المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

Raising of /æ/ before nasals and /g/
2024-03-27
قتاله استشهاده (عليه السلام)
8-04-2015
مرافقة أبي بكر للرسول
12-4-2016
طهارة العظم والقرن والظفر من طاهر العين.
22-1-2016
ابو البركات بن الانباري
3-03-2015
The uncertainty principle
2024-04-20


تأويل القرآن عند الطباطبائي  
  
5891   02:08 صباحاً   التاريخ: 11-11-2020
المؤلف : الشيخ عارف هنديجاني فرد
الكتاب أو المصدر : علوم القرآن عند العلامة آية الله السّيّد محمد حسين الطّباطبائيّ (قده) «دراسة...
الجزء والصفحة : ص 141 - 150 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التأويل /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-11-2014 1904
التاريخ: 10-10-2014 1940
التاريخ: 10-10-2014 2014
التاريخ: 14-11-2014 1950

التأويل في اللغة من : أوّل الكلام وتأوله : دبّره وقدّر ، وأوله وتأوله : فسّره ، وقوله عزَّ وجل : ولمّا يأتكم تأويله ، أي لم يكن معهم علم تأويله ، وهذا دليل على أن علم التأويل ينبغي أن ينظر فيه . . . وفي حديث ابن عباس : اللَّهم فقههُ في الدين ، وعلّمه التأويل . . . والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ ، وقال أبو منصور : وقال أَبو منصور : يقال أُلْتُ الشيء أؤوله إذا جمعته وأصلحته فكان التأويل جمع معاني أَلفاظ أَشكَلَت بلفظ واضح لا إشكال فيه (1) ، فالتأويل هو ضربُ من حركة مرتدّة تحاول الرجوع باللفظ إلى معاني غير موضوعة له . . . فالتأويل يعتمد على آليات التفسير المذكورة ليوظفها لأجل إضاءة النص . . . أي الوقوف على النص على ما تدل عليه لحظة التلقي بين النص والمتلقي مع لحظة وعي النص ورتبته . . . (2) . أما التفسير ، فهو في اللغة ، البيان ، فسر الشيء يفسره ، بالكسر ، وتفسرُه بالضم - فسرا وفسره أبانه ، وقوله عزَّ وجلَّ : ﴿ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾ ، الفسِر : كشف المغطى عن اللفظ المشكل . . . (3) .

لا شك في أن تأويل القرآن ، هو من أكثر المسائل أهمية وتعقيداً في تاريخ الإسلام والمسلمين ولعله يصح القول : إن تاريخ المسلمين هو تاريخ التأويل والتفسير ، بل وحروب التأويل والتفسير ، حيث جاء في الأثر أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قاتل على تنزيل القرآن وعلي (عليه السلام) قاتل على تأويله ، وكما جاء في كتاب العين : نحن ضربناكم على تنزيله ، فاليوم نضربكم على تأويله (4) .

يقول الطباطبائي في دقته المعهودة في معنى التأويل : «التأويل من الأول وهو الرجوع ، فتأويل المتشابه هو المرجع الذي يرجع إليه ، وتأويل القرآن هو المأخذ الذي يأخذ منه معارفه» (5) .

إن الذي ميّز الطباطبائي في تفسيره للقرآن ، وكذلك في تأويله ، هو أنه يرى للقرآن مرجعاً أصلياً ثابتاً في أُمّ الكتاب لا يتغيّر ولا يتبدل ، وهو إنما أُنزل بهدف الإنذار والبشارة ، كما قال تعالى : ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ [مريم : 97] .

هذه هي حقيقة القرآن عند الطباطبائي ، والتأويل والتفسير عنده ينطلقان من هذه الحقيقة ، وكما سوف نرى أن المفسّر لم يذهب في مذاهب الفقهاء وأهل التفسير قديماً وحديثاً ليختلف معهم فيما هو بحاجة إلى تفسير ، وفيما هو بحاجة إلى تأويل ، وإنما يحسم الجدل في هذه المسألة بالقول : «إن ما يذكُره القرآن بكلمة (التأويل) لم يكن مدلولاً للفظ ، بل حقائق وواقعيات أعلى شأناً من فهم عامة الناس ، وهي الأساس للمسائل الاعتقادية والأحكام العملية للقرآن ، نعم إن لكل القرآن تأويلاً ، ولا يدرك تأويله عن طريق التفكر مباشرة ، ولا يتضح ذلك من ألفاظه ، وينحصر فهمه وإدراكه بالأنبياء والصالحين من عباد الله ، الذين نزهوا أنفسهم من كل رجس ، فإنهم يستطيعون إدراكه عن طريق المشاهدة ، نعم إن تأويل القرآن سوف ينكشف يوم القيامة» (6) .

فتأويل القرآن ، كما يرى الطباطبائي ، هو المأخذ الذي يأخذ منه معارفه ، باعتباره الأصل له ، هناك حيث تتجلى حقيقة القرآن الثابتة . وإذا كان القرآن قد ذكر لفظ التبشير والإنذار في موارد من كلامه ، كما قال الله تعالى : ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ [مريم : 97] ، فذلك إنما هو تنزّل بالحق فيما أُخبر به العباد وأُنبئوا أن الله هو مولاهم الحق ، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ، وأن النبوة حق ، وأن الله يبعث من في القبور ، وبالجملة كل ما يظهر يوم القيامة من أنباء النبوة وأخبارها (7) .

قال الله تعالى : ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الزخرف : 3-4] ، أي لا يتوصل إليه الفهم الاعتيادي ولا يبلغه . . . (8) .

ومن هنا ، فإن ما قيل : إن التأويل ، في الآية السالفة ، هو الخارج الذي يطابقه الخبر الصادق كالأمور المشهودة يوم القيامة ، التي هي مطابقات ، اسم مفعول أخبار الأنبياء والرسل والكتب ، ويرده أن التأويل على هذا يختص بالآيات المخبرة عن الصفات وبعض الأفعال وعما سيقع يوم القيامة . وأما الآيات المتضمنة لتشريع الأحكام ، فإنها لاشتمالها على الإنشاء لا مطابق لها في الخارج عنها ، وكذا ما دل منها على ما يحكم به صريح العقل كعدة من أحكام الأخلاق ، فإن تأويلها معها ، وكذا ما دل على قصص الأنبياء والأمم الماضية ، فإن تأويلها على هذا المعنى يتقدمها من غير أن يتأخر إلى يوم القيامة مع أن ظاهر الآية يضيف التأويل إلى الكتاب كله ، لا إلى قسم خاص من آياته ، كما قال الله تعالى ﴿ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾ وهذا كاشف عن أن أصل الكتاب هو تأويل تفصيل الكتاب .

يقول الطباطبائي في كتابه الشيعة في الإسلام : إن القرآن كله له تأويل (9) ، وليس فقط الآيات المخبرة عن الصفات وبعض الأفعال المشهودة يوم القيامة ، ويستدل على ذلك بقوله تعالى : ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس : 39] . أي ترى الأشياء كلها بالعيان يوم القيامة ، وهذا ما أشار إليه تفصيلاً في كتابه الميزان ، بقوله : «فالآيات ، كما ترى ، تضيف التأويل إلى مجموع الكتاب» (10) .

ولذلك ، كما يرى الطباطبائي ، ذكر بعضهم أن التأويل هو الأمر العيني الخارجي ، الذي يعتمد عليه الكلام ، وهو أن مورد الأخبار المخبرة عن صفات الله وأسمائه ومواعيده وكل ما سيظهر يوم القيامة ، وفي مورد الإنشاء كآيات الأحكام المصالح المتحققة في الخارج ، كما في قوله تعالى : ﴿ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [الاسراء : 35] . فإن تأويل إيفاء الكيل وإقامة الوزن ، هو المصلحة المترتبة عليهما في المجتمع ، وهو استقامة أمر الاجتماع الإنساني ، يقول الطباطبائي : «إن ظاهر الآية أن التأويل أمر خارجي وأثر عيني مترتب على فعلهم الخارجي الذي هو إيفاء الكيل وإقامة الوزن ، لا الأمر التشريعي الذي يتضمنه قوله : ﴿ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُواْ . . . ﴾ . فالتأويل أمر خارجي هو مرجع ومآل لأمر خارجي آخر ، فتوصيف آيات الكتاب بكونها ذات تأويل من جهة حكايتها عن معان خارجية ، كما في الأخبار ، أو تعلقها بأفعال ، أو أُمور خارجية ، كما في الإنشاء ، لها تأويل . فالوصف وصف بحال متعلق الشيء لا بحال نفس الشيء . هذا أولاً ،

ثانياً : إن التأويل وإن كان هو المرجع الذي يرجع ويؤول إليه الشيء ، لكنه رجوع خاص ، لا كل رجوع ، فإن المرؤوس يرجع إلى رئيسه وليس بتأويل له ، والعدد يرجع إلى الواحد وليس بتأويل له ، فلا محالة هو مرجع بنحو خاص لا مطلقاً . . . (11) .

فالقرآن ، كما يرى الطباطبائي ، هو المصدر الأساس للفكر الإسلامي ، وهو الذي يعطي الاعتبار والحجيّة للمصادر الدينية الأخرى ، لذا يجب أن يكون قابلاً للفهم لعامة الناس (12) ، وإذا كان هناك من معنى للتدبّر الذي حثّ الله عليه العباد ، كما في قوله تعالى : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد : 24] ، فهو هذا المعنى ، أن الله تعالى أنزل القرآن نوراً بيناً ، وبياناً لكل شيء ، وطالب بالتدبّر به لأجل أن يكون مفهوماً لدى العامة ، فإذا لم يكن كذلك ، فإن مثل هذه الآيات لا اعتبار لها ، وقد رد الطباطبائي على من زعم أن المراد بالتأويل هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ ، ورأى أن لازم وجود آيات في القرآن أريد بها معان يخالفها ظاهرها ، الذي يوجب الفتنة في الدين بتنافيه مع المحكمات ، ومرجعه إلى أن في القرآن اختلافاً بين الآيات لا يرتفع إلاّ بصرف بعضها عن ظواهرها إلى معان لا يفهمها عامة الأفهام ، وهذا يبطل الاحتجاج الذي في قوله تعالى : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيرا ﴾ [النساء : 82] .

وهكذا ، فإن المراد بتأويل الآية ليس مفهوماً من المفاهيم تدل عليه الآية ، سواء كان مخالفاً لظاهرها أو موافقاً ، بل هو من قبيل الأمور الخارجية ، ولا كل أمر خارجي حتى يكون المصداق الخارجي للخبر تأويلاً له ، بل أمر خارجي مخصوص نسبته إلى الكلام نسبة الممثل إلى المثل والباطن إلى الظاهر (13) . ثم أجاب عن جميع ما اعترض عليه موسى (عليه السلام) جملة واحدة بقوله : ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ . فالذي أريد من التأويل في هذه الآيات ، كما ترى هو رجوع الشيء إلى صورته وعنوانه ، نظير رجوع الضرب إلى التأديب ، لا نظير رجوع قولنا : جاء زيد إلى مجيء زيد في الخارج (14) . . .

يقول الطباطبائي : «إن التدبر في آيات خاصة في آيات القيامة ، يعطي أن المراد هو ذلك أيضاً في لفظة التأويل في قوله تعالى : ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ . . . ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ . . . ﴾ ، فإن أمثال قوله تعالى : ﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ ، تدل على أن مشاهدة وقوع ما أخبر به الكتاب وأنبأ به الأنبياء يوم القيامة من غير سنخ المشاهدة الحسية ، التي نعهدها في الدنيا . . . فرجوع أخبار الكتاب والنبوة إلى مضامينها الظاهرة يوم القيامة ، ليس من قبيل رجوع الأخبار عن الأمور المستقبلة إلى تحقق مضامينها في المستقبل . فالتأويل للرؤيا ، أو للحكم ، أو للمصلحة شيء ، وتأويل الكتاب شيء آخر ، كما قال الله تعالى : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾» (15) .

إن للتأويل في تفسير الطباطبائي ميزة خاصة ، وفهم دقيق لم نألفه في كتب المفسرين ، وقد فند الطباطبائي آراءهم في كل ما ذهبوا إليه ، وخصوصاً فيما خلطوا به بين ما هو تأويل للمتشابه من الآيات ، وبين ما هو تأويل لجميع القرآن ، وهذا ما بيّنه الطباطبائي بوضوح فيما أشار إليه بخصوص ما ورد من آيات قرآنية تتضمن معنى التأويل ، مبيِّناً أن كون الآية ذات تأويل ترجع إليه غير كونها متشابهة ترجع إلى آية محكمة . فالتأويل عند الطباطبائي لا يختص بالآيات المتشابهة بل لجميع القرآن تأويل ، فللآية المحكمة تأويل كما أن للمتشابهة تأويلاً (16) .

وكيف كان ، فإن فلسفة الطباطبائي في تأويل القرآن تقوم على رؤية ومسلمة ثابتة عنده ، وهي أن القرآن النازل كان عند الله أمراً أعلى وأحكم من أن تناله العقول ، أو يعرضه التقطع والتفصل ، لكنه تعالى عناية بعباده جعله كتاباً مقروءاً وألبسه لباس العربية لعلهم يعقلون ما لا سبيل لهم إليه ما دام الكتاب في أمّ الكتاب ، وأم الكتاب هذا ، هو المدلول عليه يقول الله تعالى : ﴿ يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد : 39] ، وقوله تعالى : ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ [البروج : 21-22] . فالقرآن عنده يصدر من ناحية تعجز أفهام الناس عن الوصول إليها ، والتوغل فيها ، فلا يدركها إلاّ من كان من المخلصين وعباده المقربين ، وأوليائه الصالحين ، وأهل بيت النبي (عليهم السلام) خير مصداق لذلك (17) .

إن قول الطباطبائي الذي صدّرنا به هذا المبحث ، أن التأويل هو الرجوع ، فتأويل المشابه هو المرجع الذي يرجع إليه ، بأن يرجع المتشابه إلى المحكم ، كما قال الله تعالى : ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران : 7] .

أما تأويل القرآن ، فهو المأخذ الذي يأخذ منه معارفه ، وهذا ما تم التعرض له في سياق هذا المبحث ، حيث بيَّن الطباطبائي أن المحصّل من الآيات الشريفة أن وراء ما نقرأه ونعقله من القرآن أمراً هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد ، وهو الذي يسميه تعالى بالكتاب الحكيم ، وهو الذي تعتمد وتتكي عليه معارف القرآن المنزل ومضامينه ، وليس من سنخ الألفاظ المفرّقة المقطّعة ولا المعاني المدلول عليها بها ، وهذا بعينه هو التأويل المذكور في الآيات المشتملة عليه لانطباق أوصافه ونعوته عليه . وبذلك يظهر حقيقة معنى التأويل ، ويظهر سبب امتناع التأويل عن أن تمسه الأفهام العادية والنفوس غير المطهرة (18) .

لا شكّ في أن ما يذهب إليه الطباطبائي في إطار هذه الرؤيا كان موضع انتقاد من قبل بعض المفسّرين ، حيث رأوا أنه يمكن قبول ما عرض له المفسّر في التأويل في عرف القرآن من حيث هو حقيقة يتضمّنها الشيء ، ويؤول إليها ، ويبتني عليها ، كتأويل الرؤيا وهو تعبيرها ، وتأويل الحكم وهو ملاكه ، وتأويل الفعل وهو مصلحته وغايته الحقيقية ، وتأويل الواقعة وهو علّتها الواقعية . أما بخصوص ما ذهب إليه من توسّع فيما فرضه للقرآن من تأويل خارج دائرة الفهم والدراية وافتراض وجود للقرآن محفوظ لا تمسّه الأفهام ، فذلك مما لا يمكن التوافق معه عليه ، وهذا ما ردَّ به العلاّمة «معرفة» فيما توجّه به من نقد لنظرية التأويل عند الطباطبائي ، آخذاً عليه توسّعه في المدلول ، ومتهماً إياه بالعرفانية والاستحسان (19) .

هناك مزاعم كثيرة في التأويل ، فمنهم من يعتبره تفسيراً ، كما هو في عرف السلف ، ومنهم من يعتبره شيئاً وراء المفاهيم الذهنية والتعابير الكلامية ، وهذا ما يرى الطباطبائي له وجهاً لكون القرآن كله ذي تأويل ، كما قال الله تعالى : ﴿ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ . فالتأويل عنده هو لمجموع الكتاب ، وليس ما ذهب إليه كثير من المفسرين في اعتبار التأويل تفسيراً ، أو مجرّد صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معنى مرجوح لدليلٍ يُقترنُ به ، وقد عُرف هذا النوع كما يذكر المفسّر «معرفة» عند ابن تيمية ، الذي رأى أن المتأوّل عليه وظيفتان : بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي يدّعيه ، وبيان الدليل الموجب للصرف إليه عن المعنى الظاهر . كما نُسب إلى ابن تيمية أيضاً القول بأن التأويل هو نفس المراد بالكلام ، فإن كان طلباً فتأويله العمل المطلوب نفسه ، وإن كان خبراً ، فتأويله نفس الشيء المخبر به (20) .

لقد أوضح الطباطبائي في نظريته ، أن التأويل لا يختصّ بآيات دون أخرى ، وإنما هو للقرآن كلّه ، للمُحكم والمُتشابه ، وهذا الرأي مؤسس على كون القرآن لمّا يأتي تأويله بعد ، خلافاً لما ذهب إليه السلف في اعتبار التأويل مرادفاً للتفسير والبيان ، حيث كانوا يعتبرون تأويل القرآن هو تفسيره وتبيينه ، أو هو مجرّد ردّ المتشابه من الآيات إلى المُحكم منها ، وهذا ما لم يرَ فيه الطباطبائي تأويلاً ، لأن المتشابه عنده هو المتشابه في مراده لا لكونه ذا تأويل ، والقرآن يفسّر بعضه بعضاً (21) . أما التأويل ، فهو ليس من مداليل الألفاظ ، وإنما هو حقيقة عينية خارجية ، بحيث أن كل ما ورد في القرآن من حكم وآداب وتكاليف وأحكام كلها تعود إليه ، إذ تُنتزَعُ منه وتنتهي إليه في نهاية المطاف ، وبهذا يكون التأويل للقرآن في جميع آياته الكريمة ، ما يعني أن الطباطبائي يميّز بين التأويل بما هو حقيقة يتضمّنها الشيء ويؤول إليها ، كتأويل الرؤيا ، والحكم ، والأفعال ، والوقائع ، وبين التأويل بما هو حقيقة تنتهي إليها سائر الآيات المباركة ، كما قال الله تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ ، وكما في قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ . . . ﴾ ، المُشعِرِ بكون أصل الكتاب هو تأويل تفصيل الكتاب . وعليه ، فإنه لا معنى لحصر التأويل بردّ المتشابه إلى المُحكم ، ولا لاعتبار التأويل مجرّد نفس المراد بالكلام ، سواءً أكان طلباً أم خبراً ، كما رأى ابن تيمية وغيره ممن اعتبروا أن التأويل هو نفس الأمور الموجودة في الخارج ، سواء أكانت ماضية أم مستقبلية . فالطباطبائي يرى للتأويل هذا المعنى ، إلاّ أنه لا يراه تأويلاً بالمعنى المطلق ، وإنما هو تأويل بنحوٍ خاص يختصّ به التفسير . وأما التأويل فهو حقيقة عينية خارجية وليس من مداليل الألفاظ .

_____________________________

  1. ابن منظور ، لسان العرب ، م .س ، ج1 ، ص172 .
  2. زاهد ، عبد الأمير ، مقدمات منهجية في تفسير النص القرآني ، مطبعة الضياء ، النجف الأشرف ، 2008م ، ص65 .
  3. ابن منظور ، لسان العرب ، م .س ، ج5 ، ص3412 .
  4. م .ع ، ج1 ، ص . ن .
  5. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص27 .
  6. الطباطبائي ، الشيعة في الإسلام ، م .س ، ص85 .
  7. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص28 .
  8. الطباطبائي ، الشيعة في الإسلام ، م ، س ، ص85 .
  9. الطباطبائي ، الشيعة في الإسلام ، م .س ، ص84 .
  10. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص53
  11. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص28 .
  12. الطباطبائي ، الشيعة في الإسلام ، م .س ، ص84 .
  13. يبين الطباطبائي هذا المعنى بإيراده لقصة النبي موسى (عليه السلام) مع الخضر (عليه السلام) : ﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ ، والذي نبأه لموسى (عليه السلام) صور وعناوين لما فعله (عليه السلام) في موارد ثلاثة كان موسى (عليه السلام) قد غفل عن تلك الصور والعناوين ، وتلقى بدلها صوراً وعناوين أُخرى أوجبت اعتراضه بها عليه . فالموارد الثلاثة ، هي قوله تعالى : ﴿ حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ﴾ . والذي تلقاه موسى (عليه السلام) من صور هذه القضايا وعناوينها ، قوله تعالى : ﴿ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾ . والذي نبأ به الخضر من التأويل قوله تعالى : ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ .
  14. را : الميزان ، م .س ، ج3 ، ص28 ـ 29 .
  15. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص31 .
  16. يقول الطباطبائي : إن الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية من حكم ، أو موعظة ، أو حكمة ، وأنه موجود لجميع الآيات القرآنية محكمها ومتشابهها ، وأنه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ ، بل هي من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ ، وإنما قيدها الله تعالى بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب ، فهي كالأمثال تضرب ليقرب بها المقاصد وتوضح بحسب ما يناسب فهم السامع ، كما قال تعالى : ﴿ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ ، فالقرآن لم يستعمل لفظ التأويل التي استعملها إلاّ في المعنى الذي ذكرنا . را : الميزان ، م .س ، ج3 ، ص57 . وقا : مع الشيعة في الإسلام ، المفسر ، م .س ، ص85 . فهو يُعطي في هذا الكتاب المزيد من الأمثلة والتوضيحات لتقريب الفهم من خلال أمثلة حسية لم يأت عليها في كتاب الميزان .
  17. الطباطبائي ، الشيعة في الإسلام ، م .س ، ص87 .
  18.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص63 .
  19. معرفة ، محمد هادي ، التفسير والمفسرون ، م .س ، مجلد 1 ، ص31 .
  20. يرى ابن تيمية في سياق الحديث عمّا بين التأويل والتفسير من فروق ، أن معرفة تفسير اللفظ ومعناه وتصوّره في القلب ، غير معرفة التأويل في كتاب الله . فالشيء له وجود في الأعيان ، ووجود في الأذهان ، ووجود في البيان ، فإذا عُرف الكلام وتُصوِّرَ معناه في القلب وعُبِّرَ عنه باللسان ، فهذا غير الحقيقة الموجودة في الخارج ، وليس كل من عرف الأول عرف الثاني . راجع : معرفة ، محمد هادي ، التفسير والمفسرون ، م .س ، ص38 مأخوذ عن ابن تيمية بتصرّف .
  21. يقول الطباطبائي : «إن المتشابه إنما كان متشابهاً لتشابه مراده لا لكونه ذا تأويل ، فإن التأويل يوجد للمحكم كما يوجد للمتشابه ، والقرآن يفسّر بعضه بعضاً ، فللمتشابه مفسر وليس إلاّ المحكم ، مثال ذلك قوله تعالى : ﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ (القيامة ، آية 23) ، فإنها متشابهة ، وبإرجاعها إلى قوله تعالى : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ (الشورى ، آية : 11) ، وقوله تعالى : ﴿ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ ، (الأنعام ، الآية : 103) ، يتبين : أن المراد بها نظرة ورؤية من غير سنخ رؤية البصر الحسي» . را : الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج3 ، ص50 .



وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .