإلزام المعاندين ، وحفظ
قواعد الدين من شُبه المبطلين ، فهي من الفوائد والآثار ، وليست من الأغراض كما لا
يخفى .
وأمّا شرف هذا العلم :
فهو غني عن البيان ، فإنّه في غاية السمو ونهاية
العلو ،أَوَ ليس من ثمراته سعادة الإنسان الأبدية وخلوصه عن العذاب الدائمي ؟!
ولعمري إنّ إطالة الكلام هنا لغو فإنّ العيان بنفسه يغني عن البيان ، فكيف إذا
وافقه البرهان والقرآن ؟!
وأمّا وجه تسميته بالكلام :
فهو ؛ إمّا لأنّه بإزاء المنطق للفلاسفة ، أو
لأنّ أبوابه عنونت أَوّلاً في كتب القدماء بـ ( الكلام في كذا ) فسُمّي العلم به ،
أو لأنّه يورث القدرة على الكلام في الأُصول الشرعية ، أو لأنّ مسألة الكلام ـ
أعني قِدم القرآن وحدوثه ـ أشهر أجزاء هذا العلم ، حتى آلَ الأمر فيه إلى التضارب
والتقاتل (7) ، أو لتكلّم أربابه في صفات الله وأفعاله . والأخيران أقرب من غيرهما
.
_________________
(1) الشوارق 1 / 7.
(2) المصدر نفسه / 10.
(3) المواقف 1 / 26.
(4) لاحظ نفس المصدرين
(5) شرح المواقف 1 / 209.
(6) الشوارق 1 / 8.
(7) ففي التمدّن الإسلامي 2 / 107 : ضرب المعتصم
العباسي أحمد بن حنبل على عدم إقراره بخلق القرآن ضرباً عظيماً ، حتى غاب عقله
وقطع جلده وحبس مقيّداً .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|