انعقاد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المصرية في منازعات الحضانة وفقا للخضوع (الإرادي) الاختياري |
2982
10:57 صباحاً
التاريخ: 14-2-2022
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-4-2016
4741
التاريخ: 25-3-2017
5827
التاريخ: 2023-06-03
1198
التاريخ: 5-4-2016
3740
|
لقد نص المشرع المصري على الخضوع الاختياري بوصفه من الأسباب التي ينعقد بمقتضاها الاختصاص للمحاكم المصرية في المادة 32 من قانون المرافعات، إذ نصت على أنه تختص محاكم الجمهورية بالفصل في الدعاوى ولو لم تكن داخلة في اختصاصها طبقا للمواد السابقة إذا قبل الخصم ولايتها صراحة أو ضمنا".
ووفقا لنص هذه المادة (1) فإن المحاكم تكون مختصة استنادا إلى إرادة الخصوم، وهو ما يعرف بمبدأ الخضوع الاختياري، وهو حكم عام يسري على جميع أنواع الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية وبالأحوال العينية، كما أن كلمة "الخصم" الواردة في النص تنصرف إلى كل من المدعي والمدعى عليه، ولم يتطلب المشرع لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية أن يكون القبول صريحا، بل اكتفى بالقبول الضمني.
وقد يكون القبول صراحة كما لو نص المتعاقدون في الاتفاق المبرم بينهم على اختصاص قضاء الدولة بالنظر في المنازعات التي قد تنشا عند تنفيذ العقد، إذ أن الغالب عملية هو أن يضمن أطراف العقود الدولية عقودهم شرطين: أحدهما ينصب على القانون الواجب التطبيق، والآخر يتعلق بتعيين المحكمة المختصة، وقد يكون القبول ضمنيا يستنتج من ظروف الحال التي يجب تقديرها بالنظر إلى كل حال على حدة، ومثال ذلك ترافع الخصم في دعوى مرفوعة ضده دون أن يدفع بعدم اختصاص المحكمة، فالتجاء المدعى إلى محاكم دولة غير مختصة بنظر النزاع في هذه الحالة يفيد خضوعه الاختياري لقضائها، وسكوت المدعى عليه عن الدفع بعدم الاختصاص دلالة على قبوله الضمني لولاية محاكم هذه الدولة، على أنه لا يتصور من الناحية المنطقية القبول الضمني من جانب المدعى لأنه هو الذي يرفع الدعوى، ومتى رفعها فإنه يكون بذلك قد اتخذ سلوكا إجرائيا عبر به عن قبوله الخضوع لقضاء من لم يكن مختصة من قبل.
واستهدف المشرع بهذا الضابط إضفاء قدرا كبيرا من الاحترام والمراعاة لإرادة المتعاقدين اقتناعا منه بأنهم الأكثر علما بظروف عقدهم وتقديرا ومعرفة لما يناسبهم وعلاقتهم القانونية عند تحديد المحكمة المختصة.
وتطبيقا لذلك فقد أعطاهم المشرع الفرصة للتعبير عن إرادتهم وحماية مصالحهم الخاصة بأنفسهم عن طريق الاتفاق على الخضوع لمحكمة معينة تقوم بالفصل في منازعات عقدهم المبرم دون أي تقييد لهم في هذا الاختيار. ويستمد هذا الضابط وجوده من نص المادة 32 من قانون المرافعات والتي نصت على أنه تختص محاكم الجمهورية بالفصل في الدعوى ولو لم تكن داخلة في اختصاصها طبقا للمواد السابقة إذا قبل الخصوم ولايتها صراحة أو ضمنا"، ومن نص هذه المادة يكون للخصوم الاتفاق على الخضوع لولاية واختصاص محكمة دولة معينة حتى ولو كانت هذه المحكمة غير مختصة أصلا بنظر النزاع طالما قبل الأطراف اختصاصها واتفقوا على ذلك صراحة أو ضمنا.
وقد أخذ أيضا بقاعدة الخضوع الاختياري في الاختصاص قانون الإجراءات المدنية الفرنسي في المادة 48 منه (2) ، والمادتان 17، 18 من الاتفاقية المبرمة في 27 سبتمبر عام 1968 والخاصة بالاختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام المدنية والتجارية بين دول السوق الأوروبية المشتركة، كما نصت عليه المادة الرابعة من مجموعة القانون الدولي الخاص الإيطالي.
وقد يكون الهدف من وراء تقرير المشرع هذا الضابط هو تحقيق أهداف أصلية من أهداف القانون الدولي الخاص كحماية المصالح الفردية الخاصة للأطراف والعمل على تيسير المعاملات التجارية الدولية، ويبدو ذلك واضحا في أنه رغم تعلق بعض قواعد الاختصاص القضائي الدولي بالنظام العام إلا أن المشرع أجاز للخصوم إمكانية الاتفاق على الخضوع الاتفاقي الإرادي للمحاكم المصرية (3) ، وهذا ليس غريبا في نطاق القانون الدولي الخاص فقد سبق للمشرع المصري وأن جعل من إرادة الأطراف ضابطة للاختصاص التشريعي وذلك في المادة 19 من القانون المدني والتي أعطت للأطراف حرية اختيار القانون الواجب التطبيق على العقود الدولية المبرمة بينهم (4) .
وللخضوع الاختياري صورتان رئيستان نصت عليهما المادة 32 من قانون المرافعات والسابق ذكرها وهما الخضوع الصريح والخضوع الضمني:
الصورة الأولى: الخضوع الصريح
وهو الذي يتحقق في الغالب بالنص عليه صراحة في التصرف القانوني الذي تستند إليه الدعوى، كما لو أفرغ الأطراف في عقد شرطة ينبئ عن اتفاقهم على الخضوع لمحكمة معينة في حالة التنازع، ويشهد الواقع عمومية هذا الاتفاق بمعنى أنه لا يقتصر على دعوى بعينها أو نزاعة بعينه بل ينص فيه على اختصاص محاكم الدولة المتفق عليها بنظر كافة المنازعات التي يمكن أن تنشأ مستقبلا عن هذا العقد (5) وللخضوع الصريح صورتان أساسيتان يتم إفراغه فيهما هما:
أ) اتفاق سابق على قيام النزاع: وهذا يكون قبل نشوء أي نزاع بين الطرفين ويكون الغرض منه الوقاية من حدوث نزاع مستقبلي بعد ذلك حول الاختصاص القضائي يمنع اتفاق الأطراف ويعطل تسوية النزاع في حالة قيامه مستقبلا، ويتم في شكلين رئيسيين: أولهما عن طريق إدراج شرط أو بند في التصرف القانوني الناشئ عنه النزاع ويسمى هذا الشرط بشرط الاختصاص القضائي Competence Juridictionnelle وهو ما يماثل شرط القانون الواجب التطبيق والذي يتم إدراجه في العقود الدولية، وثانيهما أن يتم هذا الاتفاق في وثيقة مكتوبة مستقلة عن التصرف الأصلي الذي نشأ بسببه النزاع(6) .
ب) اتفاق لاحق على قيام النزاع: وفي هذه الحالة لابد وأن يكون مستقلا، ويتم إفراغ هذا الاتفاق في وثيقة مكتوبة مستقلة يتم إثبات فيها اتفاق الأطراف على الخضوع المحكمة دولة معينة لحكم نزاعهم القائم فعلا (7)، ولا يشترط أن يتم هذا الاتفاق الصريح بوسيلة معينة بالذات، بل يمكن القيام به بأي وسيلة يثبت بها، وهو ما عبرت عنه المادة الخامسة من القانون الدولي الخاص السويسري بقولها أنه يمكن أن يتم الاتفاق كتابة أو بالتلغراف أو التلكس أو بأي وسيلة اتصال تسمح بإقامة الدليل بنص أو وثيقة.......
الصورة الثانية: الخضوع الضمني.
وهو ما يستدل عليه من سلوك المدعى والمدعى عليه، فقد يقوم المدعى برفع دعواه أمام المحاكم المصرية وقيام المدعى عليه بالسكوت عن الدفع بعدم الاختصاص عند بدء النزاع وقبل التكلم في الموضوع، مما يدل على أنه قبول ضمني من جانبه بالخضوع لولاية المحاكم المصرية (8) ، ومع ذلك فقد ذهب البعض إلى أن سكوت المدعى عليه لا يجب أن يفسر في كل الأحوال على أنه خضوع وقبول ضمني لولاية هذه المحكمة، ولكن لابد من أن يصاحب هذا السكوت مظاهر ودلائل وشواهد تؤكد ذلك ولقد اتسم الفقه بفكره العميق ورأيه الوثيق عندما وضع جملة من الشروط لا يشق غبارها للقول بصحة الخضوع الاختياري، وهذه الشروط أهمها:
الشرط الأول: توافر رابطة جدية بين النزاع والمحكمة
فلابد من أن تكون هناك علاقة جدية تربط النزاع المعروض القائم والمحكمة التي يريد الأطراف إخضاع النزاع لولاية قضائها، حيث إن هذا الشرط من شأنه أن يضمن تحقيق ما يهدف إليه الأطراف من وراء هذا الخضوع الاختياري خاصة قدرة المحكمة على حل النزاع وتنفيذ الحكم الصادر منها على أرض الواقع، وهذه الرابطة يمكن استخلاصها من ظروف وملابسات النزاع.
ولكننا نرى أن اشتراط رابطة جدية بين النزاع والمحكمة التي يريد الأطراف إخضاع النزاع لولايتها أمر لا يمكن التسليم به، وذلك للمبررات الآتية:
أ) أن هذا الشرط والقيد من شأنه التضييق على الأطراف والتقليص من حجم سلطة
إرادتهم، فإلزامهم بهذا الشرط من الممكن أن يعصف بقيمة إرادة هؤلاء الأطراف، إضافة إلى عدم النص تشريعيا صراحة على هذا الشرط
ب) أن هذا الشرط لا يتساير مع مقتضيات وظروف التجارة الدولية ومستجداتها وتطوراتها والتي تتطلب اللجوء للقضاء الذي يتسم بسرعة الفصل في القضايا والتيسير على المتقاضين في إجراءات التقاضی .
ج) أن فكرة " الرابطة الجدية " باتت فكرة تقليدية معقدة غير واضحة المعالم، ويمكن الاستعاضة عنها بفكرة أخرى أكثر وضوحا وتحررا واتفاقا مع حاجة المعاملات والتجارة الدولية وتيسيرا على الأطراف وهي فكرة المصلحة المشروعة(9) .
الشرط الثاني: ألا تكون المحاكم المصرية مختصة أصلا بنظر النزاع
يشترط لتقرير الاختصاص للمحاكم المصرية بناء على فكرة الخضوع الإرادی ألا تكون هذه المحاكم مختصة في الأصل ينظر المنازعة الدولية وفقا لإحدى ضوابط الاختصاص الواردة في القانون المصري، فثبوت الاختصاص للمحاكم المصرية بمقتضى الخضوع الإرادي لا يمكن تصوره إلا اذا كان الاختصاص غير ثابت في الأساس لها (10) .
وأضاف قضاء محكمة النقض الفرنسية شرطة آخرا يقضي بألا يكون الاختصاص
القضائي الفرنسي إلزاميا في تلك المسألة، والمبين بالمواد 14 و 15 من القانون المدني الفرنسي (11) .
الشرط الثالث: قبول أطراف الخصومة الخضوع لولاية القضاء المصري.
يبدو من ظاهر نص المادة 32 من قانون المرافعات التجارية والمدنية المصري أن المشرع ربط اختصاص المحاكم المصرية بالفصل في النزاع وفقا لفكرة الخضوع الإرادي على قبول الخصوم الخضوع لولايتها صراحة أو ضمنا، ولم يشترط أن يكون هذا القبول صريحا (12)، بل اكتفي بكونه ضمنية يمكن اسخلاصه من واقع الحال حسب كل حالة على حده(13) .
الشرط الرابع: خلو اتفاق الاختصاص من حالة الغش
والهدف من هذا الشرط هو منع ما قد يعمد إليه الأطراف من اختيار محكمة معينة بالذات بهدف الغش والتحايل على القانون والإفلات من الخضوع الولاية محكمة أخرى واختيار محكمة تخدم رغباتهم الخاصة على خلاف القانون.
الشرط الخامس: أن يترتب على الخضوع الإرادی اختصاص المحاكم المصرية وبالتالى يشترط لصحة هذا الاتفاق والاختيار المحكمة المختصة من قبل الأطراف للخضوع لها أن تكون محكمة مصرية، أما إذا كان الاتفاق من شأنه إخضاع النزاع لمحكمة دولة أجنبية فإن هذا الاتفاق سيكون مصيره البطلان ويبقى الاختصاص الأصيل للمحاكم المصرية (14).
الشرط السادس: أن يكون النزاع نزاعا دوليا.
وهذا شرط بدهی؛ حيث إن مشكلة تنازع الاختصاص القضائي الدولي لا تقوم إلا إذا كان النزاع ذا صفة أجنبية أي احتوى على عنصر أجنبي، أما في النزاعات الداخلية فينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية بصورة تلقائية دون حاجة إلى مثل هذا الخضوع الاختياري من قبل الأطراف لأنه حق ثابت للخصوم .
ومن جانبه اعتبر قضاء محكمة النقض الفرنسية أن لجوء أطراف العقد إلى تحديد قضاء مختص غير قضاء الدولة هو اتفاق مشروع ، و لكن مشروعيته تشترط أن تكون المنازعه ذاتها دولية تحدد بالاتفاق قضاء أي دولة يختص بتلقى الولاية القضائية(15) .
وعلى الرغم من استقرار معظم الفقه المصري على أن قواعد الاختصاص القضائي الدولي المتعلقة باختصاص المحاكم الوطنية من النظام العام، وأن الأفراد لا يملكون القدرة على تعديل قواعد الاختصاص القضائي المنصوص عليها أو حتى الاتفاق على ما يخالفها، لذا يجب التفرقة بين أمرين غاية في الأهمية هما:
الأمر الأول: جلب الاختصاص
والمقصود بحالات جلب الاختصاص أن يتفق الأطراف على جلب الاختصاص للمحاكم المصرية في حالات لم تكن مختصة بها أصلا، وفيها يعطى المشرع لإرادة الأطراف دورا هاما تلعبه في المنازعات ذات الطابع الدولى يتمكنون من خلالها تعديل قواعد الاختصاص القضائي الدولي بشرط أن يكون من شأن اتفاقهم الإرادی جلب الاختصاص للمحاكم المصرية، مما يضفي عليه طابع الشرعية وعدم مخالفة النظام العام (16).
الأمر الثاني: سلب الاختصاص
ويعني به وجود نزاع قائم داخل في اختصاص المحاكم المصرية وفقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي، ولكن تتفق إرادة الأطراف على صلب هذا الاختصاص من المحاكم المصرية ومنحه إلى محاكم دولة أخرى وإسناد الاختصاص لها بحل النزاع. وفي هذه الحالة لا يجوز للأطراف استبعاد المحاكم المصرية إذا كانت مختصة بنظر النزاع وفقا للقانون المصري، وأساس عدم الإجازة هو أن العدالة وتحقيقها هو وظيفة من وظائف الدولة تباشرها من خلال السلطة القضائية ممثلة في محاكمها، وإذا كانت الدولة قد تركت سلطة تحريك هذه السلطة في يد الأطراف عن طريق الدعوى، فذلك ليس معناه أن القضاء يقوم بتحقيق مصلحة الأفراد الخاصة فقط، بل يقوم بتحقيق مصلحة عامة وهي إقرار النظام والسكينة في الدولة وتحقيق العدالة بين أبنائها (17) .
ولقد ظهر اتجاه يؤيد ويدعم تطبيق ضابط الخضوع الإرادی والأخذ به في تحديد الاختصاص القضائي الدولي منازعات مسائل الأحوال الشخصية بصفة عامة مستندة إلى:
أ) أن الاعتراف بإرادة الخصوم وحقهم في تعيين المحكمة المختصة هو أمر طبيعي ومتوافق مع ما هو مقرر في مجال تنازع القوانين أيضا من الاعتراف والتقدير الدور الإرادة في تحديد القانون الواجب التطبيق (18) ، وبناء على ذلك يصبح من الطبيعي ضرورة الاعتراف بهذا الدور المهم للإرادة في مجال تنازع الاختصاص القضائي الدولي في تحديد المحكمة المختصة بنظر النزاع.
ب) أن مشكلة الأثر السلبي للخضوع الإرادي يمكننا التخلص منها عن طريق وضع قيد على حرية الأطراف عند اختيارهم للمحكمة المختصة يقضي بضرورة أن يكون اتفاقهم مؤدية وجالية للاختصاص للمحاكم المصرية، ووضع جزاء البطلان على كل اتفاق سلبي يسلب الاختصاص من المحاكم المصرية، وذلك تأسيسا على أن الاختصاص الدولى للمحاكم الوطنية هو اختصاص متعلق بالنظام العام، ويترتب على ذلك أن أي اتفاق من جانب الأطراف يخالف ذلك أو يسلب هذا الاختصاص أو ينتقص منه لا يتم الاعتداد به ويصبح باطلا بطلانة مطلقا المخالفته النظام العام (19).
ج) أن الضابط الخضوع الإرادی ميزة مهمة يحقق بها المصلحة العامة والوطنية وهي توسيع نطاق اختصاص المحاكم الوطنية على المستوى الدولي في منازعات قد لا تدخل في اختصاصها من الأساس، ولكن ينعقد لها الاختصاص بناء على اتفاق الأطراف على ذلك، والذي من شأنه تحقيق الحماية للوطنيين بإخضاعهم المحاكم دولتهم في نزاعاتهم الدولية مع أطراف أجنبية.
وعلى نقيض الاتجاه السابق المؤيد عارض البعض الاعتماد على ضابط الخضوع الإرادی كضابط لتحديد الاختصاص القضائي في منازعات مسائل الأحوال الشخصية بصفة عامة حيث يرون:
أ) أنه غير جائز أصلا في مجال المنازعات الدولية الاعتداد بإرادة الأطراف لتعيين
المحكمة المختصة؛ لأن ذلك من شأنه التأثير على قواعد تنازع الاختصاص لكل دولة حيث تستقل كل دولة بوضعها وتنظيمها تحقيقا لمصالحها الوطنية (20)، وأن إعطاء الأطراف الحق في تعطيل وإيقاف هذه القواعد المشرعة من قبل الدول والمتعلقة بالاختصاص القضائي الدولي والتي راعت فيها كل دولة من هذه الدول منح الأولوية في الاختصاص الدولي لمحاكمها الوطنية واتخذتها سبيلا لتوسيع نطاق اختصاصها الوطني، هو أمر يشكل اعتداء على تشريعات هذه الدول وبمثابة تعديل غير جائز له
ب) أن السلطة القضائية هي سلطة مستقلة من سلطات الدولة، ومن غير الممكن ترك مسألة مهمة كمسألة الاختصاص القضائي الدولي لمحاكم السلطة القضائية عرضة للتعديل والتعطيل من جانب الأفراد؛ فذلك يضر بهيبة السلطة القضائية ومن وراءها الدولة(21) .
ونرى من جانبنا أنه على الرغم مما لضابط الخضوع الاختیاری من مزايا إلا أنه التفعيله ولجعله منتجة ومؤثرة يجب تقييد هذا الضابط بقيود عامة نظرا لما يترتب عليه من آثار ليست بالعادية، ومن ثم فإننا نرى أنه لابد من:
1-توافر رابطة حقيقية بين النزاع المطروح والمحكمة المختارة من جانب الخصوم للفصل في هذا النزاع، وهو شرط بدهي لأنه سيجبر الأطراف على اختيار المحكمة الأجدر والأقدر على الفصل في النزاع وحسمه لأنها على صلة به وأكثر دراية بما يمكن أن يحيط به من ظروف وملابسات.
2- أن يكون الهدف من وراء الاختيار تحقيق مصلحة مشتركة للخصوم، وبالتالي فإن كان اختيار أحد المحاكم يصب في مصلحة أحد الأطراف دون الطرف الأخر فإن الأطراف بذلك يكونوا قد حادوا وانحرفوا عن الهدف من وراء تقرير هذا الضابط وهو تحقيق مصلحة الخصوم وليس خصما دون الآخر.
3- يجب أن يكون الاختيار للمحكمة المختصة من جانب الأطراف غير مشوب باي تحايل أو غش.
فإن توافرت هذه الشروط وتم مراعاة هذه القيود فإن ضابط الخضوع الإرادی سينتج أثره وسيتحقق الهدف من وراء تقريره.
ولكن يثور التساؤل هل تنطبق هذه القاعدة إذا كان محل النزاع عقارة موجودة بالخارج؟ ولو تمعنا في الحكمة من وراء قيام المشرع المصرى بمنع اختصاص محاکم الدولة بنظر منازعات العقارات الموجودة في الخارج على النحو الوارد في المادتين 28، 29 من قانون المرافعات لخلصنا إلى أن مفترضات هذه الحكمة والعلة تجعلنا نرفض أن تختص محاكم الدولة بمنازعات العقارات خارج الدولة حتى وإن قبل المدعى عليه ذلك.
وأخيرا نود الإيماء إلى أن هذه القاعدة من قواعد الاختصاص القضائي الدولي في مسائل الأحوال الشخصية تنطبق على جميع دعاوى الأحوال الشخصية دون النظر إلى مضمون الدعوى هل هي متعلقة بحضانة أو نفقة أو نسب .....إلخ؟ .
____________
1- وقد انتقدت صياغة هذه المادة على هذا النحو؛ حيث إن الصياغة تثبت الاختصاص للمحاكم المصرية في حالة الخضوع الاختياري قائلة ولو لم تكن داخلة في اختصاصها طبقا للمواد السابقة، وفي هذا تزيد لا معنى له؛ ذلك أن ثبوت الاختصاص بمقتضى الخضوع الاختياري لا بثور أصلا إلا إذا كان الاختصاص غير ثابت بداءة، ولا يتصور الكلام عن هذا الخضوع الاختياري إذا كانت المحاكم المصرية مختصة بنظر المنازعة الدولية وفقا لإحدى حالات الاختصاص الأخرى الواردة في التشريع المصري، ومن ناحية أخرى فالنص يعقد هذا الاختصاص إذا قبل الخصم ولايتها أي ولاية المحاكم المصرية صراحة أو ضمنا، والكلام هنا ينصرف إلى المدعى عليه الذي يمكن أن يكون قبوله صراحة أو ضمناء أما المدعي فهو رافع الدعوى أمام المحاكم المصرية وقبوله دائما أقرب إلى الصراحة منه إلى الضمنية وليس أصرح في هذا القبول لاختصاص تلك المحاكم من إقامة الدعوى أمامها- انظر في نقد صياغة هذه المادة الأستاذ الدكتور أحمد قسمت الجداوي: مبادئ القانون الدولي الخاص، 1988 م، المطبعة التجارية، القاهرة، ، بند 119، ص 121
2- Art 48 du code de procedure civile" La juridiction territorialement compétente est, sauf disposition contraire, celle du lieu où demeure le défendeur".
3- د. أحمد عبد الكريم سلامة: فقه المرافعات المدنية الدولية، الطبعة الأولى، 2000م، دار النهضة العربية، القاهرة ، ص 139، بند 107.
4- د. أحمد عبد الكريم سلامة: المختصر في قانون العلاقات الدولية الخاصة، الطبعة الاولى ، دار النهضة العربية القاهرة، ص 430 وما بعدها .
5- د. أحمد مليجي: التعليق على قانون المرافعات، الجزء الاول ، بدون سنة نشر ، بدون دار نشر، ص 482، بند 947
6- د. أحمد عبد الكريم سلامة: فقه المرافعات المدنية الدولية، مرجع سابق، ص 154، بند 122.
7- د. أحمد عبد الكريم سلامة: المرجع السابق، ص 154، بند 122
8- د. أحمد مليجي: المرجع السابق، ص 482، بند 947.
9- أنها الأجدر على تحقيق مصالحهم الشخصية وخدمة نزاعهم العقدي، ويشترط فقط في هذه المصلحة عنصر المشروعية وهو ما يسد الطريق أمام فتح باب الغش من جانب الخصوم نحو الاختصاص لأنه في هذه الحالة سيكون التقاقهم باطلا لعدم مشروعية المصلحة .
10- وبناء على ذلك فإنه إذا اتفق الخصوم على الخضوع للولاية القضاء المصري حيث تكون هذه الولاية ثابتة في شأنه أساسا لكون المدعى عليه مصرية أو أجنبية متوطنة أو مقيمة في مصر أو اتصال النزاع بالإقليم المصري عن طريق سيبه أو موضوعه أو لغير ذلك من الضوابط المقررة للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المصرية، فإن هذا الاتفاق يكون عديم القيمة في شأن عقد الاختصاص للمحاكم المصرية .
11- Marie-Laure Niboyet: Droit international privé ,op.cit, p. 308.
12-وكما سبق القول بأن القبول يكون صريحة بإدراج الأطراف شرطة في العقد أو التصرف الميرم بينهم يسمى الشرط المائح للاختصاص ند الاختصاص القضاء دولة معينة بالنظر في المنازعات التي قد تنشأ مستقبلا بشأن تنفيذ التزاماتهم المتبادلة.
13- ويتصور هذا القبول الضمني من المدعى عليه كان يباشر إجراءات الخصومة دون أن يدفع بعدم الاختصاص عند بدء النزاع وقيل التكلم في الموضوع، أما مجرد مثوله أمام المحكمة اللاعتراض على الاختصاص فلا يعد قبولا ضمنيا لاختصاصها - راجع حكم المحكمة العليا - جلسة 2004/10/31 م - مجموعة المكتب التقني - القرار رقم 56 في الطعن رقم 64/ 2004م، أما المدعى فقبوله دائما قبوة صريحة لأنه هو الذي بادر برفع الدعوى وشكل سلوكه هذا تعبيرا عن قبوله الخضوع لولاية قضاء هو في الأصل غير مختص بنظر النزاع.
14-د. ع عوض الله شيبة الحمد السيد: الوجيز في القانون الدولي الخاص، (الجنسية – مركز الاجانب – تنازع القوانين – الاختصاص القضائي الدولي - تنفيذ الاحكام االجنبية ) دار النهضة العربية القاهرة 2001 ، ص 570.
15- Cass Soc. 17 decembre 1985, RCDIP Revue de droit commercial, maritimr , no. 1, 1986, p. 13.
16- د. إبراهيم أحمد إبراهيم: القانون الدولي الخاص (الاختصاص القضائي الدولي - الآثار الدولية للأحكام)، الجزء الثاني، الكتاب الأول، 1991م، ص 54 .
17- د. أحمد ملیجی: المرجع السابق، ص 482، 483، بند 148.
18- د. محمد خالد الترجمان: النظام القانوني للقروض الدولية للتنمية في الدول العربية، رسالة دكتوراة، جامعة عين شمس، 1988م، ص 315 وما بعدها.
19- د. محمد خالد الترجمان: المرجع السابق، ص 59، بند 45 .
20- د. محمد خالد الترجمان: تنازع القوانين والاختصاص القضائي الدولي القسم الثاني الاختصاص القضائي الدولي)، 1996م، دار النهضة العربية، القاهرة ، ص 58 بند 45.
21- د. محمد خالد الترجمان : المرجع السابق ، ص 59، بند 45.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|