أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1908
التاريخ: 20-11-2014
1145
التاريخ: 1-07-2015
2561
التاريخ: 9-2-2018
1536
|
الممكن كما يحتاج في وجوده إلى العلّة يحتاج في بقائه ـ أيضا ـ إليها, وقبل الخوض في بيانه لا بدّ من بيان علّة احتياج الأشياء إلى المؤثّر. فنقول : الحقّ انّ علة احتياج الممكن إلى المؤثّر هو الامكان ، وفاقا لجمهور الحكماء.
وذهب جماعة من المتكلّمين إلى أنّ العلّة
فيه هو الحدوث (1) ؛ وقيل : الامكان مع الحدوث شطرا ؛ وقيل
: شرطا (2).
لنا : انّ العقل يحكم بأنّ الممكن ما يتساوى
وجوده وعدمه ، وانّ ما يتساوى وجوده وعدمه فهو محتاج إلى مرجّح مغاير للممكن مرجح احد
طرفيه المتساويين على الآخر ـ لبطلان ترجّح احد المتساويين على الآخر ـ ، فيعلم منه
انّ علّة الحاجة في الواقع هي الامكان. لانّ العقل رتّب الاحتياج على تساوي الوجود
والعدم والترتّب العقلي الّذي هو مدرك مؤدّى تعطى التفاوت بين التساوي والاحتياج ،
وهو المراد بالعلّية في نفس الأمر.
وممّا يدلّ على أنّ الحدوث ليس علّة الافتقار
إلى المؤثر انّا نتصوّر حدوث الممكن ولا يحصل لنا العلم باحتياجه إلى المؤثّر ما لم
يلاحظ امكانه ، حتّى لو فرض حادث واجب بالذات وإن كان مما لا يحكم باستغنائه عن المؤثّر.
وأيضا لو كان الحدوث علّة الاحتياج لزم
تقدّم الشيء على نفسه بمراتب. بيانه : انّ الحدوث كيفية الوجود ووصف له ـ لانّه عبارة
عن مسبوقية الوجود بالعدم ـ ، فتأخّر الوجود المتأخّر عن الايجاد المتأخر عن الاحتياج
، لانّ الشيء إذا لم يكن محتاجا إلى المؤثّر لم يتصوّر تأثيره فيه ـ كما في الواجب
والممتنع ـ ، فالإيجاد فرع الاحتياج والاحتياج متأخّر عن علّته ـ لوجوب تقدّم العلّة
على المعلول ـ ، فلو كان الحدوث علّة للاحتياج أو جزء لها أو شرطا لها وجب تقدّمه على
الاحتياج المتقدّم على الايجاد المتقدّم على الوجود المتقدّم على الحدوث ، فيلزم تقدّمه
على نفسه بأربع مراتب ـ على تقدير العلّية والشرطية ـ ،
وبخمس مراتب ـ على تقدير الجزئية ، لوجوب تقدّم جزء العلّة عليها (3) ـ. وأمّا الامكان
فلا ريب في انّه مقدّم على الاحتياج بالذات لعدم تصوّر الاحتياج بدون تصوّر الامكان.
فان قيل : الامكان صفة للممكن بالقياس إلى
الوجود ـ لانّه عبارة عن مساوات نسبة الوجود والعدم إلى الماهية الممكنة ـ ، فيكون
متأخّرا عن الوجود فلا يكون علة للاحتياج المتقدّم على الوجود بمراتب (4) ؛
قلنا : الامكان وإن كان متأخّرا عن الماهية
نفسها وعن مفهوم الوجود أيضا لكنّه ليس متأخّرا عن كون الماهية موجودة بل مقدّم على
اتصاف الماهية بالوجود ، ولذا يوصف الماهية ووجودها بالامكان قبل اتصاف الماهية بالوجود.
وامّا الحدوث فلا يتصف الماهية ولا وجودها به إلاّ إذا صارت موجودة ؛ على انّ تأخر
الحدوث عن الايجاد ممّا لا ريب فيه ، ولذا صحّ أن يقال : أوجد فحدث ، وبذلك ثبت المطلوب
سواء قلنا انّه متأخّر عن الوجود أيضا أم لا.
واذ ثبت انّ علّة الحاجة هي الامكان يلزم
منه أن يكون الممكن الباقي حال بقائه أيضا محتاجا إلى المؤثّر لانّ الامكان لازم لماهية
الممكن ذاتي لها لا ينفكّ عنها حال البقاء أيضا ، فيوجد معلوله ـ أعني : الاحتياج ـ
أيضا في تلك الحال (5). كيف ولو صار الممكن بحصول الوجود له واجبا لصار بحصول العدم
ممتنعا ، فلا يوجد ممكن أصلا وهذا خلف! ؛ فالافتقار لازم لماهية الممكن لا ينفكّ عنه
في حال العدم ولا في حال الوجود ؛فما دام الامكان ثابتا للممكن يكون الافتقار إلى المؤثّر
ثابتا له ، فلو فرض ممكن قديم لكان دائم الافتقار إلى المؤثّر مع
دوام وجوده. فالممكن في حدّ ذاته فقر محض وعدم صرف. وانّما يصير موجودا واجبا بالغير
، كما قال كبير الفلاسفة : « الممكن في حدّ ذاته ليس ولعلته أيس ». ولا ريب في انّ
الوجوب بالغير لا يخرجه عن الافتقار الذاتي لانّ ما بالذات لا يزول وما يقتضيه الذات
مقدّم على ما يقتضيه الغير ، فسلب الاحتياج عن الممكن ـ حادثا كان أو قديما ـ محال.
قال الشيخ في المبدأ والمعاد ما حاصله
: « انّه لا يجوز ان يكون الحادث ثابت الوجود بذاته من دون افتقار إلى العلّة ، لانّا
نعلم بالضرورة انّه لم يجب ثبوته ووجوده لذات الممكن ومهيته ، فيمتنع أن يصير واجبا
بالحدوث الّذي ليس واجبا لذاته ولا ثابتا لذاته ، فالحقّ ـ جلّ وعزّ ـ قيوم الكلّ كما
هو موجد الكلّ ».
ثمّ لا يخفى انّ من قال علّة الاحتياج إلى
المؤثّر هو الحدوث وحده أو الامكان مع الحدوث ـ شطرا أو شرطا ـ يلزمه أن يكون الممكن
حال بقائه مستغنيا عن المؤثّر ، اذ لا حدوث حال البقاء فلا احتياج ، وقد التزمه جماعة
منهم ؛ كما قال اليهود : « انّ الممكنات تفتقر إلى المؤثّر في اخراجها من العدم إلى
الوجود وبعد اخراجه منه إليه لا تبقى لها حاجة إليه حتى لو جاز العدم على المؤثّر ـ
تعالى عن ذلك علوّا كبيرا! ـ لما ضرّ العالم ».
وتمسّكوا في ذلك ببقاء البناء بعد فناء
البنّاء (6) ، ولم يعلموا انّ الكلام في العلّة الموجدة ، وليس البنّاء موجدا للبناء
وانّما هو علّة لحركات الآلات واللبنات والأخشاب بحركة يده ، وتلك الحركات علل عرضية
معدّة لأوضاع مخصوصة بين تلك الآلات والاخشاب وتلك الاوضاع مفاضة من علل فاعلية غير
تلك الحركات المستندة إلى حركة البنّاء (7).
فان قيل : تأثير المؤثّر في الباقي محال
، لانّه إن افاد الوجود الّذي كان حاصلا فيلزم تحصيل الحاصل ؛ وإن افاد امرا آخرا متجدّدا
لم يكن التأثير في الباقي ،بل في هذا الأمر المتجدّد
قلنا : تأثير المؤثّر في استمرار الوجود
وبقائه ، فانّ الحاصل بالحدوث ليس إلاّ الوجود في زمانه وحصول شيء في زمان لا يوجب
حصول استمراره وبقائه ، فإبقاء الوجود وادامته من المؤثّر ، وهو غير حصول نفس الوجود.
والحاصل : انّ اتصاف الماهية الممكنة بالوجود في زمان حدوثه كما لم يكن مستندا إلى
ذاته بل إلى المؤثّر الخارج عن ذاته ـ لاستواء نسبة ذاته إلى الوجود والعدم ـ كذلك
اتصافها به في الزمان الثاني والثالث وما بعدهما من الازمنة ليس مستندا إلى ذاتها ،
بل إلى علّة خارجة ، لانّ استواء نسبة ذاتها إلى وجودها وعدمها أمر لازم لذاتها لا
ينفكّ عنها في جميع الاوقات والحالات ، واتصافها بالوجود في زمان الحدوث هو اتصافها
بأصل الوجودات واتصافها به في الازمنة الّتي بعده هو اتصافها بالبقاء ، فهو في وجودها
ابتداء وفي استمرارها وبقائها محتاجة إلى العلّة الّتي تعطيها الوجود ويديمه لها ،
وحاجتها إليها في الابتداء والبقاء سواء. فلو فرض انقطاع تأثير المؤثّر عن العالم في
آن لصار معدوما ، كما انّ المستضيء بمقابلة الشمس إذا حجب عنها زال ضوئه وصار مظلما
(8).
______________________
(1)
هذا القول نسبه بعضهم إلى قدماء المتكلّمين. راجع : شرح المقاصد ج 1 ص 490. تلخيص المحصّل
ص 120.
(2) راجع : المطالب العالية ، ج 1 ، ص
71 ، تجد ما فيه نافعا في المقام. وانظر أيضا : شوارق الالهام ، ص 138 ؛ شرح المقاصد
، ج 1 ، ص 489 ؛ الحكمة المتعالية ، ج 1 ، ص 206.
(3)
راجع : شرح المقاصد ، ج 2 ، ص 490 ؛ تلخيص المحصّل ، ص 120 ؛ الحكمة المتعالية ، ج
1 ، ص 207.
(4)
راجع : تلخيص المحصّل ص 120.
(5) راجع : تلخيص المحصّل ، ص 121 ؛ كشف
المراد ، ص 56 ؛ المبدأ والمعاد ـ للشيخ الرئيس ـ ، ص 25.
(6)
راجع : الشرح الجديد ص 70. التحصيل ص 526.
(7) راجع : شوارق الالهام ص 139 ، نقلا
عن المحقّق الشريف.
( 8)راجع : المصدرين الاوّلين من المصادر
المذكورة في التعليقة السالفة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|