أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
1852
التاريخ: 27-04-2015
1787
التاريخ: 17-10-2014
1347
التاريخ: 27-04-2015
4050
|
لا نعرف بالضبط متى اثيرت مسألة التحريف في بعدها العلمي، ومتى دخلت نطاق التوظيف الذي حوّلها إلى أداة في الصراع السياسي والمذهبي. لكن مراجعة إلى كتب الحديث بما في ذلك «الصحيحين» (1) تومئ إلى أنّ بذورها ترتدّ إلى القرون الاولى، بل ثمّ مزاعم تعيدها إلى العصر الأوّل الذي تلا غياب النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن الامّة، إذ فيها ما ينسب قصّة التحريف إلى الصحابة أو إلى أئمة أهل البيت عليهم السّلام عبر نصوص وروايات منسوبة إليهم.
بيد أنّ ذلك كلّه لا ينبغي أن يدفعنا إلى الفرح أو الرضا عن النفس باتهام كلّ طرف الطرف الآخر بأنّ مصادره تحوي نصوصا وروايات دالّة على التحريف.
فالمسألة ترتبط بكرامة القرآن، وبكتاب المسلمين كلّ المسلمين، ومن ثمّ فإنّ الخسارة في مثل هذه المهاترات- حين تقع- تعود عليهم بأجمعهم. وينبغي لمن يرتاح إلى منطق الاحتجاج بروايات منسوبة إلى الصحابة أو أئمّة أهل البيت دالّة على تحريف كتاب اللّه، أن يلتفت إلى اللوازم الخطيرة المترتبة على ذلك. فبثبوت التحريف تبطل حجّية القرآن، وببطلان حجّة القرآن تذهب النبوّة سدى ويتحوّل الدين الإسلامي إلى هباء، وحينئذ ما ذا يغني قولنا : «إنّ رجلا في تأريخ كذا ادّعى النبوّة وأتى بالقرآن معجزة، أمّا هو فقد مات وأمّا قرآنه فقد حرّف؟» (2).
إنّ القول بالتحريف لا يبطل القرآن وحده، بل يمحق الإسلام برمّته، لأنّ القرآن أساس هذا الدين، أجارنا اللّه من هذا المنحدر المريع، والقول الشنيع!
ما يهمّنا من أمر التحريف هو إجماع المسلمين على عدم وقوع الزيادة في القرآن، وإنّ الاختلاف الذي ثار يتناول التحريف بالنقيصة، حيث أثبته قوم ونفاه آخرون، والنفاة هم الأغلبية الغالبة من المسلمين التي عليها المعوّل، حتّى سجّل باحث قرآني : «المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وإنّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم» (3). أمّا حاضرا فلا نعرف من أهل القبلة من يقول بالتحريف لا بالزيادة ولا بالنقيصة ، هذا إذا أغضينا النظر عن لغة التخرّصات والاتهامات الرخيصة .
شهادات للقدماء
ما دام الأمر كذلك، نمرّ على نصوص سريعة تكشف أنّ الخلفية التاريخية التي يقوم عليها الخطّ العام لشيعة أهل البيت عليهم السّلام، هي نفي التحريف ببعديه. فما خلا عدّة أقوال شاذّة لا يخلو عنها فريق، هناك ما يشبه الإجماع، بل إجماع على ذلك.
أمّا النصوص، فهي :
1- يقول الشيخ محمّد بن على بن بابويه الملقّب بالصدوق (ت : 381 هـ) :
«اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك ... ومن نسب إلينا أنا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب» (4). ثمّ يسوق عددا من الأدلّة لإثبات صحّة رأيه.
2- يقول الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي الملقّب بالمفيد (ت : 413 هـ) : «لا شكّ أنّ ما بين الدفتين من القرآن كلام اللّه تعالى وتنزيله، وليس فيه شيء من كلام البشر ... وإنّ الخبر قد صحّ عن أئمّتنا عليهم السّلام أنّهم أمروا بقراءة هذا الذي بين الدفتين، وأن لا نتعدّاه إلى زيادة ولا نقصان منه، فقد تعبّدنا بذلك.
وأمّا ما ورد من أحرف تزيد على الثابت في المصحف المتداول فقد نهينا عن قراءته، لأنّه لم تأت على التواتر، وإنّما جاءت بها الآحاد، وقد يغلط في ما ينقله.
فلذلك وقفنا في تلك الأخبار ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر المتداول بين المسلمين» (5).
3- يسجّل الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (ت : 436 هـ) تلميذ المفيد، ما نصّه : «إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه في ما ذكرناه، لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!» (6).
4- أمّا تلميذ المفيد الآخر الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي (ت : 460 هـ) الملقّب بشيخ الطائفة، فقد كتب مقدّمة تفسيره الذائع، يقول : «و أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضا، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه. وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى رحمه اللّه، وهو الظاهر في الروايات» (7).
5- كتب الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي (ت : 548 هـ) في تفسيره، ما نصّه : «و من ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فإنّه لا يليق بالتفسير. فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانه، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشويّة العامّة أنّ في القرآن تغييرا ونقصانا، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدّس اللّه روحه واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات» (8). ثمّ نقل كلام المرتضى الذي جئنا على بعضه قبل قليل.
6- وصل إلى الحسن بن يوسف بن المطهّر الملقّب بالعلامة (ت : 726 هـ)، سؤال جاء فيه : ما يقول سيّدنا في الكتاب العزيز، هل يصحّ عند أصحابنا أنّه نقص منه شيء أو زيد فيه، أو غيّر ترتيبه أم لم يصحّ عندهم شيء من ذلك ؟ فأجاب عليه بما نصّه : «الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وإنّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ باللّه تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يوجب التطرّق إلى معجزة الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المنقولة بالتواتر» (9).
هكذا تمتدّ القائمة لتستوعب من رجال السلف أعظمهم منزلة وأكثرهم مكانة (10).
شهادات للمحدثين
أمّا من المحدثين والمعاصرين فبودّي أن أستفيد من هذه الفرصة لتسجيل شهادات عدد منهم، كما يلي :
1- الشيخ محمّد جواد البلاغي (ت : 1352 هـ) في مقدّمات تفسيره «آلاء الرحمن». وأهمّية البلاغي تعود إلى منهجه التأسيسي في تناول موضوع التحريف وإشباعه بحثا من جوانبه الرئيسية، بحيث تحوّلت دراسته إلى حجر أساس لمن جاء بعده، واستحقّت تمجيد جلّ من عرض للموضوع بعده بما في ذلك الإمام الذي أثنى عليها، على ما ستأتي الإشارة إليه لاحقا.
2- الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (ت : 1373 هـ) الذي كتب في كتابه الشهير «أصل الشيعة واصولها»، ما نصّه : «و إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله اللّه إليه للإعجاز والتحدّي، ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا اجماعهم [الشيعة]. ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف، فهو مخطئ ... والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذّة، وأخبار أحاد لا تفيد علما ولا عملا، فأمّا أن تؤوّل بنحو من الاعتبار، أو يضرب بها الجدار» (11).
3- السيّد محسن الأمين العاملي الذي تناول الموضوع بشيء من التفصيل في ردّه على موسى جار اللّه، بعد أن ادّعى الأخير إجماع كتب الشيعة على التحريف، فقال في جوابه : «دعوى إجماع كتب الشيعة على ذلك زور وبهتان، بل كتب المحقّقين ومن يعتني بقولهم من علماء الشيعة مجمعة على عدم وقوع تحريف في القرآن لا بزيادة ولا بنقصان. وتفصيل الكلام في ذلك أنّه اتفق المسلمون كافّة على عدم الزيادة في القرآن، واتفق المحقّقون وأهل النظر ومن يعتدّ بقوله من الشيعيّين والسنيّين على عدم وقوع النقص.
و وردت روايات شاذّة من طريق أهل السنّة ومن بعض طرق الشيعة تدلّ على وقوع النقص ردّها المحقّقون من الفريقين واعترفوا ببطلان ما فيها، وسبقها الإجماع على عدم النقص ولحقها، فلم يبق لها قيمة» (12).
4- السيّد عبد الحسين شرف الدين (ت : 1377 هـ)، حيث كتب في جواب المسألة الرابعة من مسائل موسى جار اللّه أيضا، التي نسب فيها إلى الشيعة القول بتحريف القرآن، ما نصّه : «نعوذ باللّه من هذا القول، ونبرأ إلى اللّه تعالى من هذا الجهل. وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواترا قطعيّا عن أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السّلام ... وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، عن اللّه تعالى، وهذا أيضا ممّا لا ريب فيه». ثمّ يضيف بعد تفصيل : «و كان القرآن مجموعا أيّام النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه، بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، ولا تبديل ولا تغيير» لينتهي بعد عرض مجموعة من الأدلّة، إلى القول : «نعم، لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن، غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع لضعف سندها، ومعارضتها بما هو أقوى منها سندا وأكثر عددا، وأوضح دلالة، على أنّها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملا، وهذه لا تقتضي ذلك، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به، فليضرب بظواهرها عرض الحائط» (13) .
5- الشيخ محمّد رضا المظفّر (ت : 1383 هـ) ، الذي كتب في مؤلّفه الشهير «عقائد الإمامية» تحت فقرة : «عقيدتنا في القرآن الكريم» ما نصّه : «نعتقد أنّ القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من اللّه ... وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي، ومن ادّعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وكلّهم على غير هدى» (14).
راجع في استعراضه ومناقشته : آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1 : 49- 71، الاصول العامة للفقه المقارن : 107- 117، البيان في تفسير القرآن : 218- 239 و257- 278، التحقيق في نفي التحريف : 151- 259، نقض الوشيعة أو الشيعة بين الحقائق والأوهام : 164- 168.
(2)- الميزان في تفسير القرآن 12 : 114.
(3)- البيان في تفسير القرآن : 218.
(4)- رسالة الاعتقادات، المطبوعة مع شرح الباب الحادي عشر : 93.
(5)- المسائل السرويّة للشيخ المفيد، نقلا عن : نظرات في تراث الشيخ المفيد : 283، 284. كما تناول المسألة ذاتها في رسالة المسائل العكبرية. أنظر المصدر نفسه : 337- 338. وكذلك عالج الموضوع نفسه بشيء من التفصيل في كتابه : أوائل المقالات في المذاهب المختارات : 93- 95.
(6)- هذا ما نقله الطبرسي في تفسيره عن السيد المرتضى في رسالة جواب المسائل الطرابلسيات. راجع : مجمع البيان 1 : 31. ويبدو أنّ المرتضى كان متشدّدا في موقفه هذا حتّى نسبوا إليه أنّه كان يكفّر من زعم أنّ القرآن بدّل أو زيد فيه أو نقص منه، كما نقل ذلك ابن حجر العسقلاني في «لسان الميزان» عن ابن حزم. (راجع : التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف : 18)
(7)- التبيان في تفسير القرآن 1 : 3.
(8)- مجمع البيان 1 : 30- 31.
(9)- أجوبة المسائل المهناوية : 121، نقلا عن : التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف : 21.
(10)- راجع بعض شهادات هؤلاء الأعلام وكلماتهم : التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف : 16 فما بعد، آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1 : 63 فما بعد، نقض الوشيعة أو الشيعة بين الحقائق والأوهام : 160 فما بعد .
(11)- أصل الشيعة واصولها : 220.
(12)- نقض الوشيعة أو الشيعة بين الحقائق والأوهام : 160.
(13)- أجوبة مسائل جار اللّه : 8- 37، نقلا عن : التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف 30-32 .
(14)- عقائد الإمامية : 300.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|