أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-9-2020
3610
التاريخ: 22-9-2020
2881
التاريخ: 22-9-2020
4822
التاريخ: 22-9-2020
7537
|
قال تعالى : {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَو يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر : 44 -45]
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
{أ ولم يسيروا في الأرض} أي أ لم يسر هؤلاء [الكفار] الذين أنكروا إهلاك الله الأمم الماضية في الأرض {فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} أي كيف أهلك الله المكذبين من قبلهم مثل قوم لوط وعاد وثمود فيعتبروا بهم {وكانوا} وكان أولئك {أشد منهم} أي من هؤلاء {قوة وما كان الله ليعجزه من شيء} أي لم يكن الله يفوته شيء {في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما} بجميع الأشياء {قديرا} على ما لا نهاية له .
ثم من سبحانه على خلقه بتأخيره العقاب عنهم فقال {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا} من الشرك والتكذيب لعجل لهم العقوبة وهو قوله {ما ترك على ظهرها من دابة} والضمير عائد إلى الأرض وإن لم يجر لها ذكر لدلالة الكلام على ذلك والعلم الحاصل به {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} والآية مفسرة في سورة النحل {فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا} أي هو بصير بمكانهم فيؤاخذهم حيث كانوا وقيل بصيرا بأعمالهم فيجازيهم عليها .
_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص253 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هاتين الآيتين (1) :
{ أَولَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} . هذه الآية ترتبط بالتي قبلها ، فتلك تقول : ان سنّة اللَّه فيمن مضى من مكذبي الرسل هي الإهلاك والاستئصال ، وتقول هذه لمن كذّب محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) : تلك آثار المكذبين قبلكم وديارهم ظاهرة للعيان ، وما هي منكم ببعيد ، فاضربوا في الأرض قليلا وشاهدوها لعلكم تذكّرون وتتعظون . وتقدم في الآية 46 من سورة الحج ج 5 ص 337 .
{وما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ ولا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً} لا يفوته المقيم ، ولا يعجزه الهارب ، فكل شيء خاضع لقدرته ، وخاشع لعظمته . وفي بعض التفاسير : ان جميع المخلوقات خصماء المذنبين حتى الدواب والوحوش والذر والطيور ، لأن اللَّه ينزل العذاب عليهم ، وإذا نزل العذاب عمّ كما قال تعالى : {واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال - 25 ] ج 3 ص 468 .
{ولَويُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ولكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهً كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً} . وأدل شيء على عقوق الإنسان لخالقه انه يأكل رزقه ، ويعبد غيره . . وهذا وحده كاف واف للعقاب والمؤاخذة ، ولكن لكل شيء عند اللَّه مدة وأجلا مسمى .
_______________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص298 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
قوله تعالى : {أ ولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة} استشهاد على سنته الجارية في الأمم الماضية وقد كانوا أشد قوة من مشركي مكة فأخذهم الله بالعذاب لما مكروا وكذبوا .
قوله تعالى : {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا} تتميم لسابق البيان لمزيد إنذارهم وتخويفهم ، والمحصل ليتقوا الله وليؤمنوا به ولا يمكروا به ولا يكذبوا فإن سنة الله في ذلك هي العذاب كما يشهد به ما جرى في الأمم السابقة من الإهلاك والتعذيب وقد كانوا أشد قوة منهم والله سبحانه لا يعجزه شيء في السماوات والأرض بقوة أو مكر فإنه عليم على الإطلاق لا يغفل ولا يجهل حتى ينخدع بمكر أو حيلة قدير على الإطلاق لا يقاومه شيء .
قوله تعالى : {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} إلخ .
المراد بالمؤاخذة المؤاخذة الدنيوية كما يدل عليه قوله الآتي : {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} إلخ .
والمراد بالناس جميعهم فإن الآية مسبوقة بذكر مؤاخذة بعضهم وهم الماكرون المكذبون بآيات الله ، والمراد بما كسبوا المعاصي التي اكتسبوها بقرينة المؤاخذة التي هي العذاب وقد قال في نظيره الآية من سورة النحل : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ } [النحل : 61] .
والمراد بظهرها ظهر الأرض لأن الناس يعيشون عليه على أن الأرض تقدم ذكرها في الآية السابقة .
والمراد بالدابة كل ما يدب في الأرض من إنسان ذكر أو أنثى أو كبير أو صغير واحتمل أن يكون المراد كل ما يدب في الأرض من حيوان وإهلاك غير الإنسان من أنواع الحيوان إنما هو لكونها مخلوقة للإنسان كما قال تعالى : {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [البقرة : 29] .
وقول بعضهم : ذلك لشؤم المعاصي وقد قال تعالى : {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} مدفوع بأن شؤم المعصية لا يتعدى العاصي إلى غيره وقد قال تعالى : {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر : 18] ، وأما الآية أعني قوله : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } [الأنفال : 25] فمدلولها على ما تقدم من تفسيرها اختصاص الفتنة بالذين ظلموا منهم خاصة لا عمومها لهم ولغيرهم فراجع (2) .
وقوله : {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} وهو الموت أو القيامة وقوله : {فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا} أي فيجازي كلا بما عمل فإنه بصير بهم عليم بأعمالهم لأنهم عباده وكيف يمكن أن يجهل الخالق خلقه والرب عمل عبده؟ .
وقد بان بما تقدم أن قوله : {فإن الله كان بعباده بصيرا} من وضع السبب موضع المسبب الذي هو الجزاء .
والآية أعني قوله تعالى : {ولو يؤاخذ الله الناس} إلخ .
واقعة موقع الجواب عن سؤال مقدر ناش عن الآية السابقة فإنه تعالى لما أنذر أهل المكر والتكذيب من المشركين بالمؤاخذة واستشهد بما جرى في الأمم السابقة وذكر أنه لا يعجزه شيء في السماوات والأرض كأنه قيل : فإذا لم يعجزه شيء في السماوات والأرض فكيف يترك سائر الناس على ما هم عليه من المعاصي؟ وما ذا يمنعه أن يؤاخذهم بما كسبوا؟ فأجاب أنه لو يؤاخذ جميع الناس بما كسبوا من المعاصي كما يؤاخذ هؤلاء الماكرين المكذبين ما ترك على ظهر الأرض أحدا منهم يدب ويتحرك ، وقد قضى سبحانه أن يعيشوا في الأرض ويعمروها إذ قال : {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } [البقرة : 36] فلا يؤاخذهم ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى وهو الموت أو البعث فإذا جاء أجلهم عاملهم بما عملوا إنه كان بعباده بصيرا .
___________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص49-50 .
2- شؤم المعصية لا يتعدى العاصي على مستوى الفردي والجزاء الاخروي اما شؤم المعصية على المستوى الاجتماعي والجزاء الدنيوي فنعم يتعدى ، والكتاب الكريم والسنة المطهرة شاهدان على ذلك .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
الآية الاولى تدعو هؤلاء المشركين والمجرمين إلى مطالعة آثار الماضين والمصير الذي وصلوا إليه ، حتّى يروا بأُمّ أعينهم في آثارهم ومواطنهم السابقة جميع ما سمعوه ، وبذا يتحوّل البيان إلى العيان . فتقول الآية الكريمة : {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} .
فإذا كانوا يتصوّرون أنّهم أشدّ قوّة من اُولئك فهم على إشتباه عظيم تلك ، لأنّ الأقوام السالفة كانت أقوى منهم : {وكانوا أشدّ منهم قوّةً} .
فالفراعنة الذين حكموا مصر ، ونمرود الذي حكم بابل ودولا اُخرى بمنتهى القدرة ، كانوا أقوياء إلى درجة لا يمكن قياسها مع قوّة مشركي مكّة .
إضافةً إلى أنّ الإنسان مهما بلغ من القوّة والقدرة ، فإنّ قدرته وقوّته لا شيء إزاء قوّة الله ، لماذا؟ لأنّه { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } (2) فهو العليم القدير ، لا يخفى عليه شيء ، ولا يستعصي على قدرته شيء ، ولا يغلبه أحد ، فلو تصوّر هؤلاء المستكبرون الماكرون أنّهم يستطيعون الفرار من يد قدرته تعالى فهم مشتبهون أشدّ الإشتباه . وإذا لم ينفضوا أيديهم من تلك الأعمال السيّئة ، فسوف يلاقون نفس المصير الذي لقيه من كان قبلهم .
يمرّ بنا مراراً التعرّض لهذا الأمر في القرآن الكريم ، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى يدعو الكفّار والعاصين إلى «السير في الأرض» ومشاهدة آثار الأقوام الماضين ومصائرهم الأليمة .
ورد في الآية (9) من سورة الروم { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم : 9] .
وورد شبيه هذا المعنى في سورة [يوسف ـ 109] ، و[الحجّ ـ 46] ، و[غافر 21 و82] ، و[الأنعام ـ 11] إلى غير ذلك .
هذا التأكيد المتكرّر دليل على التأثير الخاصّ لتلك المشاهدات في النفس الإنسانية ، فإنّ عليهم أن يروا بأعينهم ما قرأوه في التأريخ أو سمعوه ، ليذهبوا وينظروا عروش الفراعنة المحطّمة . وقصور الأكاسرة المدمّرة ، وقبور القياصرة الموحشة ، وعظام نمرود المتفسّخة ، وأرض قوم لوط وثمود الخالية ، ثمّ ليستمعوا إلى نصائحهم الصامتة ، وأنينهم من تحت التراب ، وينظروا باُمّ أعينهم ماذا حلّ بهؤلاء .
وقوله تعالى : {وَلَو يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّة وَلَكنِ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَل مُّسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً }
لولا لطف الله ورحمته !
الآية مورد البحث وهي الآية الأخيرة من آيات سورة فاطر ، وبعد تلك البحوث الحادّة والتهديدات الشديدة التي مرّت في الآيات المختلفة للسورة ، تنهي هذه الآية السورة ببيان اللطف والرحمة الإلهيّة بالبشر ، تماماً كما ابتدأت السورة بذكر إفتتاح الله الرحمة للناس . وعليه فإنّ البدء والختام متّفقان ومنسجمان في توضيح رحمة الله .
زيادة على ذلك ، فإنّ الآية السابقة التي تهدّد المجرمين الكفّار بمصير الأقوام الغابرين ، تطرح كذلك السؤال التالي ، وهو إذا كانت السنّة الإلهية ثابتة على جميع الطغاة والعاصين ، فلماذا لا يُعاقب مشركو مكّة؟! وتجيب على السؤال قائلة : {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا} ولا يمنحهم فرصة لإصلاح أنفسهم والتفكّر في مصيرهم وتهذيب أخلاقهم {ما ترك على ظهرها من دابّة} .
نعم لو أراد الله مؤاخذتهم على ذنوبهم لأنزل عليهم عقوبات متتالية ، صواعق ، وزلازل ، وطوفانات ، فيدمّر المجرمين ولا يبقى أثراً للحياة على هذه الأرض . {ولكن يؤخّرهم إلى أجل مسمّى} ويعطيهم فرصة للتوبة وإصلاح النفس .
هذا الحلم والإمهال الإلهي له أبعاد وحسابات خاصّة ، فهو إمهال إلى أن يحلّ أجلهم {فإذا جاء أجلهم فإنّ الله كان بعباده بصيراً} (3) فانّه تعالى يرى أعمالهم ومطّلع على نيّاتهم .
هنا يطرح سؤالان ، جوابهما يتّضح ممّا ذكرناه أعلاه :
الأوّل : هل أنّ هذا الحكم العام {ما ترك على ظهرها من دابة} يشمل حتّى الأنبياء والأولياء والصالحين أيضاً؟
الجواب واضح ، لأنّ المعنيّ بأمثال هذا الحكم هم الأغلبية والأكثرية منهم ، والرسل والأئمّة والصلحاء الذين هم أقلّية خارجون عن ذلك الحكم ، والخلاصة أنّ كلّ حكم له إستثناءات ، والأنبياء والصالحون مستثنون من هذا الحكم . تماماً مثلما نقول : إنّ أهل الدنيا غافلون وحريصون ومغرورون ، والمقصود الأكثرية منهم ، في الآية (41) من سورة الروم نقرأ { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم : 41] . فبديهي أنّ الفساد ليس نتيجة لأعمال جميع البشر ، بل هو نتيجة لأعمال أكثريتهم .
وكذلك فإنّ الآية (32) من نفس هذه السورة ، التي قسّمت الناس إلى ثلاث مجموعات «ظالم» و«مقتصد» و«سابق بالخيرات» شاهد آخر على هذا المعنى .
وعليه فإنّ الآية أعلاه ليس فيها ما ينافي عصمة الأنبياء إطلاقاً .
الثاني : هل أنّ التعبير بـ «دابّة» في الآية أعلاه يشير إلى شمول غير البشر ، أي أنّ تلك الدواب أيضاً سوف تتعرّض للفناء نتيجة إيقاع الجزاء على البشر ؟!
الجواب على هذا السؤال يتّضح إذا علمنا أنّ أصل فلسفة وجود الدواب هو تسخيرها لمنفعة الإنسان ، فإذا إنعدم الإنسان من سطح الكرة الأرضية فليس من داع لوجود تلك الدواب (4) .
وأخيراً نختم هذا البحث بالحديث التالي الوارد عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)حيث يقول : «سبق العلم ، وجفّ القلم ، ومضى القضاء ، وتمّ القدر بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل ، وبالسعادة من الله لمن آمن واتّقى ، وبالشقاء لمن كذّب وكفر ، وبالولاية من الله عزّوجلّ للمؤمنين ، وبالبراءة منه للمشركين» ثمّْ قال : «إنّ الله عزّوجلّ يقول : ياابن آدم ، بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبقوّتي وعصمتي وعافيتي أدّيت إليّ فرائضي ، وأنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بذنبك منّي ، الخير منّي إليك واصل بما أوليتك به ، والشرّ منك إليك بما جنيت جزاء ، وبكثير من تسلّطي لك إنطويت على طاعتي ، وبسوء ظنّك بي قنطت من رحمتي ، تلي الحمد والحجّة عليك بالبيان ، ولي السبيل عليك بالعصيان ، ولك الجزاء الحسن عندي بالإحسان . لم أدع تحذيرك ولم آخذك عند غرّتك ، وهو قوله عزّوجلّ : {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة} لم اُكلّفك فوق طاقتك ، ولم اُحمّلك من الأمانة إلاّ ما قرّرت بها على نفسك ، ورضيت لنفسي منك ما رضيت به لنفسك منّي ، ثمّ قال عزّوجلّ : {ولكن يؤخّرهم إلى أجل مسمّى فإذا جاء أجلهم فإنّ الله كان بعباده بصيراً} (5) .
_________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص94-95 .
2 ـ جملة «ليعجزه» كما ذكرنا سابقاً من مادّة «عجز» وهي هنا بمعنى : يجعله عاجزاً ، لذا ففي كثير من المواضع جاءت بمعنى الفرار من قدرة الله ، أو بمعنى عدم التمكّن من شخص .
3 ـ جملة (إذا جاء أجلهم) جملة شرطية ، وجزاؤها يقع في تقدير جواب الشرط هكذا «فإذا جاء أجلهم يجازى كلّ واحد بما عمل» ، وعليه فإنّ جملة «فإنّ الله» من قبيل «علّة الجزاء» وهي تقوم مقام المعلول المحذوف . ويحتمل كذلك أنّ الجزاء هو(لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) كما ورد في آيات اُخرى من القرآن الكريم كالآية 61 من سورة النحل ، وعليه فإنّ جملة «إنّ الله كان بعباده بصيراً» إشارة إلى أنّ الله يعرفهم جميعاً ، ويعلم أيّاً منهم أبلغ أجله لكي يأخذه بقدرته تعالى .
4 ـ «دابّة» من مادّة «دبّ» والدبّ والدبيب مشي خفيف ، ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر ، ويستعمل في كلّ حيوان وإن اختّصت في التعارف بالخيل . وكذلك تطلق كلمة «الدواب» خاصّة على الحيوانات التي تستعمل للركوب .
5 ـ تفسير علي بن إبراهيم طبقاً لنقل نور الثقلين ، المجلّد 4 ، صفحة 370 الحديث 122 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|