المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير الآية (4-8) من سورة فاطر  
  
4307   03:58 مساءً   التاريخ: 19-9-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الفاء / سورة فاطر /

قال تعالى : {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُو فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر : 4 - 8] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

سلّى سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن تكذيب قومه إياه فقال {وإن يكذبوك} يا محمد {فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور} فيجازي من كذب رسله وينصر من كذب من رسله .

ثم خاطب الخلق فقال {يا أيها الناس أن وعد الله} من البعث والنشور والجنة والنار والجزاء والحساب {حق} صدق كائن لا محالة {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} فتغترون بملاذها ونعيمها ولا يخدعنكم حب الرياسة وطول البقاء فإن ذلك عن قليل نافد بائد ويبقى الوبال والوزر {ولا يغرنكم بالله الغرور} وهو الذي عادته أن يغر غيره والدنيا وزينتها بهذه الصفة لأن الخلق يغترون بها وقيل أن الغرور الشيطان الذي هو إبليس عن الحسن ومجاهد .

ثم أنه سبحانه حذرهم الشيطان فقال {إن الشيطان لكم عدو} يدعوكم إلى ما فيه الهلاك والخسر ويصرفكم عن أفعال الخير والبر ويدعوكم إلى الشر {فاتخذوه عدوا} أي فعادوه ولا تتبعوه بأن تعملوا على وفق مراده وتذعنوا لانقياده {إنما يدعو حزبه} أي أتباعه وأولياءه وأصحابه {ليكونوا من أصحاب السعير} أي النار المسعرة والمعنى أنه لا سلطان له على المؤمنين ولكنه يدعو أتباعه إلى ما يستحقون به النار .

ثم بين سبحانه حال من أجابه وحال من خالفه فقال {الذين كفروا لهم عذاب شديد} جزاء على كفرهم {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة} من الله لذنوبهم {وأجر كبير} أي ثواب عظيم ثم قال سبحانه مقررا لهم {أ فمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} يعني الكفار زينت لهم نفوسهم أعمالهم السيئة فتصوروها حسنة أوزينها الشيطان لهم بأن أمالهم إلى الشبه المضلة وترك النظر في الأدلة وأغواهم حتى تشاغلوا بما فيه عاجل اللذة وطرح الكلفة وخبر قوله {أ فمن زين له سوء عمله} محذوف أي أ هو كمن علم الحسن والقبيح وعمل بما علم ولم يزين له سوء عمله وقيل تقديره كمن هداه الله وقيل كمن زين له صالح عمله .

{فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} مر بيانه {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} أي لا تهلك نفسك يا محمد عليهم حسرة ولا يغمك حالهم إذ كفروا واستحقوا العقاب وهو مثل قوله {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} والحسرة شدة الحزن على ما فأت من الأمر {إن الله عليم بما يصنعون} فيجازيهم عليه .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص232-234 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} فيثيب المؤمن الصابر في جهاده ، ويعاقب من كذب الحق على تكذيبه ، والغرض التخفيف عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ، وتهديد خصومه وأعدائه . وتقدم مثله في الآية 184 من سورة آل عمران ج 2 ص 222 والآية 42 من سورة الحج ج 5 ص 335 .

{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ولا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} . المراد بوعد اللَّه هنا الحساب والجزاء بعد الموت ، ومغريات الدنيا المال والجاه والنساء والبنون ، والغرور الشيطان . وتقدم مثله في الآية 33 من سورة لقمان {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُو فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ} . أعلن الشيطان صراحة عداوته لبني آدم بقوله : {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ ولأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر - 39] . وحزبه هم أتباعه الذين يستمعون إلى وسوسته واغرائه .

وقد حذرنا سبحانه من طاعته لأنه يدعو إلى الفساد والهلاك ، واللَّه يدعو إلى الخير والرحمة .

{الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ} . لكل امرئ عاقبة حلوة أو مرّة ، فعاقبة من كفر وأفسد جهنم وساءت مصيرا ، وعاقبة من آمن وأصلح جنة قائمة ، وراحة دائمة .

 

زين له سوء عمله :

{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} . لا أحد من الناس يعيش بلا فلسفة ومثل أعلى له ، حتى الذين يرفضون الفلسفات والمثل العليا فقد جعلوا هذا الرفض فلسفة لهم ومثلا أعلى . . ومن هنا قيل : من نفى الفلسفة فقد تفلسف . . أجل ، لكل إنسان فلسفة ، والفرق ان بعض الناس يبني فلسفته وأحكامه على التجربة والتحليل ، ومنهم من يبنيها على العقل أو على الدين ، ومنهم من يحكم على الأشياء من خلال ذاته وميوله الخاصة معرضا عن كل ما عداها لا يبحث ولا يفكر ولا يحلل ، لأنه لا يؤمن بعلم ولا عقل ولا دين ، لا بشيء إلا بما يراه ويهواه . .

انه ينظر إلى نفسه على أنها المقياس الوحيد للحق والخير والصواب ، وانها في عصمة من النقص والخطأ . . والكلام عن هذا لا يدخل في أي بحث من البحوث إلا كشاهد على السفاهة والغرور القاتل ، وقد أشار سبحانه إليه في العديد من الآيات منها هذه الآية ، ومنها : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف - 103] ج 5 ص 163 ومنها : {وإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة - 12] .

{فَإِنَّ اللَّهً يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ} . هذا تعليل لقوله تعالى : {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} أي ان اللَّه قد كتب عليه الضلال وسوء المصير لأنه سلك الطريق المؤدية إلى ذلك تماما كما كتب الموت على من شرب السم ، والغرق على من رمى نفسه في البحر ، وهو جاهل بفن السباحة . وتقدم مثله في الآية 27 من سورة الرعد والآية 4 من سورة إبراهيم والآية 93 من سورة النحل .

{فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهً عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ} . لا تأسف ولا تحزن يا محمد على الذين لم يستجيبوا لدعوتك ما داموا قد سلكوا طريق الضلال والهلاك بسوء اختيارهم ، وقد أحصى اللَّه عليهم كل صغيرة وكبيرة ، وسوف يعاملهم بما يستحقون . وتقدم مثله في الآية 6 من سورة الكهف ج 5 ص 102 .

_____________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص278-280 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور} تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي وإن يكذبوك بعد استماع هذه البراهين الساطعة فلا تحزن فليس ذلك ببدع فقد كذبت رسل من قبلك كذبتهم أممهم وأقوامهم وإلى الله ترجع عامة الأمور فيجازيهم بما يستحقونه بتكذيبهم الحق بعد ظهوره فليسوا بمعجزين بتكذيبهم .

ومن هنا يظهر أن قوله؟ {فقد كذبت رسل من قبلك} من قبيل وضع السبب موضع المسبب وأن قوله : {وإلى الله ترجع الأمور} معطوف على قوله : {قد كذبت} الخ .

قوله تعالى : {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} خطاب عام للناس يذكرهم بالمعاد كما كان الخطاب العام السابق يذكرهم بتوحده تعالى في الربوبية والألوهية .

فقوله : {إن وعد الله حق} أي وعده أنه يبعثكم فيجازي كل عامل بعمله إن خيرا وإن شرا {حق أي ثابت واقع ، وقد صرح بهذا الوعد في قوله الآتي : {الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفره وأجر كبير} .

وقوله : {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} النهي وإن كان متوجها إلى الحياة الدنيا صورة لكنه في الحقيقة متوجه إليهم ، والمعنى إذا كان وعد الله حقا فلا تغتروا بالحياة الدنيا بالاشتغال بزينتها والتلهي بما ينسيكم يوم الحساب من ملاذها وملاهيها والاستغراق في طلبها والإعراض عن الحق .

وقوله : {ولا يغرنكم بالله الغرور} الغرور بفتح الغين صيغة مبالغة من الغرور بالضم وهو الذي يبالغ في الغرور ومن عادته ذلك ، والظاهر - كما قيل - إن المراد به الشيطان ويؤيده التعليل الواقع في الآية التالية : {إن الشيطان لكم عدو} الخ .

ومعنى غروره بالله توجيهه أنظارهم إلى مظاهر حلمه وعفوه تعالى تارة ومظاهر ابتلائه واستدراجه وكيده أخرى فيرون أن الاشتغال بالدنيا ونسيان الآخرة والإعراض عن الحق والحقيقة لا يستعقب عقوبة ولا يستتبع مؤاخذة ، وأن أبناء الدنيا كلما أمعنوا في طلبهم وتوغلوا في غفلتهم واستغرقوا في المعاصي والذنوب زادوا في عيشهم طيبا وفي حياتهم راحة وبين الناس جاها وعزة فيلقي الشيطان عند ذلك في قلوبهم أن لا كرامة إلا في التقدم في الحياة الدنيا ، ولا خبر عما وراءها وليس ما تتضمنه الدعوة الحقة من الوعد والوعيد وتخبر به النبوة من البعث والحساب والجنة والنار إلا خرافة .

فالمراد بغرور الشيطان الإنسان بالله اغترار الإنسان بما يعامل به الله الإنسان على غفلته وظلمه .

وربما قيل : إن المراد بالغرور الدنيا الغارة للإنسان وأن قوله : {ولا يغرنكم بالله الغرور} تأكيد لقوله : {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} بتكراره معنى .

قوله تعالى : {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} الخ .

تعليل للنهي المتقدم في قوله : {ولا يغرنكم بالله الغرور} والمراد بعداوة الشيطان أنه لا شأن له إلا أغواء الإنسان وتحريمه سعادة الحياة وحسن العاقبة ، والمراد باتخاذ الشيطان عدوا التجنب من اتباع دعوته إلى الباطل وعدم طاعته فيما يشير إليه في وساوسه وتسويلاته ولذلك علل عداوته بقوله : {إنما يدعوا حزبه} .

فقوله؟ {إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} في مقام تعليل ما تقدمه والحزب هو العدة من الناس يجمعهم غرض واحد ، واللام في {ليكونوا} للتعليل فكونهم من أصحاب السعير علة غائية لدعوته ، والسعير النار المسعرة وهومن أسماء جهنم في القرآن .

قوله تعالى : {الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفره وأجر كبير} هذا هو الوعد الحق الذي ذكره الله سبحانه ، وتنكير العذاب للدلالة على التفخيم على أن لهم دركات ومراتب مختلفة من العذاب باختلاف كفرهم وفسوقهم فالإبهام أنسب ويجري نظير الوجهين في قوله : {مغفره وأجر} .

قوله تعالى : {أ فمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} تقرير وبيان للتقسيم الذي تتضمنه الآية السابقة أعني تقسيم الناس إلى كافر له عذاب شديد ومؤمن عامل بالصالحات له مغفره وأجر كبير والمراد أنهما لا يستويان فلا تستوي عاقبة أمرهما .

فقوله : {أ فمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} مبتدأ خبره محذوف أي كمن ليس كذلك ، والفاء لتفريع الجملة على معنى الآية السابقة ، والاستفهام للإنكار ، والمراد بمن زين له سوء عمله فرآه حسنا الكافر ويشير به إلى أنه منكوس فهمه مغلوب على عقله يرى عمله على غير ما هو عليه والمعنى أنه لا يستوي من زين له عمله السيىء فرآه حسنا والذي ليس كذلك بل يرى السيىء سيئا .

وقوله : {فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} تعليل للإنكار السابق في قوله : {أ فمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} أي الكافر الذي شأنه ذلك والمؤمن الذي بخلافه لا يستويان لأن الله يضل أحدهما بمشيته وهو الكافر الذي يرى السيئة حسنة ويهدي الآخر بمشيته وهو المؤمن الذي يعمل الصالحات ويرى السيئة سيئة .

وهذا الإضلال إضلال على سبيل المجازاة وليس إضلالا ابتدائيا فلا ضير في انتسابه إلى الله سبحانه .

وبالجملة اختلاف الكافر والمؤمن في عاقبتهما بحسب الوعد الإلهي بالعذاب والرحمة لاختلافهما بالإضلال والهداية الإلهيين واختلافهما بالإضلال والهداية باختلافهما في رؤية السيئة حسنة وعدمها .

وقوله : {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} الحسرات جمع حسرة وهي الغم لما فأت والندم عليه ، وهي منصوبة لأنه مفعول لأجله والمراد بذهاب النفس عليهم هلاكها فيهم لأجل الحسرات الناشئة من عدم إيمانهم .

والجملة متفرعة على الفرق السابق أي إذا كانت الطائفتان مختلفتين بالإضلال والهداية من جانب الله فلا تهلك نفسك حسرات عليهم إذ كذبوك وكفروا بك فإن الله هو الذي يضلهم جزاء لكفرهم ورؤيتهم السيئة حسنة وهو عليم بما يصنعون فلا يختلط عليه الأمر ولا يفعل بهم إلا الحق ولا يجازيهم إلا بالحق .

ومن هنا يظهر أن قوله : {إن الله عليم بما يصنعون} في موضع التعليل لقوله : {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} فلا ينبغي للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يهلك نفسه عليهم حسرات حيث ضلوا وحقت عليهم كلمة العذاب فإن الله هو الذي يضلهم لصنعهم وهو عليم بما يصنعون .

______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص14-16 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

لا يغرنّكم الشيطان والدنيا

ينتقل القسم الثاني من هذه المجموعة من الآيات ـ وبعد أن كان الحديث حول توحيد الخالقية والرازقية ـ إلى الحديث في تفصيل البرامج العملية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)ويوجّه الخطاب إليه أوّلا ، ثمّ لعموم الناس وبيان المناهج العملية لهم بعد تفصيل البرامج العقائدية سابقاً .

في البداية تقدّم الآيات للرسول درس الإستقامة على الصراط السوي ، والذي هو أهمّ الدروس له ، فتقول الآية الكريمة : {وإن يكذّبوك فقد كذبت رسل من قبلك} فهؤلاء الرسل الذين سبقوك قاوموا ، ولم يهدأ لهم بال في أداء رسالتهم ، وأنت أيضاً يجب أن تقف بصلابة ، وتؤدّي رسالتك ، والبقية بعهدة الله . (وإلى الله ترجع الاُمور) فهو الناظر والرقيب على كلّ شيء ، وسوف يحاسب على جميع الأعمال .

فهو تعالى لا يتغافل عن المشاق التي تتحمّلها في هذا الطريق ، كما أنّه لن يترك هؤلاء المكذّبين المخالفين المعاندين يمضون دون عقاب ، فقد يكون للقلق محلّ لولم يكن ليوم القيامة وجود ، أمّا مع وجود تلك المحكمة الإلهية العظيمة ، وتلك الكتابة لكلّ أعمال البشر لذلك اليوم العظيم ، فأيّ داع للقلق بعد؟

ثمّ تنتقل الآيات لتوضيح أهم البرامج للبشرية ، فتقول الآية الكريمة : {إنّ وعد الله حقّ} فالقيامة والحساب والكتاب والميزان والجزاء والعقاب والجنّة والنار كلّها وعود إلهية لا يمكن أن يُخلفها الله تعالى .

ومع الإنتباه إلى هذه الوعود الحقّة : {فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ولا يغرنّكم بالله الغَرور} فلا ينبغي أن تخدعكم الحياة الدنيا ، ولا يخدعكم الشيطان بعفو الله ورحمته . .

أجل ، إنّ عوامل الإثارة ، وزخارف الدنيا وزبارجها ، إنّما تريد أن تملأ قلوبكم ، وتلهيكم عن تلك الوعود الإلهيّة العظيمة ، وكذلك فإنّ شياطين الجنّ والإنس دائمة السعي بوساوسها وإغرائها وبمختلف وسائل الخداع والإحتيال ، وهي أيضاً تريد إلفات إهتمامكم إليها ، وإلهائكم عن التفكير في ذلك اليوم الموعود ، فإن تمكّنت أضاليلهم وخدعهم منكم ، فقد ضاعت عليكم حياتكم بأكملها ، وكانت سعادتكم وآمالكم نقشاً على الماء ، فالحذر الحذر !!

إنّ تكرار التنبيه للناس لكي لا يغتّروا بوساوس الشياطين أو بزخارف الدنيا ـ في الحقيقة ـ إشارة إلى أنّ للذنوب طريقين للولوج إلى النفس الإنسانية :

 1 ـ مظاهر الدنيا الخدّاعة ، كالجاه والمقام والمال والكبرياء وأنواع الشهوات .

2 ـ الإغترار بعفو الله وكرمه ، وهنا فإنّ الشيطان يزيّن الدنيا في نظر الإنسان ويصوّرها له متاعاً مباحاً وجذّاباً ومحبّباً وقيّماً من جهة .

ومن جهة اُخرى فإنّه كلّما أراد الإنسان أن يتذكّر الآخرة ومحكمة العدل الإلهي ومقاومة الجاذبية الشديدة للدنيا وخِدعها ، فانّه يغريه بعفو الله ورحمته ، فيدفعه بالنتيجة إلى التسويف والطغيان وإرتكاب الذنوب . غافلا عن أنّ الله سبحانه مع كونه في موضع الرحمة و«أرحم الراحمين» فهو تعالى في موضع العقوبة «أشدّ المعاقبين» ، فإنّ رحمته لا يمكن أن تكون أبداً باعثاً على المعصية ، كما أنّ غضبه لا يمكن أن يكون سبباً لليأس والقنوط .

«غَرور» صيغة مبالغة بمعنى الخدّاع أو المضلّل غير العادي ، والظاهر أنّه إشارة إلى جميع عوامل الإغواء والخداع ، كما أنّه قد يكون إشارة إلى خصوص الشيطان . وإن كان المعنى الثاني أكثر مناسبة للآية الثانية ، خاصّة إذا علمنا أنّ القرآن الكريم نسب «الغرور» إلى الشيطان في آيات مختلفة .

بعض المفسّرين ، لهم تحليل خاص هنا ملخّصه : أنّ الناس الذين يتعرضون لعوامل الخداع والإغراء ثلاثة أصناف :

1 ـ صنف ضعيف وليس له قدرة بحيث أنّه يخدع بأبسط الحيل .

2 ـ صنف أقوى من الأوّل ، لا يخدعون فقط بزخرف الدنيا وزبرجها ، بل مع ضمّ وساوس الشياطين الذين يعملون على تحريك شهواتهم ويهوّنون لهم مفاسد أعمالهم عندها يمكن خداعهم . فالملذّات الدنيوية من جهة ، والوساوس الشيطانية من جهة اُخرى ، تدفعهم إلى إرتكاب أعمال قبيحة وسيّئة .

3 ـ أمّا الصنف الثالث وهو الأقوى والأعلم ، فهم لا يغتّرون بأنفسهم ولا يمكن لأحد خداعهم .

وجملة {فلا تغرنّكم الحياة الدنيا} إشارة إلى الصنف الأوّل ، وجملة {ولا يغرنّكم بالله الغرور} إشارة إلى الصنف الثاني ، وأمّا الصنف الثالث فهم مصداق قوله : {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان} (2) .

الآية التالية تنذر وتنبّه جميع المؤمنين فيما يخصّ مسألة وساوس الشيطان ومكائده والتي تعرّضت لها الآية السابقة فتقول : {إنّ الشيطان لكم عدو فاتّخذوه عدوّاً} .

تلك العداوة التي شرع بها الشيطان من أوّل يوم خُلق فيه آدم (عليه السلام) ، وأقسم حين طرد من قرب الله وجواره بسبب عدم تسليمه للأمر الإلهي بالسجود لآدم ، أقسم وتوعّد بأن يسلك طريق العداء لآدم وبنيه ، وحتّى أنّه دعا من الله أن يمهله ويطيل في عمره لذلك الغرض .

وقد التزم بما قال ، ولم يفوّت أدنى فرصة لإبراز عدائه وإنزال الضربات بأفراد بني آدم ، فهل يصحّ منكم يابني آدم أن لا تعتبروه عدوّاً لكم ، أو أن تغفلوا عنه ولو لحظة واحدة ، فكيف الحال باتّباعه وإقتفاء خطواته ، أو تعدونه وليّاً شفيقاً وصاحباً ناصحاً {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف : 50] .

مضافاً إلى أنّه عدو يهاجم من كلّ طرف وجانب ، فهو نفسه «لعنه الله» يقول : على ما نقله القرآن الكريم : {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ } [الأعراف : 17] .

وهو يكمن لكم ويراكم ولا ترونه : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف : 27] .

ومع ذلك ، فهذا لا يعني أنّكم لا تقدرون على الدفاع عن أنفسكم أمام مكائده ووساوسه ، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلوات والسلام) : أنّ الله سبحانه وتعالى أوصى موسى (عليه السلام) أربع وصايا وطالبه بحفظها :

أُولاهنّ ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشتغل بعيوب غيرك !

والثانية : ما دمت لا ترى كنوزي قد نفذت فلا تهتم برزقك !

والثالثة : ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحداً غيري !

والرابعة : ما دمت لا ترى الشيطان ميتاً فلا تأمن مكره (3) !

على كلّ حال ، فقد وردت في آيات كثيرة الإشارة إلى عداوة الشيطان لبني آدم ، وأطلقت عليه مراراً وتكراراً عبارة {عدو مبين} (4) لذا يجب الحذر الدائم من هذا العدوّ .

في آخر الآية يضيف تعالى للتأكيد أكثر : {إنّما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} .

«حزب» في الأصل بمعنى الجماعة التي لها فعالية ، ولكنّها تطلق عادةً على كلّ مجموعة تتبع برنامجاً وهدفاً خاصاً .

والمقصود (بحزب الشيطان) أتباعه .

طبيعي أنّ الشيطان لا يمكنه إدخال أيّ أحد من الناس ليكون عضواً رسمياً في حزبه ويقوده إلى جهنّم ، فأعضاء حزبه هم الذين يتّصفون بالصفات المذكورة في بعض الآيات القرآنية . .

* فهم الذين طوّقوا أنفسهم بطوق العبودية للشيطان {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } [النحل : 100] .

* وهم الذين {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة : 19] .

والملفت للنظر أنّ القرآن الكريم ذكر «حزب الله» في ثلاثة مواضع وكذلك ذكر «حزب الشيطان» في ثلاثة مواضع أيضاً ، حتّى يتّضح من الذين يقيّدون أسماءهم في حزب الله ، ومن هم أعضاّ حزب الشيطان ؟

ولكن من الطبيعي أنّ الشيطان يدعو حزبه إلى المعاصي والذنوب ولوث الشهوات . . إلى الشرك والطغيان والإضطهاد ، وبالنتيجة إلى جهنّم وبئس المصير .

وسوف نستوفي الشرح حول خصائص «حزب الله» وخصائص «حزب الشيطان» في تفسير الآية (22) من سورة «المجادلة» إن شاء الله .

آخر آية من هذه الآيات توضّح عاقبة «حزب الله» السعيدة وخاتمة «حزب الشيطان» المريرة ، فتقول : {الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير} .

من الجدير بالملاحظة هنا أنّ القرآن الكريم اكتفى بذكر «الكفر» كسبب لإستحقاق العذاب ، ولكنّه لم يكتف بذكر (الإيمان) وحده كسبب «للمغفرة والأجر الكبير» بل أردف مضيفاً له «العمل الصالح» . لأنّ الكفر وحده يكفي للخلود في عذاب السعير ، بينما الإيمان بدون العمل لا يكفي لتحقيق النجاة ، فإنّهما مقترنان .

وقد ورد في الآية ذكر (المغفرة) ثمّ ذكر «الأجر الكبير» بعدها ، باعتبار أنّ (المغفرة) تغسل المؤمنين في البدء وتهيؤهم لتلقّي «الأجر الكبير» .

 

وقوله تعالى : {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَت إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ

 

إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه :

ممّا مرّ من تقسيم الناس إلى مجموعتين «المجموعة المؤمنة» و«المجموعة الكافرة» أو «حزب الله» و«حزب الشيطان» ، تنتقل هذه الآيات إلى بيان إحدى الخصائص المهمّة لهاتين المجموعتين والتي هي في الواقع المصدر لسائر برامجهما .

تقول الآية الاُولى : {أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً} كمن يرى الحقائق كما هي من حيث الحسن والقبح ؟!

في الحقيقة إنّ هذه القضيّة هي المفتاح لكلّ مصائب الأقوام الضالّة والمعاندة ، الذين يرون أعمالهم القبيحة أعمالا جميلة ، وذلك لإنسجامها مع شهواتهم وقلوبهم المعتمة .

بديهي أنّ شخصاً كهذا ، لا يتقبّل نصيحة ، وليس لديه الإستعداد لسماع النقد وليس بحاضر أبداً لتغيير مسيره . كما أنّه لا يناقش أعماله ولا يفكّر بعواقبها الوخيمة .

وأدهى من ذلك وأمرّ أنّهم حينما يدور حديث حول المحسنين والمسيئين ، يعتقدون بأنّ الضمير في الأوّل يعود عليهم ، بينما يعود في المسيئين على المؤمنين الصلحاء !

والعجب من هؤلاء الكفّار المعاندين انّهم عندما يسمعون هذه الآيات تتلى عليهم وهي تتحدّث عن حزب الشيطان ومصيرهم الأسود طبّقوا ذلك على المؤمنين الصالحين ، وعدّوا أنفسهم مصداقاً لحزب الله !!

وتلك مصيبة وفاجعة عظيمة !

أمّا من الذي زيّن سوء أعمال هؤلاء في أنظارهم ؟ هل هو الله ، أم هوى النفس ، أم الشيطان ؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ العامل الأصلي لذلك هو الهوى والشيطان ، ولكن لأنّ الله هو الخالق لذلك الأثر في أعمالهم ، فيمكن نسبة ذلك إلى الله تعالى ، لأنّ الإنسان وفي بداية طريق المعاصي يشعر بعدم الإرتياح حين إرتكاب المعصية ، لسلامة فطرته وحيوية وجدانه وسلامة عقله ، ولكن بتكرار تلك الأعمال يقلّ عدم الإرتياح إلى أن يصل إلى درجة عدم الإكتراث . ثمّ إذا استمرّ في ذلك الطريق يمسي القبيح جميلا في نظره ، حتّى يصل إلى أن يتوهّم أنّ ذلك من مفاخره وفضائله ، والحال أنّه يغطّ في بِركة آسنة من التعاسة والشقاء .

والملفت للنظر أنّ القرآن عندما يتساءل {أفمن زيّن له سوء عمله . . .} . لا يتعرّض إلى ما يقابل ذلك صراحة ، وكأنّه يريد أن يفسح المجال أمام المستمع لكي يتصوّر اُموراً مختلفة يمكنها أن تكون ما يقابل ذلك ويفهم أكثر وأكثر ، وكأنّه يريد أن يقول : هل أنّ شخصاً كهذا هو كمن أبصر الحقيقة؟

هل أنّ شخصاً كهذا كمن هو نقي القلب ومشغول دوماً بمحاسبة نفسه ؟ .

وهل أنّ هناك أملا بالنجاة لهكذا شخص (5) ؟ .

ثمّ يضيف القرآن موضّحاً علّة الفرق بين الفريقين فيقول : {فإنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء}

فإذا زُيّنت الأعمال السيّئة بنظر المجموعة الاُولى ، فإنّ ذلك نتيجة الإضلال الإلهي ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي جعل تلك الخاصية في النفس البشرية عند تكرارها للأعمال السيّئة ، بأن تتطبّع عليها وتعتادها وتنسجم معها وتنطبع بطبيعتها .

وهو سبحانه الذي أعطى للمؤمنين الطاهري القلوب نفاذ البصر والبصيرة ، وسمعاً واعياً لإدراك الحقائق كما هي .

وواضح أنّ هذه المشيئة الإلهيّة توأم لحكمته تعالى ، وإنّما تعطي لكلّ ما يناسبه . لذا فإنّ الآية تضيف في الختام : (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) وهذا التعبير يشابه ما ورد في الآية (3) من من سورة الشعراء : {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء : 3] (6) .

التعبير بـ «حسرات» الذي هو «مفعول لأجله» لما قبله في الجملة ، إشارة إلى أنّه ليس عندك عليهم حسرة واحدة ، بل حسرات :

«حسرة» على تضييع نعمة الهداية . «حسرة» على تضييع جوهر الإنسانية ، «حسرة» على تضييع حاسّة التشخيص إلى حدّ رؤية القبيح جميلا ، وأخيراً «حسرة» على الوقوع في نار الغضب والقهر الإلهي .

ولكن لماذا لا ينبغي أن تتحسّر عليهم؟! ذلك لأجل (إنّ الله عليم بما يصنعون) .

واضح من نبرة الآية شدّة تحرّق الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الضالّين والمنحرفين ، وكذلك هي حال القائد الإلهي المخلص يتألّم لعدم تقبّل الناس الحقّ وتسليمهم للباطل ، وضربهم بكلّ أسباب السعادة عرض الجدار ، إلى حدّ كأنّ روحه تريد أن تفارق بدنه .

 _________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص18-25 .

2 ـ تفسير الفخر الرازي ، المجلّد 26 ، ص5 .

3 ـ سفينة البحار ، المجلّد 1 ، صفحة 501 ـ مادّة ربع .

4 ـ لاحظ الآيات 161 و208 من سورة البقرة ، والآية (142) من سورة الأنعام ، والآية (22) من سورة الأعراف ، والآية (5) سورة يوسف ، والآية (60) سورة يس ، والآية (62) من سورة الزخرف .

5 ـ من هنا يتّضح أنّ في الآية جملة مقدّرة يمكن أن تكون « . . . كمن ليس كذلك ، أو كمن يحاسب نفسه ويرى سوء عمله سيّئاً . . . أو : هل يرجى له صلاح أو متاب» وهكذا .

6 ـ ذكر أيضاً لهذه الآية تفسير آخر ، وهو أنّ المقصود منها مخاطبة الرّسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن لا يتألّم من شدّة أذى ومخالفات هؤلاء ، إذ أنّ الله مطّلع على أعمالهم تماماً وسينتقم منهم في الوقت المناسب .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .