المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17818 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

reversal (n.)
2023-11-09
المظاهر الخطيرة للتعصّب
2-2-2023
من نظم ابن عاصم
2024-09-16
 المصادر الصناعية للمواد الكيميائية
27-12-2015
H-Fractal
19-9-2021
مميزات مرحلة الشباب
16-3-2022


تفسير الاية (22-23) من سورة ابراهيم  
  
5906   06:34 مساءً   التاريخ: 24-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة إبراهيم /

 

قال تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } [إبراهيم: 22، 23]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

لما تقدم وعيد الكافر وصفة يوم الحشر وما يجري فيه من الجدال بين الأتباع والمتبوعين عقب ذلك سبحانه بكلام الشيطان في ذلك اليوم فقال:{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ} وهو إبليس باتفاق المفسرين يقول لأوليائه الذين اتبعوه{ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} أي: فرغ من الحكم بين الخلائق ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار عن ابن عباس والحسن وقالا أنه لم يخاطبهم بذلك قال الحسن وهو أحقر وأذل من أن يخاطب لولا أن الله أذن فيه توبيخا لأهل النار وقيل: إنه يوضع له منبر في النار فيرقاه ويجتمع الكفار عليه بالأئمة عن مقاتل{ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} من البعث والنشور والحساب والثواب والعقاب{ووعدتكم } أن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار وقيل وعدتكم الخلاص من العقاب بارتكاب المعاصي{فأخلفتكم } أي: كذبتكم وقيل: لم أوف لكم بما وعدتكم .

{ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ} أي: وما كان لي عليكم سلطان بالإكراه والإجبار على الكفر والمعاصي وإنما كان لي سبيل الوسوسة والدعوة{فاستجبتم لي} بسوء اختياركم وقيل: معناه لكن دعوتكم إلى الضلال وأغويتكم فصدقتموني وأجبتموني وقبلتم مقالتي بسوء اختياركم لأنفسكم{فلا تلوموني } على ما حل بكم من العقاب بسوء اختياركم{ولوموا أنفسكم } حيث عدلتم عن أمر الله إلى اتباعي من غير دليل وبرهان.

{ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي } أي: ما أنا بمغيثكم ولا معينكم وما أنتم بمغيثي ولا معيني{ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } أي: كفرت الآن بما كان من إشراككم إياي مع الله في الطاعة أي جحدت أن أكون شريكا لله تعالى فيما أشركتموني فيه من قبل هذا اليوم وقال الفراء وجماعة: تقديره إني كفرت بما أشركتموني به أي بالله ويعني بقوله {من قبل } في وقت آدم (عليه السلام) حين أمر بالسجود فأبى واستكبر{ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قيل: إنه من تمام قول الشيطان لأهل النار وقيل أنه ابتداء وعيد من الله تعالى لهم وهو الأظهر وفي هذه الآية دلالة على أن الشيطان لا يقدر على أكثر من الدعاء والإغواء وأنه ليس عليه إلا عقاب الدعوة فحسب .

لما تقدم وعيد الكافرين عقبه سبحانه بالوعد للمؤمنين فقال { وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا } أي صدقوا الله و رسوله{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي: الطاعات { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } قد سبق معناه { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي: بأمر ربهم وإطلاقه

{ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } مر تفسيره في سورة يونس(2).

____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص71-73.

2- في الجزء الخامس من هذا التفسير .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هاتين الآيتين (1) :

خطبة الشيطان :

تكلمنا مفصلا حول فكرة إبليس والشيطان في أول المجلد الأول ، وفي المجلد الثاني ص 324 ، ومجملا عند تفسير الآيات التي اشتملت على ذكر الشيطان . .

ونعود هنا إلى الموضوع بقول أجمع وأوسع ، لأن الآية التي نحن بصددها من أوضح الآيات دلالة على وجود الشيطان ، وانه حقيقة ثابتة ، وان لم تتعرض إلى كنهه وهويته ، وفيما يلي نعرض الجهات التي تتصل بهذه الآية :

1 - ذكر اللَّه سبحانه في كتابه العزيز الشيطان بعبارات شتى ، فتارة يقول عز من قائل : ان الشياطين من نوع الإنس والجن كما في الآية 112 من سورة الأنعام :{ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ} .

وتومئ هذه الآية إلى أن كل قول ظاهره الرحمة وباطنه فيه العذاب فهومن عمل الشيطان أيا كان قائله . وتارة يقول : ان للشيطان جنودا وقبيلا كما في الآية 95 من سورة الشعراء :{وجنود إبليس أجمعون } . والآية 26 من سورة الأعراف :{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } وتدل هذه الآية ان الشياطين لا يحصى لهم عد ، وانهم ليسوا من الأشياء التي ترى بالعين ، وتلمس باليد . وثالثا يقول : ان للشيطان قرناء وأولياء كما في الآية 38 من سورة النساء :

{ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا } وفي الآية 75 من سورة النساء :

« فقاتلوا أولياء الشيطان } وهذا اللفظ بمفرده يدل على أن قتال الزائغين وجهادهم فرض وحتم ، حتى ولوكانوا{مسلمين } . ورابعا يقول جلت حكمته وكلمته :

{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ - 222 الشعراء } وتدل هذه الآية ان الشياطين هم الكذابون الأفاكون .

أما وظيفة الشيطان وجنوده كما حددها القرآن فهي الإضلال والإغواء للصد عن سبيل الحق والخير ، لا بالجبر والإكراه ، بل بالوسوسة والتزيين ، وبالإغواء والتمويه . . ومن أجل هذا قلنا ونكرر القول : ان أي شيء يزين للإنسان عمل السوء ، ويرغبه في الشر والفساد عن طريق المغريات والمشوقات فهوشيطان رجيم وإبليس اللعين ، سواء أكان هذا الشيء المزين المضلل إنسانا أم مالا أم جاها أم كتابا أم صحيفة أم وسوسة وحديث نفس أم شيئا آخر يرى أولا يرى . .

هذه هي صورة الشيطان التي انعكست في ذهننا ، ونحن نتابع ونتدبر آيات اللَّه في كتابه ، ونؤمن بها أيماننا به وبرسوله . . وما عدا ذلك من الجزئيات والتفاصيل ندعه لعلم اللَّه ، وما نحن بمسؤولين عنه ، ولا مكلفين به ، وكل ما يجب علينا هوان لا ننخدع بالمغريات ، ولا نندفع وراء الشهوات ، ولا نستمع للزائغين والمضللين ، وإذا حدثتنا أنفسنا بشيء من ذلك ، أوحاول مخادع أن يغرينا بالانحراف عن قصد السبيل تذكرنا اللَّه ووعده ووعيده ووقفنا عند حدوده ، بحيث نكون المثل الصالح لقوله :{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ - 200 الأعراف } . انظر ج 3 ص 440 .

2 - ان في نفس الإنسان شهوات وغرائز ، وهي أقوى من أي عامل يدفع به إلى معصية اللَّه ومخالفة أمره ، لأنها تأتي من الداخل لا من الخارج ، ومن الباطن لا من الظاهر ، فإذا لم يكن في داخل الإنسان وباطنه قوة أعظم وأصلب تردع الميول الشيطانية ، وتكبح جماحها وقع الإنسان صريع الأهواء والمطامع لا محالة . . وليست هذه القوة الرادعة هي العبادة والصلاة ، ولا العلم والتحقيقات ، ولا الفضائل والشمائل ، لا شيء إلا التقوى مع الوعي على أن ينظر المتقي الواعي إلى كل شيء من خلالهما معا ، فالتقوى بلا وعي ، والوعي بلا تقوى كلاهما ليسا بشيء يقاوم المغريات ، ويقف في طريق الشهوات . . فلقد رأينا الكثير من المتقين يجهلون أنفسهم وواقعهم ، ويحسبون الهوى دينا ، والغرض ايمانا ، ويصور لهم الوهم أوأبالسة الانس الحلال حراما والحرام حلالا ، والى هؤلاء أشار سبحانه بقوله :{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً - 104 الكهف } . أما العلم والعقل بلا تقوى فهما المصدر الأول لكل رذيلة وفساد في الأرض . . والنتيجة الحتمية لذلك ان الواعي بلا تقوى ، والمتقي بلا وعي كلاهما من مصائد الشيطان وشبائكه ، وهذا الأخير أحب إلى قلب إبليس وأعلى لديه مقاما .

3 – { وقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ }. كل شيء ما عدا اللَّه سبحانه له بداية ونهاية ، وقد تكون بدايته خيرا في ظاهرها ، ونهايته شرا في حقيقتها ، وبالعكس . . ومن أجل هذا لا يسوغ الحكم على شيء عند ظهوره وبدايته ما دامت الغاية في عالم الغيب . . فلقد غبط الناس{قارون } لما خرج عليهم في زينته ، وقالوا : انه سعيد وعظيم ، حتى إذا انخسفت الأرض به وبداره وماله قالوا :

انه شقي وذميم . . والدنيا بداية ، والآخرة نهاية ، وفيها ينكشف القناع والغطاء ، ويعرف كل إنسان مصيره ومآله ، حيث لا تزييف ولا تحريف ، وهذا هو معنى قوله تعالى : ( لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ ) .

4 – { إِنَّ اللَّهً وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ووَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } . أما وعد اللَّه فهوالبعث والحساب والجزاء :{فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ - 93 الحجر } . أما وعد الشيطان فهوعلى النقيض من وعد اللَّه : لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار :{إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ - 29 الأنعام } .

هذا ما كان يقوله الشيطان لأوليائه في الحياة الدنيا حيث التزوير والتمويه ، أما في اليوم الآخر حيث لا شيء إلا الحق والعدل فإن الشيطان يظهر على حقيقته ، ويصدق في قوله ولهجته ، وكان من قبل يعلم الناس الكذب والإفك .

5 – { وما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } أبدا لا حول ولا طول للشيطان باعترافه الا دعوة الباطل والضلال والمكر والخداع ، ولا يستجيب له ولدعوته إلا ضعفاء العقول والنفوس والإيمان ، وقوله : وما كان لي عليكم من سلطان هو بالحرف ما قاله اللَّه له :{إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ - 42 الحجر } .

6 – { فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أَنْفُسَكُمْ } . وإذا كان الويل لمن كفّره النمرود فكيف بمن كفّره إبليس ؟ . وإذا تعوذ الناس من الشيطان فكيف بمن وبخه وتعوذ منه الشيطان ؟ . . هذا هو مصير من يخذل الحق والصالحين ، ويناصر الفساد والمفسدين ، وينعق مع كل ناعق . . وقد رأينا كثيرا من شياطين الإنس يغررون بالمراهقين وضعاف العقول ، ويغرونهم بالتخريب وإشاعة الفوضى ، حتى إذا لقوا ما كسبت أيديهم قال لهم شياطينهم عين ما قاله إبليس لأتباعه وأوليائه عند الحساب والجزاء .

{ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } الصارخ هو المستغيث ، والمصرخ هوالمغيث ، والمعنى ان الشيطان يقول غدا لأتباعه : ما أنا بمغن عنكم شيئا ، ولا أنتم مغنون عني شيئا ، وليست بيني وبينكم أية صلة { إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } . يقول إبليس لمن استجاب له : لقد أطعتموني فيما دعوتكم إليه ، وجعلتموني شريكا للَّه في وجوب الطاعة ، وأنا بريء من الشرك وممن يشرك ، حتى ول     جعلني للَّه شريكا في شيء ، أي شيء { إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ } .

هذه جملة مستأنفة وليست من كلام الشيطان ، والمراد بها الوعد والوعيد ، ويجوز أن تكون الخاتمة لخطبة إبليس . . ومن الطريف ما جاء في بعض التفاسير من أن إبليس ألقى خطبته هذه على أهل النار من على منبر نصب له . . ولا بد - بطبيعة الحال - أن يكون قد ألقاها بمكبر عظيم ، لأن المستمعين ، وهم جميع جنوده وأتباعه أكثر من عدد الرمل والحصى والتراب .

{ وأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ } . بعد أن ذكر سبحانه الزائغين وعذابهم ذكر المستقيمين وثوابهم كما هي طريقة القرآن الكريم . ومر نظير هذه الآية في سورة يونس الآية 10 .

______________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص438- 442.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

قوله تعالى:{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} إلى آخر الآية في المجمع الإصراخ الإغاثة بإجابة الصارخ ويقال: استصرخني فلان فأصرخته أي استغاث بي فأغثته. انتهى.

وهذا كلام جامع يلقيه الشيطان يوم القيامة إلى الظالمين يبين فيه موقعه منهم وينبىء أهل الجمع منهم بوجه الحق في الرابطة التي كانت بينه وبينهم في الدنيا وقد وعد الله سبحانه أنه سينبؤهم يوم القيامة بما كانوا فيه يختلفون، وأن الحق سيظهر يوم القيامة عن قبل كل من كان له من قبله خفاء أو التباس، فالملائكة يتبرءون من شركهم والجن والقرناء من الشياطين يطردونهم والأصنام والآلهة التي اتخذوها أربابا من دون الله يكفرون بشركهم، وكبراؤهم وأئمة الضلال لا يستجيبون لهم، والمجرمون أنفسهم يعترفون بضلالهم وجرمهم، كل ذلك واقعة في آيات كثيرة غير خفية على المتتبع المتدبر فيها.

والشيطان وإن كان بمعنى الشرير وربما أطلق في كلامه تعالى على كل شرير من الجن والإنس كقوله:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ }: الأنعام: 112، لكن المراد به في الآية الشيطان الذي هو مصدر كل غواية وضلال في بني آدم وهوإبليس فإن ظاهر السياق أنه يخاطب بكلامه هذا عامة الظالمين من أهل الجمع ويعترف أنه كان يدعوهم إلى الشرك، وقد نص القرآن على أن الذي له هذا الشأن هو إبليس وقد ادعى هو ذلك ولم يرد الله ذلك عليه كما في قوله:{ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }: ص: 85.

وأما ذريته وقبيله الذين يذكرهم القرآن بقوله:{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ }: الأعراف: 27، وقوله:{أ فتتخذونه وذريته أولياء}: الكهف: 50 فولاية الواحد منهم إما لبعض الناس دون بعض أوفي بعض الأعمال دون بعض وأما ولاية على نحوالعونية فهوالعون، والأصل الذي ينتهي إليه أمر الإضلال والإغواء هو إبليس.

فهذا القائل:{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } إلخ هو إبليس يريد بكلامه رد اللوم على فعل المعاصي إليهم والتبري من شركهم فقوله:{ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } أي وعدكم الله وعدا حققه الوقوع وصدقته المشاهدة من البعث والجمع والحساب وفصل القضاء والجنة والنار، ووعدتكم أنا أن لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار ولم أف بما وعدت حيث ظهر خلاف ما وعدت.

كذا ذكره المفسرون.

وعلى هذا فالموعود جميع ما يرجع إلى المعاد إثباتا ونفيا أثبته الله سبحانه ونفاه إبليس، وإخلاف الوعد كناية عن ظهور الكذب وعدم الوقوع من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم.

ومن الممكن - بل هو الوجه - أن يشمل الوعد ما يترتب على الإيمان والشرك في الدنيا والآخرة جميعا لأنهما متطابقتان فقد وعد الله أهل الإيمان حياة طيبة وعيشة سعيدة، وأهل الشرك المعرضين عن ذكره معيشة ضنكا وتحرجا في صدورهم وعذابا في قلوبهم في الدنيا، ووعد الجميع بعثا وحسابا وجنة ونارا في الآخرة.

ووعد إبليس أولياءه بالأهواء اللذيذة والآمال الطويلة وأنساهم الموت وصرفهم عن البعث والحساب وخوفهم الفقر والذلة وملامة الناس، وكان مفتاحه في جميع ذلك إغفالهم عن مقام ربهم وتزيين ما بين أيديهم من الأسباب مستقلة بالتأثير خالقة لآثارها وتصوير نفوسهم لهم في صورة الاستقلال مهيمنة على سائر الأسباب تدبرها كيف شاءت فتغريهم على الاعتماد بأنفسهم دون الله وتسخير الأسباب في سبيل الآمال والأماني.

وبالجملة وعدهم الله فيما يرجع إلى الدنيا والآخرة بما وفى لهم فيه، ودعاهم إبليس من طريق الإغفال والتزيين إلى الأوهام والأماني وهي بين ما لا يناله الإنسان قطعا وما إذا ناله وجده غير ما كان يظنه، فيتركه إلى ما يظنه كما يريد هذا في الدنيا وأما الآخرة فينسيه شئونها كما تقدم.

وقوله:{ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } السلطان - كما ذكره الراغب – هو السلاطة وهو التمكن من القهر، وتسمى الحجة أيضا سلطانا لما فيها من التمكن من قهر العقول على ما لها من النتائج، وكثيرا ما يطلق ويراد به ذوالسلطان كالملك وغيره.

والظاهر أن المراد ما هو أعم من السلطة الصورية والمعنوية فالمعنى وما كان في الدنيا لي عليكم من تسلط لا من جهة أشخاصكم وأعيانكم فأجبركم على معصية الله بسلب اختياركم وتحميل إرادتي عليكم، ولا من جهة عقولكم فأقيم لكم الحجة على الشرك كيفما شئت فتضطر عقولكم لقبوله وتطيعها نفوسكم فيما تأمرها به.

والظاهر أيضا أن يكون الاستثناء في قوله:{إلا أن دعوتكم} منقطعا والمعنى لكن دعوتكم من غير أي سلطان فاستجبتم لي، ودعوته الناس إلى الشرك والمعصية وإن كانت بإذن الله لكنها لم تكن تسليطا فإن الدعوة إلى فعل ليست تسلطا من الداعي على فعل المدعووإن كان نوع تسلط على نفس الدعوة، ومن الدليل عليه قوله تعالى فيما يأذن له{ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ - إلى أن قال - وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا }: الإسراء: 65.

ومن هنا يظهر سقوط ما وجه به الرازي في تفسيره كون الاستثناء متصلا إذ قال: إن القدرة على حمل الإنسان على الشيء تارة تكون بالقهر من الحامل وتارة تكون بتقوية الداعية في قلبه، وذلك بإلقاء الوسواس إليه، وهذا نوع من أنواع التسلط فكأنه قال: ما كان لي تسلط عليكم إلا بالوسوسة لا بالضرب ونحوه.

وجه السقوط: أن عدم كون مجرد الدعوة سلطانا وتمكنا من القهر على المدعوبديهي لا يقبل التشكيك فعده من أنواع التسلط مما لا يصغى إليه.

نعم: ربما انبعثت من المدعو ميل نفساني إلى المدعو إليه فانقاد للدعوة وسلط الداعي بدعوته على نفسه، لكنه تسليط من المدعو لا تسلط من الداعي وبعبارة أخرى هي سلطة يملكها المدعو من نفسه فيملكها الداعي وليس الداعي يملكها عليه من نفسه، وإبليس إنما ينفي التسلط الذي يملكه من نفسه لا ما يسلطونه على أنفسهم بالانقياد بقرينة قوله:{ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ }.

وهذا هو التسلط الذي يثبته الله سبحانه له في قوله:{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }: النحل: 100، أوقوله:{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }: الحجر: 42، والآيات - كما ترى - ظاهرة في أن سلطانه متفرع على الاتباع والتولي والإشراك لا بالعكس.

ولانتفاء سلطانه عليهم بالمرة استنتج قوله بعد:{ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ } والفاء للتفريع أي إذا لم يكن لي عليكم سلطان بوجه من الوجوه - كما يدل عليه وقوع النكرة في سياق النفي والتأكيد بمن في قوله:{وما كان لي عليكم من سلطان} - فلا يعود إلى شيء من اللوم العائد إليكم من جهة الشرك والمعصية فلا يحق لكم أن تلوموني بل الواجب عليكم أن تلوموا أنفسكم لأن لكم السلطان على عملكم.

وقوله:{ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } أي ما أنا بمغيثكم ومنجيكم وما أنتم بمغيثي ومنجي فلا أنا شافع لكم ولا أنتم شافعون لي اليوم.

وقوله:{ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } أي إني تبرأت من إشراككم إياي في الدنيا، والمراد بالإشراك الإشراك في الطاعة دون الإشراك في العبادة كما يظهر من قوله تعالى خطابا لأهل الجمع:{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي }: يس: 61.

وهذا الكلام منه تبر من شركهم كما حكى سبحانه تبري كل متبوع باطل من تابعه يوم القيامة وهو إظهار أن إشراكهم إياه بالله في الدنيا لم يكن إلا وهما سرابيا قال تعالى:{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ }: فاطر: 14 وقال:{ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا}: البقرة: 167 وقال:{ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ }: القصص: 64.

وقوله:{إن الظالمين لهم عذاب أليم} من تمام كلام إبليس على ما يعطيه السياق يسجل عليهم العذاب الأليم لأنهم ظالمون ظلما لا يرجع إلا إلى أنفسهم.

وظاهر السياق أن قوله:{ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } كناية عن انتفاء الرابطة بينه وبين تابعيه كما يشير تعالى إليه في مواضع أخرى بمثل قوله:{لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}: الأنعام: 94 وقوله:{ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ }: يونس: 28.

وذلك لظهور أنه لو لم يكن كناية لكان قوله:{وما أنتم بمصرخي} مستدركا مستغنى عنه لعدم تعلق غرض به فلا هم يتوهمون أنهم قادرون على إغاثة إبليس والشفاعة له ولا هو يتوهم ذلك ولا المقام يوهم ذلك فهو يقول:{لا تلوموني ولوموا أنفسكم} لأن الرابطة مقطوعة بيني وبينكم لا ينفعكم أني كنت متبوعكم ولا ينفعني أنكم كنتم أتباعي إني تبرأت من شرككم فلست بشريك له تعالى، وإنما تبرأت لأنكم ظالمون في أنفسكم والظالمون لهم عذاب أليم لا مسوغ يومئذ للحماية عنهم والتقرب منهم.

وهذا السياق - كما ترى - يشهد أن تابعي إبليس يلومونه يوم القيامة على ما أصابهم من المصيبة على اتباعه متوقعين منه أن يشاركهم في مصابهم بنحو، وهو يرد عليهم ذلك بأنه لا رابط بينه  وبينهم فلا يلحق لومهم إلا بأنفسهم ولا يسعه أن يماسهم ويقترب منهم لأنه يخاف العذاب الأليم الذي هيىء للظالمين وهم ظالمون، فهو قريب المعنى من قوله تعالى:{ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }: الحشر: 16.

ولعله من هنا قال بعضهم إن المراد بقوله:{إني كفرت} إلخ... كفره في الدنيا على أن يكون{من قبل} متعلقا بقوله:{كفرت} فقط، أوبه وبقوله:{أشركتمون} على سبيل التنازع.

وبالجملة المطلوب العمدة في الآية أن الإنسان هو المسئول عن عمله لأن السلطان له لا لغيره فلا يلومن إلا نفسه، وأما رابطة التابعية والمتبوعية فهي وهمية لا حقيقة لها وسيظهر هذه الحقيقة يوم القيامة عند ما يتبرأ منه الشيطان ويعيد لائمته إلى نفسه كما بين في الآية السابقة أن الرابطة بين الضعفاء والمستكبرين وهمية لا تغني عنهم شيئا عند ما تقع إليها الحاجة يوم القيامة حين انكشاف الحقائق.

وللمفسرين في فقرات الآية أقوال شتى مختلفة أغمضنا عن إيرادها، ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع مطولات التفاسير.

وفي الآية دلالة واضحة على أن للإنسان سلطانا على عمله هوالذي يوجب ارتباط الجزاء به ويسلبه عن غيره، وهو الذي يعيد اللائمة إليه لا إلى غيره، وأما كونه مستقلا بهذا السلطان فلا دلالة فيها على ذلك البتة، وقد تكلمنا في ذلك في الجزء الأول من الكتاب في ذيل قوله:{وما يضل به إلا الفاسقين}: البقرة: 26.

قوله تعالى:{ وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ } إلخ بيان ما ينتهي إليه حال السعداء من المؤمنين، وفي قوله:{تحيتهم فيها سلام} مقابلة حالهم من انعكاس السلام والتحية المباركة من بعضهم إلى بعض مع حال غيرهم المذكورين في الآيتين السابقتين من الخصام وتجبيه بعضهم بعضا بالكفر والتبري والإيئاس.

___________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص35-40.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

ثمّ يشير القرآن الكريم إلى موقف آخر من مواقف القيامة والعقاب النفسي للجبّارين والمذنبين وأتباعهم الشياطين، حيث يقول تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} وبهذا الترتيب فالشيطان وجميع المستكبرين الذين هم قادة طرق الضلال، أصبحوا يلومون ويوبّخون تابعيهم البؤساء.

ثمّ يضيف { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ }.

أنتم فعلتم فاللعنة عليكم!!

وعلى كلّ حال فلا أنا أستطيع إنقاذكم من العذاب ولا أنتم تستطيعون إنقاذي: { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } والآن اُعلمكم بأنّي أتبرّأ من شرككم وإطاعتكم لي { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } فقد فهمت الآن أنّ الشرك في الطاعة أدّى إلى شقائي وشقائكم، وهذه التعاسة ليس لها طريق للنجاة، واعلموا { إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

جواب الشيطان الحاسم لأتباعه

1- مع أنّ كلمة «الشيطان»(2) لها مفهوم واسع وتشمل كلّ الطواغيت ووساوس

الجنّ والإنس، ولكن في قراءتنا لهذه الآية وما قبلها علمنا أنّ المقصود هنا هو شخص إبليس الذي يعتبر رئيساً للشياطين، ولذلك إنتخب جميع المفسّرين هذا التّفسير أيضاً.

ونستفيد بشكل أكيد من هذه الآية أنّ وساوس الشيطان لا تسلب الإنسان إختياره وحرية إرادته، بل هي مجرّد دعوة ليس أكثر، فالناس هم الذين يلبّون دعوته بإرادتهم، وقد تصل الأرضيّة السابقة والدوام على الخلاف بالإنسان إلى حالة من سلب الإختيار في مقابل وساوسه، كما نشاهد بعض المدمنين على المخدرات، ولكن نعلم أنّ السبب الأوّل كان هو الإختيار. يقول تعالى في الآية (100) من سورة النحل: { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }.

وعلى هذا فالشيطان يجيب بشكل قاطع على الذين يعتبرونه العامل الأوّل في إنحرافهم وضلالهم، وما يقوله بعض الجهلاء لتبرئتهم من ذنوبهم، فإنّ السلطان الحقيقي على الإنسان هو إرادته وعمله ولا شيء غيره.

2 ـ كيف إستطاع الشيطان أن يلتقي باتّباعه ويلومهم في ذاك الموقف الكبير؟

الجواب: هو أنّ الله تعالى يمنحه القدرة على ذلك، وهذا في الواقع نوع من العقاب النفسي لأتباع الشيطان، وإنذار لكلّ السائرين في طريقه في هذه الدنيا، لكي يعلموا من الآن مصيرهم ومصير قادتهم، وعلى أيّة حال فالله تعالى بطريقة ما يهيىء وسيلة الإرتباط بين الشيطان وأتباعه.

ومن الطّريف أنّ هذه المواجهة غير منحصرة بالشيطان وأتباعه، بل إنّ جميع أئمّة الضلالة في هذا العالم لهم نفس البرنامج أيضاً، يأخذون بأيدي أتباعهم (بموافقتهم طبعاً) ويذهبون بهم إلى أمواج العذاب والبلاء، وحينما يرون الأوضاع سيّئة يتركونهم وشأنهم حتّى إنّهم يلومونهم ويوبّخونهم في خسران الدنيا والآخرة.

3 ـ «المصرخ» من مادّة «إصراخ» وفي الأصل من مادّة «صرخ»، وهي بمعنى الإغاثة وطلب المساعدة، ولذلك فالمصرخ بمعنى المغيث، والمستصرخ طالب الإستغاثة.

4 ـ القصد من إتّخاذ الكفّار الشيطان شريكاً في الآية أعلاه شرك الطاعة وليس شرك العبادة.

5 ـ في أنّ جملة { إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } تابعة لحديث الشيطان أم كلام مستقل من الله تعالى، هناك آراء مختلفة عند المفسّرين، لكن التّفسير الأقرب هو أنّ الجملة مستقلّة ومن كلام الله حيث قالها في نهاية حديث الشيطان مع أتباعه لتكون درساً تربويّاً.

وبعد بيان حال الجبّارين والظالمين ومصيرهم المؤلم، تتطرّق الآية الأخيرة من هذا البحث إلى حال المؤمنين وعاقبتهم حيث يقول تعالى: { وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } إلى آخر الآية.

«التحيّة» في الأصل «الحياة» وتستعمل لسلامة وحياة الأفراد، وتطلق لكلّ تحيّة وسلام ودعاء في بداية اللقاء.

قال بعض المفسّرين: «التحية» هنا من الله للمؤمنين قرينةً على نعمهم وسلامتهم من كلّ أذىً ونزاع (لذلك فتحيّتهم إضافة لمفعول، وفاعله الله).

وقال البعض الآخر: إنّ القصد هو تحيّة المؤمنين فيما بينهم، أو تحيّة الملائكة لهم، وعلى أيّة حال فـ«سلام» التي قيلت بشكل مطلق لها من المفهوم الواسع بحيث يشمل كلّ سلامة من أي نوع من أنواع العذاب الروحي والجسمي(3).

___________________

1- تفسير الامثل نمكترم الشيرازي،ج6،ص519-521.

2 ـ للتوضيح أكثر في معنى الشيطان في القرآن راجع تفسير الآية 36 من سورة البقرة من تفسيرنا هذا.

3 ـ بحثنا هذا الموضوع «السلام والتحيّة» في المجلد الثّاني ، ذيل الآية (86): من سورة النساء من تفسيرنا هذا.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .