أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-2-2020
620
التاريخ: 8-2-2020
707
التاريخ: 6-2-2020
471
التاريخ: 6-2-2020
986
|
إن من العقائد الثابتة عند الشيعة الإمامية ، هو القول بالبداء ، ومن الكلمات الدارجة بين علمائهم أن النسخ والبداء صنوان، غير أن الأول في التشريع ، والثاني في التكوين ، وقد اشتهرت بالقول به كاشتهارها بالقول بالتقية وجواز متعة النساء .
وصار القول بهذه الأمور الثلاثة من
خصائصهم وقد أنكرت عليهم السنة أشد الإنكار خصوصا في مسألة البداء ، ولكنهم لو
كانوا واقفين على مراد الشيعة من تجويز البداء على الله لتوقفوا عن الاستنكار ،
ولأعلنوا الوفاق ، وأقول عن جد : لو أتيحت الفرصة لعلماء الفريقين للبحث عن النقاط
الخلافية بعيدا عن التعصب والتشنج لتجلى الحق بأجلى مظاهره ، ولأقروا بصحة مقالة
الشيعة ، غير أن تلك أمنية لا تتحقق إلا في فترات خاصة ، وقد سألني أحد علماء أهل
السنة عن حقيقة البداء فأجبته بإجمال ما أفصله في هذا المقام ، فتعجب عن إتقان
معناه ، غير أنه زعم أن ما ذكرته نظرية شخصية لا صلة بها بنظرية الإمامية في البداء
، فطلب مني كتابا لقدماء علماء الشيعة ، فدفعت إليه أوائل المقالات ، وشرح عقائد
الصدوق لشيخ الأمة محمد بن النعمان المفيد ( 336 - 413 ه ) فقرأهما بدقة ، وجاء
بالكتاب بعد أيام وقال : لو كان معنى البداء هو الذي يذكره صاحب الكتاب فهو من
صميم عقيدة أهل السنة ولا يخالفون الشيعة في هذا المبدأ أبدا .
ولتوضيح حقيقة البداء نأتي بمقدمات
:
الأولى : اتفقت الشيعة على أنه
سبحانه عالم بالحوادث كلها غابرها وحاضرها ، ومستقبلها ، لا يخفى عليه شيء في
الأرض ولا في السماء ، فلا يتصور فيه الظهور بعد الخفاء ، ولا العلم بعد الجهل ،
بل الأشياء دقيقها وجليلها ، حاضرة لديه ، ويدل عليه الكتاب والسنة المروية عن
طريق أئمة أهل البيت - مضافا إلى البراهين الفلسفية المقررة في محلها - .
أما من الكتاب : فقوله سبحانه :
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}
[آل عمران: 5].
وقوله تعالى : {وَمَا يَخْفَى عَلَى
اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 38].
وقوله سبحانه : {إِنْ تُبْدُوا
شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }
[الأحزاب: 54] كيف وهو محيط بالعالم صغيره وكبيره ، ماديه ومجرده ، والأشياء كلها
قائمة به قياما قيوميا كقيام المعنى الحرفي بالاسمي والرابطي بالطرفين ، ويكفي في
توضيح ذلك قوله سبحانه : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي
أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ } [الحديد: 22] .
وقوله سبحانه : {وَمَا مِنْ
دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6].
وأما الأخبار فنكتفي بالقليل منها :
قال الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) : "لم يزل الله عالما بالأشياء قبل
أن يخلق الأشياء ، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء " ( 1 ) .
وقال الإمام علي ( عليه السلام ) :
" كل سر عندك علانية ، وكل غيب عندك شهادة " ( 2 ) .
قال ( عليه السلام ) : " لا
يعزب عنه عدد قطر الماء ، ولا نجوم السماء ، ولا سوافي الريح في الهواء ، ولا دبيب
النمل على الصفا ، ولا مقيل الذر في الليلة الظلماء ، يعلم مساقط الأوراق ، وخفي
طرف الأحداق" ( 3 ) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) في
تفسير قوله : {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ
الْكِتَابِ} [الرعد: 39] : " فكل أمر يريده الله ، فهو في علمه قبل أن يصنعه
، ليس شيء يبدو له إلا وقد كان في علمه ، إن الله لا يبدو له من جهل " ( 4 )
.
وقال ( عليه السلام ) : " من
زعم أن الله عز وجل يبدو له من شيء لم يعلمه أمس ، فابرأوا منه " ( 5 ) .
إلى غير ذلك من الروايات التي تدل
على إحاطة علمه بكل شيء قبل خلقه وحينه وبعده ، وأنه لا يخفى عليه شيء أبدا ( 6 )
.
وأما العقل فقد دل على تنزهه من
وصمة الحدوث والتغيير ، وأنه تقدست أسماؤه أعلى من أن يقع معرضا للحوادث
والتغييرات ، ولأجل ذلك ذهبوا إلى امتناع البداء عليه - بمعنى الظهور بعد الخفاء
والعلم بعد الجهل - لاستلزامه كون ذاته محلا للتغير والتبدل ، المستلزم للتركيب
والحدوث ، إلى غير ذلك مما يستحيل عليه سبحانه .
فالآيات وكذلك الأحاديث المروية عن
أئمة الشيعة ( عليهم السلام ) تشهد على علمه الذي لا يشوبه جهل ، وعلى سعته لكل
شيء قبل الخلق وبعده ، وأنه يستحيل عليه الظهور بعد الخفاء ، والعلم بعد الجهل .
وعليه فمن نسب إلى الشيعة الإمامية ما يستشم منه خلاف ما دلت عليه الآيات
والأحاديث فقد افترى كذبا ينشأ من الجهل بعقائد الشيعة ، أو التزلف إلى حكام العصر
الحاقدين عليهم أو التعصب المقيت .
وبذلك يعلم بطلان ما قاله الرازي في
تفسيره عند البحث عن آية المحو والإثبات ، حيث يقول : قالت الرافضة : البداء جائز
على الله تعالى ، وهو أن يعتقد شيئا ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما اعتقده ،
وتمسكوا فيه بقوله : { يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } ، ثم قال : إن هذا
باطل ، لأن علم الله من لوازم ذاته المخصوصة ، وما كان كذلك كان دخول التغير
والتبدل فيه باطلا ( 7 ) .
وما حكاه الرازي عن " الرافضة
" كاشف عن جهله بعقيدة الشيعة ، وإنما سمعه عن بعض الكذابين الأفاكين الذين
يفتعلون الكذب لغايات فاسدة ، وقد قبله من دون إمعان ودقة ، مع أن موطنه ومسقط
رأسه بلدة ( ري ) التي كانت آنذاك مزدحم الشيعة ومركزهم ، وكان الشيخ محمود بن علي
بن الحسن سديد الدين الحمصي الرازي - علامة زمانه في الأصولين - معاصرا ومواطنا
للرازي وهو مؤلف كتاب " المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد " ( 8 )
، ولو كان الفخر الرازي رجلا منصفا لرجع إليه في تبيين عقائد الشيعة ، ولما هجم
عليهم بسباب مقذع ، وربما ينقل عنه بعض الكلمات في تفسيره .
وليس الرازي فريدا في التقول في هذا
المجال ، بل سبقه البلخي ( 319 ه ) في هذه النسبة (9)، ونقله الشيخ الأشعري ( 260
- 324 ه ) (10) ونقله أبو الحسن النوبختي في فرق الشيعة عن بعض فرق الزيدية (11) .
الثانية : كما دلت الآيات والأحاديث
(12) على أنه سبحانه لم يفرغ من أمر الخلق والإيجاد ، والتدبير والتربية ، دلت على
أن مصير العباد يتغير ، بحسن أفعالهم وصلاح أعمالهم ، من الصدقة والإحسان وصلة
الأرحام وبر الوالدين ، والاستغفار والتوبة وشكر النعمة وأداء حقها ، إلى غير ذلك
من الأمور التي تغير المصير وتبدل القضاء ، وتفرج الهموم والغموم ، وتزيد في
الأرزاق ، والأمطار ، والأعمار ، والآجال ، كما أن لمحرم الأعمال وسيئها من قبيل
البخل والتقصير ، وسوء الخلق ، وقطيعة الرحم ، وعقوق الوالدين ، والطيش ، وعدم
الإنابة ، وكفران النعمة ، وما شابهها تأثيرا في تغيير مصيرهم بعكس ذلك من إكثار
الهموم ، والقلق ، ونقصان الأرزاق ، والأمطار ، والأعمار ، والآجال ، وما شاكلها .
فليس للإنسان مصير واحد ، ومقدر
فارد ، يصيبه على وجه القطع والبت ، ويناله ، شاء أو لم يشأ ، بل المصير أو المقدر
يتغير ويتبدل بالأعمال الصالحة والطالحة وشكر النعمة وكفرانها ، وبالإيمان والتقوى
، والكفر والفسوق .
وهذا مما لا يمكن - لمن له أدنى
علاقة بالكتاب والسنة - إنكاره أو ادعاء جهله .
__________________
( 1 ) الكافي ج 1 ، باب صفات الذات ، الحديث 4 .
( 2 ) نهج البلاغة ، الخطبة 105 ، طبعة عبده .
( 3 ) نهج البلاغة ، الخطبة 173 .
( 4 ) البحار 4
: 111 باب البداء ، الحديث 30 ، والبرهان 2 : 300 .
( 5 ) المصدر نفسه .
( 6 ) للاطلاع على المزيد من الروايات حول علمه تعالى
أنظر البحار 4 : 121 .
( 7 ) تفسير الرازي 4 : 216 تفسير سورة الرعد . - ص 431 -.
( 8 ) الطهراني آغا بزرگ ، الثقات العيون في سادس القرون : 295
وطبع الكتاب أخيرا .
( 9 ) الطوسي ، التبيان 1 : 13 .
( 10 ) مقالات الإسلاميين : 107 .
( 11 ) فرق الشيعة : 76 نقله عن سليمان بن جرير الذي
كفره أهل السنة أيضا لتكفير عثمان ، فهل يصح الاعتماد على قول مثله ؟
( 12 ) البحار 4 ، ص 104 ، ح 17 وغيره .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|