أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2022
2184
التاريخ: 18-01-2015
3397
التاريخ: 19-01-2015
4204
التاريخ: 15-3-2016
3030
|
لما عزم الإمام عليّ ( عليه السّلام ) على الخروج من بيته - قبل أن تشرق أنوار الفجر - إلى مناجاة اللّه وعبادته في مسجد الكوفة صاحت في وجهه وزّ كانت قد أهديت إلى الحسن ، فتنبّأ ( عليه السّلام ) من صياحهنّ وقوع الحادث العظيم والرزء القاصم ، قائلا : « لا حول ولا قوّة الّا باللّه ، صوائح تتبعها نوائح » .
وأقبل الإمام على فتح الباب فعسر عليه فتحها وكانت من جذوع النخل فاقتلعها فانحلّ إزاره فشدّه وهو يقول :
اشدد حيازيمك للموت * فإنّ الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت * إذا حلّ بواديكا
واضطرب الإمام الحسن ( عليه السّلام ) من خروج أبيه في هذا الوقت الباكر فقال له : « ما أخرجك في هذا الوقت ؟ » .
فأجابه ( عليه السّلام ) : « رؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني » .
فقال له الإمام الحسن ( عليه السّلام ) : « خيرا رأيت ، وخيرا يكون ، قصّها عليّ » . فأجابه الإمام علي ( عليه السّلام ) : « رأيت جبرئيل قد نزل من السماء على جبل أبي قبيس ، فتناول منه حجرين ، ومضى بهما إلى الكعبة ، فضرب أحدهما بالآخر فصارا كالرميم ، فما بقي بمكة ولا بالمدينة بيت الّا ودخله من ذلك الرماد شيء » .
فسأله ( عليه السّلام ) : « ما تأويل هذه الرؤيا ؟ » .
فقال ( عليه السّلام ) : « إن صدقت رؤياي ، فإن أباك مقتول ، ولا يبقى بمكة ولا بالمدينة إلّا دخله الهمّ والحزن من أجلي » .
فالتاع الحسن وذهل وانبرى قائلا بصوت خافت حزين النبرات : « متى يكون ذلك ؟ » .
قال الإمام ( عليه السّلام ) : « إن اللّه تعالى يقول : وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ[1] « ولكن عهده إليّ حبيبي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أنه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان ، يقتلني عبد الرحمن بن ملجم » .
فقال الإمام الحسن ( عليه السّلام ) : « إذا علمت ذلك فاقتله » .
فقال الإمام علي ( عليه السّلام ) : « لا يجوز القصاص قبل الجناية والجناية لم تحصل منه » .
وأقسم الإمام على ولده الحسن أن يرجع إلى فراشه ، فلم يجد الحسن بدّا من الامتثال[2].
الإمام الحسن ( عليه السّلام ) بجوار والده ( عليه السّلام ) الجريح :
وصل أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) مسجد الكوفة ووقعت تلك الفاجعة العظمى على يد أشقى الأشقياء ، وسمع أهل الكوفة بالفاجعة ، فهرعوا إلى المسجد وخفّ أبناء الإمام ( عليه السّلام ) مسرعين ، وكان الإمام الحسن ( عليه السّلام ) في مقدمة الذين وصلوا المسجد فوجد أباه ( عليه السّلام ) صريعا في محرابه وقد تخضّب وجهه ولحيته بدمه ، وجماعة حافّين به يعالجونه للصلاة ، ولمّا وقع نظره على ولده الحسن ( عليه السّلام ) ؛ أمره أن يصلّي بالناس ، وصلّى الإمام وهو جالس والدم ينزف منه .
ولمّا فرغ الحسن ( عليه السّلام ) من صلاته ؛ أخذ رأس أبيه فوضعه في حجره ، وسأله : من فعل بك هذا ؟ فأجابه قائلا : عبد الرحمن بن ملجم ، فقال الإمام الحسن ( عليه السّلام ) : من أيّ طريق مضى ؟ فقال الإمام عليّ ( عليه السّلام ) : لا يمض أحد في طلبه إنّه سيطلع عليكم من هذا الباب ، وأشار إلى باب كندة ، وما هي إلّا فترة قصيرة وإذا بالناس يدخلون ابن ملجم من الباب نفسها ، وقد جيء به مكتوفا مكشوف الرأس ، فأوقف بين يدي الإمام الحسن ( عليه السّلام ) فقال له : يا ملعون ! قتلت أمير المؤمنين وإمام المسلمين ؟ هذا جزاؤه حين آواك وقرّبك حتى تجازيه بهذا الجزاء ؟
وفتح أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) عينيه وقال له بصوت خافت : « لقد جئت شيئا إدّا وأمرا عظيما ، ألم أشفق عليك وأقدمك على غيرك في العطاء ؟ فلماذا تجازيني بهذا الجزاء ؟ » .
وقال لولده الحسن ( عليه السّلام ) يوصيه ببرّه والإحسان إليه : « يا بني ! ارفق بأسيرك وارحمه وأشفق عليه » .
فقال الإمام الحسن ( عليه السّلام ) : « يا أبتاه ، قتلك هذا اللعين وفجعنا بك ، وأنت تأمرنا بالرفق به » .
فأجابه أمير المؤمنين : « يا بني نحن أهل بيت الرحمة والمغفرة ، أطعمه مما تأكل ، واسقه مما تشرب ، فإن أنا متّ فاقتص منه بأن تقتله ، ولا تمثّل بالرجل فإنّي سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) يقول : إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور ، وإن أنا عشت فأنا أعلم ما أفعل به ، وأنا أولى بالعفو ، فنحن أهل البيت لا نزداد على المذنب إلينا إلّا عفوا وكرما »[3].
ونظر الحسن إلى أبيه وقد حرق الهمّ والجزع قلبه فقال له :
« يا أبة ، من لنا بعدك ؟ إنّ مصابنا بك مثل مصابنا برسول اللّه » فضمّه الإمام وقال : مهدّئا روعه :
« يا بني ! أسكن اللّه قلبك بالصبر ، وعظّم أجرك ، وأجر إخوتك بقدر مصابكم بي » .
وجمع الحسن لجنة من الأطباء لمعالجته وكان أبصرهم بالطبّ أثير بن عمرو السكوني[4] فاستدعى برئة شاة حارة فتتبع عرقا منها فاستخرجه فأدخله في جرح الإمام ثم نفخ العرق فاستخرجه فإذا هو مكلّل ببياض الدماغ ، لأنّ الضربة قد وصلت إلى دماغه الشريف فارتبك أثير والتفت إلى الإمام - واليأس في صوته - قائلا :
« يا أمير المؤمنين ! عهد عهدك ، فإنّك ميت »[5].
فالتفت الحسن إلى أبيه ودموعه تتبلور على وجهه ، وشظايا قلبه يلفظها بنبرات صوته قائلا :
« أبة ! كسرت ظهري ، كيف أستطيع أن أراك بهذه الحالة ؟ » وبصر الإمام فرأى الأسى قد استوعب نفسه ، فقال له برفق :
« يا بني ! لا غمّ على أبيك بعد هذا اليوم ولا جزع ، اليوم ألقى جدّك محمد المصطفى ، وجدّتك خديجة الكبرى ، وأمك الزهراء ، وإنّ الحور العين ينتظرن أباك ، ويترقّبن قدومه ساعة بعد ساعة ، فلا بأس عليك ، يا بني لا تبك » .
وتسمّم دم الإمام ، ومال وجهه الشريف إلى الصفرة ، وكان في تلك الحالة هادئ النفس قرير العين لا يفتر عن ذكر اللّه وتسبيحه وهو ينظر إلى آفاق السماء ، ويبتهل إلى اللّه بالدعاء قائلا :
« إلهي ، أسألك مرافقة الأنبياء والأوصياء وأعلى درجات الجنة » .
وغشي عليه فذاب قلب الحسن وجعل يبكي مهما ساعدته الجفون ، فسقطت قطرات من دموعه على وجه الإمام ( عليه السّلام ) فأفاق ، فلما رآه قال له :
مهدّئا روعه :
« يا بني ! ما هذا البكاء ؟ لا خوف ولا جزع على أبيك بعد اليوم ، يا بني ! لا تبك ، فأنت تقتل بالسم ، ويقتل أخوك الحسين بالسيف » .
آخر وصايا أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) :
وأخذ الإمام يوصي أولاده بمكارم الأخلاق ، ويضع بين أيديهم المثل الرفيعة ، ويلقي عليهم الدروس القيّمة ، وقد وجه ( عليه السّلام ) نصائحه الرفيعة أولا لولديه الحسن والحسين ، وثانيا لبقية أولاده وعموم المسلمين قائلا :
« أوصيكما بتقوى اللّه ، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما[6] ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما ، وقولا للحقّ واعملا للأجر ، وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا ، أوصيكما ، وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى اللّه ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم ، فإنّي سمعت جدكم ( صلّى اللّه عليه وآله ) يقول : صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام ، اللّه اللّه في الأيتام فلا تغبوا أفواههم[7] ولا يضيعوا بحضرتكم ، واللّه اللّه في جيرانكم فإنّهم وصيّة نبيّكم ، ما زال يوصي بهم حتى ظننّا أنّه سيورثهم ، واللّه اللّه في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم ، واللّه اللّه في الصلاة فإنّها عمود دينكم ، واللّه اللّه في بيت ربّكم ، لا تخلوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا[8]، واللّه اللّه في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل اللّه ، وعليكم بالتواصل والتباذل[9] وإيّاكم والتدابر والتقاطع ، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيتولّ عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم » .
ثم قال ( عليه السّلام ) مخاطبا لآله وذويه :
« يا بني عبد المطلب ! لا ألفينكم[10] تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون : قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين ، ألا لا تقتلن بي إلّا قاتلي ، انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا يمثّل بالرجل ، فإنّي سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) يقول : إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور »[11].
وأخذ ( عليه السّلام ) يوصي ولده الحسن خاصة بمعالم الدين وإقامة شعائره قائلا :
« أوصيك ، أي بني ، بتقوى اللّه ، وإقام الصلاة لوقتها ، وإيتاء الزكاة عند محلّها ، وحسن الوضوء ، فإنّه لا صلاة إلّا بطهور ، وأوصيك بغفر الذنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، والحلم عن الجاهل ، والتفقّه في الدين ، والتثبّت في الأمر ، والتعاهد للقرآن ، وحسن الجوار ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجتناب الفواحش »[12].
وفي اليوم العشرين من شهر رمضان ازدحمت الجماهير من الناس على بيت الإمام طالبين الأذن لعيادته ، فأذن لهم إذنا عاما ، فلمّا استقر بهم المجلس التفت لهم قائلا :
« سلوني قبل أن تفقدوني ، وخففوا سؤالكم لمصيبة إمامكم » .
فاشفق الناس أن يسألوه ، نظرا لما ألمّ به من شدّة الألم والجرح[13].
الإمام علي ( عليه السّلام ) ينصّ على خلافة ابنه الحسن ( عليه السّلام ) :
ولمّا علم أمير المؤمنين أنّه مفارق لهذه الدنيا وأنّ لقاءه بربّه لقريب ؛ عهد بالخلافة والإمامة لولده الحسن ، فأقامه من بعده لترجع اليه الامّة في شؤونها كافة ، ولم تختلف كلمة الشيعة في ذلك ، فقد ذكر ثقة الإسلام الكليني أنّ أمير المؤمنين أوصى إلى الحسن ، وأشهد على وصيته الحسين ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثم دفع اليه الكتب والسلاح ، وقال له :
« يا بني ! أمرني رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي ، كما أوصى إلي رسول اللّه ودفع إليّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين » .
وروى أيضا أنّه قال له : « يا بني ! أنت وليّ الدم فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة »[14].
إلى الرفيق الاعلى :
ولمّا فرغ الإمام أمير المؤمنين من وصاياه أخذ يعاني آلام الموت وشدّته ، وهو يتلو آي الذكر الحكيم ويكثر من الدعاء والاستغفار ، ولمّا دنا منه الأجل المحتوم كان آخر ما نطق به قوله تعالى : لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ثم فاضت روحه الزكية إلى جنّة المأوى وسمت إلى الرفيق الأعلى ، وارتفع ذلك اللطف الآلهي إلى مصدره ، فهو النور الذي خلقه اللّه ليبدّد به غياهب الظلمات .
لقد مادت أركان العدل وانطمست معالم الدين ، ومات عون الضعفاء وكهف الغرباء وأبو الأيتام .
تجهيزه ودفنه :
وأخذ الحسن ( عليه السّلام ) في تجهيز أبيه ، فغسّل الجسد الطاهر وطيّبه بالحنوط ، وأدرجه في أكفانه ، ولمّا حل الهزيع الأخير من الليل خرج ومعه حفنة من آله وأصحابه يحملون الجثمان المقدّس إلى مقرّه الأخير فدفنه في النجف الأشرف حيث مقره الآن كعبة للوافدين ومقرا للمؤمنين والمتقين ومدرسة للمتعلمين ، ورجع الإمام الحسن بعد أن وارى أباه إلى بيته وقد استولى عليه الأسى والذهول وأحاط به الحزن[15].
[1] لقمان ( 31 ) : 34 .
[2] حياة الإمام الحسن : 1 / 557 - 558 .
[3] جميع النصوص التي وردت تحت عنوان « بجوار والده ( عليه السّلام ) الجريح » نقلت عن : زندگانى امام حسن مجتبى ( عليه السّلام ) 153 - 154 .
[4] أثير بن عمرو السكوني ، كان أحد الأطباء الماهرين يعالج الجراحات الصعبة ، وكان صاحب كرسي ، وله تنسب صحراء أثير .
[5] الاستيعاب : 2 / 62 .
[6] المعنى : لا تطلبا الدنيا ، وإن طلبتكما .
[7] لا تغبوا أفواههم : أي لا تقطعوا صلتكم عنهم وصلوا أفواههم بالطعام دوما .
[8] لم تناظروا ، مبني للمجهول : أي يتعجّل الانتقام منكم . شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد : 17 / 11 .
[9] التباذل : العطاء .
[10] لا ألفينكم : أي لأجدنكم تخوضون دماء المسلمين بالسفك انتقاما منهم بقتلي .
[11] شرح نهج البلاغة محمد عبده : 3 / 85 .
[12] تاريخ ابن الأثير : 3 / 170 .
[13] حياة الإمام الحسن : 1 / 563 - 566 .
[14] أصول الكافي : 1 / 297 - 298 .
[15] حياة الإمام الحسن : 1 / 568 - 569 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|