أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
2806
التاريخ: 15-07-2015
13241
التاريخ: 3-03-2015
18495
التاريخ: 3-03-2015
1192
|
المفصل وشرحه لابن يعيش
خلّف الزمخشري كتبا وافية في فنون عدة، فله في اللغة المعجم المتقن المشهور "أساس البلاغة" عني فيه عناية خاصة بالمجاز وانفرد بتقديم معاني المفردات في جمل مسجوعة شارحة
ص137
تعلم الدارس المعنى والاستعمال معا، وله في غريب الحديث المعجم المعروف "الفائق" وكلاهما طبع غير مرة. وتفسيره المعروف بـ "الكشاف" أشهر من نار على علم, مطبوع متداول مخدوم بالشروح والتعاليق, ولا تخفى على مطالعه عنايته بالمجاز وأساليب التعبير والانتباه إلى دقائقها والتنبيه على أسرارها. وله في النحو تآليف طبع منها "الأنموذج" وهو كتاب مختصر.
أما "المفصل" فقد أراد فيه جمع ما استطاع من قواعد وضوابط، وأوجز عباراته إيجازا شديدا، والظاهر أنه وضعه لطبقة متقدمة من الطلاب حظيت بقدر وافٍ من الثقافة العامة حينئذ، وقد حدثنا في مقدمته بالحافز الذي حفزه على تأليفه, فقال بأسلوبه المسجع المعروف، ناعيا على الشعوبيين صدهم الناس عن محاسن العربية:
"الله أحمد على أن جعلني من علماء العربية، وجبلني على الغضب للعرب والعصبية، وأبى لي أن أنفرد عن صميم أنصارهم وأمتاز، وأنضوي إلى لفيف الشعوبية وأنحاز, وعصمني من مذهبهم الذي لم يجد عليهم إلا الرشق بألسنة اللاعنين والمشق(1) بأسنة الطاعنين.
وإلى أفضل السابقين والمصلين، أوجه أفضل صلوات المصلين، محمد المحفوف من بني عدنان بجماجمها وأرحائها(2)
ص138
النازل من قريش في سُرة بطحائها، المبعوث إلى الأسود والأحمر، بالكتاب العربي المنور، ولآله الطيبين أدعو الله بالرضوان لهم وأدعوه على أهل الشقاق لهم والعدوان.
ولعل الذين يغضون من العربية ويضعون من مقدارها، ويريدون أن يخفضوا ما رفع الله من منارها -حيث لم يجعل خيرة رسله وخيرة كتبه في عجم خلقه, ولكن في عربه- لا يبعدون عن الشعوبية منابذة للحق الأبلج، وزيغا عن سواء المنهج.
والذي لا يقضى منه العجب حال هؤلاء في قلة إنصافهم، وفرط جورهم واعتسافهم، وذلك أنهم لا يجدون علما من العلوم الإسلامية فقهها وكلامها، وعلمي تفسيرها وأخبارها، إلا وافتقاره إلى العربية بين لا يدفع، ومكشوف لا يتقنع، ويرون الكلام في معظم أبواب أصول الفقه ومسائلها مبنيا على علم الإعراب والتفاسير، مشحونة بالروايات عن سيبويه والأخفش والكسائي والفراء وغيرهم من النحويين البصريين والكوفيين، والاستظهار في مآخذ النصوص بأقاويلهم، والتشبث بأهداف فسرهم وتأويلهم. وبهذا اللسان مناقلتهم في العلم ومحاورتهم، وتدريسهم ومناظرتهم، وبه تقطر في القراطيس أقلامهم، وبه تسطر الصكوك والسجلات حكامهم؛ فهم ملتبسون بالعربية أية سلكوا، غير منفكين منها أينما وجهوا، كل عليها حيث سيّروا. ثم إنهم في تضاعيف ذلك يجحدون فضلها، ويدفعون خصلها، ويذهبون عن توقيرها
ص139
وتعظيمها، وينهون عن تعلمها وتعليمها، ويمزقون أديمها ويمضغون لحمها، فهم في ذلك على المثل السائر: "الشعير يؤكل ويذم"، ويدَّعون الاستغناء عنها وأنهم ليسوا في شق(3) منها. فإن صح ذلك فما بالهم لا يطلقون اللغة رأسا والإعراب، ولا يقطفون بيننا وبينهم الأسباب، فيطمسوا من تفسير القرآن آثارهما، وينفضوا من أصول الفقه غبارهما، ولا يتكلموا في الاستثناء فإنه نحو، وفي الفرق بين المعرف والمنكر فإنه نحو، وفي التعريفين تعريف الجنس وتعريف العهد فإنه نحو، وفي الحروف كالواو والفاء وثم ولام الملك و"من" للتبعيض ونظائرها، وفي الحذف والإضمار، وفي أبواب الاختصار والتكرار، وفي التطليق بالمصدر واسم الفاعل، وفي الفرق بين "إن" و"أن"، و"إذا" و"متى" و"كلما" وأشباهها مما يطول ذكرها, فإن ذلك كله من النحو؛ وهلا سفهوا رأي محمد بن الحسن الشيباني -رحمه الله- فيما أودع كتاب الأيمان, وما لهم لم يتراطنوا في مجالس التدريس وحلق المناظرة ثم نظروا: هل تركوا للعلم جمالا وأبهة؟ وهل أصبحت الخاصة بالعامة مشبهة؟ وهل انقلبوا هزأة للساخرين، وضحكة للناظرين؟ فإن الإعراب أجدى من تفاريق العصا(4) وآثاره الحسنة عديدة الحصى. ومن لم يتق الله في تنزيله، فاجترأ على تعاطي تأويله وهو غير معرب ركب عمياء وخبط خبط عشواء، وقال ما هو تقول وافتراء، وكلام الله منه براء.
ص140
وهو المرقاة المنصوبة إلى علم البيان، المطلع على نكت نظم القرآن، الكافل بإبراز محاسنه، الموكل بإثارة معادنه؛ فالصادّ عنه كالسادّ لطرق الخير كيلا تسلك، والمريد بموارده أن تعاف وتترك.
ولقد ندبني ما بالمسلمين من الأرب، إلى معرفة كلام العرب، وما بي من الشفقة والحدَب، على أشياعي من حفدة الأدب؛ لإنشاء كتاب في الإعراب، محط بكافة الأبواب، مرتب ترتيبا يبلغ بهم ... الأمد البعيد بأقرب السعي، ويملأ سجالهم بأهون السقي، فأنشأت هذا الكتاب المترجم بكتاب "المفصل في صنعة الإعراب" مقسوما أربعة أقسام: القسم الأول في الأسماء، القسم الثاني في الأفعال، القسم الثالث في الحروف، القسم الرابع في المشترك، وفصلت كل صنف منها تفصيلا حتى رجع كل شيء في نصابه، واستقر في مركزه، ولم أدّخر فيما جمعت فيه من الفوائد المتكاثرة، مع الإيجاز غير المخلّ، والتلخيص غير المملّ، مناصحة لمقتبسيه، أرجو أن أجتني منه ثمرتي دعاء يستجاب وثناء يستطاب. والله -عز سلطانه- ولي المعونة على كل خير والتأييد، والملي بالتوفيق فيه والتسديد" .
والمقدمة كما ترى -إلى ناحيتها التأريخية لأناس شأنهم الغضّ من العربية- صريحة بإرادة تحميل العبارة أكثر ما يمكن من أحكام على طريق الإيجاز والتكثيف، ومن هنا انبرى له كثيرون بالشرح والتوضيح، ومن جملتهم موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش النحوي المتوفى سنة "643هـ" وهو أشهر الشراح على الإطلاق، وقد طبع شرحه بالمطبعة
ص141
المنيرية بمصر في عشرة أجزاء تربي على "1500" صفحة من القطع الكبير والحرف الصغير. وهذا الشرح مطول جدا بما جمع من آراء وما استقصى من شواهد ونُقُول، من أوسع المجموعات النحوية إن لم يكن أوسعها على الإطلاق.
ويحدثنا ابن يعيش عن موجبات شرحه للمفصل وما رأى فيه الطلاب من تعثر ومشقة, ذاكرا ما للكتاب من محاسن صراحة، وما عليه من مآخذ إشارة وتلميحا فيقول:
" ... وبعد, فلما كان الكتاب الموسوم بالمفصل من تأليف الإمام العلامة أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري -رحمه الله- جليلا قدره نابها ذكره، قد جمعتْ أصولَ هذا العلم فصولُهُ، وأوجز لفظه فتيسر على الطالب تحصيله، إلا أنه مشتمل على ضروب: منها لفظ أغربت عبارته فأشكل، ولفظ تتجاذبه معانٍ فهو مجمل، ومنها ما هو بادٍ للأفهام إلا أنه خالٍ من الدليل مهمل؛ استخرت الله تعالى في إملاء كتاب أشرح فيه مشكله، وأوضح مجمله، وأتبع كل حكم منه حججه وعلله، ولا أدعي أنه -رحمه الله- أخلّ بذلك تقصيرا عما أتيت به في هذا الكتاب؛ إذ من المعلوم أن من كان قادرا على بلاغة الإيجاز، كان قادرا على بلاغة الإطناب"(5).
ولا يتحمل المقام هنا الاستشهاد بنص على مسألة كاملة كأحكام "لا" التي لنفي الجنس، فلنجتزئ بحكم واحد
ص142
منها وهو بناء اسمها على الفتح إذا لم يكن مضافا ولا شبيها بالمضاف، لنلم بإيجاز صاحب المفصل وإسهاب الشارح:
قال صاحب الكتاب (6):
"فاذا كان "اسم لا النافية للجنس" مفردا فهو مفتوح وخبره مرفوع, كقولك: لا رجلَ أفضلُ منك، ولا أحدَ خيرٌ منك, ويقول المستفتح: ولا إلهَ غيرُكَ".
قال الشارح:
"إذا قلت: "لا رجلَ أفضلُ منك، ولا أحد خير منك, ولا إله غيرك" كان مبنيا مفتوحا لوجود علة البناء وهو تضمنه معنى الحرف الذي هو "من" على ما تقدم، إذ المراد العموم واستغراق الجنس ولم يوجد ما يمنع من البناء. فأما المضاف والمشابه له نحو "لا غلامَ رجلٍ عندك، ولا خيرًا من زيد في الدار" فإنه وإن كانت العلة المقتضية للبناء موجودة وهي تضمنه معنى "من" فإنه وجد مانع من البناء وهو الإضافة وطول الاسم، فعدم البناء فيهما لم يكن لعدم تمكنه، بل لوجود مانع منه" .
ص143
قال صاحب الكتاب:
"وأما قوله:
لا نسبَ اليوم ولا خلةً
فعلى إضمار فعل، كأنه قال: "ولا أرى خلة" كما قال الخليل في قوله: "ألا رجلا جزاه الله خيرا" كأنه قال: "ألا تروني رجلا" وزعم يونس أنه نوّن مضطرا".
قال الشارح:
"أما قوله:
لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع
البيت لأنس بن العباس، والكلام في نصب "خلة" وتنوينها يحتمل أمرين: أحدهما أن تكون "لا" مزيدة لتأكيد النفي، دخولها كخروجها، فنصبت الثاني ونونته بالعطف على الأول بالواو وحدها، واعتمد بـ "لا" الأولى على النفي، وجعل الثانية مؤكدة للجحد كما يكون كذلك في "ليس" إذا قلت: "ليس لك غلام ولا جارية"، فيكون في الحكم كقوله:
ولا أبَ وابنًا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالجد ارتدى وتأزرا(7)
الثاني: أن تكون نافية عاملة كالأولى, كأنه استأنف بها النفي فيكون حينئذ في تنوين "خلة" إشكال، فذهب سيبويه والخليل
ص144
إلى أنها معربة منتصبة بإضمار فعل محذوف كأنه قال: "لا نسب اليوم ولا أرى خلة"، ومثله قوله:
ألا رجلا جزاه الله خيرا ... يدل على محصلة تبيت(8)
وانتصابه في قول الخليل بفعل محذوف تقديره: "ألا ترونني رجلا". وذهب يونس إلى أن انتصابه من قبيل الضرورة، والذي دعاه إلى ذلك أن ألف الاستفهام إذا دخلت على "لا" فلها معنيان: أحدهما الاستفهام، والآخر التمني؛ وإذا كانت استفهاما فحالها كحالها قبل أن تلحقها ألف الاستفهام فنقول: "ألا رجلَ في الدار؟ , وألا غلام أفضل منك؟ " كما كنت تقول: "لا رجل في الدار، ولا غلام أفضل منك" تفتح الاسم المنكور بعدها وترفع الخبر، لا فرق بينهما في ذلك، قال الشاعر:
حارِ بنَ كعب ألا أحلامَ تزجركم(9)
وإذا كانت تمنيا فلا خلاف في الاسم أنه مبني مع "لا" كما كان، إنما الخلاف في الخبر:
فأكثر النحويين لا يجيزون رفع الخبر، وهو رأي سيبويه والخليل والجرمي، وإنما ينصبونه لأنه قد دخله معنى التمني وصار مستغنيا كما استغنى "اللهم غلاما" ومعناه: "اللهم هب لي غلاما"، ولا يحتاج إلى خبر، ومعناه معنى المفعول.
ص145
وذهب أبو عثمان المازني إلى أنه يبقى على حاله من نصب الاسم ورفع الخبر، ويكون على مذهب الخبر وإن كان معناه التمني، كما أن قولك: "غفر الله له" و"رحمه الله" اللفظ خبر ومعناه الدعاء. وإذا كان ما بعد "ألا" في كلا وجهيها لا يكون مبنيا على الفتح أشكل الأمر في قول الشاعر:
ألا رجلا جزاه الله خيرا
فحمله الخليل على تقدير فعل كأنه قال: "أروني رجلا" جعله من قبيل "هلا خيرا من زيد"
ولولا الكمي المقنعا(10).
وحمله يونس على أن تنوينه ضرورة، وهو مذهب ضعيف؛ لأنه لا ضرورة ههنا.
ص146
__________
(1) سرعة الطعن.
(2) الجماجم: قبائل تجمع البطون, والأرحاء: القبائل المستقلة بنفسها.
(3) الشق هنا: الناحية.
(4) كلما كسر من العصا شيء, انتفع بالباقى منه منفعة.
(5) ص 2.
(6) الجزء الثاني ص101.
(7) لرجل يمدح مروان بن الحكم, وابنه عبد الملك.
(8) المحصلة: المرأة تحصل الذهب من تراب المعدن, وتخلصه.
(9) صدر بيت لحسان بن ثابت, وعجزه:
عني وأنتم من الجوف الجماخير
الأجوف: عظيم الجوف, الجمخور: الضعيف.
(10) البيت لجرير:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا
النيب جمع ناب, وهو الجمل المسن, ضوطرى: حمقى. والمعنى: لولا عددتم أو عقرتم الكمي, يعرض بالفرزدق الذي افتخر بعقر جده للجمال وإنهابها للناس.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|