أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-10-2015
2250
التاريخ: 7-12-2017
3098
التاريخ: 29-3-2017
1935
التاريخ: 26-10-2015
1954
|
يُعدّ مبدأ الفصل بين السلطات ، مبدأً خاصاً بتنظيم السلطة العامة في الدولة تمارس بموجبه سلطات الدولة وظائفها من قبل هيئات متميزة ومستقلة الواحدة عن الأخرى ، لأن تجميع السلطة في يد واحدة من شانه أن يؤدي بالحقوق والحريات فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة(1).
ارتبط هذا المبدأ باسم الفقيه الفرنسي مونتسكيو ، حيث ذهب الى أن الوسيلة الأساسية لممارسة السلطة مع المحافظة في الوقت نفسه على حماية حقوق وحريات الافراد ، هو الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات بوصفه سلاحاً ضد السلطة المطلقة التي تقوم على أساس تركيز السلطات كما أنه الأساس لتحقيق حكومة معتدلة(2).
ويستند تأسيس هذا المبدأ على قاعدتين هما :اولاً ، قاعدة التخصيص الوظيفي المتمثل بتخصص كل هيئة من الهيئات الحاكمة بوظيفة من وظائف الدولة القانونية الثلاث التشريعية و التنفيذية والقضائية ، وثانياً، قاعدة الاستقلال العضوي بما تعنيه من ضرورة تحديد العلاقات بين الهيئات العامة على أساس أن جميعها هيئات متساوية ومستقله عن بعضها البعض بحيث لاتتدخل أحدها في اعمال الأخرى ولا تخضع لغيرها من الهيئات (3).
ونظرًا لأهمية مبدأ الفصل بين السلطات ، فانه يتمتع بمزايا عديدة ، منها أنه يؤدي الى صيانة الحقوق ، ومنع الاستبداد ، عن طريق توفير أرضية شرعية لممارسة السلطة من قبل هيئات متعددة تتساوى فيها الحقوق وتتوازن الصلاحيات مما يجعل كل منها رقيباً على الأخر، كما يهدف الى احترام القوانين وحسن تطبيقها بمنع اجتماع وظيفة التشريع والتنفيذ بيد هيئة واحدة، لأن ذلك يؤدي الى انتفاء الحرية ويفسح المجال امام الأخيرة بإصدار قوانين من شانها منح نفسها سلطات وصلاحيات واسعة مما ينفي عن القانون حيادته وعموميته وتننتفي تبعاً لذلك عن الدولة صفة حكم القانون ومن المعروف ان الفرد لايمكنه التمتع بالحقوق السياسية الا اذا شعر بالآمن والامان (4). كذلك ان اجتماع التشريع والقضاء في هيئة واحدة قد يدفع المشرع الى سن قوانين مغرضة تتفق مع الحل الذي يراد تطبيقه في الحالات التي تُعرض امام القضاء للفصل بيها فيحابي من يشاء ، ويعصف بحقوق من يشاء ، وهذا يمكن ملاحظته ايضاً عند اجماع وظيفة التنفيذ والقضاء بيد هيئة واحدة مما يؤدي الى غياب رقابة القاضي عن عدالة التنفيذ وشريعته(5).
ويعمل هذا المبدأ بالإضافة الى ذلك على تحسين أداء العمل في الدولة عن طريق تخصص كل سلطة من هذه السلطات بالمهام الموكلة اليها واتقانها لعملها وقيامها به على خير وجه مما يؤدي الى حسن سير العمل في جميع المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية(6).
وعلى الرغم من المزايا التي تم ذكرها ، الا إن هذا المبدأ قد تعرض بدوره الى انتقادات عديدة من قبل بعض الفقهاء ، متمثلة بأن تطبيق هذا المبدأ من شانه القضاء على فكرة المسؤولية، إذ يشجع كل هيئة على التهرب منها والقاءها على عاتق الهيئات الأخرى , و قيل أنه مبدأ نظري بحت لاستحالة تحقيق الفصل بين هيئات ترتبط ببعضها البعض ارتباطاً وثيقاً، فالملاحظ عملاً ، في جميع الدول ، انه لابد أن تطغى احدى السلطات على باقيها ، ويرى جانب منهم أن هذا المبدأ وجد لاعتبارات تاريخية كان القصد منها انتزاع السلطة التشريعية من يد الملوك للحد من السلطان المطلق ، وقد تحقق المقصود منه بالتالي أصبح عديم الفائدة حالياً(7).
ونحن بدورنا لانتفق مع الاعتراضات السابقة لكونها مخالفة للحقيقة ، فمهما كانت الاعتبارات التاريخية التي أدت الى قيام هذا المبدأ فإن الأسس التي قام عليها لاتزال معمولاً بها الى الان في مجال السلطة السياسية ، فالطبيعة البشرية تحدو بكل من يعطى سلطة عامة أن يسيء استعمالها , كما ان تجميع السلطات وتركيزها في يد واحدة تؤدي حتماً الى الاستبداد ومن ثم تعريض الحقوق والحريات للخطر.
بيد أن مضمون هذا المبدأ كما دعا اليه منتسكيو ، وكما يؤخذ به في الوقت الحاضر، هو ليس الفصل المطلق أي الفصل التام ، بل يجب أن يكون بين السلطات تعاون وتوازن حتى تستطيع كل سلطة ان توقف الأخرى عند حدود مهمتها أو اختصاصاتها اذا أرادت ان تتجاوز تلك الحدود او أن تستبد بالسلطة(8).
وعليه فإن جوهر مبدأ الفصل بين السلطات ، يتحدد اذاً على أساس قيام سلطات ثلاثة في الدولة ، مستقلة عن بعضها استقلالاً غير تاماً ، وإنما هو استقلال مع التعاون والرقابة المتبادلة(9).
وقد تباينت مواقف الدساتير المختلفة من مبدأ الفصل بين السلطات ، فبعضها طبق نظام الفصل الشديد بين السلطات ، منها الدستور الامريكي لعام 1787 والدساتير الفرنسية عقب الثورة كدستور 1791 ودستور السنه الثالثة للثورة (10).
بينما نصت معظم دساتير الدول الديمقراطية اليوم على مبدأ الفصل المرن بين السلطات كمنظم لحياتها السياسية والدستورية ، ودوره في حماية الحقوق والحريات ، إذ طبق هذا المبدأ بصورة واضحة في بريطانيا ، وحتى في أكثر الأنظمة الدستورية حرصاً عليه الا وهو النظام الدستوري الأمريكي ، فعلى الرغم من أن هذا النظام قد اعتمد مبدأ الفصل التام للسلطات، الا أن ما يلاحظ هو وجود تداخل فيما بينها يجعل من الصعوبة وضع حدود فاصلة يمنع اي سلطة من تجاوزها ، اذ ليس هناك اطلاقاً من دولة تكون الوظيفة التشريعية محصورة قطعاً بيد هيئة واحدة ، او ان هناك سلطة تدَعي باحتكار الوظيفة التنفيذية لوحدها(11).
وقد اقر دستور جمهورية العراق لسنة 2005 مبدأ الفصل بين السلطات بقوله: تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات(12)، وذلك يرجع الى أن العراق دولة اتحادية نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي ، أي لما كان نظام الحكم برلماني أذن لابد من وجود تعاون وتوازن مابين السلطات.
وفيما يتعلق بالتوازن فيكون في مجموعة السلطات التي يحكمها الطرفان المتقابلان التشريعية والتنفيذية فتمتلك السلطة التنفيذية حق الحل ، وفي مقابل ذلك تمتلك السلطة التشريعية سحب الثقة بالوزارة واستجواب الوزراء واجراء تحقيق معهم.
اما التعاون فيبدو من خلال اشتراك الوزارة في جلسات البرلمان عن طريق المساهمة في تقديم مشروعات القوانين وإصدار القوانين ، اما من جانب السلطة التشريعية يفوض البرلمان السلطة التنفيذية للقيام بمهمات تشريعية او عندما يحيل الى السلطة التنفيذية تنظيم او تطبيق القوانين بما تصدره من أنظمة وتعليمات وهي اعمال تشريعية في الأصل(13).
الا ان ما يجب ملاحظته هو أن المشرع الدستوري العراقي ، أتجه الى تقوية كفة مجلس النواب على حساب السلطة التنفيذية ، من خلال منحه سلطات متعددة تخل بمبدأ الفصل بين السلطات، منها حق انتخاب رئيس الجمهورية وأقالته بعد إدانته من قبل المحكمة الاتحادية العليا، بالإضافة الى سلطة الرقابة المتمثلة بتوجيه الأسئلة والأجوبة و منح الثقه وسحبها لكل من رئيس الوزراء والوزراء (14) مقابل بعض الصلاحيات الشكلية غير المؤثرة الممنوحة للسلطة التنفيذية والمتمثلة بحق اقتراح حل مجلس النواب ، أي أن الدستور لم يعطِ لرئيس الدولة حق حل المجلس كما هو المعمول به في النظام البرلماني ، وانما أعطى هذا الاختصاص للمجلس نفسة بناءً على طلب مقدم من قبل اعضائه او من رئيس مجلس الوزراء بعد موافقة رئيس الجمهورية وإذا ما تم حله فان مجلس الوزراء يعد مستقيلاً ، أي أن الامر لن يكون ذا جدوى كونه سلاح بيد السلطة التنفيذية لكبح السلطة التشريعية اذا ما تجاوزت حدود اختصاصاتها وبالتالي لن يتحقق التوازن ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية(15) ، وهو أمر لا يتفق مع خصائص النظام البرلماني، كما أنه يؤدي الى ضعف أداء البرلمان لعدم وجود رادع دستوري يحد من انحراف بعض اعضاء المجلس وتطرفهم ، مما سمح للكثير من النواب الى تغليب المصالح الشخصية على الصالح العام (16).
مما تقدم نتلمس ، أن وجود الفصل بين السلطات ، أساس ضروري لحماية الحقوق السياسية للإنسان اذا ما اعتمد مبدأ التوازن بين السلطات لاسيما التشريعية والتنفيذية ، من خلال تقرير مبدأ مسؤولية الوزارة أمام البرلمان ومنح السلطة التنفيذية حق الحل ، حتى تراقب إحداهما الأخرى ، لأنه ليس هناك من الناحية الواقعية ما يمنع محتكر السلطة من ممارسة سلطته على حساب حريات الافراد وحقوقهم طالما انه الوحيد الذي بيده زمام الامر والنهي ، فالسلطة لاتوقفها إلا السلطة كما يقول منتسكيو(17) ولضمان تحقق ذلك ، اقتضى الأمر التمسك بوسائل أخرى لحماية الحقوق والحريات ، ولعل اهمها مبدأ استقلال القضاء.
_______________
1- سعيد السيد علي ، حقيقة الفصل بين السلطات في النظام السياسي والدستوري للولايات المتحدة الامريكية ، اطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ، 1999 ، ص19.
2- Hauriou(A) ; Droit Constitutionnel et Institutions Politiques , Paris , 1975 , .160
3- اظين خالد عبد الرحمن ، ضمانات حقوق الانسان في ظل قانون الطورائ ، رسالة ماجستير، الطبعة الاولى ، دار الحامد ، عمان ، 2009 ، ص172.
4- د. سليمان محمد الطماوي ، السطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة ، بدون طبعة ، دار الفكر العربي ، بدون ذكر مكان النشر ،1967 ، ص335،334.
5- perry(ToryD);American Politics,2ndEd,Hill companies,U.S.A,2000-2001,p.44
6- سعيد السيد علي ، حقيقة الفصل بين السلطات في النظام السياسي والدستوري للولايات المتحدة الأمريكية ، اطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ، 1999 ، ص184،185،186.
7- سعيد السيد علي ، المصدر السابق ، ص27،28.
8- د. ثروت بدوي ، النظم السياسية ، دار النهضة العربية ، بدون ذكر مكان النشر ، 1975، ص322 وما بعدها.
9- د. مها بهجت يونس ، الحكم بعدم دستورية نص تشريعي ودوره في تعزيز دولة القانون ، مصدر سبق ذكره ، ص41.
10- د. جعفر عبد السادة بهير، التوازن بين السلطة والحرية ، الطبعة الاولى ، دار حامد ، عمان ، 2009، ص190.
11- د. خضر خضر، مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان ، الطبعة الثانية ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، طرابلس ، 2004 ، ص205.
12- ينظر نص المادة (47) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
13- د. ابراهيم الفياض ، مبدأ الفصل بين السلطات في الدساتير العراقية والدساتير المقارنة ، مجموعة دراسات دستورية حول موضوعات اساسية للدستور العراقي الجديد ، المعهد الدولي لحقوق الإنسان، جامعة ديبول، 2005 ، ص99.
14- د. حميد حنون خالد ، نظام الحكم في مجتمع وادي الرافدين ، بحث منشور في مجلة الحقوق، كلية الحقوق ، الجامعة المستنصرية ، العدد الثاني ، 2006، ص261،260.
15- د.بشرى العبيدي ، مبدأ الفصل بين السلطات ، المرصد النيابي العراقي ، بحث منشور على الموقع الاليكتروني:
http://www.miqpm.com/RS Details.php?ID=14) (
16- د. بشرى العبيدي ، مبدأ الفصل بين السلطات ، شبكة المعلومات الدولية ، المصدر السابق.
17- د. طعيمة الجرف ، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون ، بدون طبعة ، مكتبة القاهرة الحديثة ، بدون ذكر سنة النشر ، ص14.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|