أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-04-2015
2011
التاريخ: 18-11-2014
1308
التاريخ: 27-11-2014
1640
التاريخ: 27-04-2015
1504
|
الحقيقة أنّ ما بين أيدينا من نصوص الإمام في نفي التحريف وسلامة القرآن منه، يكفي لتأليف كتيّب مستقل في الموضوع (1). والملاحظ في نصوص الإمام هذه أنّها تناولت الموضوع من زواياه المختلفة وعبر المزاوجة بين مناهج الاستدلال التي أشرنا إليها في المحور السابق. ومن أجل تغطية لنصوص الإمام ورؤاه، نعمد إلى تناولها عبر العناوين التالية :
أ- كتاب «تهذيب الاصول»
في نطاق دروسه الاصولية في البحث الخارج التي صدرت تقريراتها قبل نصف قرن، تناول الإمام مسألة التحريف عند بحثه في حجّية الظواهر حيث أثبت عدم التحريف عبر الدليلين التأريخي والنقلي.
عرض الإمام في البدء لأجواء المسألة التي انطلقت في مناخات الثقافة الأخبارية، إذ كان ادّعاء التحريف هو من بين ما احتجّ به الأخباريون على عدم حجّية ظواهر القرآن، فقال : «هم [الأخباريون] استدلّوا على عدم حجّية ظواهرها بوجوه منها ادعاء وقوع التحريف في الكتاب حسب أخبار كثيرة» (2). ثمّ انتقل بعدئذ لتحليل هذه المقولة والردّ عليها تاريخيا ونقليا حيث قال : «فإنّ الواقف على عناية المسلمين على جمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة، يقف على بطلان تلك المزعمة، وأنّه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة». وهذا هو الدليل التاريخي.
أمّا من حيث البحث النقلي، فقد أرجع الروايات التي يتمّ الاستناد إليها في التحريف إلى أصناف، هي :
1- أخبار ضعيفة لا تصلح للاستدلال.
2- أخبار مجعولة دسّت في المجاميع الروائية للمسلمين.
3- أخبار غريبة تثير الدهشة وتبعث على العجب.
4- أخبار صحيحة، لكن ليس فيها دلالة على المدّعى وإنّما تنصرف إلى شواغل اخر كتأويل القرآن وتفسيره.
يقول سماحته مدلّلا على هذه الأغراض بأجمعها : «و ما وردت فيه [التحريف] من الأخبار، بين ضعيف لا يستدلّ به، إلى مجعول يلوح منها أمارات الجعل، إلى غريب يقضى منه العجب، إلى صحيح يدلّ على أنّ مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره، إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل. ولو لا خوف الخروج عن طور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تأريخ القرآن وما جرى عليه طيلة تلك القرون، وأوضحنا عليك أنّ الكتاب هو عين ما بين الدفتين، والاختلاف الناشئة بين القرّاء ليس إلّا أمرا حديثا لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين» (3).
ب- كتاب «أنوار الهداية»
للإمام الخميني تعليقة وضعها بخطّه على المباحث العقلية لكتاب «كفاية الاصول» (4)، انتهى منها في شهر رمضان سنة 1368 هـ . لقد تناول الإمام في هذه التعليقة مسألة التحريف على نحو أوسع ممّا لمسناه في المصدر السابق، عند بلوغه مبحث حجّية الظهور.
ومع أنّ الإمام وظّف المنهجين النقلي والتاريخي في مناقشته شبهة التحريف والردّ عليها، إلّا أنّه مال إلى استعمال أوسع للمنهج التاريخي مقارنة بالنقلي معزّزا إياه بحجج تاريخية دامغة. ففي البدء أشار إلى مقالة الأخباريين واستنادهم إلى شبهة التحريف في القول بعدم حجّية الظواهر، ثمّ سجّل أنّ عدم وقوع التحريف هو ممّا أجمع عليه الباحثون المحقّقون من المسلمين كافة شيعة وسنّة؛ وبتعبيره :
«وهذا [وقوع التحريف] ممنوع بحسب الصغرى والكبرى. أمّا الاولى، فلمنع وقوع التحريف فيه جدّا، كما هو مذهب المحقّقين من علماء العامّة والخاصّة والمعتبرين من الفريقين. وإن شئت شطرا من هذا المقام فارجع إلى مقدّمة تفسير «آلاء الرحمن» للعلامة البلاغي (5) المعاصر قدّس سرّه» (6).
إنجاز «البلاغي»
سبق أن أشرنا إلى أنّ الشيخ البلاغي أسّس في العصر الحديث منحى لدراسة المستندات الروائية المزعومة للتحريف من قبل الفريقين، يقوم على قواعد محكمة في المناقشتين السندية والدلالية، ممّا أسبغ على بحثه طابعا متميّزا أعطاه موقع الريادة في الفكر القرآني الحديث، وتحوّل إلى مصدر مهمّ لمن جاء بعده.
والإمام الراحل لم يشأ بدوره أن يتجاوز هذا الجهد الكبير للشيخ البلاغي بل نوّه به وأحال إليه.
وما دمنا في هذا السياق فمن المناسب أن نلخّص أهم النتائج التي خرج بها البلاغي عبر منهج الاستدلال النقلي.
في الواقع فزع البلاغي ممّا «ألصق بكرامة القرآن الكريم»؛ ولما نزل ب «مجد القرآن وكرامته» (7)، فانكبّ على دراسة أحاديث التحريف المزعوم وانتهى بعد بحث معمّق وتحليل واسع إلى المحصلتين التاليتين :
الاولى : إنّها روايات مضطربة شاذّة واهية ضعيفة : «و لئن سمعت في الروايات الشاذّة شيئا في تحريف القرآن وضياع بعضه، فلا تقم لتلك الروايات وزنا ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين، وفيما جاءت به في مرويّاتها الواهية من الوهن، وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس له شبه به» (8).
الثانية : لمّا كانت الضجّة من حول مسألة التحريف قد اكتسبت الكثير من دوافعها حديثا من خلال الكتاب الذي وضعه الشيخ حسين النوري (ت : 1320 هـ) (9) بعنوان «فصل الخطاب في تحريف الكتاب»، فقد انتهى البلاغي في تقويم ما ذكره من روايات، بقوله : «في جملة ما أورده من الروايات ما لا يتيسّر احتمال صدقها، ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول به إلى التنافي والتعارض ... هذا مع أنّ القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار، وقد وصف علماء الرجال كلا منهم إمّا بأنّه ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفوّ الرواية. وإمّا بأنّه مضطرب الحديث والمذهب، يعرف حديثه وينكر، ويروي عن الضعفاء. وإمّا بأنّه كذّاب متّهم، لا أستحلّ أنّ أروي من تفسيره حديثا واحدا، وأنّه معروف بالوقف وأشدّ الناس عداوة للرضا عليه السّلام. وإمّا بأنّه كان غاليا كذّابا، وإمّا بأنّه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعوّل عليه ومن الكذّابين، وإمّا بأنّه فاسد الرواية يرمى الغلوّ» (10).
يبدو أنّ الإمام قد استغنى ببحث البلاغي والنتائج التي انتهى إليها (11) عن إيراد
بحث تفصيلي في تحليل الروايات، بيد أنّ ذلك لم يمنعه من تأكيد الردّ على مؤلّف «فصل الخطاب» خاصّة مع الضجّة التي صاحبت عمله ولا تزال ترمي بظلالها على الوضع الشيعي، ويستغلّها من لا حريجة له في الدين في التشنيع على أتباع أهل البيت عليهم السّلام ورميهم بالتحريف، محمّلا معاصريه من العلماء مهمّة التصدّي لمحاولته والحئول دون صدورها، مستغربا عدم مبادرتهم لذلك !
يكتب سماحته في ذلك، وبعد أن يحيل على البلاغي، ما نصّه : «و أزيدك توضيحا : أنّه لو كان الأمر كما توهّم صاحب فصل الخطاب الذي كان كتبه لا يفيد علما ولا عملا، وإنّما هو إيراد روايات ضعاف أعرض عنها الأصحاب، وتنزّه عنها اولو الألباب من قدماء أصحابنا كالمحمّدين الثلاثة المتقدّمين رحمهم اللّه (12). هذا حال كتب روايته غالبا كالمستدرك، ولا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص والحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجدّ، وهو رحمه اللّه شخص صالح متتبّع، إلّا أنّ اشتياقه لجمع الضعاف والغرائب والعجائب وما لا يقبلها العقل السليم والرأي المستقيم أكثر من الكلام النافع. والعجب من معاصريه من أهل اليقظة كيف ذهلوا وغفلوا حتّى وقع ما وقع ممّا بكت عليه السماوات، وكادت تتدكدك على الأرض!» (13).
ثمّ يأتي الإمام بعد ذلك بجواب «لو» التي افتتح بها الجملة عبر ذكر عدد من الحقائق التاريخية الدامغة التي تفنّد ادعاءات التحريف خاصّة فيما تردّده من مصاديق على مزاعمها. لكن بودّي قبل استعراض هذه الحقائق أن ألفت النظر إلى أنّ العبارات الأخيرة في النص الخميني خاصّة تساؤله المرير : «كيف ذهلوا وغفلوا حتّى وقع ما وقع» إلى آخر النص، إنّما تنمّ عن قناعة عميقة بعدم التحريف وتكشف عن إيمان راسخ بسلامة القرآن، أكثر ممّا هي مسعى لدرء الشبهة عن المذهب والمنافحة عن سمعة الطائفة وما ينالها من أمثال هذه الأقاويل.
(2)- تهذيب الاصول 2 : 165، هذا وقد قرّض الإمام لهذه التقريرات بقلمه بتاريخ 24 ربيع - الأوّل عام 1375 هـ، في حين صدرت طبعتها الاولى عام 1378 هـ ليكون عمرها نصف قرن.
(3)- تهذيب الاصول 2 : 165.
(4)- يعود كتاب «كفاية الاصول» إلى الشيخ محمد كاظم الهروي الخراساني المتوفى سنة 1329 هـ. وهو يعدّ مدار التدريس في الحوزات العلمية، حيث كثرت عليه الشروح والحواشي حتّى بلغت العشرات.
(5)- هو الشيخ محمّد جواد البلاغي (1282- 1352 هـ) أحد البارزين الكبار من علماء النجف الأشرف، الذي أسس لتيار في العمل الديني يقوم على ضرورة إحاطة الفقيه- بمشكلات عصره الاجتماعية والثقافية والفكرية، وعلى أهمّية أن تندكّ المؤسّسة العلمائية بواقع الناس، تشهد على ذلك مؤلفاته الغزيرة في التصدّي للتيارات الفكرية المنحرفة، بالإضافة إلى سيرته الشخصية الوضّاءة الفذّة.
(6)- أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية 1 : 243- 244.
(7)- بمثل هذه الكلمات يعبّر البلاغي رحمه اللّه عن محنة تحريف القرآن. (راجع : آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1 : 53- 57)
(8)- آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1 : 52.
(9)- هو المحدث الشيخ حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، ولد في طبرستان سنة 1254، له عدد من المؤلفات أشهرها «مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل» توفي سنة 1320 هـ.
(10)- آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1 : 65- 66.
(11)- هذه النتائج التي أشار إليها الإمام على نحو مكثف في دروسه الاصولية للبحث الخارج، كما مر علينا سابقا. (راجع : تهذيب الاصول 2 : 165)
(12)- هم محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 328 أو 329 هـ مؤلف كتاب «الكافي» من الكتب الأربعة، ومحمد بن علي الصدوق المتوفى سنة 381 هـ مؤلف «كتاب من لا يحضره الفقيه» من الكتب الحديثية الأربعة أيضا و«التوحيد» و«الخصال» و«معاني الأخبار» وغيرها، ومحمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 هـ مؤلّف «التهذيب» و«الاستبصار» من الكتب الأربعة، بالإضافة إلى «التبيان في تفسير القرآن» و«المبسوط» و«الفهرست» وغيرها.
(13)- أنوار الهداية 1 : 244- 245.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|