أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-07
413
التاريخ: 11-6-2021
3201
التاريخ: 12-5-2021
3942
التاريخ: 10-10-2014
1551
|
١. ثباته في طريق دعوته
إن صبر نوح (عليه السلام) ؛ واستقامته وثباته في طريق دعوته ، لما يضرب به المثل ، إذ مكث في قومه تسعمائة وخسين عاما ، قضاها في طريق التبليغ والإرشاد من غير سأم ولا كلل رغم قلة المؤمنين به وإعراض جل قومه عنه .
وليس دأبه على التبليغ والنصح لقومه ليلاً ونهاراً وعدم الاستسلام لعنادهم وعتوهم إلا دليلاً على ثباته وعزمه على تحقيق رسالته ، وبلوغ أمنيته في هدا يتهم وإرشادهم إلى الحياة الكريمة .
ولم يزل لجلا يدعوهم ويحاورهم ويحاججهم بأبلغ حجة وأجمل بيان حتى ضاقت صدورهم به لبطلان كل حججهم وشبهاتهم ، وسقوط جميع تهمهم ، فضجوا قائلين : {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود : 32] معبّرين بذلك عن إصرارهم على التمسك بعقائدهم الباطلة وأفكارهم المنحرفة .
إن الاستقامة في طريق الدعوة هي شيمة الأنبياء ، ولهم في هذا المضمار مراتب وقد كان نوح في مرتبة متقدمة منه .
٢. أسلوبه في الدعوة
يظهر من الآيات أن النبي نوحاً كان يتبع أسلوباً ذا اتجاهين :
أ. الترغيب بالنعم الدنيوية غبّ الإيمان .
إن حبّ المال والأولاد أمر فطري جعله الله سبحانه في خلقة الإنسان ، ولولا ذلك لما ربى بشر ولداً ولا حملت أم طفلاً ، وهكذا الأموال . وقد نبه النبي نوح إلى أن للإيمان بالله وطلب الغفران أثراً واضحاً في الدنيا . وفي مظاهر الحياة . فخاطب قومه بقوله : { .. فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} .
ويريد (عليه السلام) بهذا الخطاب توجيه نظرهم إلى أن للإيمان بالله أثراً واضحاً في رغادة العيش التي من مظاهرها الأموال والأولاد والجنات والأنهار ، وهي نتائج الإيمان بالله وطلب الغفران مما مضى من عبادة الأوثان .
إنه (عليه السلام) : يكشف بذلك عن وجود الصلة بين الإيمان بالله وسر إفاضة النعم على الإنسان المؤمن ، فإذا كان الإيمان سبباً لنزول النعم يكون الكفر سبباً لفقدانها وصيرورة العيش ضنكا .
وهذه الحقيقة الغيبية التي نبه عليها نوح في دعوته يؤيدها القرآن الكريم كما تؤيدها التجربة كذلك .
قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف : 96] ، فقد صرح سبحانه بأن التقوى سبب لهبوط البركات من السماء ونبوعها من الأرض . بل القرآن يصرح بأنّ العمل بالتوراة والإنجيل الواقعيين سبب لذلك أيضاً : {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة : 66] .
فالعمل بالكتب السماوية غير المحرفة ، يكون موجباً لكسب رضا الله تبارك وتعالى الذي يتبعه نزول البركات .
ويشير الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه إلى هذه الحقيقة فيقول : وقد جعل الله الاستغفار سبباً لدرور الرزق ورحمة الخلق . (1)
وأما التجارب فتشهد بأن العصيان ونقض القوانين وهدر الحقوق يورث الفوضى في المجتمع ويصبح اللانظام حاكماً عليه . وفي مثل هذا المجتمع يسود القتل والبغي والسرقة وغيرها من الآثام التي هي من تداعيات فساده وتفككه .
ورب سائل يسأل : إن المجتمعات الغربية غارقة في العصيان والفساد الأخلاقي ، فكيف تتمتع بالازدهار والرخاء والإنتاج الوفير ؟
والجواب أن ثمة أسبابا طبيعية للحصول على خيرات الأرض ونعمها وثرواتها ، تتمثل في التخطيط والتنظيم والعمل الجاد في البناء والإعمار و الاستثمار . وبمقدار ما يأخذ المجتمع - أي مجتمع آمن أم لم يؤمن - بهذه الأسباب ، يتحدد مقدار ما يحوزه من ثروات وما يبلغه من رقي وازدهار ، والمجتمعات الغربية -كما هو واضح - قد حرصت على الأخذ بها ، فبلغت ما بلغت ، والفارق أن المجتمع الآخذ بتلك الوسائل إذا كان مؤمنا ، فإن الله تعالى سينمي خيراته أكثر ، ويفيض عليه المزيد من نعمه وآلائه ، ويفتح عليه بركات السماء والأرض .
ثم إن المجتمع المؤمن إذا راعى تلك الأسباب ، فإنه ينعم بسعادة الدنيا والآخرة ، بينما يحظى المجتمع غير المؤمن بلذات الدنيا فقط . (2)
إلفات نظر القوم إلى نظام لخلق
سعى نوح (عليه السلام) الى توجيه أنظارهم إلى ما أنعم الله سبحانه عليهم من النظام الذي خلق لسعادة الإنسان وبه تناط حياتهم فقال : {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح : 13 - 16] .
إن هذا الخلق المحكم المتقن يدل على خالق حكيم قدير ، فكيف تتوجهون إلى غيره بالعبادة والطاعة ؟
وما نُلفت إليه نظر القارئ ان الآية الكريمة وصفت الشمس بالسراج والقمر بالنور ، وما هذا إلا لأن القمر غارق في الظلمة مستنير بالشمس ، بينما تجد الشمس متوهجة بالنور ، فهي منيرة بذاتها وما سواها مستنير بها ، ولذا وصفت الشمس بالسراج الذي ينير بذاته ولا يقتبس النور من غيره .
ب. التنبيه على الحياة الأخروية
كان (عليه السلام) يوجه عقولهم إلى أن الحياة الدنيوية مقدمة للحياة الأخروية ، فليس الموت نهاية الحياة ، فعليهم أن يتزودوا للحياة الأخروية التي لا محيص للإنسان عنها وإلى ذلك يشير بقوله : {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح : 17 ، 18] .
إلى غير ذلك من الطرق التي سلكها نوح (عليه السلام) في دعوته لتليين قلوبهم وإلفات نظرهم إلى دلائل التوحيد .
٣. عنادهم ولجاجهم قبال دعوته
ذكر لله سبحانه من عناد قوم نوح وتمردهم على الحق ما يثير العجب العجاب ، فلقد دعاهم (عليه السلام) إلى ما فيه سعادتهم ومنجاتهم ، وهتف بهم بفنون الأساليب النابضة بالعطف والمحبة ، والساطعة بالبرهان والحجة ، وحذرهم وأنذرهم ، فلم يزدادوا إلا إصراراً على الظلم والعصيان ، وانقياداً إلى الأهواء والشيطان ، وكأنه (عليه السلام) كان يضرب في حديد بارد .
وقد بلغ الرّين على قلوبهم بما كسبوا ، أن راحوا يتمادون في الإعراض عن سماع الحكم البوالغ ، وعن رؤية الصادع المُبلِّغ ، حتى خاطب (عليه السلام) ربّه السميع البصير ، قائلاً : {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح : 7] .
ولم يكتف الطغاة المترفون بمناهضة دعوة نوح (عليه السلام) ، بل كانوا يصدون الناس عن اتباعها ، ويحرضونهم على التمسك بمعتقداتهم وعبادة أصنامهم ، للإبقاء على الأوضاع كما هي ، خوفا من رياح التغيير التي تأتي على نفوذهم ومصالحهم غير المشروعة : {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح : 23] .
أليس من حق الله سبحانه أن يصف هؤلاء المعاندين بالصفات التالية :
١. {كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ} [الأعراف : 64] .
٢. {كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الذاريات : 46] .
٣. {كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم : 52] .
وأن يغرق هؤلاء الكفرة الفجرة الذين عموا عن رؤية الحقائق ، وتولوا عن طاعة الله ، واستكبروا استكباراً .
هذه نماذج من الآيات التي وردت حول هذا الموضوع ، ويمكن للقارئ الكريم أن يطالع ما لم نذكره في المقام مماً له صلة به .
______________________
1. نهج البلاغة ، الخطبة : ١٤٣ .
2. انظر التفسير الكاشف : ٤٢٧/٧ .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|