المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Cauchy Binomial Theorem
21-8-2019
مسلمة ارخميدس Archimedes Axiom
13-12-2015
نواة النحل
11-8-2020
مغني اللبيب (انقسام الجملة الى صغرى وكبرى)
4-03-2015
DISPERSION
9-11-2020
معنى كلمة فعل‌
10-12-2015


تفسير الاية (46-52) من سورة ابراهيم  
  
8007   06:04 مساءً   التاريخ: 28-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة إبراهيم /

 

قال تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُوانْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوإِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوالْأَلْبَابِ } [إبراهيم: 46 - 52]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 أبان سبحانه عن مكر الكفار ودفعه ذلك عن رسله (عليهم السلام) تسلية لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال:{ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ }أي: وقد مكروا بالأنبياء قبلك ما أمكنهم من المكر كما مكروا بك فعصمهم الله من مكرهم كما عصمك وقيل عنى به كفار قريش الذين دبروا في أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) واحتالوا عليه ومكروا بالمؤمنين وخدعوهم{ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ }أي: جزاء مكرهم فحذف المضاف كما حذف من قوله{ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا}وهو واقع بهم أي جزاؤه يريد وقد عرف الله مكرهم فهو يجازيهم عليه{ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }أي: ولم يكن مكرهم ليبطل حجج القرآن وما معك من دلائل النبوات فإن ذلك ثابت بالدليل والبرهان والمعنى لا تزول منه الجبال فكيف يزول منه الدين الذي هو أثبت من الجبال وعلى القراءة الأخرى فالمعنى أن مكرهم وإن بلغ كل مبلغ فلا يزيل دين الله تعالى على ما تقدم بيانه ولا يضر ذلك أنبياءه ولا يزيل أمرهم ولا سيما أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإنه أثبت من الجبال.

 وقد قيل: إن المراد به نمرود بن كوش بن كنعان حين أخذ التابوت وأخذ أربعة من النسور فأجاعها أياما وعلق فوقها لحما وربط التابوت إليها وطارت النسور بالتابوت وهو ووزيره فيه إلى أن بلغت حيث شاء الله تعالى وظن أنه بلغ السماء ففتح باب التابوت من أعلاه فرأى بعد السماء منه كبعدها حين كان في الأرض وفتح بابا من أسفل التابوت فرأى الأرض قد غابت عنه فهاله الأمر فصوب النسور وسقط التابوت وكانت له وجبة عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة.

{ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ }أي: فلا تظنن الله عز اسمه مخلفا رسله ما وعدهم به من النصر والظفر بالكفار والظهور عليهم{ إن الله عزيز }أي: ممتنع بقدرته من أن ينال باهتضام وهو من الكفار{ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ }قيل فيه قولان ( أحدهما ) إن المعنى تبدل صورة الأرض وهيئتها عن ابن عباس فقد روي عنه أنه قال تبدل آكامها وآجامها وجبالها وأشجارها والأرض على حالتها وتبقى أرضا بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم ولم يعمل عليها خطيئة وتبدل السماوات فيذهب بشمسها وقمرها ونجومها وكان ينشد :

فما الناس بالناس الذين عهدتهم          ولا الدار بالدار التي كنت أعرف

 ويعضده ما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة مثل مواضعهم من الأولى . ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان على ظهرها كان على ظهرها ( والآخر) أن المعنى تبدل الأرض وتنشأ أرض غيرها والسماوات كذلك تبدل بغيرها وتفنى هذه عن الجبائي وجماعة من المفسرين.

 وفي تفسير أهل البيت (عليهم السلام) بالإسناد عن زرارة ومحمد بن مسلم وحمران بن أعين عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) قالا تبدل الأرض خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب قال الله تعالى وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وهو قول سعيد بن جبير ومحمد بن كعب وروى سهل بن سعد الساعدي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد وروي عن ابن مسعود أنه قال تبدل الأرض بنار فتصير الأرض كلها يوم القيامة نارا والجنة من ورائها يرى كواعبها وأكوابها ويلجم الناس العرق ولم يبلغ الحساب بعد وقال كعب تصير السماوات جنانا ويصير مكان البحر النار وتبدل الأرض غيرها.

 وروي عن أبي أيوب الأنصاري قال أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حبر من اليهود فقال أرأيت إذ يقول الله تعالى في كتابه{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ }فأين الخلق عند ذلك فقال أضياف الله فلن يعجزهم ما لديه وقيل تبدل الأرض لقوم بأرض الجنة ولقوم بأرض النار وقال الحسن يحشرون على الأرض الساهرة وهي أرض غير هذه وهي أرض الآخرة وفيها تكون جهنم وتقدير الكلام وتبدل السماوات غير السماوات إلا أنه حذف لدلالة الظاهر عليه.

{ وَبَرَزُوا لِلَّهِ }أي: يظهرون من أرض قبورهم للمحاسبة لا يسترهم شيء وجعل ذلك بروزا لله لأن حسابهم معه وإن كانت الأشياء كلها بارزة له لا يسترها عنه شيء{ الواحد }الذي لا شبه له ولا نظير{ القهار}المالك الذي لا يضام يقهر عباده بالموت الزؤام(2){وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ}يعني الكفار عن ابن عباس والحسن وهو الظاهر لأنه تقدم ذكرهم{ يومئذ}أي: يوم القيامة{ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}أي: مجمعين في الأغلال قرنت أيديهم بها إلى أعناقهم وقيل: يقرن بعضهم إلى بعض عن الجبائي وقيل: مشدودين في قرن أي حبل من الأصفاد والقيود عن أبي مسلم وقيل: يقرن كل كافر مع شيطان كان يضله في غل من حديد عن ابن عباس والحسن ويبينه قوله تعالى {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أي: قرناءهم من الشياطين وقوله: {وإذا النفوس زوجت}.

{ سرابيلهم }أي: قميصهم{ من قطران }وهو ما يطلى به الإبل شيء أسود لزج منتن يطلون به فيصير كالقميص عليهم ثم يرسل النار فيهم لتكون أسرع إليهم وأبلغ في الاشتعال وأشد في العذاب عن الحسن والزجاج وقيل نحاس أوصفر مذاب قد انتهى حره عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وجوز الجبائي على القراءتين أن يسربلوا سربالين أحدهما من القطران والآخر من القطر الآني{ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}أي: وتصيب وجوههم النار لا قطران عليها{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ }اللام تعلقت بما تقدم أخبر سبحانه أنه إنما فعل ذلك بهم لتجزى كل نفس بما كسبت خيرا بأن آمنت وأطاعت أثابها الله بالنعيم المقيم وإن كسبت شرا بأن كفرت وجحدت عاقبها بالعذاب الأليم في نار الجحيم{ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}أي: سريع المجازاة وقد سبق بيانه{ هذا بلاغ للناس }هو إشارة إلى القرآن عن ابن عباس والحسن وابن زيد وغيرهم أي هذا القرآن عظة للناس بالغة كافية وقيل: هو إشارة إلى ما تقدم ذكره أي هذا الوعيد كفاية لمن تدبره من الناس والأول هو الصحيح.

{ ولينذروا به }أي أنزل ليبلغوا وينذروا به وليخوفوا بما فيه من الوعيد{ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ}لا شريك له بالنظر في أدلة التوحيد التي بينها الله في القرآن{ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}أي: وليتعظ به أهل العقول وذووالنهى وفي هذه الآية دلالة على أن القرآن كاف في جميع ما يحتاج الناس إليه في أمور الدين لأن جميع أمور الدين جملها وتفاضيلها يعلم بالقرآن إما بنفسه وإما بواسطة فيجب على المؤمن المجتهد المهتم بأمور الدين أن يشمر عن ساق الجد في طلب أمور القرآن ويصدق عنايته بمعرفة ما فيه من بدائع الحكمة ومواضع البيان مكتفيا به عما سواه لينال السعادة في دنياه وعقباه.

 وفي قوله{ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ }دلالة على أنه سبحانه أراد من الناس علم التوحيد خلافا لأهل الجبر في قولهم أنه سبحانه أراد من النصارى إثبات التثليث ومن الزنادقة القول بالتثنية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وفي قوله{ ليذكر }دلالة على أنه أراد من الجميع التدبر والتذكر وعلى أن العقل حجة لأن غير ذوي العقول لا يمكنهم الفكر والاعتبار .

_______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص93-96.

2- موت زؤام:عاجل. وقيل سريع مجهز.وقيل: كريه.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ }.

ما أرسل اللَّه سبحانه رسولا إلى قومه الا مكر به وتآمر عليه أهل الفساد والضلال من عهد نوح إلى عهد محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) : « وكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الإِنْسِ والْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً - 112 الأنعام » ، ولا تنحصر أسباب العداء بالتضاد بين الايمان والإلحاد ، وبين الشرك والتوحيد . .

كلا ، فإن هذا العداء مظهر لمعنى كلي ومبدأ عام ، وهوالعداء بين دعوة الحق وأهل الباطل في كل زمان ومكان . . وبالتعبير الشائع في هذا العصر : العداء والتناقض بين الثورة والثورة المضادة . . وأيا كان سبب المكر والتآمر ، ومهما بلغ من القوة والشدة ، حتى ولوأزاح الجبال الرواسي من مواضعها فإن اللَّه عليم به ويجزي أهله بما يستحقون .

ونشير بهذه المناسبة إلى أن كثيرا من الرجال ينعتون النساء بالكيد والمكر ، ويستشهدون بالآية 28 من سورة يوسف : « ان كيدكن عظيم » . . وللنساء ان يجبن الرجال بأن مكرهم لتزول منه الجبال ويستشهدن بهذه الآية . . هذا ، إلى أن وصف النساء بالكيد جاء في القرآن الكريم على لسان عزيز مصر ، أما وصف الرجال بالمكر الذي يزيل الجبال فقد جاء على لسان اللَّه بالذات . ومن الطريف ان بعض الرجال يستدل على مكر النساء وشدته بالآية التي نزلت في حق الرجال ، ويحرّف لفظها بوضع ( هن ) مكان ( هم ) جهلا وتسرعا ، ويتلوالآية هكذا : ان مكرهن لتزول منه الجبال .

{ فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهً مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } بنصرة الحق وأهله ، وخذلان الباطل وأنصاره ، ويشير سبحانه بوعده الرسل إلى قوله : « كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِي إِنَّ اللَّهً قَوِيٌّ عَزِيزٌ - 21 المجادلة » . { إِنَّ اللَّهً عَزِيزٌ ذُوانتِقامٍ } ينتقم لأولياء الحق من أولياء الباطل { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ والسَّماواتُ } غير السماوات ، وذلك بأن تتحول الأرض إلى غبار منتشر كما في الآية 6 من سورة الواقعة :

« فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا » . أما كواكب السماء فإنها تتساقط وتتناثر كما جاء في سورة القيامة والتكوير والانفطار .

{ وبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ } . على المكشوف لا باب ولا ثياب ، ومما جاء في أرض المحشر وصفاتها : انها بيضاء قاع صفصف ، لا أشجار فيها ولا جبال ولا أودية ، أرض بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم ، ولم ترتكب فيها خطيئة ، وتصبح السماء كالمهل - أي عكر الزيت - وتذهب شمسها وقمرها ونجومها ، وتصير الجبال كالعهن - أي الصوف المنفوش - .جهنم والأسلحة الجهنمية :

{ وتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفادِ سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ } . ذكر اللَّه سبحانه في كتابه صورا لعذاب أهل النار ، قراءتها تبعث الرعب في القلوب والنفوس ، والقشعريرة في الجلود والأعصاب ، فكيف بمن يذوق ويختبر . . ومن هذه الصور حشر المجرمين مكبلين بالقيود ، يلبسون ثيابا من مادة شديدة الالتهاب ، وعلى وجوههم غطاء وغشاء من نار ، أما طعامهم فمن شجر الزقوم ، وشرابهم من ماء الصديد ، هذا وهم في جحيم لا يبقي ولا يذر ، ويرمي بشرر كالقصور والجبال .

وتسأل : ألا يتنافى هذا النوع من العذاب مع حلم اللَّه ورحمته ، وجوده ورأفته ؟ .

ألا يكفي لجزاء هذا الإنسان الضعيف بجلده ولحمه ودمه بعض هذا الجحيم الأليم ؟ .

وأجاب بعضهم عن هذا السؤال بأن ما ذكره سبحانه من أنواع العذاب وصوره ليس على وجه الحقيقة ، وانما أراد به تخويف الناس وردعهم عن الجرائم .

ولوأن هذا المجيب رجع إلى القرآن الكريم لوجد ان اللَّه سبحانه قد سبق في علمه ان الكثير من عباده سوف يمر بخاطرهم هذا السؤال فأجاب عنه سلفا ، وبيّن الحقيقة في العديد من آياته ، منها ما ذكره هنا بعد ذكر القيود وسرابيل القطران بلا فاصل ، وهوقوله : { لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهً سَرِيعُ الْحِسابِ } . ومنها « هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ - 146 الأعراف » .

وقوله : « لا يظلمون فتيلا . . وما ربك بظلام للعبيد » . ومنها : « ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وهُمْ لا يُظْلَمُونَ - 160 الأنعام » : « والَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها - 27 يونس » . ومنها : « فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ - 194 البقرة » .

ومعنى هذه الآيات بمجموعها ان الجرائم والسيئات على أنواع : منها الصغيرة الحقيرة ، ومنها الكبيرة الخطيرة ، وانه تعالى قد أعد لكل جريمة عقوبتها على أساس الحق والعدل ، لا تزيد ، وقد تخفف حسبما تستدعيه حكمته البالغة ، وقوله تعالى : { فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها } صريح في ذلك ، بل وحصر أيضا .

أجل ، هنا سؤال ينبغي أن يسأله كل عاقل ، وهو: من الذي يستحق هذا النوع من العذاب الشديد الأليم ؟ . وهل هناك جريمة تستوجب كل هذا النكال العظيم الدائم الذي له أول وليس له آخر ، كما قال تعالى : « لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ولا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها - 36 فاطر » .

الجواب : نعم ، ان في الناس مجرمين يستحقون هذا النوع من العذاب الأليم وأكثر منه أيضا . . ومن هؤلاء الذين يحاربون الحق أويكتمونه وهم يعلمون ، سواء أكان هذا الحق للَّه أم للناس . . وأعظم منهم جرما تجار الحروب الذين أعدوا لسفك الدماء وتدمير الحياة الأسلحة الجهنمية ، كالقنابل الذرية والهيدر وجينية والمواد السامة التي تقتل المئات بل والملايين في دقائق معدودات . ان أية عقوبة يعاقب بها السفاحون فهي دون ما يستحقون . . وليست السلاسل والأصفاد وسرابيل النيران بشيء في جانب تدمير البلاد وتشريد العباد وتشويههم وتقتيلهم بمئات الألوف . .

ثم هل الشرر المتطاير من جهنم أسوأ أثرا من القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما مع العلم بأن نسبتها من حيث الأثر إلى ما يملكه السفاحون الآن من القنابل كنسبة الواحد إلى الألف ؟ . وهل طعام الزقوم ، وماء الصديد أشد فتكا بالأجسام والأرواح من سلاح الجراثيم الذي يستعمله الآن أعداء اللَّه والإنسانية في فيتنام ، ومن قبل في كوريا ؟ .

وسبق عند تفسير الآية 27 من هذه السورة ان الإنسان إذا مسته ذرة من سلاح الجراثيم تقلصت عضلاته ، وبرزت عيناه ، ومات في الحال . . فهل بعد هذا يشك عاقل في أن الحلم بأصحاب هذا السلاح ظلم ، وان الرحمة بهم إثم ، وانهم لوعوقبوا بأشد من عذاب جهنم لكان عقابهم حقا وعدلا ؟ . هل يستكثر أي نوع من أنواع العذاب على من لا يروي ظمأه الا دماء الألوف ، ولا يشبع جوعه الا أقوات الملايين ومقدراتهم ؟ . ولولم يكن دليل على البعث والحساب الا وجود هذه المظالم لكفى ، إذ لوكانت الدنيا هي كل شيء ، وليس من وراءها عالم آخر ترد فيه الحقوق إلى أصحابها ويجد كل ظالم الجزاء الذي يستحقه لكان الموت خيرا من الحياة ، والظلم أفضل من العدل .

{ هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ ولِيُنْذَرُوا بِهِ ولِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوإِلهٌ واحِدٌ ولِيَذَّكَّرَ أُولُوا الأَلْبابِ } . هذا إشارة إلى القرآن بكل ما يحويه ، ومنه ما تقدم من التهديد والوعيد ، والمراد بالبلاغ الكفاية ، والمعنى ان اللَّه سبحانه أنزل القرآن على نبيه ، وهوكاف واف بكل ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم ، وهوأيضا يعلمهم بوحدانية اللَّه وعدله ، وينذرهم من مخالفة أمره ونهيه .

___________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 458-461.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } حال من الضمير في{فعلنا} في الآية السابقة أومن الضمير في{بهم} فيها أومن الضميرين جميعا على ما قيل، وضمائر الجمع راجعة إلى{الذين ظلموا}.

والمراد بكون مكرهم عند الله إحاطته تعالى به بعلمه وقدرته، ومن المعلوم أن المكر إنما يكون مكرا إذا لم يحط به الممكور به وجهله، وأما إذا كان الممكور به عالما بما هيأه الماكر من المكر وقادرا على دفعه لغا المكر أوعاد مكرا على نفس الماكر كما قال تعالى:{ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }: الأنعام: 123.

وقوله:{وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} إن وصلية - على ما قيل - واللام في{لتزول} متعلق بمقدر يدل عليه لفظ المكر كقولنا يقتضي أويوجب وما أشبه ذلك، والتقدير: الله محيط بمكرهم عالم به قادر على دفعه إن كان مكرهم دون هذه الشدة وإن كان على هذه الشدة.

والمعنى تبين لكم كيف فعلنا بهم والحال أنهم مكروا ما في وسعهم من المكر والله محيط بمكرهم وإن كان مكرهم عظيما موجبا لزوال الجبال.

وربما قيل: إن{إن} نافية واللام هي الداخلة على المنفي والمراد بالجبال الآيات والمعجزات كناية والمعنى وما كان مكرهم لتبطل به آيات الله ومعجزاته التي هي كالجبال الراسيات التي لا تزول عن مكانها، وأيد هذا المعنى بقراءة ابن مسعود{وما كان مكرهم} وهو معنى بعيد.

وقرىء أيضا:{لتزول} بفتح اللام الأولى وضم اللام الثانية، وعلى هذا تكون{إن} مخففة من المشددة والمعنى والتحقيق أن مكرهم كان من العظمة بحيث تزول منه الجبال.

قوله تعالى:{ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } تفريع على ما تقدم أن ترك مؤاخذة الظالمين بعملهم إنما هو لتأخيرهم إلى يوم القيامة أي إذا كان الأمر كذلك فلا تحسبن الله مخلفا لما وعد رسله من نصرهم ومؤاخذة المتخلفين عن دعوتهم، وكيف يخلف وعده وهوعزيز ذو انتقام شديد ولازم عزته المطلقة أن لا يخلف وعده فإن إخلاف الوعد إما لكون الواعد غير قادر على إنجاز ما وعده أولتغير من الرأي بعروض حال ثانية تقهره على خلاف ما بعثته إليه الحال الأولى التي أوجبت عليه الوعد والله سبحانه عزيز على الإطلاق لا يتصف بعجز ولا تقهره حال ولا شيء آخر وهو الواحد القهار.

ولازم اتصافه بالانتقام أن ينتقم للحق ممن استكبر عنه واستعلى عليه وينتصف للمظلوم من الظالم.

وذوانتقام من أسمائه تعالى الحسنى التي سمى الله تعالى بها نفسه في مواضع من كلامه وقارنه في جميعها باسمه العزيز، قال تعالى:{والله عزيز ذوانتقام}: آل عمران: 4، المائدة: 95، وقال:{أليسَ الله بعزيز ذو انتقام}: الزمر: 37، وقال في الآية المبحوث عنها:{إن الله عزيز ذوانتقام} ومن ذلك يظهر أن{ذا انتقام} من فروع اسم العزيز.

كلام في معنى الانتقام ونسبته إليه تعالى

الانتقام هو العقوبة لكن لا كل عقوبة بل عقوبة خاصة وهي أن تذيق غيرك من الشر ما يعادل ما أذاقك منه أو تزيد عليه قال تعالى:{ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ}.

وهو أصل حيوي معمول به عند الإنسان وربما يشاهد من بعض الحيوان أيضا أعمال يشبه أن تكون منه، وأيا ما كان يختلف الغرض الذي يبعث الإنسان إليه فالداعي إليه في الانتقام الفردي هو التشفي غالبا فإذا سلب الواحد من الإنسان غيره شيئا من الخير أو أذاقه شيئا من الشر وجد الذي فعل به ذلك في نفسه من الأسى والأسف ما لا تسكن فورته ولا تخمد ناره إلا بأن يذيقه من الشر ما يعادل ما ذاق منه أو يزيد عليه فالعامل الذي يدعوإليه هو الإحساس الباطني وأما العقل فربما أجازه وأنفذه وربما استنكف.

والانتقام الاجتماعي ونعني به القصاصات وأنواع المؤاخذات التي نعثر عليها في السنن والقوانين الدائرة في المجتمعات أعم من الراقية والهمجية الغالب فيه أن يكون الغرض الداعي إليه غاية فكرية ومطلوبا عقليا وهو حفظ النظام عن الاختلال وسد طريق الهرج والمرج فلولا أصل الانتقام ومؤاخذة المجرم الجاني بما أجرم وجنى اختل الأمن العام وارتحل السلام من بين الناس.

ولذا كان هذا النوع من الانتقام حقا من حقوق المجتمع وإن كان ربما استصحب حقا فرديا كمن ظلم غيره بما فيه مؤاخذة قانونية فربما يؤاخذ الظالم استيفاء لحق المجتمع وإن أبطل المظلوم حقه بالعفو.

فقد تبين أن من الانتقام ما يبتني على الإحساس وهو الانتقام الفردي الذي غايته التشفي، ومنه ما يبتني على العقل وهو الانتقام الاجتماعي الذي غايته حفظ النظام وهو من حقوق المجتمع وإن شئت قلت من حقوق السنة أوالقانون الجاري في المجتمع فإن استقامة الأحكام المعدلة لحياة الناس وسلامتها في نفسها تقتضي مؤاخذة المجرم المتخلف عنها وإذاقته جزاء سيئته المر، فهومن حقوق السنة والقانون كما أنه من حقوق المجتمع.

إذا عرفت هذا علمت أن ما ينسب إليه تعالى في الكتاب والسنة من الانتقام هو ما كان حقا من حقوق الدين الإلهي والشريعة السماوية وإن شئت فقل من حقوق المجتمع الإسلامي وإن كان ربما استصحب الحق الفردي فيما إذا انتصف سبحانه للمظلوم من ظالمه فهو الولي الحميد.

وأما الانتقام الفردي المبني على الإحساس لغاية التشفي فساحته المقدسة أعز من أن يتضرر بإجرام المجرمين ومعصية المسيئين أو ينتفع بطاعة المحسنين.

ومن هنا يظهر سقوط ما ربما استشكله بعضهم أن الانتقام إنما يكون لتشفي القلب وإذ كان تعالى لا ينتفع ولا يتضرر بشيء من أعمال عباده خيرا أو شرا طاعة أو معصية فلا وجه لنسبة الانتقام إليه كما أن رحمته غير المتناهية تأبى أن يعذبهم بعذاب خالد غير متناه كيف لا؟ والواحد من أرباب الرحمة يرحم المجرم المقدم على أي معصية إذا كان عن جهالة منه وهو تعالى يصف الإنسان – وهو مخلوقه المعلوم له حاله - بذلك إذ يقول:{إنه كان ظلوما جهولا}: الأحزاب: 72.

وجه السقوط أن فيه خلطا بين الانتقام الفردي والاجتماعي، والذي يثبت فيه تعالى هو الاجتماعي منه دون الفردي كما توهم كما أن فيه خلطا بين الرحمة النفسانية التي هي تأثر وانفعال قلبي من الإنسان وبين الرحمة العقلية التي هي تتميم نقص الناقص المستعد لذلك، والتي تثبت فيه تعالى هي الرحمة العقلية دون الرحمة النفسانية ولم يثبت الخلود في العذاب إلا فيما إذا بطل استعداد الرحمة وإمكان الإفاضة قال تعالى:{ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }: البقرة: 81.

وهاهنا نكتة يجب أن تتنبه لها وهي أن الذي تقدم من معنى الانتقام المنسوب إليه تعالى إنما يتأتى على مسلك المجازاة والثواب والعقاب، وأما على مسلك نتائج الأعمال فترجع حقيقته إلى لحوق الصور السيئة المؤلمة بالنفس الإنسانية عن الملكات الرديئة التي اكتسبتها في الحياة الدنيا، بعد الموت، وقد تقدم البحث في الجزء الأول من الكتاب في ذيل قوله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا } الآية: البقرة: 26 في جزاء الأعمال.

قوله تعالى:{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } الظرف متعلق بقوله:{ذو انتقام} وتخصيص انتقامه تعالى بيوم القيامة مع عمومه لجميع الأوقات والظروف إنما هو لكون اليوم أعلى مظاهر الانتقام الإلهي كما أن تخصيص بروزهم لله بذلك اليوم كذلك، وعلى هذا النسق جل الأوصاف المذكورة في كلامه تعالى ليوم القيامة كقوله:{الأمر يومئذ لله}: الانفطار: 19، وقوله:{ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ }: المؤمن: 33، إلى غير ذلك وقد تقدمت الإشارة إليه كرارا.

والظاهر أن اللام في الأرض للعهد في الموضعين معا وكذا في السماوات والسماوات معطوفة على الأرض الأولى والمعنى تبدل هذه الأرض غير هذه الأرض وتبدل هذه السماوات غير هذه السماوات.

وللمفسرين في معنى تبدل الأرض والسماوات أقوال مختلفة: فقيل: تبدل الأرض فضة والسماوات ذهبا وربما قيل إن الأرض تبدل من أرض نقية كالفضة والسماوات كذلك.

وقيل: تبدل الأرض نارا والسماوات جنانا.

وقيل: تبدل الأرض خبزة نقية يأكل الناس منها طول يوم القيامة.

وقيل: تبدل الأرض لكل فريق مما يقتضيه حاله فتبدل لبعض المؤمنين خبزة يأكل منها ما دام في العرصات ولبعض آخر فضة وتبدل للكافر نارا.

وقيل: التبديل هو أنه يزاد في الأرض وينقص منها وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد مد الأديم وتصير مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وتتغير السماوات بذهاب الشمس والقمر والنجوم وبالجملة يتغير كل من الأرض والسماوات عما هو عليه في الدنيا من الصفات والأشكال.

ومنشأ اختلافهم في تفسير التبديل اختلاف الروايات الواردة في تفسير الآية مع أن الروايات لوصحت واتصلت كان اختلافها أقوى شاهد على أن ظاهرها غير مراد وأن بياناتها واقعة موقع التمثيل للتقريب.

والتدبر الكافي في الآيات التي تحوم حول تبديل الأرض والسماء يفيد أن أمر التبديل أعظم مما تتصوره من بسط الجبل على السهل أوتبديل التراب فضة أوخبزا نقيا مثلا كقوله تعالى:{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا }: الزمر - 69 وقوله:{ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}: النبأ: 20، وقوله:{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}: النمل: 88 إن كانت الآية ناظرة إلى يوم القيامة إلى غير ذلك من الآيات.

فالآيات تنبىء عن نظام غير هذا النظام الذي نعهده وشئون دون ما نتصوره فإشراق الأرض يومئذ بنور ربها غير إشراق بسيطها بنور الشمس أوالكواكب أوغيرها، وسير الجبال ينتهي عادة إلى زوالها عن مكانها وتلاشيها مثلا لا إلى كونها سرابا، وهكذا نرجو أن يوفقنا الله سبحانه لبسط الكلام في هذا المعنى فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقوله:{ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} معنى بروزهم وظهورهم لله يومئذ - مع كون الأشياء بارزة غير خفية عليه دائما - سقوط جميع العلل والأسباب التي كانت تحجبهم عنه تعالى ما داموا في الدنيا فلا يبقى يومئذ - على ما يشاهدون - شيء من الأسباب يملكهم ويتولى أمرهم ويستقل بالتأثير فيهم إلا الله سبحانه كما يدل عليه آيات كثيرة فهم لا يلتفتون إلى جانب ولا يتوجهون إلى جهة في ظاهرهم وباطنهم وحاضرهم والماضي الغائب من أحوالهم وأعمالهم إلا وجدوه سبحانه شاهدا مهيمنا عليه محيطا به.

والدليل على هذا الذي ذكرناه توصيفه تعالى بالواحد القهار المشعر بنوع من الغلبة فبروزهم لله يومئذ إنما هو ناشىء عن كونه تعالى هو الواحد الذي يقوم به وجود كل شيء ويقهر كل من دونه من مؤثر فلا يحول بينهم وبينه حائل فهم بارزون له بروزا مطلقا.

قوله تعالى:{ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ } المقرنين من التقرين وهو جمع الشيء إلى نظيره والأصفاد جمع الصفد وهو الغل الذي يجمع اليد إلى العنق أو هو مطلق السلسلة يقرن بين المقيدين، والسرابيل جمع السربال وهو القميص والقطران شيء أسود منتن يطلى به الإبل فإنهم يطلون به فيصير كالقميص عليهم والغشاوة بالفتح الستر والتغطية يقال: غشي يغشى غشاوة أي ستره وغطاه، ومعنى الآيتين واضح.

قوله تعالى:{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } معنى الآية واضح، وهي بظاهرها تدل على أن الذي تجزى به كل نفس هو عين ما كسبته من حسنة أوسيئة وإن تبدلت صورته، فهي من الآيات الدالة على أن الذي يلحق بهم يوم القيامة هو نتيجة أعمالهم.

فالآية تفسر أولا معنى الجزاء في يوم الجزاء، وثانيا معنى انتقامه تعالى يومئذ وأنه ليس من قبيل عقوبة المجرم العاصي تشفيا منه بل إلحاق ما يستدعيه عمل المجرم به وإن شئت فقل إيصال ما اكتسبه المجرم بعينه إليه.

وفي تعليل هذا الجزاء وهو في يوم القيامة بقوله:{إن الله سريع الحساب} إيماء إلى أن الجزاء واقع من غير فصل ومهل إلا أن ظرف ظهوره هو ذلك اليوم لا غير، أوأن الحكم بالجزاء وكتابته واقع عند العمل وتحققه يوم القيامة ومآل الوجهين واحد في الحقيقة.

قوله تعالى:{ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} البلاغ بمعنى التبليغ على ما ذكره الراغب أوبمعنى الكفاية على ما ذكره غيره.

والآية خاتمة السورة فالأنسب أن تكون الإشارة بهذا إلى ما أورد في السورة من البيان لا إلى مجموع القرآن كما ذكره بعضهم ولا إلى ما ذكر من قوله تعالى:{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} إلى آخر السورة كما ذكره آخرون.

وقوله:{ولينذروا به} إلخ، اللام فيه للغاية وهو معطوف على محذوف إنما حذف لفخامة أمره وعظم شأنه لا يحيط به أفهام الناس لاشتماله من الأسرار الإلهية على ما لا يطيقونه، وإنما تسع عقولهم ما ذكر من غاياته وهوالإنذار والعلم بوحدانيته تعالى والتذكر، فهم ينذرون بما ذكر فيها من مؤاخذته تعالى الظالمين عاجلا وآجلا، وتتم عليهم الحجة بما ذكر فيها من آيات التوحيد، ويتذكر المؤمنون منهم خاصة بما فيها من المعارف الإلهية.

وبهذا يتطابق مختتم السورة ومفتتحها أعني قوله في أول السورة:{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } فقد تقدم أن مدلول الآية أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدعوة والتبليغ إلى صراط الله بما أنه تعالى ربهم العزيز الحميد ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذنه فإنهم إن استجابوا الدعوة وآمنوا خرجوا بذلك من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان بالفعل وإن لم يستجيبوا أنذروا ووقفوا على التوحيد الحق وخرجوا من الجهل إلى العلم وهو نوع خروج من الظلمة إلى النور وإن كان وبالا عليهم وخسارا ففي الدعوة - على أي حال - إنذار للناس وإعلامهم أنما هوإله واحد وتذكر لأولي الألباب منهم خاصة وهم المؤمنون.

______________

1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج12،ص68-74.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لا فائدة من مكرهم!

أشارت الآيات السابقة إلى نوع من عقاب الظالمين، وفي هذه الآيات أيضاً أشارت ـ أوّلا ـ إلى جزء من أفعالهم، ومن ثمّ إلى قسم آخر من جزائهم الشديد وعقابهم الأليم.

تقول الآية الاُولى: {وقد مكروا مكرهم}.

لقد عملوا كلّ ما بوسعهم من أجل طمس حقائق الإسلام، بدءً من الترغيب والتهديد وحتّى الأذى ومحاولات القتل والإغتيال وبثّ الشائعات، ومع كلّ ذلك فانّ الله مطّلع على جميع مؤامراتهم وقد أحصى أعمالهم: {وعند الله مكرهم}وعلى أي حال فلا تقلق فانّهم لا يستطيعون بمكرهم هذا أن يصيبوك بسوء حتّى {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}.

«المكر» ـ وكما أشرنا إليه سابقاً ـ بمعنى الإحتيال، فمرّةً يلازمه الفساد ومرّةً أُخرى لا يلازمه، وفي تفسير جملة {وعند الله مكرهم} رأيان:

يقول البعض ومن جملتهم العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان: المراد بكون مكرهم عند الله إحاطته تعالى به بعلمه وقدرته.

ويقول البعض الآخر، كالعلاّمة الطبرسي في مجمع البيان: إنّ المراد هو ثبوت جزاء مكرهم عند الله تعالى (وعلى هذا التّفسير يكون تقدير الآية: عند الله جزاء مكرهم) فكلمة الجزاء محذوفة.

وممّا لا شكّ فيه أنّ التّفسير الأوّل أقرب إلى الصحّة، لأنّه يوافق ظاهر الآية ولا يحتاج إلى الحذف والتقدير، وتؤيّده جملة {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} أي إنّ مكرهم مهما كان قويّاً. ومهما كانت لديهم قدرة على المؤامرة، فانّ الله أعلم بهم وأقدر عليهم وسيدمّر كلّ ما مكروا.

ثمّ يتوعّد الله الظالمين والمسيئين مرّة أُخرى من خلال مخاطبة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم){فلا تحسبنّ الله مخلف وعده رسله} لأنّ الإخلاف يصدر من الذي ليست له قدرة وإستطاعة، ولكن: {إنّ الله عزيز ذو إنتقام}.

وهذه الآية ـ في الواقع ـ مكمّلة للآية التي قبلها (ولا تحسبنّ الله غافلا عمّا يعمل الظالمون).

وتعني أنّ المهلة التي أعطيت للظالمين ليست بسبب أنّ الله غافل عنهم وعن أعمالهم ولا مخلف لوعده، بل سينتقم منهم في اليوم المعلوم. والإنتقام لا يراد به ما كان مصحوباً بالحقد والثأر كما يستخدم عادة في أعمال البشر، بل هو الجزاء والعقاب وإقامة العدالة بحقّ الظالمين، بل إنّها نتيجة عمل الإنسان نفسه، ولا حاجة إلى القول بأنّ الله تعالى لو لم ينتقم من الظالمين لكان ذلك خلافاً لعدله وحكمته.

ثمّ يضيف تعالى {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات} وسوف يتجدّد كلّ شيء بعد الدمار، ويبعث الإنسان في خلق جديد وعالم جديد يختلف في كلّ شيء عن هذا العالم، في سعته، في نعيمه وعقابه وسيظهر الإنسان بكلّ وجوده لله تعالى: {وبرزوا لله الواحد القهّار}.

و «البروز» من مادّة «البراز» على وزن «فراز» بمعنى الفضاء والمحلّ الواسع، وغالباً ما تأتي بمعنى الظهور، لأنّ وجود الشيء في الفضاء الواسع بمعنى ظهوره، وهناك آراء مختلفة للمفسرين في معنى بروز الناس لله تعالى، الكثير يرى أنّها تعني الخروج من القبر.

ويحتمل أن يكون المعنى إنكشاف بواطن وظواهر جميع الناس في يوم المحشر، كما نقرأ في الآية (16) من سورة غافر {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء} وكذلك الآية (9) من سورة الطارق {يوم تبلى السرائر} وعلى أي حال فوصفه بالقهّار دليل على تسلطه على كلّ الأشياء وسيطرته على ظاهرها وباطنها.

وهنا يأتي هذا السؤال، وهو: هل أنّ شيئاً خفي على الله في هذه الدنيا لكي يظهر في الآخرة؟ أم أنّ الله لا يعلم بما في القبور ولا يعلم بأسرار الناس؟

ويتّضح الجواب من الإلتفات إلى هذه النقطة، وهي أنّ لنا ظاهراً وباطناً في هذه الدنيا، وقد يشتبه على البعض ـ بسبب علمنا المحدود ـ أنّ الله لا يرى باطننا، ولكن سوف يظهر كلّ شيء في الآخرة ولا وجود للظاهر والباطن هناك، وبعبارة أُخرى فالظهور بالقياس إلى علمنا وليس إلى علم الله المطلق.

وتصوّر الآية التالية كيفيّة بروزهم إلى الله فنقول: {وترى المجرمين يومئذ مقرّنين في الأصفاد}.

«الأصفاد» جمع «صفد» بمعنى الغلّ، وقال البعض هو الغلّ والسلاسل التي تجمع اليد إلى العنق.

«مقرنين» من مادّة «القرن والإقتران» وهي بنفس المعنى، لكن لو إستخدمت من باب التفعيل يستفاد منها التكثير، وعلى ذلك فكلمة مقرّنين بمعنى الأشخاص المتقاربين مع بعضهم البعض.

وللمفسّرين ثلاث آراء حول المقصود من هذه الكلمة:

الأوّل: هو تقييد المجرمين بالسلاسل والأغلال بعضهم مع البعض الآخر وظهورهم بهذه الصورة في يوم القيامة، إنّ هذا الغِل هو عبارة عن تجسيد للروابط العملية والفكرية بين المجرمين في هذه الدنيا، حيث كان يساعد بعضهم البعض على الظلم والفساد، وتتجسّد هذه العلاقة في الآخرة بصورة سلاسل تربطهم فيما بينهم.

الثّاني: إنّ المجرمين يقرّنون مع الشياطين بالسلاسل في يوم القيامة بسبب علاقتهم الباطنية معهم في هذه الدنيا.

الثّالث: أن تقيّد أيديهم برقابهم في الآخرة.

ولا مانع هناك من أن تجمع هذه الصفات للمجرمين، لكن المعنى الأوّل الذي ذكرناه يوافق ظاهر الآية.

ثمّ يتطرّق القرآن الكريم إلى لباسهم والذي هو أحد أفراد المجازاة الشديدة {سرابيلهم من قطران وتغش وجوههم النار}.

«سرابيل» جمع (سربال) على وزن (مثقال) بمعنى القميص من أي قماش كان، ويقول البعض بأنّه كلّ أنواع اللباس، لكن الأوّل أقرب إلى المعنى.

«قطران» بفتح القاف وسكون الطاء أو بكسر القاف وسكون الطاء، وهي مادّةً تؤخذ من شجرة الأبهل ثمّ تُغلى فتثخن وتُطلى بها الإبل عند إصابتها بمرض الجرب(2)، وكانوا يعتقدون أنّ المرض يزول بسبب وجود الحرقة في هذه المادّة، وعلى أي حال فهي مادّة سوداء نتنة وقابلة للإشتغال(3).

فيكون معنى الجملة {سرابيلهم من قطران} أنّهم يلبسون ثياباً من مادّة سوداء ونتنة وقابلة للإشتعال، حيث تمثّل أسوأ الألبسة لما كانوا يعملونه في هذه الدنيا من إرتكاب الذنوب والفواحش. وسوادها يشير إلى أنّ الذنوب تؤدّي إلى أن يكون الإنسان مسودّ الوجه أمام ربّه، وتعفّنها يشير إلى تلوّث المجتمع بهم ومساعدتهم على إشعال نار الفساد، وكأنّ القطران تجسيد لأعمالهم في الدنيا.

{وتغشى وجوههم النار} بسبب لباسهم الذي هو من قطران، لأنّه عند إشتعاله لا يحرق جسمهم فقط، بل يصل لهيبه إلى وجوههم. كلّ ذلك لأجل {ليجزي الله كلّ نفس ما كسبت}.

ومن الطريف أنّه لم يقل أنّ الجزاء بما كسبت أنفسهم، بل يقول: «ما كسبت» ليكون تجسيداً حيّاً لأعمالهم، وهذه الآية بهذا التعبير الخاص دليل آخر على تجسّم الأشياء.

وفي الختام يقول تعالى: {إنّ الله سريع الحساب} وهذا واضح تماماً لأنّ كلّ إنسان حسابه معه!

ونقرأ في بعض الرّوايات : إنّ الله تعالى يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر. ولا ريب أنّ الله تعالى لا يحتاج إلى وقت لمحاسبة الأفراد، وما جاء في الرّواية أعلاه إشارة إلى أقصر الفترات. (للتوضيح أكثر راجع تفسير الآية 202 من سورة البقرة من تفسيرنا هذا).

وبما أنّ آيات هذه السورة ـ وكذلك جميع الآيات ـ لها جانب الدعوة إلى التوحيد وإبلاغ الأحكام الإلهيّة إلى الناس وإنذارهم، يقول تعالى في آخر آية من هذه السورة: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا إنّما هو إله واحد وليذكّر اُولوا الألباب}.

______________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج6،ص550-554.

2- التفسير الكبير ،ج19،ص148.

3 ـ يقول فريد وجدي في دائرة المعارف في مادّة (القطران) مائع ناتج من تقطير الفحم الحجري، والقطران النباتي يتمّ الحصول عليه من بعض الأشجار.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .