أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-14
542
التاريخ: 2024-07-12
485
التاريخ: 3-1-2020
2489
التاريخ: 3-1-2023
2591
|
لعل التحليل المتعمق للأنواع المختلفة من رأس المال التي تحتاجها كل مرحلة من مراحل التنمية يؤدي إلى رصد السياسات والأسباب التي قادت إلى فشل الكثير من حكومات البلاد النامية أو مؤسسات التمويل الأجنبية في تحقيق تنمية مستدامة. ويبدو من المؤكد الآن أن الإكثار من نوع واحد من رأس المال على حساب أنواع أخرى قد يؤدي إلى نتائج ضارة. فلقد أدى الاستثمار الكثيف في المعدات والآلات، في مرحلة استبدال الواردات، إلى أنماط من التنمية لم يمكن إدامتها. كذلك اظهر عقد السبعينيات الذي اتسم بارتفاع أسعار السلع واستعداد البنوك للإقراض وارتفاع مستويات المعونة الأجنبية أن توفر رأس المال المالي قد أدى إلى إعاقة تراكم رأس المال الاجتماعي والمؤسسي، وبروز ظواهر الفساد والرشوة، وهروب رؤوس الأموال من البلدان النامية. وما إن انتهى العقد حتى برزت أزمة الديون العامة الخانقة في البلدان النامية.
وإن التنمية المستدامة لا تحتاج إلى رأس المال المادي فقط، وإنما تحتاج أيضا إلى الأنواع الأخرى من رأس المال التي تخلق وتحفز، وتحافظ على البيئة المطلوبة للتنمية. وقد أثبت التاريخ التنموي، بشكل لا يقبل الشك، أن توفر رأس المال المادي وحده دونما توفر بقية الأصناف من رأس المال، لايؤدي إلى الاستدامة. فسيادة تقاليد وقيم المنافسة الاقتصادية مثلا يمكن أن تؤدي إلى تقادم رأس المال المادي -الممثل في الآلات والمعدات التي تشكل جزءا هاما من رأس المال المادي للمجتمع - في وقت قصير جدا. كما أن عدم توفر القوى البشرية التي تقوم بالصيانة يؤدي إلى تدهور مكونات البنية الأساسية مهما كانت متطورة. وإضافة إلى ذلك، فإن رأس المال الطبيعي الذي تملكه الدول يمكن أن ينضب بسرعة كبيرة في حالة التركيز عليه بمفرده، كما قد ينجم عن ذك تدهور شديد للبيئة مثلا.
ومن ناحية أخرى، أثبتت التجارب التنموية لدول عديدة في العالم أن الاستثمار في رأس المال الاجتماعي يؤدي إلى أنماط تنمية أكثر استدامة وتوازنا بالرغم من أنها قد لا تتسم بالسرعة أو الإنتاجية العالية. فتقاليد التعاون مثلا أسهل وأرخص من تقاليد التنافس، بمعنى أن التعاون يخلق جوا أكثر ملاءمة للنمو، كما يؤدي إلى هدر للموارد أقل مما تؤدي إليه المنافسة، سواء كانت على الموارد أو كانت على العميل النهائي. والمجتمع الغني برأسماله الاجتماعي، لديه ما يكفي من المقومات لحل مشاكله دون اللجوء إلى العنف، أو السلطة السياسية أو السياسات الاقتصادية الجديدة.
وباختصارإن تراكم رأس المال الاجتماعي يتيح توظيفا أكثر كفاءة للأنواع الأخرى من رأس المال المتوفرة في المجتمع.
وتشير إحدى الدراسات التي قام بها روبرت بوتمان (Putman) عن المجتمع المدني في الجزءين الشمالي والجنوبي من إيطاليا إلى وجود علاقة إيجابية بين كل من رأس المال الاجتماعي، وحسن الإدارة، والنمو الاقتصادي. وعلى الرغم من تشابك العلاقة بين هذه المتغيرات الثلاث، إلا أن الدراسة أثبتت بشكل مقنع أن التوفر الأكبر لرأس المال الاجتماعي في شمال إيطاليا قد أدى إلى درجات أعلى من النمو الاقتصادي فيها مقارنة بجنوب إيطاليا. ويقول بوتمان إن التقاليد المدنية السائدة في شمال إيطاليا، تفسر إلى حد كبير القدرة الأكبر لشمال إيطاليا على مجابهة تحديات وفرص القرنين التاسع عشر والعشرين. وهذا يؤدي إلى استنتاج أن التراكم المستمر لرأس المال الاجتماعي في شمال إيطاليا هو أحد الأسباب الرئيسية وراء تطورها الاقتصادي والتنموي الذي فاق ما تحقق في جنوب إيطاليا.
وبينما تؤدي تحليلات النظرية الاقتصادية الكلاسيكية الحدية إلى التركيز على التنافس باعتباره المحرك الرئيس للتنمية، يؤدي تحليل رأس المال الاجتماعي إلى التركيز على التعاون باعتباره عاملا مساعدا في التنمية. وعلينا أن نؤكد هنا أن الفرق بين هذين المنهجين هو فرق درجة التركيز إذ أن لكل من التنافس والتعاون أدوارا هامة في التنمية.
وإن الحكم على نجاح المؤسسات لا بد أن يتم ضمن الإطار المجتمعي الذي تعمل فيه تلك المؤسسات، أي ينبغي تقييم أداء المؤسسة ضمن البلد الذي تعمل فيه. ونجاح مؤسسة ما في دولة ما لا يعني بالضرورة أنها ستنجح في الدول أخرى. ولقد بينت التجارب التنموية أنه كلما كانت الجهود الرامية إلى استبدال التقاليد القديمة بمؤسسات حديثة تقترن بغطرسة وجهل ثقافي، أدى ذلك إلى خلق مشاكل معقدة ولم تنجح تلك الجهود في حل المشاكل التي كانت قائمة قبل نقل تلك المؤسسات.
إن الاعتراف بالدور الأساسي الذي تلعبه المؤسسات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية قد أدى إلى فهم أوسع وأعمق للتعقيد الذي تنطوي عليه عملية التنمية. ولقد حفز هذا الأمر مؤسسات التمويل الأجنبية والجهات المانحة إلى فرض شروط جديدة على البلدان الفقيرة أضيفت إلى القائمة الطويلة من الشروط السابقة. ومعظم هذه الشروط الجديدة ذات طبيعة سياسة ومؤسسية، غالبا ما تتلخص في شعار جامد هو : ينبغي على الدول النامية التخلي عن التقاليد والقيم القديمة - خاصة تلك التي تتسم بطبيعة جماعية - لأنها تمثل عائقا للنمو.
ومن خلال ما تقدم يتضح إن التنمية البشرية المستدامة، تجمع بين محورين من محاور التنمية. فهي أكبر من مجرد حاصل جمع التنمية البشرية والتنمية المستدامة، بكونها تضيف إلى عناصر التنمية ضرورة الاهتمام برأس المال الاجتماعي، فتوسيع قدرات الناس لا معنى له إلا إذا ارتبط بزيادة استعداد الناس للالتزام الواعي بالتنازل عن بعض طموحاتهم من أجل الأجيال الحالية أو المقبلة. وفي ضوء التحديات العالمية الراهنة، لابد من تشجيع الناس على الاستثمار في علاقات تعاونية مع بعضهم بعضا، وعلى تبني آليات جديدة للضبط الاجتماعي تكون نابعة من مبادراتهم الخاصة، لا من مصادر رسمية بعيدة عنهم.
وبناء عليه يمكن تعريف التنمية البشرية المستدامة بأنها توسيع خيارات الناس وقدراتهم من خلال تكوين رأسمال اجتماعي لتلبية حاجات الأجيال الحالية بعدل طريقة ممكنة دون الإضرار بحاجات الأجيال اللاحقة. هذا التعريف يدرك بأن التنمية تبدأ بالناس؛ وأنت التنمية لا تحدث إلا عندما يكون الناس مسؤولين عن توفير شروطها؛ وأن التنمية هي نتاج أشكال من العمل الجماعي تسوده الإرادة الطوعية، لا القسر والإرغام وأن الاهتمامات القطاعية مترابطة ويجب النظر إليها في سياق الخطط الاستراتيجية البعيدة المدى ؛ وأن التنمية لا تكون قابلة للاستدامة إلا إذا تم اعتماد منظور يلحظ العلاقة بين الأجيال المتلاحقة.
فالتنمية البشرية المستدامة تقدم الأساس لاستعادة الثقافة بالتفاعل ما بين ما هو اجتماعي وسياسي. وتتطلب استعادة الثقة هذه، اعتبار العلاقات بين الأفراد والفئات الاجتماعية جانبا هام من النسيج الاجتماعي والبيئي. والحق أن ما يتمتع به النظام الاجتماعي من اتساع وتنوع هو الذي يربط بين المجتمعات ويكسبها طابعها الإنساني.
إن التحديات التي تواجه البشرية تتطلب تغييرات كبيرة في كل من النظم الاجتماعية والأداء المؤسسي ولا يمكن تحقيق هذه التغييرات بالتخطيط وحده. فهي تتطلب أيضا الملاحظة الدقيقة لهذه التغييرات وإعداد منهجيات تجريبية لرصدها. فالتجارب الاجتماعية تقدم مؤشرات هامة عن الطريقة التي يتحرك بها المجتمع نحو التنمية البشرية المستدامة. ولكي تصبح المشاريع فاعلة كخيارات تنموية، فإنها يجب أن تراعي مجموعة من العوامل:
أولا: أن تنبع الأفكار والابتكارات من البيئة المحلية، وأن يكون الناس، الذين تهمهم هذه المشاريع، مشاركين فيها أثناء إعدادها. ومن خلال مثل هذا الامتلاك لزمام الأمور، فقط يمكن ترجمة دروس التعلم الاجتماعي إلى أشكال جديدة من رأس المال الاجتماعي.
وثانيا: يجب أن تكون المشاريع مفتوحة للمشاركة لكي تقدم فرصا تعليمية متكافئة للمشتركين فيها.
وثالثا: تحتاج المشاريع إلى أن تصاغ بطرق ملهمة وحافزة على العمل.
ورابعا: تحتاج إلى أفق زمني واسع كي يسمح بالتعلم المتراكم والمتكرر.
وأخيرا: يجب أن تسهم في التطور المؤسسي الذي يمكن تعريفه عامة بأنه تشكيل أنماط سلوك وعادات جديدة. فالمشاريع المصممة لتحيق أهداف إدارية بالدرجة الأولى لا يحتمل أن تسهم في التنمية البشرية المستدامة.
ومن أجل ترجمة الرؤية المتطورة للتنمية البشرية المستدامة إلى حقيقة واقعة يجب على منظمات العمل النامي المشترك ومؤسسات المجتمع المدني أن تعتبر نفسها :
• حافزا على التغيير الاجتماعي ومنادية به.
• وكالات تقوم بحشد وتعبئة ذوي المصلحة في التنمية البشرية المستدامة.
• مؤيدة للشركاء المحتملين فـي العملية.
• أجهزة تقوم بالنقد الذاتي والتقويم لذاتي.
• مشجعة للمؤسسات التي تحسن عمليات مساءلة الشركاء في العمل التنموي.
إن التأكيد على المبادرات المحلية والتعلم الاجتماعي يقلل من الحاجة إلى التدخل المباشر في المشاريع والبرامج، ويفسح المجال لحشد التأييد، وإقامة الشبكات المترابطة وبناء القدرات. وينبغي أن يتم ذلك على كل المستويات : القومية، والوطنية، والمحلية ، ومن الطرق الأساسية للقيام بذلك جيدا، خلق بيئة مؤسسية تسهل التعلم والمشاركة في الخبرة واستخلاص الدروس بين الشركاء المهتمين بذلك.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|