أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-05-2015
644
التاريخ: 27-05-2015
538
|
السلف في اللغة: كلّ من تقدّمك من آبائك وذوي قرابتك، وربّما يستعمل جمعاً للسالف بمعنى: الماضي.
وفي المصطلح: عبارة عن جماعة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين؛ حيث تُعدُّ اجتهاداتهم وآراؤهم في الأُصول والفروع أسوة للآخرين، ولا يجوز الخروج عنها قيد شعرة، ويجب التمسّك بها والدعوة إليها على أنّها مظهر الدين الحق، وعنوان العقيدة الصحيحة، معتمداً على ما رواه الشيخان من رواية عبد الله بن مسعود: (خير الناس قرني، ثمّ الّذين يلُونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته).(1)
ولا شك أنّ المراد من الخيريّة؛ هو خيريّة أهل القرون الثلاثة من المسلمين؛ لا نفس الزمان، فالّذين يمثّلون الحلقة الأُولى من تلك السلسلة هي حلقة الصحابة، والحلقة الثانية تمثّل التابعين الّذين لم يستضيئوا بنور النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مباشرة، ولكن غمرهم ضياء النبوّة باتّباعهم لأصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والاهتداء بهدهم.
وأمّا الحلقة الثالثة فهي تمثّل تابعي التابعين، وبعد انتهاء هذه الحلقات الثلاث ظهرت البدع ظهوراً فاشياً، وتتابعت الفِرق الضالّة الّتي تشذ عن صراط تلك العصور الثلاثة، كلّ فِرقة تشقُّ لنفسها من ذلك الطرف العريض سبيلاً متعرجة تقف على فمه وتدعو إليه، مخالفة بذلك قول الله عز وجل: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
فهذا هو السلف، والسلفيّة عبارة عن الخَلف الّذين يقتدون بهم في الأُصول والفروع، ولا يخرجون عمّا رأوا من الفعل والترك قيد شعرة.
والسلفية بهذا المعنى تعتمد على رواية عبد الله بن مسعود، فلنتناولها بالبحث والتمحيص، فنقول:
القرن في اللغة أهل زمان واحد، المقدار الّذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمالهم وأحوالهم، يقال: هو على قرني، أي على سنّي وعمري.
وأمّا إطلاقه على مائة سنة، فاصطلاح جديد، لا يُحمل عليه الكتاب والسنّة.
وعلى ضوء ذلك، فلا محيص عن حمل الحديث على الصحابة وتابعيهم وتابعي تابعيهم.
ولكن ابن تيميّة وأتباعه راحوا يحدّدون السلفية بثلاث قرون، أي 300 سنة، فكلّ ما حدث في هذه الحقبة من الزمان، فهو مظهر دين الحق، وعنوان العقيدة الصحيحة.
وبذلك يبرّرون أعمالهم في تحريم البناء على قبور الأولياء؛ بأنّه حدثَ بعد القرون الثلاثة.
وربّما يؤيّد الحديث بما رُوي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إنّه قال:
((وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على اثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلّهم في النار إلاّ ملّة واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)).(2)
أقول: أوّلاً: لا يمكن الركون إلى هذا المؤيِّد؛ لأنّ النصوص هنا مختلفة.
روى الحاكم(3) وأبو داود(4) وابن ماجة(5) بأنّ النبيّ قال: إلاّ واحدة وهي الجماعة، أو قال: الإسلام جماعتهم.
وروى الحاكم أيضاً أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حدّد أعظم الفِرق هلاكاً، وقال: ((ستفترق أُمّتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فرقة قوم يقيسون الأُمور برأيهم، فيحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام)). وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.(6)
وروى صاحب الروضات، عن كتاب الجمع بين التفاسير: إنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: ((هم أنا وشيعتي)).(7)
وعلى هذا لا يمكن الاعتماد على هذا النقل.
وثانياً: إنّ المعيار الوحيد للهلاك والنجاة هو شخص النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأمّا أصحابه فلا يمكن أن يكونوا معياراً للهداية والنجاة، إلاّ بقدر اهتدائهم واقتدائهم برسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وإلاّ فلو تخلّفوا عنه قليلاً، فلا يكون الاقتداء بهم موجباً للنجاة.
وعلى ذلك فعطف (وأصحابي) على النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لا يخلو من غرابة!!
***
هذا ما يرجع إلى دراسة الرواية من حيث اللفظ، وأمّا دراستها من حيث المعنى، فنقول:
أوّلاً: إنّ إضفاء القداسة على جماعة خاصة، على نحو يكون رأيهم في الأُصول والفروع حجة لغيرهم، ولا يجوز الخروج عنه قيد شعرة، بمثابة حجيّة قولهم في مجالي الأفعال والتروك، مع أنّه لم يدلّ دليل عليها، غاية الأمر أنّ قول الصحابي أو التابعي حجّة لهما، لا لغيرهما.
وبعبارة جامعة: قول الثقة إذا نقله عن النبيّ الصادع بالحق حجة، وإلاّ فقول الصحابي فضلاً عن التابعي بما هو هو ليس بحجة، سواء أكان من القرون الثلاثة الأُولى أم ما بعدها.
وثمّة كلمة قيّمة للإمام الشوكاني، نذكرها بنصها:
والحق إنّه ـ رأي الصحابي ـ ليس بحجة، فإنّ الله لم يبعث إلى هذه الأُمّة إلاّ نبيّنا محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وليس لنا إلاّ رسول واحد وكتاب واحد، وجميع الأُمّة مأمورة باتّباع كتابه وسنّة نبيه، ولا فرق بين الصحابة ومن بعدهم في ذلك، فكلّهم مكلّفون بالتكاليف الشرعية وباتّباع الكتاب والسنّة، فمن قال: إنّها تقوم الحجة في دين الله عزّ وجلّ بغير كتاب الله تعالى وسنّة رسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وما يرجع إليها، فقد قال في دين الله بما لا يثبت.(8)
ثانياً: إنّ الخيريّة الّتي أخبر عنها الرسول حسب الرواية، هل يراد منها أنّها ثابتة لجميع أفراد هذه القرون الثلاثة، ممّن يُظلّلهم الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، أو أنّها ثابتة لمجموع المسلمين في تلك العصور الثلاثة؟
أمّا الأفراد فقد لا تنطبق الخيرية على بعضهم، قال ابن حجر:
هل هذه الأفضليّة بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟، محل بحث، وإلى الثاني نحا الجمهور، والأوّل قول ابن عبد البر.
وقال أيضاً: واتّفقوا أنّ آخر من كان من أتباع التابعين؛ ممّن يقبل قوله، مَن عاش حدود 220هـ، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهوراً فاشياً، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتُحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيّرت الأحوال تغيّراً شديداً لم يزل في نقص إلى الآن، وظهر قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ((ثمّ يفشو الكذب ظهوراً بيّناً، حتّى يشمل الأقوال والأفعال والمعتقدات)).(9)
فعلى ضوء ما ذكره، آخر ما بقي من تابعي التابعين أصل انتهاء الخيريّة، وبدأ الشرِّ بعده.
أمّا الوجه الأوّل، أي كون الخيريّة لأفراد هذه الأُمة قاطبة، فدون إثباتها خرط القتاد؛ إذ كيف يعقل خيريّة كلِّ من عاش بعد رحيل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى نهاية عام 220هـ، وقد ظهر فيهم الفساد ودبّت فيهم نار الفتنة والشقاق!!
ومن استقرأ تاريخ الإسلام وتاريخ العقائد، يقف على أنّ تلك البرهة من الزمان من أحلك العصور ظلمة، ولنستعرض النماذج التالية:
1. قاد جماعة من الصحابة والتابعين حملة شعواء ضد عثمان، حتّى انتهى الأمر إلى الإطاحة به وقتله، وقد بلغ من غضب الثوّار على عثمان بمكان أنّ الإمام أمير المؤمنين وأبناءه لم يتمكنّوا من صدّهم عنه، فهل الخير كان إلى جانب الثوّار أو إلى جانب عثمان؟!
2. هذا هو طلحة والزبير قد جهّزا جيشاً جرّاراً لحرب الإمام عليّ (عليه السّلام)، وأعانتهما أُمّ المؤمنين عائشة، فقُتل جرّاء ذلك خلق كثير عند هجومهما على البصرة، وعند قتالهما للإمام (عليه السّلام)، فهل الخير كان إلى جانب جيش الإمام أو إلى جانب طلحة والزبير؟!
3. كما صنع معاوية نظير ذلك؛ حيث حارب الإمام في صفِّين، وكان مع عليّ (عليه السّلام) من البدريّين جماعة كثيرة، حاربوا جيش الشام وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، فهل الخير كان إلى جانب الإمام وجيشه أو إلى جانب جيش معاوية، وقد ذهب ضحيّة تلك الحرب سبعون ألفاً(10) من العراقيّين والشاميّين؟!
وهل يمكن لأحد أن يصف الفئة الباغية بالخير؟!؛ وقد قال النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مخاطباً عمّار: (إنّك لن تموت حتّى تقتلك الفئة الباغية الناكبة عن الحق، وإنّ آخر زادك من الدنيا شربة لبن).(11)
4. إنّ معاوية أوّل من بدّل نظام الحكم الإسلامي من الشورى إلى النظام الملكي الّذي ساد بين الأُمويّين ما يقرب من ثمانين عاماً، فهل تعدّ تلك العصور الدمويّة المليئة بالقتل وسفك الدماء خير القرون؟!
نقل صاحب المنار: إنّه قال أحد علماء الألمان في الآستانة لبعض المسلمين، وفيهم أحد شرفاء مكّة: إنّه ينبغي لنا أن نُقيم تمثالاً من الذهب لمعاوية بن أبي سفيان في ميدان كذا في عاصمتنا (برلين)، قيل له: لماذا؟، قال: لأنّه هو الّذي حوّل نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطيّة إلى عصبيّة الغلب (الملك لمن غلب)، ولو لا ذلك لعمّ الإسلام العالم كلّه، ولكنّا نحن الألمان وسائر شعوب أُوربا عرباً مسلمين.(12)
وبكلمة جامعة، إنّا إذا استعرضنا العهد الأُمويّ الّذي تسلّم فيه الأُمويّون منصّة الخلافة، ابتداءً من معاوية بن أبي سفيان، فيزيد بن معاوية، فمروان بن الحكم، ثم أبنائه الأربعة، فهل يمكن أن نعدَّ هذه الحقبة من التاريخ خير القرون، وقد قُتل فيها سبط النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؛ الحسين بن عليّ (عليه السّلام)، وأُبيحت دماء أهل المدينة وأعراض نسائهم، وحوصرت مكّة وهتكت حرمتها على يد الحجاج بن يوسف الثقفي، واستُعبد أبناء المهاجرين والأنصار، ونُقش على أيديهم كما يُنْقش على أيدي غلمان الروم، إلى غير ذلك من الجرائم البشعة الّتي يندى لها جبين الإنسانيّة؟!
فإذا كان هذا حال الأفراد، فيعلم منه حال المجموع، فكيف يمكن أن يقال: إنّ المجموع في هذه القرون الثلاثة أفضل من بقية مجاميع سائر القرون؟!، ولا يقول ذلك إلاّ من غضَّ الطرف عن قراءة التاريخ والحوادث المريرة الّتي جرت في العصور الأُولى.
وثالثاً: إنّ ابن حجر يذكر: بأنّ البدع ظهرت بعد (220) سنة، وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها... الخ، ولكنّه لم يقرأ تاريخ العقائد، فإنّ قسماً كبيراً من المناهج الثلاثة، سواء أصحّت أم لم تصحّ، قد وُضِعت لبناتها الأُولى في هذه الحقبة من الزمان.
فهذه هي المحكّمة الّذين يكفّرون عامّة المسلمين ظهرت في مختتم العقد الرابع من القرن الأوّل في مسألة التحكيم، ودامت حروب الخوارج من عصر عليّ إلى قرون متمادية، وزهقت خلالها نفوس كثيرة.
ثم ظهرت المرجئة في العقد التاسع من القرن الأوّل، وهم الذين يقدّمون الإيمان ويؤخّرون العمل، وكانت عقيدتهم ردّ فعل لما عليه المحكّمة. لأنّهم كانوا يكفّرون مرتكب الكبيرة، فالمرجئة تتسامح في كل ذلك، وتعدّ الجميع من أهل النجاة والفلاح، لأنّ المهم هو الإيمان دون العمل.
ثمّ ظهر الاعتزال عام 105هـ على يد واصل بن عطاء (المتوفّى عام 131هـ) وزميله عبيد بن عمرو (المتوفّى 143هـ).
وفضلاً عن ذلك فقد ظهرت الزنادقة والملاحدة في أواخر العهد الأُمويّ وبداية العهد العباسيّ.
ورابعاً: السلفيّة بهذا المعنى تضفي الحجيّة الشرعيّة لأقوال السلف وأفعالهم، وإنّها كاشفة عن قول النبيّ وفعله، والحجيّة مسألة أُصوليّة لا تَثبت إلاّ بدليل قطعي، وما رُوي في المقام من أخبار الآحاد، وإن نُقل عن عمران بن حصين، وعبد الله بن مسعود(13)، إلاّ أنّها لا تخرج عن أخبار الآحاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السلفيّة، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ص11.
(2) سنن الترمذي: 5/26، كتاب الإيمان، الحديث 2641، ونقله الشهرستاني في الملل والنحل: 1/13.
(3) المستدرك: 1/128.
(4) سنن أبي داود: 4/198، كتاب السنّة.
(5) سنن ابن ماجة: 2/479، باب افتراق الأُمم.
(6) المستدرك: 4/430.
(7) روضات الجنان: 508، الطبعة الحجريّة.
(8) إرشاد الفحول: 214.
(9) فتح الباري: 7/4.
(10) مروج الذهب: 2/404.
(11) الكامل في التاريخ: 3/157.
(12) تفسير المنار: 11/269، في تفسير سورة يونس.
(13) فتح الباري: 7/4 ـ 6.
|
|
كيف نحافظ على المستوى الطبيعي للكولسترول في الدم ؟
|
|
|
|
|
سر جديد ينكشف.. أهرامات الجيزة خدعت أنظار العالم
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|