المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6234 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

Andrei Andreyevich Markov
20-2-2017
مزارع مستمرة صغيرة Miniature Chemostat Culture
26-2-2019
اكتشاف ثنائي اكسيد الكربون
30-5-2018
نبات الترنجان (حشيشة النحل)
7-3-2016
الكافر وعمل الخير
26-09-2014
امتحان قلوب شيعة علي بالأيمان
26-01-2015


المنافقين في القرآن  
  
2388   07:16 مساءً   التاريخ: 3-9-2021
المؤلف : السيد عبد الاعلى السبزواري
الكتاب أو المصدر : الاخلاق في القران الكريم
الجزء والصفحة : 26- 38
القسم : الاخلاق و الادعية / الرذائل وعلاجاتها / رذائل عامة /

قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة : 8] فنفى  الإيمان عنهم.

وإنما خص سبحانه الإيمان بالله واليوم الآخر بالذكر ، ولم يذكر الإيمان بالأنبياء ، لاستلزام الإيمان بالمبدأ والمعاد الإيمان بالأنبياء أيضاً.

وما يقال : من أن للمنافقين أعمالا حسنة في حد نفسها أيضاً ، فكيف يعدون من الكفار بقول مطلق ؟

مردود : بأن الأعمال الحسنة من المنافق إنما صدرت لأجل أغراضهم الشريرة ، فلا وجه لترتب الأثر الحسن عليها ، فنفي حقيقة الإيمان عنهم يجزي عن هذه التكلفات.

ومنها قوله تعالى : {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا } [البقرة: 9]. الخدع : المكر .

وهو إظهار شيء وإخفاء خلافه ، وهو من أقبح الرذائل وشر الصفات.

وعن بعض الأدباء : أن المخادعة من فعل الطرفين ، وجعلوا هو الأصل في صيغ المفاعلة ، وتبعهم جمع من المفسرين ثم قالوا : إن المخادعة محالة على الله ، وغير لائقة بالمؤمنين، لأنه من فعل المنافقين.

ولكن ذلك مردود : بأن صيغة المفاعلة إنما تدل على إنهاء الفعل إلى الغير واقعاً أو اعتقاداً وأما أن الغير يفعل مثل ذلك بالنسبة إلى الفاعل الأول فهو غير مأخوذ فيها، فقد يكون وقد لا يكون.

نعم ، الجزاء على المخادعة  مع الله ورسوله شيء ومخادعة الله ورسوله شيء آخر ، لا ربط لأحدهما بالآخر، وإنما ذكرت المخادعة لبيان أن هذا العمل يتكرر عنهم.

وأما مخادعتهم مع الله ورسوله تكون بالنسبة إلى اعتقاد المنافق لا بالنسبة إلى الواقع ، إذ لا معنى لمخادعة من هو عالم السر والخفيات ، ومع ذلك نسبها سبحانه إلى نفسه ابتداء تسلية للمؤمنين لئلا يثقل تحملها عليهم ، لشدة صفاء قلوبهم ، فوحدة السياق نحو تلطف منه تعالى بالمؤمنين كقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح : 10] ، وغير ذلك من الآيات المباركة.

وأما خداعهم مع المؤمنين فبإظهار الإيمان وإخفاء الكفر والعمل رياء وسمعة ، وذلك لأجل الاطلاع على اسرار المؤمنين وإذاعتها لأعدائهم.

قال تعالى : {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [البقرة: 9] ، أي : ضرر عملهم راجع إليهم فهم المخدوعون.

واصل الشعور هو التوجه والإلتفات والفطنة بالشيء ولا يقال إلا في ما دق وخفي ، ولذلك لا يوصف به سبحانه لعدم خفاء شيء عليه.

ومعنى الآية المباركة : أن المنافقين لا شعور لهم في إدراك قبح عملهم لفرض أن بناءهم على النفاق والفساد ، وهم مسخرون تحت طبيعتهم الشريرة كما في قوله تعالى : {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 3].

ثم إن مفاد هذه الآية المباركة يجري في جميع الرذائل النفسانية التي طبعت في قلوب أهلها ، فالمورد وإن كان خاصاً ولكن الحكم (وما يشعرون) عام.

قال تعالى : {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: 10]. المراد بالقلب في الآيات المباركة :

منشأ الفهم والإدراكات ، فينطبق عليه النفس والروح والعقل أيضاً.

والمرض هو الخروج عن الاعتدال ، سواء كان في الجسم أو في القلب.

والمراد بمرضها ضعف إدراكاتها وعدم تعقلها للدين وأسراره وأحكامه ، ويجمع ذلك عدم التفقه لها كما قال تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } [الأعراف : 179].

قال تعالى : {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: 10].

يمكن أن تكون هذه الجملة المباركة دعاء عليهم كقوله تعالى : {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 127] ، ويمكن أن تكون جرياً على سلسلة الأسباب المنتهية إليه تعالى ، فإنه عز وجل بعث الرسول (صلى الله عليه واله) وأنزل القرآن وأتم الحجة فكذبوا بها وأبوا أن يتبعوه حسداً واستكباراً فزادهم ذلك مرضاً على مرضهم ، فنسب المرض بالسبب القريب إلى اختيارهم ، وبالسبب البعيد إلى إرسال الرسول والدعوة إلى الإسلام ، والكل ينتهي إليه تعالى في سلسلة الأسباب.

وفي تنكير المرض إشارة إلى ثبوت جميع أنواعه حسب مفاسد اخلاقهم واستقرارها في قلوبهم.

قال تعالى : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10]. أي : كان العذاب لأجل كذبهم ، لأن المنافق كاذب ، ويستلزم ذلك تكذيبهم للرسول (صلى الله عليه واله) .

فلا فرق في قراءة (يكذبون) بين المجرد اللازم والمزيد المتعدي.

وانما ذكر تعالى خصوص هذه الصفة (كذب) لكونه مصدر كل شر وأساس كل نفاق.

أليم : صفة للعذاب بمعنى المؤلم ، وإطلاقه يشمل كل ألم وفي أي مرتبة كانت من مراتب العظمة، كما يدل قوله تعالى :  {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء : 145] ، فيكون عذابهم أشد من عذاب الكافرين.

الثاني : الصفات التي تضاف إلى الغير فلا تحقق لها بدونه، كالظلم وحسن الخلق والأذى ونحوها، ومنها النفاق.

الثالث : الصفات الإضافية المختلفة باختلاف الجهات، وسيأتي بيان ذلك في الآيات المناسبة لها إن شاء الله تعالى.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ *وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } [البقرة : 11 - 16].

من صفات المنافقين التي ذكرها الله تعالى في هذه الآيات الفساد في الأرض، والاستهزاء بالمؤمنين ، وتوصيفهم بالسفاهة وعدم  شعورهم بجهالتهم، وتلك الصفات كلها من أخس الصفات وأرذلها التي كانت فيهم.

قال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [البقرة : 11].

الفساد خروج الشيء عن الاعتدال، وتغيره عن سلامة الحال ، وضده الصلاح .

ومادة الفساد في أي هيئة استعملت تدل على المبغوضية والاشمئزاز ، قال تعالى : {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة : 205] ، ولا سيما هيئة الإفساد ومتفرعاتها فإذ المتلبس بها مذموم عند الجميع .

ويقابل ذلك مادة الصلاح، فإنها في أي هيئة استعملت تدل على المحبوبية والرغبة وميل النفس ، خصوصاً هيئة الإصلاح وما يتفرع منها ، فإنها ممدوحة عند الجميع قال تعالى : {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء : 128] .

وإنما ذكر تعالى القول بلفظ المجهول ليشمل كل ناه عن المنكر ، رسولا كان أو ولياً أو كان من عرض الناس، كما أنه سبحانه ذكر الأرض وحدها لأنها محل إفساد المفسدين قال تعالى : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم : 41].

ثم إن الخروج عن الاعتدال والاستقامة الذي هو معنى الفساد تارة :

يكون بالنسبة إلى الشخص نفسه في ما بينه وبين الله تعالى ، كالرياء.

وأخرى : بالنسبة إلى شخص آخر مثله ، كالغش مثلا .

وثالثة : بالنسبة إلى المجتمع ، كالخيانة بالنسبة إليهم.

ولهذه الحالات مراتب متفاوتة، وفي الجمع إما أن يكون الشخص متوجهاً إلى ما يفعل، أو لا يكون كذلك بل يرى فساده صلاحاً وإصلاحاً ، والآية المباركة تبين هذا القسم.

ومعنى الفساد في الآية الشريفة ارتكاب المعاصي سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، ويدخل فيها مذام الأخلاق، وذلك لأن أفعال الإنسان إما أن تكون موافقة للشرع ، أو تكون موافقة لموازين الاجتماع، وإن كانت مخالفة للشرع.

وثالثة : أن تكون موافقة لمعتقدات الشخص ، وإن كانت مخالفة للأولين.

والنفاق أو الفساد في الآية المباركة من أحد الأخيرين ، وقد أكد تعالى بطلان معتقداتهم في قوله : {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة : 12] بأن لا صلاح في معتقداتهم إذ ليس كل صلاح اعتقادي صلاحاً واقعيا .

قال تعالى : {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة : 12].

لظهور آثار الفساد في أفعالهم كتفريق المسلمين وإلقاء النفاق بينهم وإفشاء أسرارهم.

قال تعالى : {وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة : 12].

لأن كثرة انهماكهم في الغي والضلالة أوجبت أنهم يرون باطلهم حقاً ، فنفى الله تبارك وتعالى نسبة الشعور عنهم بكلمة (لا) الظاهرة في نفي نسبة المدخول في مثل المقام والدال على الاستمرار فالآية الشريفة في مقام توبيخ المنافقين والتشنيع عليهم ، حيث وصفهم بعدم الشعور والإدراك.

ولعل نفي الشعور عنهم مرتين تارة : بقوله تعالى {وما يشعرون } وأخرى : بقوله تعالى : {لا يشعرون}  للإشارة إلى نفي أصل الشعور عنهم أولا ، ونفي انهم لا يشعرون بذلك فيكون من إثبات الجهل لعدم الشعور.

قال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة : 13].

ذكر تعالى صفة أخرى من صفات المنافقين وهي السفاهة ،  وهذه الصفة تلازمهم ، ولا بد وأن يكونوا كذلك لأن من ليس أهلا للحق ولا يقبله من أهله كان ذلك من الجهل المركب عنده ، ويرى سوء عمله حسناً كما يرى من سواه قاصدا هالكاً.

وقد أعيت هذه الفرقة جميع انبياء الله عز وجل وأولياء في كل عصر، لولا أن تداركهم العنايات الخاصة الإلهية جل شأنه ، ويشهد لما ذكرنا. 

قوله تعالى : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ } [الشعراء : 111] .

وقال تعالى : {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود : 27].

وإنما أتى سبحانه وتعالى القول بصيغة المجهول تنبيها إلى عدم اختصاص القائل بشخص مخصوص ، بل يشمل كل من أظهر الحق كما تقدم في الآية السابقة .

قال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} [البقرة : 13].

الناس والإنسان والبشر ألفاظ مترادفة معنى لهذا الحيوان الناطق المستوي القامة ، الذي يتفاوت أفراده بين أوج الكمال وأدنى مرتبة الحضيض ، فالمراد بهم في المقام من دخل في الإسلام ، وتقدم معنى الإيمان.

قال تعالى : {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة : 13].

السفه : هو الخفة وقلة التمييز بين الخير والشر والنفع والضرر ، سواء كان في الأمور الدنيوية أو الأخروية فمن لا يعرف نفعه من ضره وخيره من شره بالنسبة إلى الجهات الأخروية يعد سفيهاً بالنسبة إليها، ولو كان رشيداً وملتفتاً إلى الأمور الدنيوية التفاتاً دقيقاً كان أن كل من كان متوجهاً وملتفتاً إلى أموره الأخروية وغير دقيق في أموره الدنيوية يعد عند الناس سفيها.

وهذا نزاع قديم بين الفريقين ، فأهل الدنيا يعدون أهل الآخرة سفهاء ، وأهل الآخرة يعدون أهل الدنيا من السفهاء .

ولا نزع في الحقيقة ، لأن المراد من السفيه من جهة لا من كل جهة ، فمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها لا يعد سفيهاً بالنسبة إلى الآخرة ، وإن عده بعض أهل الدنيا سفيهاً بالنسبة إلى بعض جهات الدنيا ، ومن أراد الدنيا وسعى لها سعيها معرضاً عن الآخرة يعد سفيهاً بالنسبة الى الآخرة - كما في المقام - لأنه ترك الحياة الدائمة الباقية لأجل الحياة الزائلة ، ويأتي التفصيل في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.

قال تعالى : {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ } [البقرة : 13].

ولا ريب في مطابقة ذلك للواقع ، لأن كل من ترك الحياة الدائمة وأخذ بغيرها سفيه بلا شك.

وإنما عبر بقوله تعالى هنا {لا يعلمون }  وفي الآيات السابقة عبر تعالى بــ {لا يشعرون}  تنبيهاً على أنهم متوغلون في الجهالة وأنها من سنخ الجهل المركب ، وتأكيداً لنفي الإدراك عنهم بجمع أنحائه من نفي الشعور ، ونفي العلم ، ونفي الفقه والعقل كما في قوله تعالى : { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } [الحشر: 14].

وقوله تعالى : {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون : 3].

قال تعالى : {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14].

هذه الآية المباركة تبين صفة أخرى للمنافقين وهي المداهنة بإظهار شيء وإضمار خلافه ، ولا تكون هذه إلا فيمن بلغ في فساد الأخلاق حداً بعيداً ، فيظهر بوجهين، ويتكلم بلسانين، يلقى كلا بحسب ما تقتضيه المصلحة، وهم يرون ذلك من مصالحهم الفردية والاجتماعية، وهذه الفئة من المنافقين لم تكن تختص بعصر التنزيل بل توجد في كل عصر وزمان ، ولا ينافي ذلك الحكاية عنها بصيغة الماضي ، وتقدم الكلام في ذلك.

وقد بين تعالى أن المنافقين يداهنون في دينهم ، فإذا رأوا المؤمنين قالوا : آمنا بما أنتم به مؤمنون ، كذباً وزوراً .

وإذا اجتمعوا بشياطينهم قالوا : إنا معكم في العقيدة والعمل ، وإنما نحن نستهزئ بالمسلمين ودينهم .

وقد فضحهم الله تعالى وأعد لهم شديد العقاب.

والمراد بالشياطين هم المتمردون ، من الشطن وهو البعد والتمرد، فكلما بعد الإنسان عن الخير والصلاح وقرب الباطل والفساد يقرب من الشيطان.

والمقصود بهم رؤوسهم ، ومن يدبرهم في مذام الأخلاق وشعب النفاق سواء أكانوا من الإنس أم الجن ، كما في قوله تعالى : {جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام : 112].

ويستفاد من الآية الشريفة أن كونهم مع أهل الإيمان إنما هو بمجرد المرور والملاقاة فقط ، وأما معيتهم مع الشياطين فكانت بعنوان التفهيم والاستفادة من نواياهم الفاسدة.

ثم إن الخلوة مع الشياطين تارة : تكون على نحو الاستفادة وأخذ الآراء الفاسدة والعقائد السيئة.

وأخرى : تكون لارتكاب الفحشاء والمنكرات.

وثالثة : تكون على نحو التفكر في ما لا ينفع للدين والدنيا ، فإن الأوهام والخيالات الفاسدة والأماني الباطلة من أقوى سبل الشياطين المستولية على الانسان ، الموجبة لحرمان عقله عن قرب الرحمن.

وعن علي (عليه السلام): ((الأماني بضائع النوكى" أي : الحمقى.

وأما الخلوة معهم لأجل هدايتهم إلى الحق فهي ممدوحة بل قد تجب.

قال تعالى : {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [البقرة : 15]

الاستهزاء هو الاستخفاف والسخرية.

والمد : هو الزيادة.

والطغيان : التجاوز عن الحد.

والعمة : التحير.

والمعنى : إن الله سبحانه وتعالى يجازيهم بالعقاب ، ويعاملهم معاملة المستهزئ بهم ، ويدعهم ويمهلهم في فعلهم ، وتسمية ذلك بالاستهزاء من باب التجانس اللفظي فقط ، كما في قوله تعالى : {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } [الشورى : 40].

قوله تعالى : {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة : 194].

فإن جزاء الظلم ليس بظلم.

واستهزاء الله تعالى بهم لا يختص بعالم دون عالم ولا بأمر دون آخر فمن ذلك سلب توفيقاته وتأييداته ، أو إجراؤه تعالى أحكام الإسلام عليهم في الدنيا وليس لهم حظ منها في الآخرة، وكونهم في الدرك الأسفل من النار.

وهذا من أشد أنحاء الاستهزاء بهم ، ويزيدهم في تحيرهم وعدم اهتدائهم للصواب والحق جزاء بما كانوا يعملون ، وعقوبة لهم على استهزائهم .

وهذه الآية مثل سائر الآيات المباركة التي سبقت مساقها كقوله تعالى : {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [يونس : 11]

وقوله  تعالى : {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة : 64] ،  وغيرها من الآيات الشريفة الموافقة لقانون الطبيعة بالنسبة إلى النفوس الشريرة.

وتقدم في خداعة الله تعالى لهم بعض الكلام.

وهذه الآية في مقام التسلية للنبي (صلى الله عليه واله) {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة : 64] وسائر أنبيائه قال تعالى :

{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس : 30] والمؤمنين أيضاً ، وحيث أن الاستهزاء بأنبياء الله يرجع إلى الاستهزاء بالله تعالى فنسب جزاء المستهزئين بهم إلى نفسه فقال تعالى : {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة : 15].

وقال تعالى : {فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الشعراء: 6].

وقال تعالى : {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزمر : 48]. فإن إحاطة نفاقهم بهم من لوازم فعلهم.

والكل يرجع إليه سبحانه وتعالى بنحو الاقتضاء — كما مر — فيصح أن يقال : {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة : 15] جزاء لأعمالهم أو {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزمر: 48].

قال تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة : 16].

يطلق الاشتراء على الاستبدال مع رجاء النفع ، أي : أن المنافقين استبدلوا الهداية بالضلالة والعمى لغرض من الأغراض الفاسدة الدنيوية ، فتركوا استعداد فطرتهم ، فلم تربح تجارتهم وكانوا من الخاسرين.

والخسران في هذه المعاملة من الواضحات لكل عاقل بعد التأمل ولو قليلا وقد بين تعالى ذلك في آية أخرى بما هو أظهر فقال سبحانه : {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة : 175]

وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران : 177].

وفي جملة من الآيات المباركة التعبير بالثمن القليل قال تعالى : { وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النحل : 95].

وقال تعالى {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران : 187].

ويمكن أن يفرق بين التعبيرين بأن استبدال الهداية والإيمان بالضلال والكفر تارة : يكون لأجل الكفر والجحود ، والشقاوة المنبعثة عن اقتضاء الذات بمجرد الاقتضاء لا العلية ، وهذا هو استبدال الهداية بالضلالة والإيمان بالكفر ، وقد أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى : {صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت : 17].

وأخرى : يكون الاستبدال لأجل الأغراض الفاسدة الخيالية الدنيوية وهذا هو الاشتراء بالثمن القليل ، فإن كل غرض إذا صدر من الإنسان مع قطع النظر عن إضافته إليه عز وجل فهو من المعاملة الخاسرة ، وإذا صدر منه من جهة إضافته إليه تعالى مع تأييد ذلك بالشرع فهو من المعاملة الرابحة.

والحائز بين الغرضين هو الشرع ، أو العقل المقرر بالشرع ، لما سيأتي في محله من أن نسبة الشرع إلى العقل نسبة الصورة إلى المادة ، فكما لا أثر للمادة بدون الصورة فكذا لا أثر للعقل بدون الشرع ، فالعامل بالعقل التارك للشرع يضل في هديه، والعامل بالشرع التارك للعقل يبطل سعيه ومسعاه ، ويأتي تفصيل هذا الإجمال إن شاء الله تعالى.

ثم إنه يصح أن يكون قوله تعالى : {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} [البقرة : 16] من باب ذكر اللازم وإرادة نفي أصل الملزوم ، فيكون المعنى أنه لا تجارة لهم أصلا في الواقع وإن كانت بحسب الظاهر ، لأن التجارة ما كان فيها اقتضاء الاسترباح في الجملة لا ما بنيت على الخسران والضلالة.

وفي الآية المباركة نحو استعارة ومجاز لإسناد الربح إلى التجارة ، ومنه يعلم وجه قوله تعالى : {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16] فتصح نسبته إلى تجارتهم الخاسرة ، أو إلى جمع شؤونهم التي منها تجارتهم.

 

 

 

 

 

 

 




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.