المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

سبب زوال المُلك
25-10-2017
تعرض جهنّم على الكافرين
23-10-2014
فيض flux
23-5-2019
حرف المبنى
2023-04-04
السومريون
11-9-2016
التـجـارة الخـارجـية ودورهـا في التنميـة الاقتصـاديـة
12-1-2023


عقائد الوهابية  
  
2223   10:03 صباحاً   التاريخ: 28-05-2015
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : المذاهب الاسلامية
الجزء والصفحة : ص311-342
القسم : العقائد الاسلامية / فرق و أديان / الوهابية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-05-2015 889
التاريخ: 27-05-2015 852
التاريخ: 28-05-2015 594
التاريخ: 28-05-2015 614

 تحريم بناء القبور وهدم المشاهد عليها :

إنّ مسألة بناء القبور وتشييد مراقد الأنبياء وأولياء الله الصالحين من المسائل الحسّاسة عند الوهابيّين، وقد كان ابن تيميّة، وبعده ابن قيّم، أوّل من أفتى بحرمة بنائها ووجوب هدمها، يقول ابن القيّم:

يجب هدم المشاهد الّتي بنيت على القبور، ولا يجوز إبقاؤها ـ بعد القدرة على هدمها وإبطالها ـ يوماً واحداً.(1)

وعلى هذا الأصل لمّا استولى السعوديّون على الحرمين الشريفين هدموا المراقد المقدّسة في البقيع، وبيوت أهل البيت (عليهم السّلام)، بعدما رفعوا سؤالاً إلى علماء المدينة المنوّرة، وإليك السؤال والجواب:

السؤال: (ما قول علماء المدينة المنوّرة ـ زادهم الله فهماً وعلماً ـ في البناء على القبور، واتّخاذها مساجد، فهل هو جائز أم لا؟، وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهي عنه نهياً شديداً، فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا؟، وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع، وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليه، فهل هو غصب يجب رفعه لمَا فيه من ظلم المستحقّين ومنعهم استحقاقهم أم لا؟)

الجواب: (أمّا البناء على القبور فهو ممنوع إجماعاً، لصحّة الأحاديث الواردة في منعه، ولذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين بحديث عليّ (رضي الله عنه) أنّه قال لأبي الهياج: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله، أن لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سوّيته.(2)

يُلاحظ على ما ذكره: إنّه كيف يدّعي إجماع المسلمين على حرمة البناء مع أنّ سيرة المسلمين وعملهم منذ أن ارتحل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى يومنا هذا هي البناء على القبور، فقد دُفن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في بيته الرفيع ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أن البناء على القبر حرام، وأنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) نهى عنه نهياً شديداً، ولمّا كان البيت متعلّقاً بزوجته عائشة جعلوا في وسطه ساتراً، ولمّا توفّى الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تبركاً بذاته ومكانه، ولم يخطر ببال أحد أنّه على خلاف الدين والشرع.

وأمّا الحديث الّذي استدلّ به، فلا يدلّ على ما رامه؛ لأنّ محلَّ الشاهد في الحديث هو قوله: ((إلاّ سويته))؛ وهو يستعمل على وجهين:

أ ـ يُطلق ويُراد منه مساواة شيء بشيء، فيتعدى إلى المفعول الثاني بحرف التعدية كالباء، قال سبحانه: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [الشعراء: 98].

أي نعدّ الآلهة المكذوبة متساوين مع ربّ العالمين، فنضيف إليكم ما نضيف إلى ربّ العالمين.

ب ـ يُطلق ويُراد منه ما هو وصف لنفس الشيء لا بملاحظة شيء آخر، فيكتفي بمفعول واحد، قال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى: 2] وقال سبحانه: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } [القيامة: 4] ، ففي هذين الموردين وضعت التسوية وصفاً لنفس الشيء بلا إضافة إلى غيره، وعندئذ يكتفي بمفعول واحد، ويكون المراد من التسوية حسب اختلاف الموارد تارة كمال الخلقة واستقامتها في مقابل نقصها واعوجاجها، وهذا هو المراد في الآيتين المذكورتين، وأُخرى تسطيحه مقابل اعوجاجه وبسطه مقابل كونه كالسنام.

إذا عرفت هذا فلنعد إلى الحديث ولنطبق الضابطة عليه، فبما أنّه استعمل مع مفعول واحد فلا يراد منه المعنى الأوّل، أي مساواته بالأرض، وإلاّ كان عليه أن يقول سويته بالأرض، بل يراد ما هو وصف لنفس القبر، والمعنى المناسب هو تسطيح القبر في مقابل تسنيمه، وبسطه في مقابل اعوجاجه، وهذا هو الّذي فهمه شرّاح الحديث.

قال القرطبي: قال علماؤنا: ظاهر حديث أبي الهياج منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون واطئة.(3)

وقال النووي في شرح الحديث: إنّ السنّة أنّ القبر لا يُرفع عن الأرض رفعاً كثيراً، ولا يسنّم، بل يرفع نحو شبر. وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه.(4)

ويؤيّد ذلك أنّ مسلماً ـ صاحب الصحيح ـ ذكر الحديث تحت عنوان باب تسوية القبور.(5)

 

حرمة بناء المساجد على القبور والصلاة فيها:

ذهبت الوهّابيّة إلى حرمة بناء المساجد على القبور، وحرمة قصد الصلاة فيها حتّى قال ابن تيميّة: إنّ المسجد والقبر لا يجتمعان(6)؛ مستدلاًّ بما روي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد.(7)

وقد استغلّت الوهّابيّة هذا الحديث وخرجوا بالنتيجة التالية:

حرمة بناء المساجد على القبور، وحرمة قصد الصلاة فيها.

وقبل تحليل الحديث نعرض المسألة على القرآن الكريم.

إنّ القرآن صادق مصدّق لا يأتيه الباطل، يذكر سبحانه فيه قصة أصحاب الكهف وأنّ القوم لمّا عثروا على أجسادهم الطريّة في الغار اختلفوا على قولين:

1 ـ { فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} [الكهف: 21].

2 ـ {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا } [الكهف: 21].

فالآية صريحة في أنّ القوم بعدما عثروا عليهم اختلفوا في كيفيّة تكريمهم على قولين:

1 ـ البناء على قبورهم: {ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} [الكهف: 21].

2 ـ بناء المسجد على قبورهم: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21].

والقرآن الكريم يذكر كلا القولين من دون ردّ وطعن، فلو كان كلّ من القولين خصوصاً القول الثاني على خلاف الهداية وفي جانب الضلالة لأشار إلى ردّه وطعنه، فسكوت القرآن تجاه هذين القولين ونقلهما عن القوم بصورة كونه عملاً مستحسناً؛ لأنّهم اقترحوا ذينك العملين لتكريم أصحاب الكهف، أقوى شاهد على جواز العمل في الأُمّة المحمديّة.

وقد اتّفق المفسرّون على أنّ القول الثاني كان للموحّدين، ويدلّ على ذلك ما جاء في التاريخ أنّ العثور على أصحاب الكهف وانكشاف أمرهم كان في عصر انتصار التوحيد على الشرك، وكان قادة المشركين الداعين إلى عبادة الأصنام ـ مندحرين مغلوبين، فاقتراح بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك، فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين؟!

إنّ هذا تقرير من القرآن على صحّة اقتراح أُولئك المؤمنين، ومن المعلوم أنّ تقرير القرآن حجّة شرعيّة لا ينازعه شيء.

وأمّا الحديث الّذي استدلّت به الوهّابيّة على حرمة بناء المساجد على القبور، فالمراد بناء المساجد على القبور والسجدة لصاحب القبر أو اتّخاذه قِبلة؛ لا مجرد من اتخذ القبور مسجداً مجرداً عن أي شرك، أو إذا كانت إقامة الصلاة عند قبورهم من باب التبرّك بهم.

وممّا يدلّ على أنّ المراد هو بناء المساجد على القبور والسجود لهم أو إليها هو أنّ بعض الروايات وصفت هؤلاء بأنّهم شرار الناس، ففي حديث: فاعلموا أنّ شرار الناس الّذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، إنّ توصيفهم بأنّهم شرار الخلق عند الله يميط الستر عن حقيقة عملهم، إذ لا يوصف الإنسان بالشرّ المطلق، إلاّ إذا كان مشركاً، قال سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22].

كلّ ذلك يكشف عن مغزى الحديث، وأنّ عملهم لم يكن عملاً مجرداً مثل صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه، أو إقامة الصلاة عند القبور؛ بل كان عملاً مقترناً بالشرك بألوانه وصوره المختلفة كاتخاذ القبر إلهاً ومعبوداً أو قبلة عند الصلاة أو السجدة عليها بمعنى اتّخاذها مسجوداً.

وقد فهم غير واحد من العلماء نفس ما ذكرناه من الحديث، يقول القسطلاني في (إرشاد الساري) نقلاً عن البيضاوي:

لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها واتّخذوها أوثاناً، لعنهم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ومنع المسلمون عن مثل ذلك، فأمّا من اتّخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرّك بالقرب منه ـ لا للتعظيم ولا للتوجه إليه ـ فلا يدخل في الوعيد المذكور.(8)

هذا كلّه حول بناء المساجد، وأمّا الصلاة على القبور فلأجل أنّ لمشاهد الأولياء ومراقدهم شرفاً وفضيلة خاصّة لا توجد في غيرها.

إنّ القرآن الكريم يأمر حجاج بيت الله الحرام بإقامة الصلاة عند مقام إبراهيم وهي الصخرة الّتي وقف عليها إبراهيم لبناء الكعبة، فيقول:

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].

إنّ الصلاة في مقام إبراهيم لأجل التبرّك بمقام النبيّ إبراهيم. فلو كانت عبادة الله تبارك وتعالى مقرونة بالتبرّك بمكان المخلوق شركاً، فلماذا أمر به سبحانه، فهل هناك فرق بين مقامهم ومثواهم؟!إنّ المسلمين جميعاً يصلّون في حجر إسماعيل مع أنّ الحجر مدفنه ومدفن أُمّه هاجر، فأيّ فرق بين مرقد النبيّ ومدفن أبيه إسماعيل؟!

إذا كانت الصلاة عند القبر محرّمة في الشريعة الإسلاميّة، فلماذا قضت عائشة عمرها في البيت الّذي دُفن فيه الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

وإنّ السيّدة فاطمة الزهراء ـ الّتي قال في حقّها النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): إنّ الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها ـ كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة أو في كل أُسبوع مرّتين، فتصلّي وتبكي عنده.(9)

 

جواز زيارة القبور وحرمة شدّ الرحال إليها :

اتّفق المسلمون على استحباب زيارة القبور لما فيه من فوائد تربويّة ذكرها النبيّ في حديثه المعروف.

روى أصحاب السنن عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنّه قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة)).(10)

وقد اتّفق المسلمون أيضاً ـ غير ابن تيميّة ـ على استحباب زيارة قبر النبيّ خصوصاً، وأفضل دليل على ذلك هو السيرة المستمرَّة من عصر رحيل الرسول إلى يومنا هذا، مضافاً إلى الروايات المتوفرة من أنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: ((من زار قبري وجبت له شفاعتي)).(11)

ولكن المروي عن محمّد بن عبد الوهّاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية: تسنّ زيارة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ أنّه لا يُشدّ الرحال إلاّ لزيارة المسجد والصلاة فيه.

والدليل الّذي يتمسّكون به في تحريم الزيارة هو الحديث المذكور في صحاحهم عن أبي هريرة أنّه قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

((لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، والمسجد الأقصى)).

وروي هذا الحديث بصورة أُخرى، وهي:

((إنّما يُسَافَر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيليا)).

وروي أيضاً بصورة ثالثة، وهي:

((تُشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد...)) .(12)

لكن مفاد الحديث لا يصلح للاستدلال؛ لأنّ الاستثناء في الحديث مُفْرَغ؛ بمعنى أنّ المستثنى منه غير مذكور، وبما أنّ المستثنى هو المساجد الثلاثة فيكون قرينة على أنّ المستثنى منه هو لفظة مسجد، فيكون معنى الحديث لا تشدُّ إلى أيّ مسجد من المساجد سوى المساجد الثلاثة، وأين هذا من شدّ الرحال إلى زيارة قبر النبي؟!

نعم لو كان المستثنى منه ـ وهو لفظة مكان ـ لدلّ على ما يرتئيه الوهّابيّون من تحريم شدّ الرحال؛ فيكون معنى الحديث: لا تُشدّ الرحال إلى مكان من الأمكنة إلاّ إلى المساجد الثلاثة، ومن المعلوم أنّ هذا باطل، إذ لو كان الهدف حُرمة السفرات الدينيّة كافّة؛ باستثناء السفر إلى المساجد الثلاثة ، فلماذا تشدّ الرحال إلى هذه المناطق؟

مع أنّ القرآن الكريم أشار إلى بعض السفرات الدينيّة ورغَّب فيها، كالسفر لأجل الجهاد، وطلب العلم، وصلة الرحم، وزيارة الوالدين.

وفي الختام لابدّ من الإشارة إلى أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عندما قال: ((لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد...))، فإنّه لا يعني أنّ شدّ الرحال إلى المساجد الأُخرى حرام؛ بل معناه أنّ المساجد الأُخرى لا تستحقّ شدّ الرحال إليها وتحمّل مشاقّ السفر من أجل زيارتها؛ لأنّ المساجد الأُخرى لا تختلف من حيث الفضيلة مع الآخر اختلافاً كبيراً، فلا داعي إلى أن يشدّ الإنسان الرحال إلى المسجد، أمّا إذا شدّ الرحال إليه، فليس عمله هذا حرّاماً ولا مخالفاً للسنّة الشريفة، ويدلّ عليه ما رواه أصحاب الصحاح والسُّنن:

(كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يأتي مسجد قبا راكباً وماشياً فيصلّي فيه ركعتين).(13)

ولنا أنّ نتساءل: كيف يمكن أن يكون شدّ الرحال وقطع المسافات من أجل إقامة الصلاة مخلصاً لله في بيت من بيوته سبحانه حراماً ومنهيّاً عنه؟!

إذا كانت الصلاة في المسجد مستحبة، فانّ الظاهر أنّ مقدّمة المستحب مستحبّة أيضاً.

 

حرمة التوسّل بالأنبياء والصالحين :

يعتبر التوسّل بأولياء الله وأحبّائه من المسائل المعروفة بين المسلمين في أنحاء العالم كافّة، وقد وردت أحاديث كثيرة في جوازه واستحبابه، فهو ليس ظاهرة غريبة؛ بل هو أمر ديني تعارف عليه المسلمون منذ فجر الإسلام حتّى هذا اليوم، ولا تجد مسلماً ينكره.

وطوال أربعة عشر قرناً لم ينكره أحد سوى ابن تيميّة وتلاميذه في القرن الثامن الهجري، وبعد قرنين جاء محمّد بن عبد الوهّاب فاعتبر التوسّل بأولياء الله بدعة تارة وعبادة للأولياء أُخرى.

فنقول: إنّ القرآن الكريم حثّ المسلمين على الإتيان إلى النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وطلب الاستغفار منه، وهو نوع توسّل بدعاء النبيّ في حياته، قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].

وقال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } [المنافقون: 5].

وقال سبحانه ناقلاً عن أبناء يعقوب: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [يوسف: 97].

ولأجل هذا قبل الوهّابيّون التوسّل بدعاء النبيّ في حال حياته، وإنّما يمنعون موردين آخرين:

1 ـ التوسّل بدعاء النبيّ بعد رحيله.

2 ـ التوسّل بذات النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وجاهه وحرمته مطلقاً، سواء أكان النبيّ حيّاً أم ميّتاً.

وليس لهم دليل صالح على المنع، مع أنّ الأدلّة تؤيّد كلا التوسّلين، فإليك دراسة التوسّل بمقام النبيّ وذاته وجاهه وحرمته، ثُمَّ دراسة التوسّل بدعاء النبيّ بعد رحيله.

 

التوسّل بذات النبيّ ومنزلته:

إنّ الدعاء الّذي علّمه النبيّ للضرير جاء فيه التوسّل بذات النبيّ وقدسيّته، والحديث من الأحاديث الصحاح الّتي اعترف بها حتّى ابن تيميّة.

روى عثمان بن حنيف أنّه قال:

إنّ رجلاً ضريراً أتى النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فقال: ادع الله أن يعافيني.

فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((إن شئت دعوتُ، وإن شئت صبرتَ وهو خير)).

قال: فادعه!، فأمره (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أن يتوضّأ فيحسن وضوءه، ويصلّي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء:

((اللَّهُم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي في حاجتي لتُقضى، اللّهم شفّعه فيّ)).

قال ابن حنيف: والله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث، حتّى دخل علينا كأنّه لم يكن به ضر.(14)

إنّ دلالة الحديث على أنّ النبيّ أمر الضرير أن يتوسّل بنفس النبيّ، وفي الحقيقة أنّ حرمته ومكانته عند الله واضحة، وإليك بيانها:

1 ـ (اللّهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك):

إنّ كلمة (بنبيّك) متعلّقة بفعلين: (أسألك) و(أتوجّه إليك)، والمراد من النبيّ نفسه المقدّسة وشخصه الكريم، لا دعاؤه.

إنّ من يقدّر كلمة (دعاء) قبل لفظ (نبيّك) ويصوّر أنّ المراد: أسألك بدعاء نبيّك أو أتوجّه إليك بدعاء نبيّك، فهو يتحكّم بلا دليل، ويؤوّل بلا جهة، ولو أنّ محدّثاً ارتكب مثله في غير هذا الحديث لرموه بالجهميّة والقدريّة.

2 ـ (محمّد نبيّ الرحمة):

لكي يتّضح أنّ المقصود هو السؤال من الله بواسطة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وشخصه جاء بعد كلمة (نبيّك) جملة (محمّد نبيّ الرحمة)، لكي يتّضح الهدف بأكثر ما يمكن.

3 ـ (يا محمّد إنّي أتوجّه إلى ربّي):

إنّ هذه الجملة تدلّ على أنّ الرجل اتّخذ النبيّ نفسه وسيلة لدعائه، أي انّه توسّل بذات النبي لا بدعائه.

4 ـ (وشفّعه فيّ):

قوله هذا معناه: يا ربّ اجعل النبيّ شفيعي وتقبّل شفاعته في حقّي، وليس معناه تقبل دعاءه في حقّي.

التوسّل بدعاء النبيّ والصالحين بعد رحيلهم:

من أقسام التوسّل الرائجة بين المسلمين هو التوسّل بدعاء النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو الصالحين بعد رحيلهم.

ولكن ثمّة سؤالاً يطرح نفسه، وهو:

إنّ التوسل بدعاء الغير إنّما يصحّ إذا كان الغير حيّاً يسمع دعاءك ويستجيب لك ويدعو الله سبحانه لقضاء وطرك ونجاح سؤالك، أمّا إذا كان المستعان به ميّتاً، فكيف يصحّ التوسّل بمن انتقل إلى رحمة الله وهو لا يسمع؟

والجواب: إنّ الموت ـ حسب ما يوحي به القرآن والسنّة النبويّة ـ ليس بمعنى فناء الإنسان وانعدامه؛ بل معناه الانتقال من دار إلى دار، وبقاء الحياة بنحو آخر والّذي يعبّر عنه بالحياة البرزخيّة.

وقد استوفينا الكلام في هذا الموضوع من كتابنا (بحوث قرآنيّة في التوحيد والشرك).(15)

 

حرمة طلب الشفاعة من النبيّ :

اتّفقت الأُمّة الإسلاميّة على أنّ الشفاعة أصل من أُصول الإسلام نطق به الكتاب والسنّة النبويّة وأحاديث العترة الطاهرة، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين وإن اختلفوا في بعض خصوصيّاتها.

وأجمع العلماء على أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أحد الشفعاء يوم القيامة، إلاّ أنّ الكلام في المقام هو في طلب الشفاعة من النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فهل يجوز أن نقول: يا رسول الله اشفع لنا عند الله، كما يجوز أن نقول اللّهم شفّع نبينا محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فينا يوم القيامة، أو لا يجوز؟

فلنذكر نصّ محمّد بن عبد الوهّاب في هذا الصدد:

إنّ طلب الشفاعة يجب أن يكون من الله لا من الشفعاء بأن يقول:

اللّهم شفّع نبيّناً محمّداً فينا يوم القيامة، أو اللّهم شفّع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك أو نحو ذلك ممّا يُطلب من الله لا منهم، فلا يقال: يا رسول الله أو يا وليّ الله أسألك الشفاعة أو غيرها ممّا لا يقدر عليه إلاّ الله، فإذا طلبت ذلك في أيّام البرزخ كان ذلك من أقسام الشرك.(16)

يلاحظ عليه: أنّ شفاعة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وسائر الشفعاء هي الدعاء إلى الله وطلب المغفرة منه سبحانه للمذنبين، والله سبحانه أذن لهم في الدعاء في ظروف خاصة، فيستجاب فيما أذن، وهم لا يدعون في غير ما أذن الله لهم.

وعلى هذا فالشفاعة هي دعاء الشفيع للمذنب، وطلب الشفاعة منه هو طلب الدعاء منه، وقد سمّي في الأحاديث: دعاء المسلم لأخيه المسلم شفاعة له.

هذا هو انس بن مالك يقول: سألتُ رسول الله يشفع لي يوم القيامة قال: ((أنا فاعل...))(17). ولو كان طلب الشفاعة شركاً، لزجره عنه.

روى مسلم في صحيحه، عن ابن عبّاس، عن النبيّ، أنّه قال: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله إلاّ شفّعهم الله فيه)).(18)

 

دليل الوهّابيّين على حرمة طلب الشفاعة:

قد مرّ آنفاً أنّ طلب الشفاعة ليس إلاّ طلب الدعاء من الشفيع الّذي تُستجاب دعوته إذا أذن الله سبحانه، غير أنّ للوهّابيّين شبهة ربَّما يغترّ بها البسطاء؛ وهي أنّ المشركين كانوا يطلبونها من أصنامهم، فسمّى الله طلب الشفاعة منهم عبادة لهم، فيكون طلب شفاعة المسلم من النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عبادة له، يقول سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18].

والشاهد في قوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس: 18] ، مع ملاحظة ما في ذيل الآية: {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] ، وكان وجه عبادتهم لهم هو قولهم: {هؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا}.(19)

 

يلاحظ عليه: أوّلاً: أنّ ظاهر الآية أنّهم كانوا يقومون بأمرين:

أ ـ كانوا يعبدونهم؛ ويدلّ عليه قوله: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ).

ب ـ يعتقدون بشفاعتهم، وبالتالي يطلبون منهم الشفاعة؛ ويدلّ عليه قوله (وَيَقُولُونَ هؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا).

والعطف يدلّ على المغايرة؛ بمعنى أنّ هنا عبادة، وأنّ هناك أمراً آخر وهو طلب الشفاعة، فما هذا الخلط؟!

والحاصل: إنّ عبادتهم للأوثان شيء وطلب الشفاعة شيء آخر، وإلاّ لما عَطف الثانية على الأُولى.

وثانياً: نفترض أنّ عبادتهم للأوثان كانت متحقّقة بطلب الشفاعة منهم، ولكن هناك فرق بين طلب شفاعة المشرك من الأوثان وطلب شفاعة المسلم من النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فالمشرك كان يطلب الشفاعة من الوثن معتقداً بأنّه إله فُوِّض إليه أمر الشفاعة، وأمّا المسلم فكان يطلب الشفاعة معتقداً بأنّ النبيّ عبد مقرّب تستجاب شفاعته إذا أذن الله.

أفهل يمكن جعل القسمين على حدٍّ سواء؟!

 

حرمة النذر للأنبياء والأولياء:

ذهبت الوهّابيّة تبعاً لابن تيميّة إلى حرمة النذر للأنبياء والأولياء؛ يقول ابن تيميّة: وإذا كان الطلب من الموتى ـ ولو كانوا أنبياء ـ ممنوعاً خشية الشرك، فالنذر للقبور أو لسكان القبور نذر حرام باطل يشبه النذر للأوثان.(20)

أقول: يجب تفسير النذر شرعاً كي يتّضح الفرق بين نذر المشركين للأوثان والأصنام ونذر المسلمين للأنبياء والأولياء، فالمشابهة بينهما مشابهة لفظيّة وبينهما بون شاسع، فالنذر معناه أن يلزم الإنسان نفسه بأداء شيء معيّن إذا تحقّق هدفه وقُضيت حاجته، فيقول: لله عليَّ أن... ويذكر نذره إذا كان... ويذكر حاجته.

مثلاً يقول: لله عليَّ أن أختم القرآن إذا نجحت في الامتحانات الدراسيّة.

هذا هو النذر الشرعي، ويجب أن يكون لله فقط، فإذا قال الناذر: نذرت لفلان، ففي قوله مجاز، والمعنى: نذرت لله على أن يكون ثوابه لفلان، وثواب النذر يقع على ثلاثة أقسام:

1 ـ أن يكون الثواب لنفس الإنسان الناذر.

2 ـ أن يكون لشخص حيّ.

3 ـ أن يكون لشخص ميّت.

فقد يخصّص الإنسان الناذر ثواب نذره لنفسه، أو لشخص حيّ ـ واحد كان أو أكثر ـ، أو لشخص ميّت واحد كان أو أكثر.

وهذه الأقسام الثلاثة كلّها جائزة، ويجب على الناذر الوفاء بنذره إذا قُضيت حاجته.

وقد تعارف بين المسلمين النذر لله وإهداء ثوابه لأحد أولياء الله وعباده الصالحين.

وهذه السيرة موجودة عبر القرون إلى يومنا هذا، ولم يقدح فيها إلاّ ابن تيميّة ومن تبعه؛ محتجّاً بأنّ عمل المسلمين كعمل المشركين، يقول ابن تيميّة:

من نذر شيئاً للنبيّ أو غيره من النبيّين والأولياء من أهل القبور، أو ذبح ذبيحة، كان كالمشركين الّذين يذبحون لأوثانهم وينذرون لها، فهو عابد لغير الله، فيكون بذلك كافراً.(21)

يُلاحظ عليه: وجود الفرق بين النذرين، فإنّ المشركين ينذرون للأصنام والأوثان فيكون المنذور له هو آلهتهم المزعومة، وأمّا المسلمون فإنّما ينذرون لله سبحانه؛ فيقول الناذر: لله عليَّ إن نجحت في امتحاني أن أذبح شاة للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، واللاّم في قوله (لله) يقصد بها وجه الله سبحانه، وأمّا اللاّم في قوله للنبيّ يقصد بها انتفاع النبيّ بإهداء ثوابه إليه، وابن تيميّة زعم أنّ اللاّم في قوله للنبيّ نفسها اللاّم في قوله لله، ولم يفرّق بين المضمونين، وأنّ اللام في الأوّل للغاية وفي الثاني للانتفاع، وقد ورد في الحديث أنّ سعداً سأل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): أيُّ الصدقة أنفع يا رسول الله؟، فقال:((الماء)).

فحفر بئراً، وقال: هذه لأُمّ سعد.(22)

واللاّم في قوله: (هذه لأُمّ سعد) هي اللاّم الداخلة على الجهة الّتي وجّهت إليه الصدقة، لا على المعبود المتقرَّب إليه، وهي كذلك في كلام المسلمين فهم سعديّون لا وثنيّون.

يقول الخالدي ردّاً على ابن تيميّة: إنّ المسألة تدور مدار نيّات الناذرين، وإنّما الأعمال بالنيّات، فإن كان قصد الناذر الميّت نفسه، والتقرّب إليه بذلك، لم يجز ـ قولاً واحداً ، وإن كان قصده وجه الله تعالى وانتفاع الأحياء ـ بوجه من الوجوه ـ به، وإهداء ثوابه لذلك المنذور له ـ وسواء عيّن وجهاً من وجوه الانتفاع أو أطلق القول فيه، وكان هناك ما يطرد الصرّف فيه في عرف الناس، أو أقرباء الميت، أو نحو ذلك ـ ففي هذه الصورة يجب الوفاء بالنذور.(23)

ومن وقف على أحوال الناذرين يجد أنّهم ينذرون لله تعالى ولرضاه ويذبحون الذبائح باسمه عزّ وجلّ، لكن بهدف انتفاع صاحب القبر بثوابها وانتفاع الفقراء بلحومها، فلو قالوا: هذا نذر للنبيّ؛ أيّ هذا النذر لله سبحانه لغاية انتفاع النبيّ به بإهداء ثوابه إليه، فاللاّم في قوله للنبيّ كاللاّم في قوله: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60].

 

حرمة التبرّك بآثار الأنبياء والصالحين :

تعتقد الوهّابيّة بأنّ التبرّك بآثار أولياء الله شرك بالله، وتعتبر الّذي يُقّبل محراب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ومنبره مشركاً وإن لم يأت بذلك بنيّة العبادة؛ بل كانت المحبّة والمودّة تجاه النبيّ الكريم هي الدافع له إلى التبرّك والاستشفاء بآثاره (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

إنّ المنع من التبرّك بآثار الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وتقبيل ضريحه المقدّس ومنبره الشريف هو من أشدّ الإجراءات الّتي يتّخذها الوهّابيّون ضدَّ المسلمين، وقد استخدموا مجموعة من الشرطة الإرهابيّين باسم (الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر) ووزّعوهم في مسجد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) للحيلولة دون تقبيل ضريحه المقدّس ومنبره الشريف ومحراب مسجده المبارك، وهؤلاء الوهّابيّون يواجهون المسلمين الحجّاج بكلّ خشونة وصلافة ويمنعونهم عن التبرّك والتقبيل، وطالما أمسكوا بأيديهم العصا أو الأسلاك الغليظة، وطالما أراقوا في هذا السبيل دماء الأبرياء وهتكوا الأعراض والنواميس في حرم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) زعماً منهم أنّ التبرّك والتقبيل عبادة لصاحب القبر!!

 

القرآن والتبرّك:

إنّ النبيّ يوسف (عليه السّلام) أرسل قميصه إلى أبيه، وقال لإخوته: اذهبوا بقميصي هذا وأُلقوه على وجهه يرتدّ بصيراً. يقول سبحانه حاكياً عن النبيّ يوسف: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا } [يوسف: 93].

ثُمَّ يقول: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا } [يوسف: 96].

فالآية صريحة بجواز التبرّك بآثار الأنبياء والأولياء حتّى لنبيّ آخر، فهذا النبيّ يعقوب يتبرّك بقميص النبيّ يوسف (عليه السّلام)، ومن الواضح أنّ الشفاء من الله سبحانه، فهو المؤثّر في الأشياء، إلاّ أنّ التبرّك بالقميص صار وسيلة للشفاء كما يكون الدواء كذلك بإذن الله تعالى.

التبرّك وسيرة المسلمين:

إنّ إلقاء نظرة سريعة على سيرة المسلمين بدءاً من الصحابة وانتهاءً إلى عصرنا الحاضر يكشف لنا عن السنّة الجارية بينهم، وهي التبرك بآثار النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الشريفة.

قال ابن حجر: كلّ مولود ولد في حياة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يُحكم بأنّه رآه. وذلك لتوفّر دواعي إحضار الأنصار أولادهم عند النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) للتحنيك والتبرّك، حتّى قيل: لمّا افتُتحت مكّة جعل أهل مكّة يأتون إلى النبيّ بصبيانهم ليمسح على رؤوسهم ويدعو لهم بالبركة.(24)

إنّ النهي عن التبرّك بالضريح النبويّ الطاهر وآثار رسول الله كان من دأب الأمويّين، لا سيّما مروان بن الحكم اللّعين ابن اللّعين على لسان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

أخرج الحاكم في (المستدرك) عن داود بن صالح، قال:

أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فأخذ برقبته ثُمَّ قال: هل تدري ما تصنع؟، فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري، فقال: نعم، إنّي لم آت الحجر؛ إنّما جئت رسول الله ولم آت الحجر، سمعت رسول الله يقول: ((لا تبكوا على الدِّين إذا وليه أهله، ولكن أبكوا على الدِّين إذا وليه غير أهله)).(25)

هذا وقد نقل عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سألته عن الرجل يمسّ منبر النبيّ ويتبرّك بمسّه ويقبّله، ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا، يريد بذلك التقرّب إلى الله عزّ و جلّ، فقال: لا بأس بذلك.(26)

وقد روى ابن تيميّة في (الجواب الباهر) تقبيل منبر النبيّ عن ابن عمر.(27)

روى أبو بكر بن أبي شيبة في (المصنّف)، عن زيد بن الحباب، قال: حدّثني أبو مودود، قال: حدّثني يزيد بن عبد المطلب بن قسيط، قال: رأيت نفراً من أصحاب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى رمّانة المنبر القرعاء فمسحوها ودعوا، قال: ورأيت يزيد يفعل ذلك.(28)

 

إلفات نظر:

إنّ محقّق كتاب (العلل ومعرفة الرجال) لمّا كان من المتحمّسين لآراء ابن تيميّة ورأى أنّ ما نقله عن ابن شيبة يمسّ كرامة إمام مسلكه حاول أن يفسّر الرواية على نحو لا يمسّ كرامة المذهب؛ فقال:

وهذا [قوله: تقبيل رمّانة المنبر] كان لمّا كان منبره الّذي لامس جسمه الشريف، أمّا الآن بعد ما تغيّر لا يقال بمشروعيّة مسحه تبرّكاً به.

وأمّا جواز مسح قبر النبيّ والتبرّك به، فهذا القول غريب جداً، لم أجد أحداً نقله عن الإمام.

وقال ابن تيميّة في الجواب الباهر لزوّار المقابر: اتّفق الأئمّة على أنّه لا يمسّ قبر النبيّ ولا يقبّل، وهذا كلّه محافظة على التوحيد.

يلاحظ عليه: أوّلاً: إنّ التفريق بين المنبرين: المنبر الّذي لامس جسمه الشريف والمنبر الّذي لم يلامسه يُضادّ أُصول الوهّابيّة، فإنّهم لا يرون لما سوى الله سبحانه تأثيراً وعلّية وما شابه ذلك، فلو قلنا بأنّ لجسمه الشريف الملامس للمنبر تأثيراً في المنبر فهو على طرف النقيض من توحيد الربوبيّة.

وثانياً: لو كان التبرّك منوطاً بملامسة جسم النبيّ فلماذا وصّى الشيخان بدفنهما في حجرة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، مع أنّ القبر الّذي دُفنا فيه لم يمسّ بترابه جسم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

وثالثاً: كيف ينكر مسّ قبر النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ويقول: اتّفق الأئمّة على أنّه لا يُمسّ قبر النبيّ ولا يُقبّل، مع أنّ الصحابي العظيم مضيف النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان

يمسّ قبر النبيّ على رؤوس الأشهاد، وقد منع عنه مروان بن الحكم مناوئ النبيّ وأهل بيته.

 

حرمة تكريم مواليد أولياء الله ووفيّاتهم :

إنّ من المنكرات والبدع عند ابن تيميّة وابن عبد الوهّاب هو تكريم مولد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بالاحتفال وقراءة القرآن وإنشاد القصائد والأشعار، والإحسان إلى المؤمنين بالإطعام، إلى غير ذلك ممّا يُعدّ مجالي لحبّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وتكريمه ورفعه، كما رفعه الله سبحانه، وقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4].

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ:

وقد أحدث هؤلاء المشركون أعياداً عند القبور الّتي تُعبد من دون الله، ويسمّونها عيداً كمولد البدوي بمصر وغيره، بل هي أعظم لِمَا يوجد فيها من الشرك والمعاصي العظيمة.(29)

وقال محمد حامد الفقّي: والمواليد والذكريات الّتي ملأت البلاد باسم الأولياء، هي نوع من العبادة لهم وتعظيمهم.(30)

إنّ السبب الرئيسيّ من وراء كلّ هذه الانحرافات هي أنّ الوهّابيّين لم

يحدّدوا معنى التوحيد والشرك والعبادة حتّى الآن، وبالتالي يعتبرون كلّ تكريم لأولياء الله عبادة لهم وشركاً بالله، وحتّى أنّ المؤلف الوهّابي (الفقّي) خبط خبطة عشواء فقرن بين كلمتي العبادة والتعظيم، وقد ذكرها كأنّهما مترادفان، ظنّاً منه أنّ المعنى فيهما واحد.

فالعبادة عبارة عن التعظيم أمام من يُعتقد بألوهيّته وربوبيّته، سواء أكان خالقاً للعالم أو كان مخلوقاً لكن فُوِّض إليه تدبيره، وبكلمة موجزة، إمّا أن يكون إلهاً حقيقيّاً أو إلهاً مزعوماً فُوِّض إليه أفعال الإله الحقيقي، وأمّا احترام الإنسان بما أنّه من عباد الله الصالحين، فهو تكريم له لا عبادة؛ وإلاّ لَمَا أمكن تسجيل اسم أحد في ديوان التوحيد لو فسرنا العبادة بالتكريم والتعظيم.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ القرآن الكريم يدعو المسلمين لتعظيم النبيّ؛ ويقول: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]. إنّ الكلمات الواردة في هذه الآية هي:

1 ـ (آمَنُوا بِهِ).

2 ـ (عَزّرُوهُ).

3 ـ (نَصَرُوهُ).

4 ـ (اتّبَعُوا النّورَ).

والمراد من قوله عزّروه هو التكريم والتعظيم، فالله سبحانه يريد أن يكون حبيبه المصطفى معظّماً ومكرّماً حتّى الأبد، وهذه الاحتفالات تجسيد لقوله سبحانه (وَعَزّرُوهُ).

إنّ من أُصول الإسلام هو حبّ النبيّ، دلّت عليه الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة، يقول سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة: 24].

1. وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبَّ إليه من والده وولْده والناس أجمعين)).(31)

2. قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبَّ إليه من والده وولْده)).(32)

3. قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبَّ في الله ويبغض في الله، وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها أحبّ إليه من أن يشرك بالله شيئاً)).(33)

وعلى ضوء ذلك فإقامة الاحتفالات والمهرجانات في مواليدهم، وإلقاء الخطب والقصائد في مدحهم، وذكر منزلتهم في الكتاب والسنّة، تجسيد للحبِّ الّذي أمر الله ورسوله به، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالحرام، ومن دعا إلى الاحتفال بمولد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في أيّ قرن من القرون فقد انطلق من هذا المبدأ؛ أي حبّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الّذي أمر به القرآن والسنّة.

هذا هو الديار بكري مؤلّف (تاريخ الخميس) يقول في هذا الصدد: لا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده، ويعملون الولائم، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويُظهرون السرور، ويزيدون في المبرّات، ويعتنون بقراءة مولده الشريف، ويظهر عليهم من كراماته كلّ فضل عظيم.(34)

وقال القسطلاني: ولا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يعملون الولائم، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون المبرّات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كلّ فضل عميم... فرحم الله امرئ اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ليكون أشدَّ علّة على من في قلبه مرض وأعياه داء.(35)

***

هذه هي أُمّهات عقائد الوهّابيّة وأُصولهم الّتي يتدارسوها في جامعاتهم وينشرونها بين المسلمين بجدٍّ وحماس، وقد عرفت أنّها أُصول لا أساس لها, وكلّها رؤى شخصيّة انتُزعت من الكتاب والسنّة، وليس لها لمسة من الصدق أو مسحة من الحقّ.

بقيت هنا أُصول ثانويّة أُخرى، نظير:

1 ـ حرمة الحلف على الله بحقّ الأولياء.

2 ـ حرمة الحلف بغير الله.

3 ـ حرمة إضافة العبد إلى غير الله.

4 ـ حرمة البكاء على الميّت.

ونظائرها، وكلّها محجوجة بنص الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين، وقد أوضحنا الكلام فيها في الجزء الرابع من موسوعتنا (بحوث في الملل والنحل)، فمن أراد التفصيل فليرجع إليها، وغيرها من الكتب الّتي ألّفناها حول هذه الفِرقة.

وأرجو من الله سبحانه أن يلمّ شعث المسلمين ويوحّد صفوفهم، لِمَا فيه خير الإسلام والمسلمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد: 661.

(2) جريدة أُم القرى، وقد نشرت نص الاستفتاء وجوابه في العدد الصادر بتاريخ 17 شوال 1344هـ.

(3) تفسير القرطبي: 2/380.

(4) صحيح مسلم بشرح النووي: 7/36، ط الثالثة.

(5) المصدر نفسه.

(6) مجموعة الرسائل والمسائل: 1/59 ـ 60، زاد المعاد: 661.

(7) للوقوف على مصادر هذا الحديث وأشباهه راجع: صحيح البخاري: 2/111، كتاب الجنائز، سنن النسائي: 2/871، صحيح مسلم: 2/568.

(8) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 2/437 ـ 438، باب بناء المساجد على القبر.

(9) سنن البيهقي: 4/78، المستدرك: 1/377.

(10) سنن ابن ماجة: 1/501، باب ما جاء في زيارة القبور.

(11) راجع مصادر هذا الحديث في وفاء الوفا: 4/1336.

(12) أورد مسلم هذه الأحاديث الثلاثة في صحيحه: 4/126، باب لا تُشدّ الرحال من كتاب الحجّ.

(13) صحيح مسلم: 4/127.

(14) سنن ابن ماجة: 1/444، برقم 1385، مسند أحمد: 4/138.

(15) بحوث قرآنيّة في التوحيد والشرك: 116.

(16) الهديّة السنية: الرسالة الثانية: 42.

(17) تاريخ ابن عساكر: 9/360، لاحظ ذيل الحديث.

(18) صحيح مسلم: 3/54.

(19) مجموعة الرسائل والمسائل: 1/15.

(20) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: 103.

(21) فرقان القرآن، العزامي: 132.

(22) سنن أبي داود: 2/130 برقم 1681، باب في فضل سقي الماء.

(23) صلح الإخوان، الخالدي: 102.

(24) الإصابة: 3/631.

(25) المستدرك: 4/515.

(26) العلل ومعرفة الرجال: 2/492، برقم 3243.

(27) الجواب الباهر: 31.

(28) المصنف: 4/357، برقم 537، باب في مسّ منبر النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

(29) قرّة العيون: 154.

(30) تعليق فتح المجيد: 154.

(31 و32 و33) جامع الأُصول: 1/237 ـ 238 برقم 20 و21 و22.

(34) تاريخ الخميس: 1/323.

(35) المواهب اللّدنيّة: 1/27.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.