المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الجغرافية
عدد المواضيع في هذا القسم 12710 موضوعاً
الجغرافية الطبيعية
الجغرافية البشرية
الاتجاهات الحديثة في الجغرافية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تطور الجغرافية السياسية  
  
2120   07:20 مساءً   التاريخ: 7-5-2022
المؤلف : علي احمد هارون
الكتاب أو المصدر : اسس الجغرافية السياسية
الجزء والصفحة : ص 15- 30
القسم : الجغرافية / الجغرافية البشرية / الجغرافية السياسية و الانتخابات /

تطور الجغرافية السياسية:

تعد الجغرافية السياسية فرعا حديثا من فروع الجغرافية، وقد بدأت تأخذ شخصيتها المستقلة فى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وازداد التركيز عليها بصفة خاصة فى النصف الثاني من القرن العشرين, ولعل من أسباب بروز هذا العلم مؤخرا هو ما ترتب على مرحلة الكشوف الجغرافية من تحولات وتغيرات فى الفكر الجغرافي بشكل عام, وقد تزامن هذا التطور والتغير مع ظهور وحدات سياسية جديدة، ومحاولة اقتسام بعض الوحدات بين الدول التى سعت لاستعمارها، وما ترتب على ذلك من بروز للفكر القومي ولكثير من المشكلات, كما كان للتغيرات التى أحاطت بالكيانات البشرية وأدت إلى الارتفاع فى المستويات الفكرية والحضارية وزيادة السكان دورها فى تضخيم حجم ومعنى ونتائج الفروقات والتباين بين البيئات والأوطان والأقاليم التى تتضمنها الوحدات السياسية.

ولكن الإرهاصات الأولى لهذا العلم بدأت منذ وقت طويل من خلال ما لاحظه الإسبان فى دول الآزتك والإنكا فى العالم الجديد عند احتلالهم لهذه المناطق، ومن خلال مصر القديمة والصين، فقد كان هناك من بينهم من كانوا يعبرون عن السلوك السياسي للإنسان من خلال علاقته بالبيئة، لكنهم لم يتركوا شيئا مكتوبا يعبر عن هذا، وإنما أمكن الوقوف على أفكارهم من خلال ما عبر عنه الآخرون، أمثال الإسبان الذين كتبوا عن الآزتك والإنكا، والإغريق عن مصر القديمة, و كما يبدو من خلال التلميحات والإشارات التى ترد بطريق غير مباشر من خلال العلوم الأخرى ذات العلاقة بالإضافة إلى علم الجغرافية بشكل عام. ويمكننا تتبع هذا التطور على امتداد نحو ألفي سنة مضت حيث أخذ هذا التطور شكل مراحل متداخلة، وكل مرحلة منها تعبر عن فترة واضحة فى تطور الجغرافية السياسية. وقد كان للإغريق الدور الباز فى المراحل الأولى لتطور هذا العلم، كما كان لهم دورهم البارز أيضا فى إبراز الجغرافية كعلم منذ نحو . . ٣ق. م.

والمرحلة الأولى لتطور هذا العلم تمثل الحتم البيئي حيث كانت الإشارة إلى الجغرافية السياسية تأتى عرضية، وفى هذه المرحلة فسر العلماء السلوك البشرى ومدى علاقته بالبيئة الطبيعية، فالذكاء والمهارات الفنية لها علاقات وثيقة بالمناخ مثلا.

ويمثل هذه المرحلة أرسطو (٣٨٤ - ٣٢٢ق.م) الذى تناول بالدراسة الدولة المثالية، ووحدة الدولة من خلال كتابه عن (السياسة)، فهو يرى أن الاعتبار السياسي يلعب دورا كبيرا فى تحديد حجم السكان الأمثل للدولة المثالية من أجل تحقيق الرفاهية لكل فرد فى المجتمع، فينبغي ألا يكون عدد السكان كبيرا يصعب حكمه، أو صغيرا بحيث يستضعف. كما يرى أن نجاح الدولة يتوقف على استغلالها لمواردها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن عاصمة الدولة يجب أن تجمع بين مزايا الدفاع وبين خدمتها لجميع أطرافها. كما ناقش أيضا وظائف الدولة والحدود السياسية، وهذا ما تهتم به الجغرافية السياسية بعد استقلالها حاليا.

ولكن الاهتمام بالمسائل الدينية فى عصور الظلام صرف العلماء عن الاهتمام بالجغرافية عموما، شأنها شأن العلوم الأخرى، وبذلك لم تتقدم كثيرا ولم تقدم فكرا جديدا خلال هذه المرحلة, وقد تناول أفلاطون(٤٢٨- ٣٤٧ق.م) في كتابه عن (الجمهورية) بعض الموضوعات التى ترتبط بالجغرافية السياسية، حيث كان يرى أن (المدينة الدولة) هي الشكل المناسب للسكان، كما أشار إلى نشأة الدولة وأن وحدتها تتحقق من خلال ترابط سكانها وتجمعهم.

كما كانت الجغرافية من بين ما اهتم به أوغسطس (٦٣ق. م - ١٤م)، وكذلك استرابو(٦٤ق.م- ٢٣ م) الذى أشار فى كتابه (الجغرافية) إلى أن الحكومة المركزية القوية من خلال حاكم قوى يمكن أن تقيم إمبراطورية قارية مزدهرة، ومن رأيه أن إيطاليا بسبب موقعها الممتاز ومناخها الملائم ومواردها المتعددة تعد مكانا طبيعيا ملائما لقيام دولة قوية. ويذكر أرسطو أن سكان البلاد الباردة وخاصة فى أوربا لديهم روح قوية ولكن أقل فى ذكائهم ومهارتهم، وذلك يفسر السبب فى أنهم يحيون حياة حرة دون تطور سياسي أو أى قدرة على حكم غيرهم، بينما سكان آسيا يتميزون بالمهارة والذكاء ولكن تنقصهم الروح، ولذلك يعيشون حياة التبعية والعبودية. أما اليونانيون بموقعهم الجغرافي المتوسط فيجمعون بين محاسن أوربا وآسيا فى الذكاء والروح، ولذلك أمكنهم أن يعيشوا أحرارا وأن يتقدموا سياسيا، ولديهم القدرة على حكم غيرهم إذا تحققت وحدتهم, كما أشار أرسطو إلى أن الدولة ينبغي أن تكون فى حماية قوية ضد الغزو الخارجي، كما هو الحال بالنسبة لأثينا التى كانت تقع فى حماية الجبال المحيطة بها منكل جانب، كما ينبغي أن تكون قريبة من ميناء بحرى ليفتح لها أبواب التجارة مع العالم الخارجي.

وقد برز من العرب ابن خلدون (١٣٨٢ -١٤٠٥ م) عندما تناول ما يرتبط بالجغرافية السياسية فى مقدمته، حيث أشار إلى القبيلة والدولة والصراع بين البدو والحضر، كما ناقش نشأة الدولة وعوامل انهيارها وأثر السلالة فى تكوين الدولة, وكما ورد فى كتابات ابن بطوطة فى وصفه لمدن غرب أفريقيا، ولا شك أن هؤلاء كانت كتاباتهم تتضمن فكرا جغرافيا سياسيا فيما يكتبون.

وقد برزت الجغرافية السياسية من خلال الربط بين أثر الظروف الجغرافية فى نظام الحكم والنشاط البشرى للشعوب وميلها للحرية أو الخضوع، كما يبدو من كتابات (بودن) فى القرن السادس عشر الميلادي الذى كان يرى أن شكل الجمهورية ينبغي أن يتطابق مع صفات البشر. وكذلك (منتسكيو) الذى يرى أن هناك صلة بين المناخ والقدرة على التنظيم والعدوان، والذى أشار فى كتابه (روح القوانين) إلى أثر كل من المناخ وسطح الأرض على حياة الشعوب والقوانين والنظم السياسية، فقد ذكر أن المناخ البارد يرتبط بالحرية السياسية، أما المناخ الحار فيؤدى إلى العبودية والحكم المطلق، كما أن السهول الفسيحة تسمح بتكوين الإمبراطوريات، بينما تؤدى الجبال إلى الاستقلال والشعور بالحرية.

وفى منتصف القرن السابع عشر ظهر فى بريطانيا السير وليم بتى وهو طبيب جراح أبدى اهتماما كبيرا بدراسة الجغرافية، ويعد رائدا فى الجغرافية السياسية. وقد بدأ اهتمامه بالخرائط حيث أنشأ خريطة لإيرلندا، كما اهتم بالسياسة والاقتصاد السياسي، وتناول بالدراسة أهمية الأرض والسكان فى الدولة فى كتابه عن (التشريح السياسي لإيرلندا) في عام ١٦٦٢م، كما درس أيضا العلاقة بين الدول وبيئاتها الجغرافية فى كتابه عن (إيرلندا). وفى هذا الكتاب دراسة لمناطق النفوذ الدولي وشكل الدولة الجغرافي والمساحة المثلى للدولة لكى تتمكن من السيطرة على جميع أطرافها، والموقع الجغرافي للدولة وكثافة السكان وأثر ذلك فى توجيه نشاطهم الاقتصادي، كما تناول العلاقة بين الجزر البريطانية وبين أوربا، وبينها وبين ممتلكاتها، والطرق البحرية العالمية، وإليه يرجع الفضل فى إبراز أهم صفتين جغرافيتين للدولة وهما : موقع الدولة ومساحتها. وقد ظلت أفكاره نحو قرن من الزمان إلى أن ظهر كارل ريتر وهمبولت اللذان أنعشا الجغرافية بشكل عام، والجغرافية السياسية من قبل ريتر بشكل خاص.

فخلال القرن التاسع عشر برز فى هذا المجال كارل ريتر (١٧٧٩ - ١٨٥٩ م) الذى كان أستاذا للجغرافية بجامعة برلين والذى اهتم بدراسة أثر البيئة على الثقافات والحضارات مستمدا آراءه من تلك التى وضعها داروين (١٨٠٩-١٨٨٢ م) ممثلة فى نظرية التطور فى ذلك الوقت، فأخرج نظرية لتطور الثقافات والحضارات مثل النبات والحيوان، فهي تولد وتنضج ثم تموت وتفنى فى النهاية. وكما ذكر داروين فى نظريته عن قوانين الاختيار الطبيعي، والبقاء للأصلح فإن ريتر كان يرى أن عناصر القوة فى الحضارة ضرورية لبقائها بين الحضارات المنافسة لها، وأن الحضارة أو الثقافة لكى تعيش وتبقى حية فلابد من أن تصارع غيرها من أجل استمرارها، وبالتالي عليها أن تقضى على الحضارات الضعيفة المنافسة لها، وكانت هذه تعد أول محاولة حقيقية لتطوير نظرية العلاقة بين نمو الدولة والتطور الحضاري.

أما المرحلة الثانية فى تطور الجغرافية السياسية فكانت تركز على دراسة الوحدات السياسية، فقد وجهت اهتمامها لدراسة الأساس الجغرافي للدولة، أو لمجموعة الدول. وكان تقدم هذه المرحلة على يد فريدريك راتزل الألماني (١٨٤٤ -١٩٠٤ م) لذى عد المؤسس الحقيقي للجغرافية السياسية الحديثة، ولذلك أطلق عليه أنه أبو الجغرافية السياسية الحديثة. وقد كان راتزل فى دراساته عن الجغرافية السياسية متأثرا بآراء داروين وبالحتم البيئي الذى كان سائدا طوال القرن التاسع عشر، والذى سيطر على فكر الجغرافيين الألمان طوال هذا القرن.

وقد ظهرت آراء راتزل فى كتابه عن: الجغرافية السياسية في عام ١٨٩٧ الذى يعد نقطة البداية للجغرافية السياسية, وفى هذا الكتاب تظهر نزعة راتزل الحتمية حيث حاول أن يبرز العلاقة بين الدولة والأرض وأثر البيئة فى الدولة، وإليه يرجع الفضل فى تطوير هذه العلاقة، وفى تصنيف الآثار التى تحدثها البيئة فى قوى الدول.

وقد تناول راتزل فى دراساته أساسين هامين من أسس الجغرافية السياسية وإن كان قد سبقه إليهما وليم بتى وهما : الموقع والمساحة. فقد درس موقع الدولة على الخريطة والمجال الذى يمكن أن يتحرك فيه سكان هذه الدولة، والمدى الذى يحدد هذا المجال. فقد ذكر أن المساحة الصغيرة تعنى دولة صغيرة ضعيفة، ولذلك يجب أن تختفى الدول الصغرى لتحل محلها دول كبرى. والدولة فى تصوره تعد اتحادا وثيقا بين السكان وبين المساحة التى يستغلها هؤلاء السكان. فهو بذلك يرى أن الدولة فى كل مراحلها تشبه الكائن الحى الذى ينمو تبعا لقوانين الأحياء، فهو يذكر أن الدولة تحتاج للفراغ لكى تنمو كما تحتاج الأحياء إلى الغذاء لكى تنمو. كما ذكر فى كتابه أن نمو الدولة يبدأ من نواة صغيرة تأخذ فى الاتساع لتضم أطرافا جديدة لها. والحدود السياسية فى تصوره عبارة عن مناطق تلتقى عندها حدود الكائنات الحية الإقليمية المتوسعة؛ ولذلك فإن هذه المناطق تعد مناطق احتكاك قد تؤدى إلى نشوب الحروب لأنها قد تضيق لدى الدول الضعيفة وتتسع بالنسبة للدول القوية التى لديها القدرة على التوسع، ولذلك تضم بعض السكان من الأمم الأخرى الضعيفة. وقد كان ذلك تعبيرا واضحا عن رغبة الألمان فى التوسع على حساب الدول المجاورة.

كما ناقش راتزل أسس الجغرافية السياسية ومقومات قيام الدولة من موقع ومساحة وسواحل وتضاريس وغطاء نباتي، وأكد على أهمية موقع العاصمة، والظروف الحضارية، والمعتقدات الدينية، ومدى الوحدة والتفكك فى الدولة، وقلب الدولة، وأعطى للحدود السياسية أهمية خاصة حيث اعتبرها بمثابة العضو الخارجي للدولة، فهي كالجلد بالنسبة للأحياء، وهى تعطى الدليل على مراحل نمو الدولة أو ذبولها وقوتها وضعفها.

كما تناول بالدراسة مجال الدولة، ومدى توسع مساحتها، وامتداد نفوذها الثقافى والاقتصادي والسياسي، وحدود هذا النفوذ، ففي مقال له بعنوان «القوانين السبعة للنمو الأرضي للدولة» ذكر راتزل سبعة قوانين تحكم حركة الدولة فى مجالها الحيوي وهى:

١ - ن مساحة الدولة تنمو وتتزايد بنمو الحضارة الخاصة بها.

٢ - أن نمو الدولة واتساع حدودها عملية لاحقة لمظاهر التقدم الأخرى الخاصة بسكانها مثل التجارة والأفكار والنشاط التبشيرى.

٣ - أن نمو الدولة يتم من خلال عمليات الدمج والاستيعاب للوحدات

الأصغر منها .

٤- أن الحدود السياسية هى الكائن الحى الخارجي المغلف للدولة والذى يعكس نموها وقوتها ويضمن لها الأمن والحماية.

٥ - أن الدولة تسعى أثناء مراحل نموها إلى ضم واستيعاب الأقاليم ذات القيمة السياسية مثل السواحل والأودية النهرية والسهول والمناطق الغنية بمواردها.

٦-أن الحافز للنمو الإقليمي والتوسع يأتي للدولة البدائية من الخارج ومن حضارة أعلى منها، ومعنى ذلك أن الدولة ذات المدنية الأعلى تميل إلى التوسع على حساب الدولة ذات الحضارات الأدنى.

٧ - أن الميل نحو التوسع الأرضي والدمج والاستيعاب ينتقل من دولة إلى دولة أخرى ثم ما يلبث أن يشتد ويتزايد بعد ذلك .

وهذه القوانين السبعة كانت أساسا قوانين خاصة بالمكان والموقع؛ لأن نشاط الإنسان وصفاته وكثافة السكان فى الدولة ليست فى نظر راتزل سوى نتاج الموقع والحجم والبيئة الطبيعية والحدود، أى أنها تعد نتاج المكان.

كما تناول راتزل دراسة الحركات البشرية والهجرات والغزوات وإنشاء المستعمرات، وبذلك يكون راتزل قد تناول فى دراسته العناصر الأساسية التى تهتم بها الجغرافية السياسية حاليا.

ولكن اهتمام راتزل بوطنه ألمانيا يمثل نقطة الضعف فى دراسته؛ لأنه أعطى مبررا للتوسع الألماني. فقد كانت ألمانيا تعانى ضيقا فى مساحتها وتضخما فى سكانها، وفى نفس الوقت كانت محاطة بجيران لا يفصل بينها وبينهم حدود طبيعية، وكان الكثير من أبنائها يعيشون خارج حدودها، وتسعى لضمهم جميعا فى نطاقها.

وقد أخذ الألمان بأفكار راتزل كمبرر للعدوان على البلاد المجاورة، وذلك فى الثلاثينيات من القرن العشرين، فألمانيا فى تصورهم كانت تتوسع على حساب جيرانها وفقا لهذا المنطق. وكان لهذا المفهوم ولادعاءات هتلر بخصوص المجال الحيوي واستغلاله لبعض المفاهيم الجغرافية بطريقة خاطئة أسوأ الأثر على الجغرافية السياسية؛ لأنه جعل العلاقة بين السياسة والجغرافية مرتبطة فى أذهان الناس بالغزو والعدوان. ولعل اهتمام الألمان بالجغرافية والجغرافيين يرجع إلى استغلالهم لهذا العلم بما يحقق مصلحتهم.

وبعد راتزل تعرضت الجغرافية السياسية لكثير من النقد والجدل فى ضوء ما ذكره راتزل. ومن بين من تعرضوا لآرائه هاسنجر؟عع٦ذ٧1.11055 الألماني الذى يقول : إن هدف الجغرافية السياسية عند راتزل هو شرح وتصوير الدولة على أنها كينونة حية مرتبطة بالأرض، وعلى أنها جهاز متغير مع حركة التاريخ، وبذلك فإن المكان والموقع والتغيرات التى تطرأ على الشكل السياسي للسكان تعد فى نظر راتزل عوامل أساسية، بينما يقف خلفها العامل البشرى ممثلا فى صورة الشعوب.

ومن هذا يتضح لنا أن المكان فى نظر راتزل يلعب دورا هاما ولكنه ليس العامل الوحيد الذى يجب أن تنظر إليه الجغرافية السياسية، ويضيف هاسنجر عوامل بشرية أخرى لها دورها فى الأوضاع السياسية للدولة، كما يضيف إلى ما ذكره راتزل من كون كيان الدولة يمنح أقاليمها قوى معينة، وبأن الدولة تستمد قواها من أقاليمها وذلك فى إطار العلاقة المتبادلة بين الدولة والمكان.

ويرى أوفربك الألماني أن راتزل قد أكد على أهمية العوامل المعنوية والإدارية للبشر إلى جانب عاملي المكان والموقع، فهو يقول بأن راتزل قد أشار إلى هذه العوامل إشارات خفيفة فى كتابه الأساسي عن الجغرافية السياسية، ولكن دور العوامل الأخرى تبدو بوضوح فى دراساته وأبحاثه السياسية عن دول حوض البحر المتوسط والولايات المتحدة.

ومما سبق يبدو لنا أن راتزل لم يكن متحيزا تماما لفكرة المكان رغم تأكيده على العامل الطبيعي، ويؤكد ذلك جوستاف الذى يقول: بأن راتزل قد حذر من التعالي فى فهم دور المكان والموقع فى الجغرافية السياسية؛ لأن الشعوب تساهم مساهمة فعالة فى إعطاء الدولة القيمة السياسية لها.

وواقع الأمر ن راتزل يعد أول من أدرك تعقد حياة الدولة ووظائفها، وأعطى لدراستها الطابع العلمي، كما أن جميع الدارسين يتفقون على أن راتزل تحمل مسئولية القيام بأول دراسة أصولية تعد غاية فى الأهمية عن الجغرافية السياسية.

وجاء كلن السويدي (١٨٦٤ - ١٩٢٢) ليدخل بعض التعديل على فكرة أن الدولة كائن حي، فهو يرى أن الدولة ليست كائنا حيا فقط وإنما تعد أيضا كائنا ذا شعور وقدرات فكرية وأخلاقية، وقد نقل كلن عن راتزل فكرة أن الدولة كالكائن العضوي، تكون الأرض التى يعيش عليها الجسد، وتكون العاصمة القلب والرئتين، أما الأنهار والأودية والطرق فهي الأوردة والشرايين، ومناطق التعدين والإنتاج الزراعي تعد الأطراف. وكان يرى أن أهم ما تعنى به الدولة هو القوة، وأن حياة الدولة تعتمد على التربية والثقافة والاقتصاد والحكم وقوة السلطان، وفى رأيه أن الجغرافية يجب أن تسخر لخدمة الدولة التى هى الغرض الأسمى للدراسة.

وقد كتب كلن كتابين أولهما نشر فى ليبزج عام ١٩١٧ بعنوان «الدولة كمظهر من مظاهر الحياة »، والثاني فى عام ١٩٢٠ بعنوان «الأسس اللازمة لقيام نظام سياسي)). كما طور أبحاثه التى عرفت باسم «نظرية الدولة" وفيها قسم الدراسات المرتبطة بالدولة إلى: السياسة الأرضية (الجيوبولتيك) والسياسة الشعوبية (الاثنوبولتيك)، والسياسة الاجتماعية (السسيوبولتيك) والسياسة الاقتصادية (الأيكوبولتيك)، والسياسة الإدارية.

وكان كلن يرى أن الدولة فى سعيها وراء القوة ليس من الضروري أن تتوسع إقليميا تبعا للقوانين التى تخضع لها الكائنات الحية فقط، وإنما بإمكانها أن تستفيد من التقدم الحديث فى الثقافة وفى المهارة الفنية لكى تحقق الأهداف التى تسعى إلى تحقيقها وهى أن يكون لها حدود طبيعية ملائمة ووحدة متجانسة فى الداخل، وبذلك يعد كلن أول من استخدم لفظ (جيوبوليتيك) ويعنى به «البيئة الطبيعية للدولة". وقد توسع الألمان فيما بعد فى تفسير مدلول هذا اللفظ بما يخدم أهدافهم، ولذلك فقد اللفظ مدلوله العلمي وأصبح المقصود به دراسة الدولة مع توجيه الدراسة إلى السياسة التى تخدم مصالح تلك الدولة، وخو ما سعى لتطبيقه عمليا مؤسس الجيوبولتيك الألماني كارل هوسهوفر فيما بعد.

وقد تأثر هوسهوفر (١٨٦٩ -١٩٤٦ م) بآراء من سبقوه وخاصة بآراء كل من راتزل وكلن، وإن كان لكلن فضل السبق فى استخدام منهوم الجيوبولتيك فإن هوسهوفر يعد مؤسس الجيوبولتيك الألماني.

وكان هوسهوفر قد بدأ حياته ضابطا بالجيش الألماني وذهب إلى اليابان كمراقب عسكري في عام١٩٠٨م، وقد كان لهذه الرحلة أثرها فى تكوينه السياسي والعسكري. فقد درس النظم اليابانية وأصبح خبيرا فى شئون الشرق الأقصى والمحيط الهادي، ثم حصل على الدكتوراه فى الجغرافية عام ١٩١م، وعين فيما بعد أستاذا للجغرافية فى جامعة ميونيخ فى عام ١٩٢٠ ، وفي عام ١٩٢٢ أسس معهد ميونيخ للجيوبولتيك ثم مجلة السياسة التى ظلت تنشر آراءه السياسية وجذبت إليه مجموعة من الجغرافيين الألمان ومن بينهم ابنه البرخت هوسهوفر.

وقد طبق هتلر الكثير من آراء هذا المعهد، وكان واضحا تأثره بآراء هوسهوفر عندما أشار إلى نظرية المجال الحيوي فى كتابه بعنوان «كفاحي» كما يبدو اهتمامه بهوسهوفر عندما عينه رئيسا للأكاديمية الألمانية ثم من تقديمه الدعم الكبير لمعهد هوسهوفر.

وقد حول هوسهوفر مفهومه عن الجيوبولتيك إلى خدمة الأغراض القومية لألمانيا، أى أن فكرة المجال الحيوي أصبحت من وجهة نظر الدولة ذاتها، وأن الدولة ينبغي أن تحقق المطالب القومية وأن تناضل فى سبيل تحقيق هذا المجال الحيوي الذى يعد مرادفا للتوسع العسكري. وقد كانت هذه الأفكار من الدعاوى الرئيسية التى ارتكزت عليها النازية الألمانية فى توسعها الإقليمي فى أوربا بعد الحرب العالمية الأولى.

وقد كانت نظرة هوسهوفر إلى الدولة من زاوية قومية، ولهذا كان يرى أن من المحتم أن تبتلع ألمانيا الدول الصغرى المجاورة لها. ولا شك أن هذا يعد انعكاسا لأفكار معهد ميونيخ الذى قسم الشعوب إلى: شعب سيد وهو الشعب الألماني، وشعوب مساعدة وهى بقية الشعوب الأوربية، أما النازية فكانت ترى أقساما أخرى للناس وهى أن أعلى البشر مرتبة هم الجرمان النورديون، ويليهم السلافيون، أما الشرقيون ففي مرتبة دون البشر، ثم يأتي من بعدهم الزنوج وهم أنصاف القردة، وأخيرا اليهود كجماعة طفيلية تحتل الدرك الأسفل فى السلم الاجتماعي.

كما تأثر هوسهوفر بآراء ماكندر حيث اتفق معه فى أهمية قلب الأرض (الهارتلاند) ولذلك كان يأمل أن تتاح الفرصة لألمانيا لتسيطر على هذه المنطقة، ولذلك كان يسعى من خلال الدراسات التى يقوم بها معهد ميونيخ إلى تسخير هذا العلم لخدمة ألمانيا فى التوسع.

وكان هوسهوفر يتفق مع آراء راتزل فى أن المحيط الهادي له أهمية إستراتيجية كبيرة وأنه منطقة من مناطق السيطرة، كما كان يتفق معه فى ن الدولة كائن حى وأنها فى حاجة إلى التوسع الإقليمي، ولكنه كان يختلف معه فى نه كان قوى النزعة وكان يسخر فكرته لخدمة بلاده وفى تحقيق مطالبها السياسية.

وكان الجغرافيون الفرنسيون أمثال جان برنهس (١٨٦٩- ١٩٣٠م) وألبرت ديمانجون (١٨٧٢ - ١٩١٨ م)، وفيدال دى لابلاش (١٨٤٥ -١٩٤٠م) على خلاف الألمان، فهم يرون أن الدولة ليست وحدة سياسية كالكائن الحى وإما هى وحدة ثقافية وقومية يوجهها الشعور الجماعي لسكانها، كما يرون أن البيئة لا تتحكم فى النشاط البشرى كما يعتقد أنصار الحتم البيئي أمثال راتزل وكلن، ولكنها تهيئ للإنسان بعض الفرص وعليه أن يستفيد منها أو من بعضها، كما رفضوا فكرة أن الدولة الصغيرة لا يمكنها الصمود والاستمرار، فهناك من الدول الصغرى من ساهمت فى الحضارة بنصيب كبير ومن عاشت طويلا برغم صغرها .

وقد كتب ديمانجون فى عام ١٩٣٢ قائلا: (نحن نستطيع أن نؤكد أن الجيوبولتيك الألمانية قد قوضت الروح العلمية رغم أنها حتى عهد راتزل لم تكن عدائية، لكنها بعد ذلك جنحت نحو العدوان والمتناقضات).

أما المرحلة المعاصرة فقد ركزت على دراسة الوحدات السياسية وطاقاتها وقدراتها وعلاقاتها ببعضها البعض، وممن اهتم بذلك ( ١٨٩٠ - ١٩٥٦ م) الذى بدأ دراسته بالتاريخ ثم شارك مع جونز فى وضع كتاب عن الجغرافية الاقتصادية عام ١٩٢٥. وقد وجه اهتمامه بعد ذلك إلى الجغرافية السياسية حيث ألف كتابا يعد من أبرز أعماله عن (الأرض والدولة) كما أسهم فى وضع إطار نظري للجغرافية السياسية، وهو يرى أن الجغرافية السياسية تهتم بدراسة اختلاف الظاهرات السياسية من مكان إلى مكان. وتعد الدولة فى مقدمة هذه الظاهرات السياسية، وأن الدولة ترتبط بظروف البيئة التى نشأت فيها. كما اهتم بدراسة العلاقة بين الدولة والبيئة وبالتركيب الجغرافي للدولة وكيف أن معظم ادول يبدأ نموها من النواة التى تضم العاصمة فى أغلب الأحيان، كما اهتم أيضا بدراسة الحدود السياسية وبنظام الحكم ومناطق المنازعات.

وأما بومان  (١٨٧٨ - ١٩٥٠م) الذى يعد رائدا للجغرافيين الأمريكيين والذى عمل مديرا للجمعية الجغرافية الأمريكية خلال الفترة من ١٩١٥ -١٩٣٥ م فقد استطاع أن يطبق الجغرافية تطبيقا محكما على المشكلات السياسية والاقتصادية فى الحرب وفى السلم وذلك من خلال كتابه عن (العالم الجديد) وكتابه عن (الجغرافية والجيوبوليتك) وقد لعب دورا هاما كمستشار فى الشئون الجغرافية للهيئة الأمريكية التى اشتركت فى مفاوضات السلام خلال الفترة من ١٩١٨ - ١٩٢٢، كما شارك فى وضع أسس الأمم المتحدة, ويعد كتاب بومان عن العالم الجديد أهم ما ظهر فى ميدان الجغرافية السياسية، فلأول مرة فى تاريخ الدراسات الجغرافية استطاع أحد الجغرافيين أن يجمع فى كتاب واحد المشاكل السياسية الرئيسية فى مختلف جهات العالم وأن يدرسها دراسة تحليلية تتصل بالنظام العام فى العالم وليس كدراسات فردية. ومنذ ظهور هذا الكتاب بدأ إسهام الأمريكيين فى معالجة موضوعات الجغرافية السياسية.

كما أن ماهان (.١٨٤ -١٩١٤م) الذى كان ضابطا بحريا قد أكد على أهمية العامل البحرى فى تاريخ الدول، فهو يرى أن أهم عامل جغرافي يؤثر فى قوة الدولة ليس فى حجم المساحة التى تشغلها بقدر ماهي فى طول سواحلها وطبيعة موانيها. ولذلك كان يرى أن على الولايات المتحدة أن توجه أنظارها نحو سواحلها. وكان يؤكد على أن زعامة العالم فى المستقبل ستكون للدولة المتحكمة فى البحار. وكتب فى ذلك كتابا بعنوان «أثر القوى البحرية فى التاريخ» . وقد كان ذلك مشجعا لروزفلت لكى يتخذ من ذلك أساسا فى سياسته الخارجية.

وجاء هارتسهورن  ليلعب دورا هاما فى تطور الجغرافية السياسية الحديثة، فتد ألف كتابا بعنوان" التطورات الحديثة فى الجغرافية السياسية»، حيث اعتبر فى بداية عهده أن الجغرافية السياسية هى دراسة الوحدات السياسية، أى دراسة العلاقات بين النشاط السياسي للإنسان ومؤسساته وتنظيماته من ناحية وبين الظروف الطبيعية للأرض من جهة أخرى. وتتضمن هذه الدراسة تحليلا لعناصر الدولة من حيث الموقع والمساحة والشكل والحدود واللاندسكيب الطبيعي والحضاري وتوزيع السكان والعاصمة والعلاقات بين مناطق الدولة المختلفة. كما اهتم بدراسة التشابه والاختلاف بين الظاهرات السياسية على سطح الأرض وربط بينها وبين مظاهر البيئة المختلفة, وقد اقترح هارتسهورن فى عام ١٩٣٥ م منهجا مورفولوجيا لدراسة الأقاليم السياسية يقو م على تحليل الخصائص الطبيعية والحضارية للدولة كمنطقة جغرافية، ولكنه فى عام 1950م أعاد النظر فى أفكاره لتأخذ اتجاها وظيفيا فى دراسة الأقاليم السياسية مع التركيز على قوى التباين والتجانس داخل الدولة وعلاقتها الداخلية والخارجية، وبذلك فإن الجغرافية السياسية كما يراها هارتسهورن هى تحليل القوة وتقييم الوزن السياسي للدولة بكل ما يعنى ذلك من تحليل لتركيبها وتكوينها وخصائصها الطبيعية والبشرية ومواردها وإنتاجها ومشكلاتها المختلفة، أى كلما يؤثر على قوتها.

ومما يعطى لهذا التعريف قوته هو تركيزه على الأبعاد الجغرافية للجغرافية السياسية مما يعمق جذورها فى الجغرافية أكثر من العلوم الأخرى ذات العلاقة كالتاريخ والسياسة والاجتماع.

أما هالفورد ماكندر الإنجليزي (١٨٦١ -١٩٤٧ م) فتعد نظريته عن قلب الأرض كا٢عاأ٠اا معبرا عن اتجاه الجغرافية السياسية نحو دراسة الكتل الإقليمية كوحدة سياسية فقد كان يرى أن الصراع النهائي للسيطرة على العالم سيكون من نصيب القوى التى تتركز فى داخل القارات اليابسة وليس للدول البحرية، وقد أتى بكثير من الأدلة على وجهة نظره.

وقد جاءت نظريته عن قلب الأرض ضمن مقال نشره في عام١٩٠٤م،ثم طورها فى شكل كتاب صدر فى عام ١٩١٩ م، ثم قام بتعديل لبعض آرائه أثناء الحرب العالمية الثانية لتتفق مع تطورات السياسة العالمية للدول. وقد بدأ فى هذه النظرية بالنظر إلى العالم ككل، وكان يرى العالم القديم كقارة واحدة ضخمة ذات ثلاثة أجزاء ملتحمة يتوسطها البحر المتوسط وتضم حوالى ثلثي مساحة اليابس ومعظم سكان العالم، وأطلق عليها (الجزيرة العالمية)، ثم وجد أن لهذه الجزيرة العالمية قلبا يمثل محور ارتكازها أطلق عليه (منطقة الارتكاز) ثم عدل هذا الاسم إلى (قلب الأرض). وفى ضوء هذا التصور فإن قلب الأرض يضم المنطقة من حوض نهر الفولجا غربا حتى سيبيريا شرقا وقلب إيران جنوبا، وبذلك يضم مساحة كبيرة تصل إلى نحو21مليون ميل مربع، ويتميز بسهولة التضاريس والصرف الداخلي وسيادة الحشائش، فهو يضم منطقة الاستبس الآسيوي.

ويحيط بالجزيرة العالمية نطاق سأحلى أطلق عليه (الهلال الخارجي)، وبين الهارتلاند والهلال الخارجي منطقة أطلق عليها (الهلال الداخلي) . ويرى ماكندر أن من يسيطر على جزيرة العالم (العالم القديم)، يستطيع السيطرة على العالم؛ لأن من يستطيع السيطرة على قلب الأرض (الهارتلاند) يستطيع التوسع على حساب المناطق الهامشية، وبذلك يستطيع استغلال جميع موارد هذه المناطق لبناء قوته العسكرية وأساطيله البحرية. ويمكن تحقيق ذلك عندما تتحد ألمانيا مع الاتحاد السوفيتي. وبذلك وصل ماكندر إلى تصوره بأن شرق أوربا يعد مفتاح الهارتلاند، وشرق أوربا منطقة صراع بين روسيا وألمانيا، وهذا الصراع لا شك ستكون له نهاية عندما ينتصر أحد الطرفين، ويترتب على ذلك السيطرة لأحدهما على قلب الأرض وما حوله. ولما كان قلب الأرض منطقة حصينة ويصعب الوصول إليها، فإن الاحتمال بأن من يسيطر على القلب هو الذى ستكون له الغلبة فى النهاية على شرق أوربا. وقد وصل ماكندر بذلك إلى نظريته الشهيرة التالية:

- من يسيطر على شرق أوربا يتحكم فى الهارتلاند (قلب الأرض).

- ومن يسيطر على الهارتلاند يتحكم فى جزيرة العالم.

- ومن يسيطر على جزيرة العالم يتحكم فى العالم كله.

وقد جاءت الحرب العالمية الأولى والثانية مؤيدة لنظرية ماكندر حيث دار الصراع بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي وانتهى بسيطرة الاتحاد السوفيتي على الهارتلاند وشرق أوربا، وبذلك أصبح قوة كبرى على الأرض.

ويبدو أن نظرية ماكندر ستتحقق فى السنوات القادمة بعد توحيد شطري ألمانيا وتفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال بعض أجزائه أمثال لاتفيا واستونيا ولتوانيا والجمهوريات الإسلامية، وابتعاد دول أخرى كانت ضمن مناطق نفوذه من خلال الفكر الشيوعي مثل بولندا ورومانيا والمجر وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، تلك الدول التى تسعى ألمانيا لاستقطابها لتملأ فراغ الاتحاد السوفيتي، وإذا ما استطاعت ألمانيا تحقيق هذا الهدف فإن ذلك يعد تحقيقا لنظرية ماكندر التى نالت اهتماما كبيرا من قبل ألمانيا، وبصفة خاصة ألمانيا النازية التى وجدت فى هذه النظرية ما يتفق مع طموحاتها ويساعدها على تحقيق أهدافها، ولذلك اهتمت مدرسة الجيوبولتيك الألمانية وعلى رأسها هوسهوفر بهذه النظرية واتخذتها أساسا لفلسفتها، وبصفة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.

وقد بدأ الاهتمام بالنظرة العالمية فى الدراسة لسياسية لقى تأييدا من كثير من الجغرافيين أمثال سبيكمان الذى كان أستاذا للعلاقات الدولية بجامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان يرى أن الجغرافية عامل مهم فى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. ومن أبرز ما كتبه فى هذا المجال كتابه عن (جغرافية السلام) الذى نشر بعد وفاته فى عام ١٩٤٤م، فكان يرى أن السلام الدائم يمكن أن يتحقق عن طريق نظام دولي عام لتوان القوى كالأمم المتحدة، كما أنه كان يتفق مع آراء ماكندر فى أن الدولة التى تسيطر على جزيرة العالم (العالم القديم) تستطيع التحكم فى العالم.

ولكن سبيكمان لم يتفق مع ماكندر فى أهمية قلب الأرض، فهو يرى أن الإمكانات الحقيقية تتركز فى النطاق المحيط بقلب الأرض، وهو النطاق الذى أطلق عليه (الحافة) وهو الذى أطلق ماكندر عليه الهلال الداخلي أو المنطقة الانتقالية الوسطى" التى تعد أعظم أهمية من القلب. ففي هذا النطاق يعيش معظم السكان وتتركز معظم الموارد، فهي تضم معظم قارة أوربا والعالم العربي وإيران وأفغانستان والصين وجنوب شرق أسيا وكوريا وشرق سيبريا.

ويرى سبيكمان أنه لم يحدث صدام مباشر بين قلب الأرض والقوى البحرية، ولكن ما حدث من صدام كان بين القوى البحرية ومنطقة الحافة التى تفصل بين القوى البحرية وقلب الأرض (القوى البرية). وفى ضوء ذلك أعد سبيكمان نظرية أخرى وهى :

- من يسيطر على نطاق الحافة يتحكم فى أوراسيا.

- ومن يسيطر على أوراسيا يتحكم فى العالم.

ورغم تشابه الآراء فى هذه النظريات فإن كلا منها برزت فى وقت معين له ظروفه الخاصة، ويصعب تطبيق هذه النظرية فى جميع هذه الظروف، فقد قوبلت بنقد من الكثيرين؛ لأنها تتناول الأحداث التاريخية.

وممن قاموا بنقد هذه النظرية، وكذلك نظرية ماكندر جوردن إيست الذى كان يرى أن العالم فى الوقت الحاضر يمر بمرحلة تقدم علمى وتكنولوجي أمكنها تغيير الكثير من الظروف البيئية، ولذلك فإن من الخطأ الاعتماد على فروض وتعميمات يصعب استمرارها فى كل الظروف.

ومما سبق يمكننا القول بأن البيئة الطبيعية يمكنها أن تهيء الفرص والإمكانات للدول ولكنها لا تفرض الطريقة التى تسلكها هذه الدول، وإما على سكانها أن يختاروا الاتجاه الذى يتفق وأهدافهم التى يسعون لتحقيقها والتي تتلاءم وقدراتهم. كما أن العالم أصبح يؤلف مجموعة من الظاهرات التى يعتمد بعضها على البعض الآخر، وأي حدث فى أية دولة أو عدد من الدول سواء كان سياسيا أم اقتصاديا له تأثيره فى الدول الأخرى، وهذا يعنى أنه لا توجد جهة واحدة فى العالم يمكن أن تكون محور الاهتمام، وإنما ينبغي أن يكون الاهتمام متجها إلى أكثر من جهة، كما أن من الصعب وضع قوانين تصلح أساسا لجميع الدول فى تطورها السياسي، فليس هناك دولتان متشابهتان تمام التشابه فى ظروفهما حتى يمكن تطبيق نفس القانون، فلكل دولة ظروفها، وما يصلح لدولة لا يصلح لأخرى.

 




نظام المعلومات الجغرافية هو نظام ذو مرجعية مجالية ويضم الأجهزة ("Materielles Hardware)" والبرامج ("Logiciels Software)" التي تسمح للمستعمل بتفنيد مجموعة من المهام كإدخال المعطيات انطلاقا من مصادر مختلفة.
اذا هو عبارة عن علم لجمع, وإدخال, ومعالجة, وتحليل, وعرض, وإخراج المعلومات الجغرافية والوصفية لأهداف محددة . وهذا التعريف يتضمن مقدرة النظم على إدخال المعلومات الجغرافية (خرائط, صور جوية, مرئيات فضائية) والوصفية (أسماء, جداول), معالجتها (تنقيحها من الأخطاء), تخزينها, استرجاعها, استفسارها, تحليلها (تحليل مكاني وإحصائي), وعرضها على شاشة الحاسوب أو على ورق في شكل خرائط, تقارير, ورسومات بيانية.





هو دراسة وممارسة فن رسم الخرائط. يستخدم لرسم الخرائط تقليدياً القلم والورق، ولكن انتشار الحواسب الآلية طور هذا الفن. أغلب الخرائط التجارية ذات الجودة العالية الحالية ترسم بواسطة برامج كمبيوترية, تطور علم الخرائط تطورا مستمرا بفعل ظهور عدد من البرامج التي نساعد على معالجة الخرائط بشكل دقيق و فعال معتمدة على ما يسمى ب"نظم المعلومات الجغرافية" و من أهم هذه البرامج نذكر MapInfo و ArcGis اللذان يعتبران الرائدان في هذا المجال .
اي انه علم وفن وتقنية صنع الخرائط. العلم في الخرائط ليس علماً تجريبياً كالفيزياء والكيمياء، وإنما علم يستخدم الطرق العلمية في تحليل البيانات والمعطيات الجغرافية من جهة، وقوانين وطرق تمثيل سطح الأرض من جهة أخرى. الفن في الخرائط يعتمد على اختيار الرموز المناسبة لكل ظاهرة، ثم تمثيل المظاهر (رسمها) على شكل رموز، إضافة إلى اختيار الألوان المناسبة أيضاً. أما التقنية في الخرائط، يُقصد بها الوسائل والأجهزة المختلفة كافة والتي تُستخدم في إنشاء الخرائط وإخراجها.





هي علم جغرافي يتكون من الجغرافيا البشرية والجغرافية الطبيعية يدرس مناطق العالم على أشكال مقسمة حسب خصائص معينة.تشمل دراستها كل الظاهرات الجغرافيّة الطبيعية والبشرية معاً في إطار مساحة معينة من سطح الأرض أو وحدة مكانية واحدة من الإقليم.تدرس الجغرافيا الإقليمية الإقليم كجزء من سطح الأرض يتميز بظاهرات مشتركة وبتجانس داخلي يميزه عن باقي الأقاليم، ويتناول الجغرافي المختص -حينذاك- كل الظاهرات الطبيعية والبشرية في هذا الإقليم بقصد فهم شخصيته وعلاقاته مع باقي الأقاليم، والخطوة الأولى لدراسة ذلك هي تحديد الإقليم على أسس واضحة، وقد يكون ذلك على مستوى القارة الواحدة أو الدولة الواحدة أو على مستوى كيان إداري واحد، ويتم تحديد ذلك على أساس عوامل مشتركة في منطقة تلم شمل الإقليم، مثل العوامل الطبيعية المناخية والسكانية والحضارية.وتهدف الجغرافية الإقليمية إلى العديد من الأهداف لأجل تكامل البحث في إقليم ما، ويُظهر ذلك مدى اعتماد الجغرافيا الإقليمية على الجغرافيا الأصولية اعتماداً جوهرياً في الوصول إلى فهم أبعاد كل إقليم ومظاهره، لذلك فمن أهم تلك الأهداف هدفين رئيسيين:
اولا :الربط بين الظاهرات الجغرافية المختلفة لإبراز العلاقات التبادلية بين السكان والطبيعة في إقليم واحد.
وثانيا :وتحديد شخصية الإقليم تهدف كذلك إلى تحديد شخصية الإقليم لإبراز التباين الإقليمي في الوحدة المكانية المختارة، مثال ذلك إقليم البحر المتوسط أو إقليم العالم الإسلامي أو الوطن العربي .