أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-4-2022
2560
التاريخ: 2024-09-12
469
التاريخ: 22-11-2015
3695
التاريخ: 13-5-2016
3138
|
للقرآن الكريم عناية فائقة بسيرة الأنبياء الهداة وله نهج خاص في عرض سيرتهم صلوات اللّه عليهم أجمعين .
والمنهج القرآني يقوم على مجموعة من الأسس والأصول العلمية في كيفية عرضه لسيرة الهداة المصطفين .
إنّ القرآن الكريم ينطلق من عنصر الهداية وهو عنصر ترشيد حركة الانسان نحو الكمال اللائق به فيختار أهدافا واقعية لمجموعة من الحوادث التاريخية التي تشكّل منعطفا مهمّا في حياة الأفراد والأمم وتكون مفتاحا للدخول إلى أبواب واسعة من العلوم والمعارف التي تخدم حركة الانسان التكاملية .
والقرآن الكريم يوظّف شتى الأدوات للوصول إلى تلك الأهداف المثلى .
فهو يخاطب العقل والعقلاء ويفتح أمام الفكر الإنساني آفاقا جديدة حيث يقول :
ف ( التفكر ) و ( الاعتبار ) في حوادث التأريخ والسيرة ( تاريخ الأمم وسيرة القادة الهداة ) يشكّلان هدفين أساسيّين في المنهج القرآني في مجال للتاريخ .
ولا تقتصر الأهداف على هذين بل تتعدّاهما إلى أهداف رسالية أخرى تتجلى في قوله تعالى : {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
وفي قوله تعالى : {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]
حيث تضمّنت كلّ آية أربعة أهداف رسالية لاستعراض أنباء المرسلين والتحدّث عن قصصهم .
ويعتمد القرآن الكريم في منهجه التاريخي الذي يتفرّد به على الأصول التالية :
1 - الحق .
2 - العلم .
3 - المعاصرة للأحداث .
4 - الإحاطة بها .
فلا يدع مجالا للريب والافتراء فيما يحدّث عنه ويقصّه ويستعرضه من ظواهر تأريخية وحوادث اجتماعية سابقة أو معاصرة للتنزيل . ما دام يعتمد الحق والعلم دون الخرافة والخيال .
وقد أكّد هذين الأصلين بقوله تعالى : {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران: 62] وبقوله أيضا في مطلع سورة الأعراف : {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف: 7] وفيه تصريح بعنصر المعاصرة للأحداث التي يقوم بعرضها .
وللقرآن الكريم بعد ذلك كله منهج علمي في التحليل والاستنتاج إلى جانب اعتماده على الاستقراء تارة وعلى الاستدلال تارة أخرى .
وحين يستعرض القرآن حياة الرسل بشكل عام يذكر خطوطا عريضة تجعلهم في صف واحد وخندق واحد وخط واحد هو خط الاسلام العام ، كما قال تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] .
ثم إنه يغور في أعماق سيرة كل واحد من اولي العزم من الرسل ليحيط المتلقي بأهم مفاصل سيرتهم وزواياها وليربط بينها وبين ما سبقها وما يلحقها من حوادث تتعلق بالخط الرسالي المستمر باستمرار الحياة .
إنّ من طبيعة البحث التاريخي أن تناله يد التحريف وقد يغطيه الإبهام والغموض وقد تستره سحب داكنة ريثما تتكشف الحقيقة بالتدريج وينمو الانكشاف حتى يبلغ حدّا لا يستسيغ المجتمع الانساني التغافل عنه وتجاوز الحقائق فيه .
وتشير الآية المباركة ( 111 ) من سورة يوسف إلى إمكان الافتراء والتلاعب بحقائق التاريخ أو المبالغة والبحث عن غير علم وسدل الستار على الحق الذي لا بدّ أن يظهر في ظرف ما .
ومن هنا ؛ كان على المدرسة القرآنية أن تسلّح الباحث عن الحقيقة بسلاح موضوعي قادر على اكتشاف الحقيقة بشكل كامل . لقد طرح القرآن الكريم نظرية الثوابت التي لا يمكن للفكر الانساني أن يتجاوزها في حال من الأحوال وسمّاها بالمحكمات وأم الكتاب . وهي الحقائق الثابتة والبينة للفكر الانساني ، وهي لا تقبل الريب أو الترديد أو التشكيك بحال من الأحوال .
والثوابت دائما تشكّل الخطوط العريضة والمعالم الأساسية للفكر الانساني الذي يستوعب ما لا يستوعبه عالم المادة ، ولكنه لا يستسيغ أن يقف مكتوف اليدين أمام المبهمات وما يختلف فيه أبناء آدم ( عليه السّلام ) .
ويسوق القرآن الكريم للقارئ الواعي موقفين وأسلوبين من التعامل مع المبهمات أو ما يختلف فيه بنو آدم ، ويحاكم هذين الأسلوبين ليخرج إلى نتيجة بيّنة تصبح معيارا وتقدم قاعدة عامة للتعامل مع كل خبر يرد على الفكر الانساني .
ويعود كل نوع من أنواع التعامل إلى جذور نفسية واضحة تنسحب على نوع التعامل وتنعكس في أسلوب المواجهة مع كل حديث ينقل إلى الانسان ويراد من الفكر الانساني أن يتخذ منه الموقف المناسب والجدير به .
قال تعالى بعد أن أشار إلى أن القرآن هو الفرقان الذي نزله اللّه على رسوله الأمين :
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [آل عمران: 7، 8].
إن سلامة النفس من الزيغ تحول بين الانسان وبين ابتغاء الفتنة . ومن هنا يتوقف الانسان الذي يتحرّى الحقيقة عن اتّباع المتشابه من الآيات ، بل يرجع الأمر إلى ربه .
فالعقل يقف حائلا بينه وبين أي تفسير غير علمي أو غير مستند إلى دليل صحيح وحقائق ثابتة ، بل العقل هو الذي يرشده إلى الركون إلى المحكمات والالتزام بأم الكتاب حيث يشكّل ذلك الإطار العام والخطوط الثابتة التي لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال ، وحينئذ من الطبيعي أن نلاحظ الآيات الأخرى في ظل هذه الثوابت وهذه المعالم التي لا يمكن تجاوزها .
وهنا تتفتح آفاق النفس لآفاق الفكر لتتأمل فيما لا يكون صريحا أو واضحا في بداية الامر ، وبهذا سوف يضمن العاقل الذي آمن بربّه عدم الزيغ وعدم التسرّع في تفسير وتحليل ما يشاهده من الآيات المتشابهة ، بل يقف منها موقف اللبيب الحكيم ، وإن لم يفلح في اكتشاف الحقيقة فإنه لا ينكرها ولا يستنكرها ، وإنّما يرجع الامر إلى مصدره ويوكل الامر إلى ربه الذي نزّل الآيات هذه ويستفهم منه ما يبتغيه ، طالبا منه استمرار الهداية ونزول الرحمة .
إنه الموقف السليم الذي يمثل النضج والتعامل المنطقي مع النصوص إذ لا يتسرع العاقل في التوجيه والتحليل .
ومن هنا : قد نفهم الوجه في قوله تعالى في مطلع سورة هود : {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود: 1] فإن التفصيل إنما يكون بعد الإحكام وبعد أن تتعين الآيات التي هي أم الكتاب ، والتي تعدّ هي الأسس والخطوط الثابتة كما أفصحت بذلك الآية السابعة من سورة آل عمران {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] والآية ( 39 ) من سورة الرعد تلقي بظلالها على هذه النقطة أيضا إذ تقول : يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ فإن ما لا يتعرض للمحو والتغيير هو أم الكتاب . وما دونه قد يتعرض للمحو والتغيير تبعا لاختلاف الظروف والحالات والطوارىء .
وتكفي هذه الآيات لرسم المنهج العام الذي يسير عليه القرآن الكريم في تعامله مع وقائع التاريخ ، فإن الاختلاف في التفاصيل لا يسمح لنا بإنكار الأصل والتغافل عنه وإدانة ما ثبت لدينا وتحققنا من وجوده .
وفي ضوء هذا يمكن تقويم كل ما ورد في كتب السيرة النبوية أو التاريخ الاسلامي أو تأريخ ما قبل الاسلام مما يرتبط بالأنبياء وأممهم ؛ فإنّ الثوابت التأريخية هي محطّات الإشعاع وهي المحكمات التي لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال وإليها نحتكم في تفسير أو قبول أو ردّ ما أثبتته كتب التأريخ من نصوص تحتوي على الصحيح والخطأ .
إذن ؛ حقل التاريخ - وهو حقل اختلاط الحقائق بالأباطيل - يتطلب منا استعمال أدوات تسعفنا لكشف تمام الحقيقة الثابتة .
وثوابت التاريخ - التي أيّدتها محكمات العقل والنقل - هي المنطلق لأي تفسير أو تأويل أو محاكمة أو إدانة .
وقد طبّق القرآن الكريم هذا المنهج على سيرة الأنبياء وأممهم بالذات حينما رسم لنا صورة واضحة يشترك فيها كل الأنبياء واعتبر النبوّة والاصطفاء ناشئين من مواصفات أساسية في شخصية كل نبيّ ، أهّلته لأن يختاره اللّه نبيّا لهداية الخلق على يديه ، وهذه المواصفات هي : اكتمال العقل والوعي والصلاح والصبر والعبودية التامّة للّه القائمة على الوعي والبصيرة ، قال تعالى مخاطبا نبيّه : {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [الأنعام: 57] ، كما قاله له : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
هذا هو المنطق القرآني الذي يمثّل الإحكام والثبات . . . فكيف يبعث اللّه نبيّا لا يعي ولا يدرك أنه مبعوث أو مرسل من ربه ولا يطمئن إلى ما يراه من آيات ربه إلّا أن يطمئنه الآخرون ؟ ! فلا يعقل أن يبعث ويهيّأ للنبوة وهو لا يعلم أنه نبي ومبعوث من اللّه إلى الخلق ، أو يتردد أو يشك في مهمّته ، فضلا عن تصوّره أنه يستلهم الحقيقة ممّن يراد منه هدايته . قال تعالى مشيرا إلى هذه الحقيقة :
{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 35].
إن الصورة الواضحة التي يرسمها القرآن الكريم عن شخصية أنبياء اللّه والتي تؤيّدها محكمات العقل هي التي تصبح موئلا ومرجعا محكما وثابتا لمحاكمة كل صورة تسرّبت من التوراة والإنجيل أو جاءت فيما سمّي بالصحاح أو عامّة كتب التاريخ التي وردت فيها بعض القصص عن أنبياء اللّه ، سواء كان ذلك النبي هو إبراهيم ( عليه السّلام ) أو موسى ( عليه السّلام ) أو عيسى ( عليه السّلام ) أو محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، وسواء كان الناقل لهذه الصورة بعض امّهات المؤمنين أو بعض الصحابة أو من يمتّ إلى الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) بصلة من قريب أو بعيد .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|