أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-11-2020
3570
التاريخ: 11-3-2016
2969
التاريخ: 2023-04-05
1928
التاريخ: 16-10-2014
4034
|
المطلب الأول منهجنا ودور العقل
عرفت سابقا مدى التخبط والخلط الذي وقع فيه مفسرو أهل السنة، من موقفهم تجاه العقل! وقد ظهر ذلك من خلال موقف الإمام الأشعري تجاه المعتزلة والإمامية وبالخصوص الحسن والقبح الذاتيين. وقد أثر ذلك كما مرّ من تعاملهم مع موضوعات وإسرائيليات الأحاديث، كذلك اعتمادهم على الرأي الجزافي الارتجالي، والذي لم يكن إلا ضربا من الهوى والاستحسانات المنهي عنها حتى في كتبهم كما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «من تكلم في القرآن برأيه فقد اخطأ؟!» (1).
أما منهج مفسرينا فقد بينوا أن المراد مثلا من هذا الحديث مثلا أنه القول بغير علم، بناء على حديث آخر لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» (2). نعم يرد هذا التفسير المنهي عنه على من يفسر القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربي فيقيس كلامه تعالى على كلام الناس، ويؤيده ما نهى اللّه تعالى القول بغير علم: وَ { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء : 36] وقوله تعالى أيضا : {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء : 46] ولكنه لا يشمل هنا حديث النهي، منهج التفسير العقلي إذا روعي فيه ما يحتاجه المفسر من الأدوات اللازمة في التفسير، ومنهج أهل البيت في الاجتهاد، دون ما فسر به علماء أهل السنة أن الاجتهاد هو الرأي!!
المطلب الثاني منهج تفسير القرآن بالقرآن
أن السنة وإن كانوا قد قالوا بهذا المنهج، إلا أنهم أخفقوا أيضا في هذا المجال، ذلك لأن مفسريهم لم يتمكنوا من التخلص من عقدة غلوهم برجالهم وصحاحهم المدعاة، مما دعاهم إلى تطبيق ذلك وحكومتم على القرآن بها، وهذا يعني عدم اهتمامهم بقرن الآيات بعضهما ببعض وإرجاع المتشابهات إلى المحكمات وأمثالها!! بينما في المقابل فقد وفق مفسرو أتباع أهل البيت عليهم السّلام في هذا المجال أيما توفيق نتيجة سلامة المنهج وصفاء مصدره الذي اعتمد على القرآن أولا وآخرا والانطلاق منه إلى الواقع الخارجي وما يحمله من استفسارات باعتباره النور والضوء والدليل لغيره لا العكس! نموذج من منهجنا ذلك ما جاء عن العلامة الطباطبائي (قده) (3) :
قال تعالى : { اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الزمر : 62].
تكرر مضمون هذه الآية الكريمة في أربعة مواضع من القرآن، وبحسب هذا المضمون فإن جميع المخلوقات الموجودة في الكون هي خلق اللّه تعالى وصنعه.
ويجب أن لا تغرب عنا هذه النكتة أن في مئات من الآيات صدق موضوع العلية والمعلولية ونسب فيها فعل كل فاعل إليه، واعتبرت الأفعال الاختيارية من أفعال الإنسان نفسه وخصت الآثار بالمؤثرات كالإحراق بالنار والنبات إلى الأرض والمطر إلى السماء وغيرها.
والنتيجة أن صانع كل شيء وفاعله ينسب فعله وصنعه إليه، إلا أن مفيض الوجود والموجد الحقيقي للفعل هو اللّه تعالى فقط وليس غيره.
ولكنك تجد أن كبار علماء السنة وعلى رأسهم الأشعري وقع في متاهة الخلط ونسب كل فعل خيرا كان أو شرا إلى اللّه سبحانه وعليه فلا ذنب ولا شيء على الإنسان وله ؟! وذلك عند ما فسر قوله تعالى: { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات : 96].
بينما المنهج القرآني السليم لمفسري أهل البيت عليهم السّلام يأتي منسجما ضمن المنظومة القرآنية المفسرة بعضها لبعض، فعند ضم الآية السابقة إلى آية { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة : 7].
نجد أن الجمال والخلقة قرينتين، فكلما وجد في عالم المخلوقات من خلق كان موصوفا بالجمال.
وهذا يعني أن الآيات القرآنية تعترف بالخير مقابل الشر والنفع مقابل الضرر والحسن مقابل السيئ والجمال مقابل القبيح، وتعتبر كثيرا من الأفعال والأقوال والأفكار حسنة أو سيئة، ولكن هذه المساوئ والقبائح والشرور تبدو واضحة إذا قيست بما يقابلها، فوجودها نسبي وليس بنفسي.
مثلا الحية والعقرب مؤذيتان، ولكن بالنسبة إلى الإنسان والحيوانات، التي تتألم من سمها لا بالنسبة إلى الحجر والتراب، والشيء المر، والرائحة الكريهة ينفران ولكن بالنسبة إلى ذائقة الإنسان وشامته، لا بالنسبة إلى كل الحيوانات، وبعض الأعمال والأقوال تبدو شاذة، لكن بالنسبة إلى البيئة التي يعيش الإنسان لا بالنسبة إلى كل البيئات.
نعم لو لم نلاحظ النسبة والقياس وننظر إلى الأشياء بنظرة مطلقة نراها في منتهى الجمال ونرى الوجود آخذا يلفت النظر ولا يمكن وصف حسنه وجماله، لأن الوصف نفسه من الخلق الجميل الذي يحتاج بدوره إلى وصف.
والآية المذكورة أعلاه تريد صرف الأنظار عن وجوه الجمال والقبح النسبية والقياسية والاعتبارية لتوجهها إلى الجمال المطلق وتجهز الإفهام لإدراك الكلي والعموم الذي هو الأهم.
نعم إذا ما أدركنا النقاط المبينة في مئات من الآيات القرآنية التي تصف عالم الوجود بكل جزء جزء منه وبمجموعة مجموعة منه وبمختلف أنظمته الكلية والجزئية- لنرى أنه أحسن دليل على التوحيد وأعظم مرشد إلى معرفة اللّه تعالى وكمال قدرته.
وعليه فلو تأملنا في الآيتين المذكورتين سابقا وأمعنا النظر فيه سبق من التفسير نعلم أن هذا الجمال المحيّر الذي ملأ عالم الوجود كله إنما هو لمحة من الجمال الآلهي ندركه نحن بواسطة الآيات السماوية الأرضية، وكل جزء من العالم كوة ننظر منها إلى القدرة اللامتناهية لنعرف أن ليس لهذه الأجزاء شيء من القدرة إلا ما أفيض عليها!! ولهذا نرى في آيات قرآنية كثيرة نسبته أنواع الجمال والكمال إلى اللّه تعالى، فنقول:
{ هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} [المؤمن : 65].
و{ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [البقرة : 165].
و{ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء : 139].
و{ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم : 54].
و{هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }[الاسراء : 1].
و{ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى } [طه : 8].
فبمقتضى هذه الآيات كل جمال وكمال نراه في عالم الوجود هو في الحقيقة من اللّه تعالى وليس لغيره إلّا المجازية والعارية! وتأكيدا لما مضى ذكره يوضح القرآن بأسلوب آخر أن الجمال والكمال المودع في مخلوقات العالم إنما هو محدود متناهي، وهو عند اللّه تعالى غير محدود، وليس له نهاية، قال تعالى: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ } [القمر : 49].
و{ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } [الحجر : 21].
وهكذا وقد ذكرنا سابقا أن السنة قد وقعوا بالتشبيه والتجسيم والحيرة في صفات اللّه تعالى بينما لو أرجعوا آية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى : 11] إلى الآيات الأخرى على حسب منهجنا لما وقعوا في تلك الضلالات والاشتباهات؟!
نتائج المنهج المعتمد
وهو أن التفسير الواقعي والموضوعي عند مفسري أهل البيت للقرآن الكريم هو التفسير الذي ينبع من التدبر في الآيات الكريمة وضم بعضها إلى بعض. وهو يعتمد على إحدى طرق ثلاث :
1- تفسير الآية لوحدها بالمقدمات العلمية وغير العلمية التي نملكها.
2- تفسير الآية بمعونة الأحاديث المأثورة عن المعصومين.
3- تفسير الآية بالتدبر والدقة فيها وفي غيرها والاستفادة من الأحاديث الصحيحة!
4- الإحاطة بظروف النص القرآني.
والمنهج الثالث في اعتقادنا هو المنهج الذي حث عليه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السّلام فيما أثر عنهم، قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «و إنما نزل ليصدق بعضه بعضا» وقال علي عليه السّلام : «ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض».
ملاحظة :
إن هذا المنهج ليس في شيء من التفسير بالرأي المنهي عنه والذي تورط فيه مفسرو أهل السنة، رغم الحديث النبوي الصحيح «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»!
أما الطريقة الأولى
فقد اعتمدها مفسرو أهل السنة وهي في الحقيقة من قبيل التفسير بالرأي الذي لا يجوز، إلا ما كان على منهجنا الذي اخترناه في المنهج الثالث!
أما الطريقة الثانية
فهي التي كان يعتمدها علماء التفسير في الصدر الأول وكان العمل عليها عدة قرون، وهي الطريقة المعمولة حتى الآن عند فريق الإخباريين من الشيعة، بينما هي المنهج والطريقة الغالبة عند السنة، خاصة وأنهم غالوا برجالهم وصحاحهم هذا بالإضافة إلى الاستعانة بأحاديث الاعتماد على الإسرائيليات وتبني أقطابها وهي أخبار آحاد ضعيفة، بينما في المقابل توجد عندهم أحاديث أكثر صحة ومستفيضة بالحذر من الأخذ بالإسرائيليات !! كذلك أن هذا المنهج محدود لا يفي بالحاجات غير المحدودة، لأن ستة آلاف وعدة مئات من الآيات الموجودة في القرآن الكريم، تقابلها مئات الألوف من الأسئلة العلمية وغير العلمية، فمن أين أين نجد الإجابة على هذه الأسئلة وكيف نتوصل إلى تفسيرها ؟
فهل تسعفنا الأحاديث في ذلك؟!
أن ما يمكن تسميته بالحديث النبوي في التفسير، المروي عن طريق أهل السنة لا يزيد على مائتين وخمسين حديثا ...؟!
مع العلم أن كثيرا من هذه الأحاديث- كما مرّ عليك- ضعيفة الأسانيد، وبعضها منكرة ومليئة بالإسرائيليات بحيث نكرها بعضهم على بعض! نعم الأحاديث المروية عن أهل بيت النبوة عليه السّلام تبلغ عدة آلاف حديث، وبأهم شرط وهي موافقتها لكتاب اللّه تعالى والتي أخضعناها للنقد والتمحيص ولم نغل بها، بحيث يمكن الاعتماد عليها، لسدّ نقص التفسير ولو بشكل غالب.
لأنه يوجد رغم ذلك آيات لم يرد فيها أحاديث أصلا؟! ففي المنهج الذي اعتمده السنة- كما مرّ عليك سابقا- سواء بالغلو برجالهم وأحاديثهم وإن حشوها بالإسرائيليات والموضوعات وكل غث وسمين، أو في جانب آخر هو الأخذ بالرأي الارتجالي الجزافي الذي سموه اجتهادا؟!
منهجنا المعتمد
أما منهجنا فقد جاء منسجما مع ما دعا إليه القرآن الكريم نفسه من التدبر في آياته حيث أن اللّه تعالى ذكر أن الكتاب فيه تبيان كل شيء، لو أحسنا التدبر فيه بقرن بعضه مع بعض {وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل : 89].
لا كما عمد إليه أهل السنة من الطعن بالقرآن بأنه لا يفي كل الأحكام والمواقف فإذا لم يسيّروه بأحاديثهم، قاموا بفرض استحساناتهم وقياساتهم وغيرها لتفسير وتوجيه آيات الكتاب العزيز؟! بينما منهجنا الذي يجعل من القرآن المحور والميزان للانطلاق منه إلى الواقع والإجابة على كل طروحاته ومستجداته، لأنه النور والمنوّر لغيره لا العكس! وعلى ضوء ذلك كان منهجنا مساوقا لقوله تعالى { أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء : 82] وقوله تعالى { كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ } [ص : 22]. وكذلك {أَ فَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } [المؤمنون : 68].
هذا بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقا من منهج عرض الأحاديث على القرآن الكريم . بل وعرض النفس وكل الحقائق ووزنها بميزان القرآن المجيد! ومن البديهي أن مضمون هذه الأحاديث يصح بشرط أن لو كانت الآيات تدل على مرادها ويكون لمدلولها- وهو التفسير- اعتبار، فلو رجعنا لمعرفة محصل مدلول الآية- وهو التفسير- إلى الحديث لم يبق موضع لعرض الحديث على القرآن.
وبالنتيجة فإن هذه الأحاديث- روايات العرض- أحسن شاهد على أن الآيات القرآنية كبقية ما يتكلم به المتكلمون لها مداليلها، وهي في نفسها حجة مع غض النظر عن الأحاديث الواردة في التفسير! وهكذا تتوضح معالم المنهج الذي سار عليه مفسر وأهل البيت عليه السّلام وهو ملاحظة الأحاديث الواردة في التفسير عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأئمة أهل بيته عليهم السّلام والغور فيها ليعرف طريقتهم، ثم يفسر القرآن الكريم على ضوء المنهج الأهل بيتي، الذي يعتمد على المصدر الأول والأهم وهو القرآن العزيز ثم السنة الصحيحة المنسجمة معه بعد عرضها عليه والأخذ بالموافق منها وطرح ما عداها، وعلى منهج : اعرفوا الرجال بالحق لا العكس، وإن كان الراوي من كبار الصحابة والمحدثين والمفسرين كما في منهج أهل السنة
عند ما غلوا برجالهم الذين تبنوا الإسرائيليات وأقطابها، والموضوعات بحيث وصل الأمر إلى أن التابعي لا يملك إلا محاولة تخفيف ذلك وهكذا كما عرفت سابقا ؟!!
__________________
(1) سنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن ، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه!
(2) القرآن في الإسلام، ص 68.
(3) بحار الأنوار 1/ 137 اختلاف الأخبار وغيرها؟!
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|