أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2016
3826
التاريخ: 7-2-2019
2614
التاريخ: 10-4-2016
3374
التاريخ: 12-4-2016
3400
|
ما أن سمع عمر خبر اجتماع الأنصار في السقيفة ؛ حتى أتى منزل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وفيه أبو بكر ، فأرسل إليه أن اخرج إليّ ، فأجابه بأنّه مشغول ، فأرسل إليه عمر ثانية أن اخرج فقد حدث أمر لابدّ أن تحضره .
فخرج إليه أبو بكر ، فمضيا مسرعين نحو السقيفة ومعهما أبو عبيدة ومن ثمّ لحقهم آخرون ، فأدركوا الأنصار في ندوتهم ولمّا يتمّ بعد الاجتماع ولم ينفضّ أصحابه ، فتغيّر لون سعد بن عبادة واسقط ما في أيدي الأنصار وساد عليهم الوجوم والذهول ، ونفذ الثلاثة في تجمّع الأنصار أتمّ نفوذ وأتقنه ، ينمّ عن معرفتهم بالنفوس ونوازعها ورغباتها ومعرفتهم بنقاط الضعف التي من خلالها تسقط ورقة الأنصار .
أراد عمر أن يتكلّم فنهره أبو بكر لعلمه بشدّته وغلظته والموقف خطير وملبّد بالأحقاد والأضغان ، ويجب أن يستعمل فيه البراعة السياسية والكلمات الناعمة لكسب الموقف أوّلا ثمّ يأتي دور الشدّة والغلظة .
وافتتح أبو بكر الحديث بأسلوب لبق فخاطب الأنصار باللطف ، ولم يستعمل في خطابه أيّ كلمة مثيرة فقد قال : نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاما ، وأكرمهم أحسابا ، وأوسطهم دارا ، وأحسنهم وجوها ، وأمسّهم برسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) رحما ، وأنتم إخواننا في الإسلام ، وشركاؤنا في الدين ، نصرتم وواسيتم ، فجزاكم اللّه خيرا ، فنحن الامراء وأنتم الوزراء ، لا نفتات عليكم بمشورة ، ولا نقضي دونكم الأمور ، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح : يا معشر الأنصار ! املكوا عليكم أمركم ، فإنّ الناس في ظلّكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولا يصدر أحد إلّا عن رأيكم ، أنتم أهل العزّة والمنعة ، وأولو العدد والكثرة ، وذوو البأس والنجدة ، وإنّما ينظر الناس ما تصنعون فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم ، فإن أبى هؤلاء إلّا ما سمعتم فمنّا أمير ومنهم أمير ، فقال عمر : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد ، واللّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ، ولا تمتنع العرب أن تولّي أمرها من كانت النبوّة منهم ، فمن ينازعنا سلطان محمّد ونحن أولياؤه وعشيرته .
فقال الحباب بن المنذر : يا معشر الأنصار ! املكوا أيديكم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ؛ فاجلوهم من هذه البلاد ، وأنتم أحقّ بهذا الأمر منهم ، فإنّه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين ، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب ، أنا أبو شبل في عرينة الأسد ، واللّه إن شئتم لنعيدها جذعة .
وهنا تأزّم الموقف وكاد أن يقع الشرّ بين الطرفين ، فوقف أبو عبيدة بن الجرّاح ليحول دون ذلك ويتدارك الفشل ، فقال بصوت هادئ مخاطبا الأنصار : يا معشر الأنصار ! أنتم أوّل من نصر وآوى ، فلا تكونوا أوّل من بدّل ، وانسلت كلماته هادئة إلى النفوس ، فساد الصمت لحظات على الجميع ، فاغتنمها بشير بن سعد لصالح المهاجرين هذه المرّة ، يدفعه لذلك حسده لسعد بن عبادة فقال : يا معشر الأنصار ! ألا إنّ محمّدا من قريش وقومه أولى به ، وأيم اللّه لا يراني اللّه انازعهم هذا الأمر .
فاغتنم المهاجرون الثلاثة هذه الثغرة في جبهة الأنصار ، فطفقوا يقدّم بعضهم بعضا ، فبدا أنّهم لم يروا أنّ واحدا منهم يدعمه نصّ شرعيّ أو يختص بميزة ترفع من رصيده مقابل غيره فتؤهّله للخلافة .
فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة بايعوا أيّهما شئتم[1] ، وقال عمر : يا أبا عبيدة ابسط يدك أبايعك ، فأنت أمين هذه الامّة [2]، فقال أبو بكر : يا عمر ! ابسط يدك نبايع لك ، فقال عمر : أنت أفضل منّي ، قال أبو بكر : أنت أقوى منّي ، قال عمر : قوّتي لك مع فضلك ابسط يدك أبايعك[3] فلمّا بسط يده ليبايعاه سبقهما بشير بن سعد فبايعه ، فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير ! عقّتك عقاق أنفست على ابن عمّك الإمارة ؟
ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير وما تطلب الخزرج من تأمير سعد ؛ قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن خضير وكان نقيبا : واللّه لئن وليتها الخزرج مرّة ؛ لازالت عليكم بذلك الفضيلة أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا بكر ، فانكسر على سعد والخزرج ما أجمعوا عليه ، وأقبل أصحاب أسيد يبايعون أبا بكر[4] ، وقالت بعض الأنصار : لا نبايع إلّا عليّا[5].
ثم أقبل أبو بكر والجماعة التي تحيط به يزفّونه إلى المسجد زفاف العروس[6] والنبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) لا زال ملقى على فراش الموت ، وعمر يهرول بين يديه وقد نبر حتى أزبد شدقاه وجماعته تحوطه وهم متّزرون بالأزر الصنعانية ، لا يمرّون بأحد إلّا خبطوه وقدّموه ، فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى[7].
لقد كانت حجّة الحزب القرشي في السقيفة ضد الأنصار مبنيّة على أمرين :
1 - إنّ المهاجرين أوّل الناس إسلاما .
2 - إنّهم أقرب الناس إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وأمسّهم به رحما .
وقد أدان هؤلاء انقادة أنفسهم بهذه الحجّة ، وذلك لأنّ الخلافة إذا كانت بالسبق إلى الإسلام والقرابة القريبة من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) - كما يدّعون - فهي لعليّ ( عليه السّلام ) وحده ، لأنّه أوّل الناس إسلاما وإيمانا وتصديقا بالرسالة الإسلامية ، وأخوه بمقتضى المؤاخاة التي عقدها النبيّ بينه وبين عليّ يوم آخى بين المهاجرين في مكّة ، وبينهم وبين الأنصار في المدينة ، وابن عمّه نسبا وأقرب الناس إلى نفسه وقلبه بلا شكّ في ذلك .
تحليل اجتماع السقيفة :
سارع الأنصار إلى سقيفة بني ساعدة ، وعقدوا لهم اجتماعا سرّيا أحاطوه بكثير من الكتمان والتحفّظ ، وأحضروا معهم شيخ الخزرج سعد بن عبادة الذي كان مريضا ، فقال لبعض بنيه : إنّه لا يستطيع أن يسمع المجتمعون صوته لمرضه ، وأمره أن يتلقّى منه قوله ويردّده على مسامع الناس ، فكان سعد يتكلّم ويستمع اليه ابنه ، ويرفع صوته بعد ذلك ، قال سعد مخاطبا الحاضرين :
إنّ لكم سابقة إلى الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب ، إنّ رسول اللّه لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان ، فما آمن من قومه إلّا قليل ، حتى أراد بكم خير الفضيلة ، وساق إليكم الكرامة ، وخصّكم بدينه ، فكنتم أشد الناس على من تخلّف عنه ، وأثقلهم على عدوّه من غيركم ، ثمّ توفّاه اللّه وهو عنكم راض . فشدّوا أيديكم بهذا الأمر فإنّكم أحقّ الناس وأولاهم
لكنّ المتتّبع للأحداث يلمح أنّ اجتماع الأنصار لم يكن في بداية أمره للاستئثار بتراث النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) واغتصاب الخلافة من أهلها الشرعيّين ، وذلك من خلال ملاحظة ما يلي :
1 - عدم حضور خيار الأنصار وهم البدريّون في الاجتماع ، مثل : أبي أيوب الأنصاري ، حذيفة بن اليمان ، البراء بن عازب ، عبادة بن الصامت .
2 - إنّ الأنصار كانوا يعلمون جيّدا النصوص النبويّة ويحفظونها ، ومنها : أنّ الأئمة من قريش ، وعرفوا جيّدا الأحكام الواردة في شأن العترة الطاهرة وشهدوا تنصيب عليّ ( عليه السّلام ) في غدير خم ، وأوصاهم النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) بعليّ وأهل بيته ( عليهم السّلام ) ، وحين أدركوا أنّه ليس له دور رئيس في الحكم أخذوا يقولون : لا نبايع إلّا عليّا [8].
3 - ثمّ إنّ النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) لا زال مسجّى ولم يدفن بعد ، فهل يعقل أن لا يشارك خيارهم في شرف حضور مراسم الدفن وينشغلوا في اجتماع انتخاب الخليفة ؟
4 - من الممكن تفسير اجتماعهم هذا بأنّه لتقرير مصيرهم من الحكم الجديد بعد علمهم بما تخطّط له قريش من تطبيق قرارهم « لا تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم » ، وهم ليست لهم دوافع كالتي كانت في نفوس زعماء قريش ، ثمّ إنّ تخوّفهم هذا له سوابق فبعد فتح مكّة ؛ خشيت الأنصار أن لا يعود معهم النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) وكان طبيعيّا أن يتخوّفوا من العزلة السياسية والإداريّة .
وإذا قرّرت قريش صرف الخلافة عن صاحبها الشرعيّ وهو عليّ ( عليه السّلام ) ؛ فما دور الأنصار وهم الثقل الأكبر في جمهور المسلمين ، ولهم الدور الفاعل والرئيس في نشر الرسالة الإسلاميّة ؟ !
إنّ اجتماع الأنصار في السقيفة لم يكن حاسما في قراراته ، فقد عقد لدراسة الاحتمالات المتوقّعة للخلافة بعد الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وأيضا لم يكن جميع الأنصار على رأي واحد ، فقد كانت تختفي في أفق الاجتماع نوايا متنافرة وتنطوي النفوس على رغبات متضادّة ، فنجد بعضهم يجيب سعدا قائلا : وفّقت في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدو ما رأيت ، نولّيك هذا الأمر .
ثمّ ترادّوا في الكلام فقالوا : فإن أبى المهاجرون وقالوا نحن أولياؤه وعشيرته .
وهنا انبرى آخرون فقالوا : نقول : منّا أمير ومنكم أمير ، فعلّق سعد على هذا الاقتراح قائلا : فهذا أوّل الوهن[9].
إنّ الأنصار بموقفهم هذا قد هيّأوا فرصة سياسية ثمينة ما كانت لتفوت الجناح المترقّب للفوز بالسلطة ، وفتحوا باب الصراع على مصراعيه بعيدا عن القيم والأحكام الإسلامية ؛ إذ قدّمت فيه الحسابات القبلية على الحسابات الشرعية ، وتقدّمت فيه مصلحة القبيلة على مصلحة الرّسالة الإسلامية .
وقد اعتذر عمر من مباغتة الأنصار في السقيفة فقال : وإنّا واللّه ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإمّا أن نتابعهم على ما لا نرضى أو نخالفهم فيكون الفساد . . .[10] .
وهكذا أخذ الموقف السياسي يزداد تعقيدا وإعضالا .
[1] الإمامة والسياسة : 1 / 15 ، وتأريخ الطبري : 2 / 458 ط مؤسسة الأعلمي ، والكامل في التأريخ : 2 / 325.
[2] الطبقات الكبرى : 3 / 181 .
[3] تأريخ الخلفاء للسيوطي : 70 .
[4] الكامل في التأريخ : 2 / 330 .
[5] تأريخ الطبري : 2 / 443 ط مؤسسة الأعلمي .
[6] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6 / 8 .
[7] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1 / 219 . ط دار إحياء الكتب العربية .
[8] تأريخ الطبري : 2 / 443 ط مؤسسة الأعلمي .
[9] تاريخ الطبري : 2 / 444 ط مؤسسة الأعلمي حوادث سنة 11 ه .
[10] صحيح البخاري : كتاب المحاربين 6 ح 6442 ، وسيرة ابن هشام : 4 / 308 ، وتأريخ الطبري : 2 / 447 ط مؤسسة الأعلمي .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|