أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-2-2016
2410
التاريخ: 2024-08-04
483
التاريخ: 11-10-2014
1692
التاريخ: 11-10-2014
1723
|
تُعد هذه الاُقصوصة من الأقاصيص غير المتكررة في القرآن الكريم ، كما تنطوي على أهداف أو بؤر فكرية لها أهميتها في ميدان السلوك العبادي والفردي والاجتماعي ، حيث عدت إرهاصا أو مقدمة أو تمهيدا لمبدأ اجتماعي يتصل بحياة الناس ومماتهم ، ولمبدأ نفسي يتصل بالنزعة العدوانية ، فضلا عن إبراز واحدة من أهم النزعات وهي الحسد ، مضافا إلى نزعات الإيثار ، الأنانية . . . إلى آخره .
المهم ، نبدأ بقراءة النص القصصي أولا :
قال تعالى :
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾
﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ﴾
﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ . . .﴾
﴿قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾
﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ﴾
﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾
﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾
﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾
﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾
﴿قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾
﴿فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾
تلخيص الاُقصوصة :
تقول النصوص المفسرة : إن آدم (عليه السلام) أمر ولديه قابيل وهابيل أن يقربا قربانا إلى الله لحسم واقعة خاصة بهما . وكان قابيل صاحب زرع فقدم الرديء من زرعه قربانا . أما هابيل فقد كان صاحب غنم فقدم كبشا من أحسن غنمه قربانا .
وتُقبل قربان هابيل ، ولم يُقبل قربان أخيه الذي قدم الرديء من زرعه .
من هنا دب الحسدُ في أعماق قابيل ، وبخاصة أ نه تصور أن يكون لهابيل عقب سيفتخرون به على ذريته ، ولذلك قرر قتله تفريجا له عن الأعماق الحاسدة ، وتخليصا من الذرية المفتخرة عليه .
وقبل هذه العملية ، جرى حوار بين القاتل والمقتول ، إذ أعلن قابيلُ بصراحة عزمه على قتل أخيه ، مبينا له سبب إقدامه على هذه العملية ، وهو عدم تقبل قربانه .
وأجابه أخوه هابيل :
ما ذنبي أنا ؟
إنما يتقبل الله من المتقين الذين يحملون قلبا زاكيا .
وأضاف هابيل قائلا :
لئن قررت قتلي ، فإنني لن اُفكر بقتلك أبدا ، لأنني أخاف الله رب العالمين .
ثم أضاف :
إنّني اُريد أن تـتحمّل مسؤولية عملك الذي تنوي الإقدام عليه ، ومسؤولية عملك السابق أيضاً ، فتكون من أصحاب النار .
إلاّ أنّ قابيل لم يصغ إلى هذه الحقائق . . . فقرّر الإقدام على القتل ، ونفّذ العلميّة فعلا .
وتقول النصوص المفسّرة : إنّ القتل قد تمَّ من خلال أخذِه رأسَ أخيه ، ووضعِه بين حَجَريْن ، وشدِخه .
ثمّ أنّ القاتل واجه صعوبة ، ماذا سيصنع بالمقتول؟ وهنا أقبل غُرابان يقتتلان فيما بينهما حتى قتل أحدُهما صاحبَه ، فحفر الأرضَ بمخالبه ودفن فيه الغرابَ القتيل .
حينئذ تحاور قابيل مع نفسه ، قائلا :
﴿ أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي ؟ ﴾
وفعلا حفر قابيلُ حفيرة ودفن فيها أخاه هابيل .
* * *
إنّ هذا التلخيص لأقصوصة ابنَي آدم (عليه السلام) ، يدلّنا على أنّ هذه الحكاية ينتظمها بَطَلان هما : قابيل وهابيل . كما أنّ هناك بَطلين حيوانيين ثانويين هما : الغرابان اللذان اقتتلا فيما بينهما ، ووارى أحدُهما صاحبَه بعد القتل .
وهذا يعني أنّ الحادثة التي تنتظم الاُقصوصة ، هي حادثة قتل ، تسبقها حادثة تقديم القربان ، وتلحقها حادثة الدفن .
أمّا الأفكار التي تنطوي الاُقصوصة عليها ، فتتمثّل في جملة من الظواهر أبرزها ظاهرة الحسد الذي يغلّف النفس الإنسانية . ومنها أيضاً :
ظاهرة الحرص أو البخل متمثلةً في تقديم الرديء من الزرع في عملية القربان .
ويهمّنا الآن أن نتحدّث عن البناء الفنّي لهذه الاُقصوصة :
بناءُ الحَدَث في هذه الحكاية أو الاُقصوصة يأخذ تسلسله الزمني ، إذ يبدأ بواقعة تقديم القربان ، مروراً بواقعة القتل ، وانتهاءً بواقعة الدفن .
ويلاحظ أنّ النص قد اختزل بعض تفصيلات الحدث ، وأبرز البعض الآخر منها . فهو يتحدّث عن واقعة تقديم القربان ، إلاّ أ نّه لم يحدّثنا عن أسباب ذلك ، بل يتجه مباشرة إلى إبراز قضية القربان .
كما أ نّه تحدّث عن القتل ، ولكنه لم يحدّثنا عن تفصيلاته التي ذكرها المفسرون .
وعلى العكس من ذلك ، نجد النص قد أبرز عملية المواراة أو الدفن فيما يتصل بالغراب الذي بحث في الأرض ، في حين قد اختزل واقعة الاقتتال الذي جرى بين الغُرابين ، ومن ثمّ فإنّه قد اختزل أيضاً واقعة المواراة لجثة هابيل .
إنّ كلاّ من الاختزال أو الرسم لتفصيلات الحدث ينطوي على أسرار فنّية ونفسيّة ، تظل على صلة بطبيعة الأفكار التي يستهدف النصُّ طرحها أمام المتلقّي .
كما أنـّه ترك المتلقّي أمام إمكانات متعددة ، ليكشف بنفسه ما وراء الأحداث من دلالة ومعنى .
مضافاً إلى ذلك ، أنّ الأمتاع الجمالي ـ وهذا هو الفارق بين النص الفنّي والنص
العادي ـ إنّما يتضخّم حجمه بقدر ما تُفتح أمام القارئ أو المستمع أو المُشاهد من إمكانات الكشف بنفسه ، لا أن تُقدّم له كلّ التفصيلات ، فيما تقلّل من فرص اللذة الّتي يحققها الكشف .
يمكننا استخلاص السرّ الفنّي في قصة قابيل وهابيل ـ من حيث اختزال بعض تفصيلات الحدث وإبراز الآخر ـ متمثلا في :
أ ـ ذكر القُربانين اللذين قدّماه ، دون ذكر السبب في هذه العملية .
ب ـ تقبّل أحد القُربانين ، ورفض القربان الآخر ، دون ذكر السبب في قضية القبول والرفض .
طبيعيّاً أنّ هابيل أجاب أخاه بأنّ اللّه يتقبّل من المتّقين ، وهذا ما يشكّل تفسيراً للرفض والقبول ، بيد أنّ النص لم يذكر نوع القربان الذي تُقبّل أو رُفض .
والسرّ في هذا ، أنّ القرآن الكريم يستهدف إبراز ظاهرة نقاء الأعماق أو عدمه ، أو لنقل إنسياقاً مع جواب هابيل : التقوى وعدمها ، من خلال جزئية سلوكية ذكرَها المفسّرون من أنـّها تتمثل في تقديم هابيل قرباناً من النوع الجيّد .
وليس المهمّ هنا هو تحديد النوع ، بل المهم تحديد السلوك ، حيث أوحى النص للمتلقّي بأنّ قابيل لم يصدر عن سلوك نظيف متّسق مع مبادئ السماء ، بل انصاع لإشباع رغباته الذاتية .
وقد حدّد النصُ هذا السلوك بنحو مجمل أولا ، حيث أوضحه على لسان هابيل بأنّ اللّه يتقبّل من المتّقين .
ثمّ حدّده في أشدّ مستوياته متمثلا في عملية القتل التي تجسّد سلوكاً مضاداً للتقوى تماماً .
إنّ القارئ أو المستمع أو المشاهد هو الذي سوف يستخلص بنفسه ، حتّى دون الرجوع إلى التفاسير ، إلى أنّ قابيل يمثّل شخصية عدوانية ، كما أ نّه يمثل شخصية حاسدة ، لأنّ مجرّد قوله «لأقتلنّك» كاف في تحسيسنا بأنّ القتل ناجمٌ عن الحسد .
ويُلاحظ أنّ النص أيضاً لم يذكر قضية الحسد على لسان قابيل ، ولم يُجره على لسان هابيل أيضاً ، بل تركنا نحنُ نستخلص بأنفسنا هذه الدلالة .
ومن الواضح ، أنّ جمال النص الأدبي يكمن في انطوائه على إمكانات تدع القارئ يكتشفها بنفسه حتى يحقّق لذة الأمتاع الفنّي في قراءته وتذوّقه كما قلنا .
وخارجاً عن جمالية النص ، فإنّ ما يستخلصه القارئ يظل هو الهدف الرئيس وراء القصة . والهدف هنا يتمثل في قضية الحسد وما ينطوي عليه من مفارقات ، حتى أنـّه يستجرّ الشخصية إلى الإقدام على عملية قتل للنفس الإنسانية .
من هنا ، فإنّ النص القرآني أبرز لنا من الأحداث ما هو خطير ، وما ينبغي أن نستخلص العظة منه في تعديل سلوكنا . أبرز لنا عملية التقوى ، وأبرزلنا عملية القتل تاركاً إيّانا مفيدين منهما ضرورة أن تـتقي الشخصية وتُنقّي أعماقها من أيّة شائبة ، وأن تُدرك بأنّ الحسد يستجرّ الفرد حيناً إلى الإقدام على أبشع السلوك وهو القتل .
إنّ الحسد ـ ولغةُ علمِ النفس المَرَضي تُدرك مناشئه وأعراضه بوضوح ـ ينجم من بناء نفسي معقّد تختلط فيه الأنانيةُ بالحرص وتقتاد من ثمّ إلى كراهية الآخرين .
ثمّ تتضخم هذه الكراهية حتى تستجرّ إلى أعمال عدوانية خطيرة تصل إلى حدّ قتل النفس الإنسانية .
كما أ نّها ـ أيّ ظاهرة الحسد ـ تُفقد الشخصية كلّ معالم الاستقرار النفسي ، وتدعها نهباً للتوتّر والتمزّق والصراع ، لأنّ همّها منحصر في النظر إلى ما يتمتّع به الآخرون من النِعَمِ والمُعطيات .
والمهم هنا أنّ النص القرآني لم يشدّد على ظاهرة الحسد بقدر ما شدّد على أبرز نتائجه وهو القتل ، لكنه في نصوص قرآنية اُخرى يُشدد على الحسد على نحو يتّسق والنطاق الذي ترد في النصوص ممّا نوضحها في حينه .
ويعنينا الآن فقط ، أن نذكّر المتلقّي بأنّ النص القرآني في سرده لحكاية قابيل وهابيل إنّما أبرز ظاهرة القتل بصفتها واحدة من نتائج الحسد ، حيث اتّجه النص القرآني بعد هذه القصة إلى الحديث عن الإسرائيليين :
﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس﴾
﴿أَوْ فَساد فِي الاَْرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً . . .﴾
إذن ، الهدفُ الفنّي الذي يمكن أن نستخلصه من بناء الحدث ، كامن وراء فرز عملية القتل حيث حذَفَ النص أيّة تفصيلات ثانوية ، وركّز على القتل فحسب ، بصفته أولا نتيجة للحسد ، وبصفته ثانياً إنارة لموضوعات اُخرى يتناولها القرآن الكريم في سورة المائدة ، بحيث جاءت قصة قابيل وهابيل بمثابة عنصر يُضيء الموضوعات المنتشرة في السورة . ولا يغب عن بالنا أنّ قصة قابيل وهابيل جاءت مباشرة بعد قصة موسى في صراعه مع الإسرائيليين ، ثمّ جاء الحديث عن الإسرائيليين بعد هذه القصة أيضاً .
وهذا يعني أنّ عملية القتل التي أبرزها النص إنّما صيغت في سياق فنّي تترابط
موضوعاته واحداً بالآخر .
على أيّة حال ، حين نتابع سائر تفصيلات الحدث من حيث اختزال بعضها وذكر البعض الآخر ، أمكننا أن نلاحظ نفس الخصائص الفنّية والفكرية وراء عملية الاختزال للتفصيلات أو عدمه ، ومنها : حادثة الدفن أو مواراة الجثة .
﴿فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الاْرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ﴾
﴿قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ . . .﴾
فالمُلاحظ هنا أنّ النص لم يذكر قضية الاقتتال بين الغرابين ، كما أنـّه لم يذكر عملية دفن قابيل لأخيه هابيل ، بل اكتفى بواقعة واحدة هي ، حفر الغراب للأرض تاركاً للمتلقّي أن يستخلص بنفسه أنّ قابيل قد وارى أخاه في نهاية المطاف بعد أن تعلّم من الغراب كيفية الدفن .
وسبب ذلك عائدٌ إلى أ نّه ليس من المهم هنا أن تُسرد قصةٌ مفصّلة عن القتال بين طائرين ، بل المهم هو تعلُّم الدفن ، ومواراة الموتى حتى لا تتأذّى الأبصار ببشاعة الجسد الميت ، ولا تتأذّى الاُنوف برائحته المنتنة .
إذن ، حقّق القرآن الكريم بهذا النمط من الاختزال أو التفصيل للوقائع ، حقق إمتاعاً فنّياً للمتلقّي بحيث جعله يكتشف بنفسه لذّة التعرّف على الحقائق ، وحقق هدفاً فكرياً هو : عملية التعلّم لمواراة الأجساد الميتة .
وهذا الهدف ، أي الهدف الفكري ينبغي أن نستثمره في البُعد المرتبط أساساً بظاهرة التعلّم أو البُعد المعرفي للبشرية ، حيث أنّ علماء النفس والاجتماع الأرضي يتغافلون من جانب تدخّل السماء في التخطيط المعرفي للبشرية ، ويتغافل آخرون عن عملية الربط بين التدخّل المباشر وبين إتاحة مختلف الإمكانات التجريبية للحصول على البُعد المعرفي من جانب آخر .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|