أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-5-2020
4278
التاريخ: 11-08-2015
1642
التاريخ: 1-07-2015
1889
التاريخ: 1-07-2015
2909
|
مسألة «الهدى و الضلال» التي عدها العلماء من توابع قضية الجبر و الاختيار و القضاء و القدر، ... قد وردت في القرآن الكريم عدة آيات يشعر ظاهرها بأن اللّه تعالى هو الذي يهدي و يضل من دون اختيار للإنسان في ذلك {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم: 4] {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33] ، و إذا كانت الهداية و الاضلال من اللّه تعالى فلما ذا يعاقب الضالين على ضلالهم و يثيب المؤمنين على هداهم، و كلاهما من فعل اللّه تعالى و باشاءته؟.
ويجدر بنا قبل الجواب على هذه الشبهة أن
نستعرض معاني الهدى و الضلال كما وردت في كتب اللغة و كما استعملها القرآن الكريم
في طيات آياته، لنفهم الغرض منها بدون ليس أو غموض:
«أصل الهداية في اللغة: الدلالة على طريق
الرشد»(1) ، «و هداه للطريق و إلى الطريق ... اذا دلّه على الطريق، و هديته الطريق
و البيت هداية أي عرفته»(2) ، و «الهدى ضد الضلال، و هو الرشاد و الدلالة»(3) ، و
يقال: «هديت لك في معنى بينت لك»(4) كما
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ} [السجدة: 26]. أما «قوله عز و جل: الذي أعطى كل شيء
خلقه ثم هدى، معناه: خلق كل شيء على الهيئة التي بها ينتفع, ثم هداه لمعيشته»(5).
و«الهداية في كلام العرب بمعنى التوفيق، قال
الشاعر:
لا تحرمني هداك اللّه مسألتي ولا أكونن كمن أودى به السفر
يعني به: وفقك اللّه لقضاء حاجتي» (6).
وقوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى
صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] «أي أدخلوهم النار كما تهدى المرأة الى زوجها يعني بذلك انها تدخل
إليه»(7) .
و«يقال لمن يتقدم القوم و يدلهم على
الطريق: هاد»(8)، و «الهداية: هي الثواب»(9) قال تعالى:
{يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ
بِإِيمَانِهِمْ} [يونس: 9] أي يثيبهم و قال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
} [البقرة: 258] {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 264] {وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [المائدة: 108] {َأَنَّ اللَّهَ
لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف: 52] اي لا يثيب، و منه قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ
هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [البقرة: 272] أي ليس عليك ثوابهم و لكن اللّه يثيب من
يشاء.
و«اصل الضلال الهلاك، و منه قوله تعالى: {أَإِذَا ضَلَلْنَا
فِي الْأَرْضِ} [السجدة: 10] أي هلكنا... والضلال في الدين: الذهاب عن الحق، و الاضلال، الدعاء
الى الضلال و الحمل عليه، و منه قوله تعالى. {وَأَضَلَّهُمُ
السَّامِرِيُّ} [طه: 85]، و الإضلال الأخذ بالعاصين الى النار»(10) .
ان النظرة الفاحصة لهذه المعاني التي
يستعمل فيها لفظا الهدى و الضلال ترشدنا الى ما يلي:
1- ان الإضلال قد يطلق على الاشارة الى
خلاف الحق و الدعوة الى الضلال و الحمل عليه. و ذلك ما لا يمكن وصف اللّه تعالى
به او نسبته إليه {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ
هَدَاهُمْ} [التوبة: 115] ، بل ان الضلال- بصريح القرآن- لن يتحقق الا بفعل الانسان و محض
اختياره، قال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا
بَعِيدًا} [النساء: 116]
{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ
فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} [سبأ: 50] {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي
لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء: 15] {إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ } [النحل: 125]
كذلك يطلق الاضلال أيضا على الابطال و
الاهلاك مثل قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} [غافر:
74] أي يهلكهم، و قوله
تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33]
أي: و من يهلك اللّه من الكافرين و الظالمين فماله من مثيب، و قوله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 4]
أي فلن يبطل أعمالهم.
2- يطلق الهدى على الدلالة الى الحق مثل
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ
لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } [الأعراف: 43] و قوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ
عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17]و قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ
فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } [فصلت: 17]
كما يطلق الهدى على الاثابة أيضا مثل قوله
تعالى:
{سَيَهْدِيهِمْ
وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد: 5] أي سيثيبهم.
وعلى ضوء هذه الخلاصة لمعاني الهدى و
الاضلال نصل الى نتيجة البحث، وهي: ان الاضلال بمعنى الاشارة الى خلاف الحق مستحيل
على اللّه تعالى لأنه الآمر بالحق، و لا يجوز في العقل أن يشير الى خلافه أبدا.
و ان الهدى بمعنى الدلالة الى الحق قد فعله
اللّه و حققه بإرسال الأنبياء و انزال الكتب جيلا بعد جيل.
و لم يبق لدينا من المعاني المنسجمة مع
الواقع سوى الاضلال بمعنى الاهلاك في العقاب والهدى بمعنى الثواب، و يكونان هما
المقصودين حصرا بما يتكرر وروده في القرآن الكريم نحو قوله تعالى:
{ أَتُرِيدُونَ
أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ } [النساء: 88]: أي أ تريدون أن تثيبوا من أهلك اللّه
بالعقاب، و نحو قوله تعالى: { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}
[البقرة: 26] أي
بالقرآن؛ حيث يهلك اللّه تعالى بنزول القرآن كثيرا من الناس لتمردهم عليه و عدم
تنفيذهم لأوامره و نواهيه بعد الزامهم بها و يثيب به كثيرا من الناس لإطاعتهم و
تسليمهم و اذعانهم.
و اذا لم يكن الغرض من الهداية الاثابة لما
فهمنا معنى مقبولا لما جاء في قوله تعالى مخاطبا نبيّه الأعظم: {لَيْسَ عَلَيْكَ
هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [البقرة: 272] و قوله تعالى: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] ، و لو كانت الهداية بمعنى الارشاد والدلالة
لكانت هاتان الآيتان هدما لرسالة النبي في ابرز واجباتها وهو الدلالة والارشاد والتوجيه.
وعلى هذا المنهج نسير في فهم سائر الآيات
المباركة التي تحمل كلمات الهدى و الاضلال، حيث يتجلى لنا سلامة كل هذه النصوص
القرآنية مما يتنافى مع الاختيار الكامل و الإرادة الحرة المنبعثة من نفس الانسان
و رغبته.
و بذلك نفهم أوضح الفهم معنى قول النبي صلى
اللّه عليه و آله: «الشقي من شقي في بطن أمه و السعيد من سعد في بطن أمه»، اذ ليس
المقصود به أنه تعالى قد خلقه مجبورا على فعل ما يشقى به من معصية و ضلال أو ما يسعد
به من طاعة و هدى و رشاد، و انما الغرض منه كما قال الامام الصادق عليه السلام
بيان أن «الشقي من علم اللّه و هو في بطن أمه أنه سيعمل عمل الاشقياء و السعيد من
علم اللّه و هو في بطن أمه أنه سيعمل عمل السعداء»، و هذا من باب انكشاف الواقع
لعلم اللّه تعالى ... وليس فيه أي معنى من معاني الجبر والاكراه.
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
(وآخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين).
_________________
(1) التبيان: 1/ 41.
(2) لسان العرب: 15/ 355.
(3) لسان العرب: 15/ 353- 354.
(4) لسان العرب: 15/ 353- 354.
(5) لسان العرب: 15/ 353- 354.
(6) تفسير الطبري: 1/ 72- 73.
(7) تفسير الطبري: 1/ 72- 73.
(8) مجمع البيان: 1/ 27- 28.
(9) مجمع البيان: 1/ 27- 28.
(10) التبيان: 1/ 46.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|