المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

قاعدة « القرعة »
18-9-2016
العرعر الشربيني ​ Juniperus oxycedrus L
13-1-2021
فوائد العلاج الفيروسي
27-9-2016
من روائع قصار الحكم
2-4-2016
لقمان
2023-03-20
تفسير سورة الشُّعراء
2023-11-07


تفسير الاية (13-17) من سورة ابراهيم  
  
5979   06:10 مساءً   التاريخ: 24-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة إبراهيم /

 

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَولَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُو بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } [إبراهيم: 13 - 17]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا} أي: من بلادنا { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } أي: إلا أن ترجعوا إلى أدياننا ومذاهبنا التي نحن عليها { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} أي: فأوحى الله إلى رسله لما ضاقت صدورهم بما لقوا من قومهم إنا نهلك هؤلاء الظالمين الكافرين { وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: نسكننكم أرضهم من بعدهم يريد اصبروا فإني أهلك عدوكم وأورثكم أرضهم وفي معناه ما جاء في الحديث من آذى جاره ورثه الله داره.

 { ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} أي: ذلك الفوز لمن خاف وقوفه للحساب والجزاء بين يدي في الموضع الذي أقيمه فيه وأضاف المقام إلى نفسه لأنهم يقومون بأمره { وَخَافَ وَعِيدِ} أي: عقابي وإنما قالوا { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } وهم لم يكونوا على ملتهم قط إما لأنهم توهموا على غير حقيقة أنهم كانوا على ملتهم وإما لأنهم ظنوا بالنشوء أنهم كانوا عليها { واستفتحوا } أي: طلبت الرسل الفتح والنصر من قبل الله تعالى على الكفار عن مجاهد وقتادة وقيل هو سؤالهم أن يحكم الله بينهم وبين أممهم لأن الفتح الحكم والفتاح الحاكم عن الجبائي { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي: خسر كل متكبر معاند مجانب للحق دافع له وقيل معناه واستفتح الكفار العذاب الذي توعدهم به الأنبياء على جهة التكذيب لهم { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ } أي: جهنم بين يدي هذا الجبار عن الزجاج أي له مع الخيبة نار جهنم بين يديه وقيل معناه من خلفه وإنما جاز في الزمان أن يسمى الأمام وراء وإن لم يجز في غيره لأن الزمان المستقبل كأنه خلفهم لأنه يأتي فيلحقهم كما يلحق الإنسان من خلفه.

 { وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} أي: ويسقى مما يسيل من الدم والقيح من فروج الزواني في النار عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأكثر المفسرين أو لونه لون الماء وطعمه طعم الصديد وروى أبوأمامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في قوله { وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} قال يقرب إليه فيكرهه فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه(2) فإذا شرب قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله عز وجل { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} ويقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): ((من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما فإن مات وفي بطنه شيء من ذلك كان حقا على الله أن يسقيه من طينة خبال(3) وهو صديد أهل النار وما يخرج من فروج الزناة فيجتمع ذلك في قدور جهنم فيشربه أهل النار فيصهر به ما في بطونهم والجلود)) رواه شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم).

 { يتجرعه} أي: يشرب ذلك الصديد جرعة جرعة { وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} أي: لا يقارب أن يشربه تكرها له وهو يشربه والمعنى أن نفسه لا تقبل لحرارته ونتنه ولكن يكره عليه { وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} أي: تأتيه شدائد الموت وسكراته من كل موضع من جسده ظاهره وباطنه حتى تأتيه من أطراف شعره عن إبراهيم التيمي وابن جريج وقيل يحضره الموت من كل موضع ويأخذه من كل جانب من فوقه ومن تحته وعن يمينه وشماله ومن قدامه وخلفه عن ابن عباس والجبائي.

 { وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} أي: ومع إتيان أسباب الموت والشدائد التي يكون معها الموت من كل جهة وأنواع العذاب التي كان يموت بدونها في الدنيا لا يموت فيستريح وهذا كقوله { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} { وَمِنْ وَرَائِهِ} أي: وراء هذا الكافر { عَذَابٌ غَلِيظٌ} وهو الخلود في النار وقيل: معناه ومن بعد هذا العذاب الذي سبق ذكره عذاب أشد وأوجع مما تقدم عن الكلبي.

_______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص66-68.

2- الفروة:جلدة  الراس.

3- الخبال :عصارة أهل النار ذكره في (النهاية). وفي (اللسان) وطينة الخبال: ماسال من جلود أهل النار.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا } .

دعا الأنبياء دعوة الحق والعدل بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولم يكرهوا أحدا على دينهم وعقيدتهم لأن دعوتهم تقوم على أساس عدم الإكراه في الدين ، وان كانت في طبيعتها ثورة على المعتدين والمستغلين ، ومن هنا أعلن هؤلاء الثورة المضادة على الأنبياء ، وخيّروهم بين النفي والارتداد إلى الكفر . . وسبق نظير ذلك في الآية 88 من سورة الأعراف ج 3 ص 363 .

{ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ولَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي » - أي وجودي وسطوتي - « وخافَ وَعِيدِ } . بعد أن بلغ الأمر بالمشركين إلى تهديد الأنبياء بالنفي إذا لم يشركوا مثلهم جاءت إرادته تعالى لتضرب الطواغيت الضربة القاضية ، وتورث المؤمنين أرضهم وديارهم وأموالهم : « وأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ودِيارَهُمْ وأَمْوالَهُمْ - 27 الأحزاب » .

أنصاف الحلول :

وتجدر الإشارة بهذه المناسبة إلى أمرين :

الأول : انه جل وعلا بعد أن ذكر تطاول أهل البغي والفساد ، وتماديهم في الضلال قال : ان مصيرهم الهلاك والدمار نتيجة لبغيهم وضلالهم ، وان عاقبة المتقين النصر والتمكين في الأرض ، وهذا هو منهج القرآن في ذكر المسببات مع أسبابها ، والنتائج مع مقدماتها ، ولهذه الطريقة فوائدها ، منها الترغيب في الحق وعمل الخير ، والترهيب من الشر والباطل ، ومنها أن يتفاءل الإنسان بحسن العاقبة وانتصار الحق ، حتى ولو أخذ الباطل مأخذه وان لا يستسلم لأهله وان تطاولوا وصالوا وجالوا لأن الكرة ستكون عليهم في النهاية وان طال الأمد . وقد جرى

على هذه الطريقة الكثير من الخطباء وأصحاب الأقلام ، فإنهم يذكرون إساءة من أساء ، ثم يعقبون عليها واثقين بأن الشر لا يجزى به الا فاعله .

الأمر الثاني : ان اللَّه سبحانه يتدخل بإرادته لنصرة المحقين على شريطة أن لا يرتدوا عن الحق ، ولا يشكّوا فيه ، ولا يساوموا عليه ، ولا يرضوا بأنصاف الحلول ، ويلتمسوا القليل من حقهم بالكثير من باطل أعداء اللَّه وأعدائهم ، وقد دلت التجارب على أن أنصاف الحلول لا يستفيد منها الا من اعتدى وأفسد في الأرض ، وانها أبدا ودائما تأتي في صالح المبطلين ، لأن أي تنازل عن الحق فهو ربح للغاصب المبطل ، وخسران للحق وأهله . . وهنا يكمن السر في صلابة الإمام علي بن أبي طالب في الحق ، ورفضه انصاف الحلول بشتى صورها وأشكالها .

{ واسْتَفْتَحُوا وخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ ويُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ } .

والصديد القيح المختلط بالدم ، وهو هنا كناية عما يصعب شربه وتجرعه لنتنه وقذارته ، أو مرارته وحماوته ، أو لذلك كله ، أما ضمير استفتحوا فقيل : انه يعود إلى الرسل . وقيل : إلى المشركين . وقيل : إليهما معا . والمعنى يصح على كل الوجوه ، لأن العاقبة كانت كما يجب أن تكون ، نصر المؤمنين ، وخزي الكافرين . . هذا ، إلى أن الأنبياء استنصروا اللَّه سبحانه : « قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ - 30 العنكبوت » . وقال المشركون يوم بدر : اللهم انصر أعلى الجندين . فأجابهم اللَّه بقوله : « إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ - 19 الأنفال » .

{ يَتَجَرَّعُهُ ولا يَكادُ يُسِيغُهُ } لنتنه وقذارته ، وحرارته ومرارته { ويَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ } وهنا مضاف محذوف أي تأتيه أسباب الموت تحيط به من الجهات الست : شماله ويمينه وخلفه وأمامه وفوقه وتحته { وما هُوَ بِمَيِّتٍ } ولو مات استراح ، وانقطع عنه العذاب ، وقد أراد اللَّه له الدوام والخلود فيه : « والَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ولا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها - 36 فاطر » .

{ ومِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ } . ومما قيل في تفسير الغليظ هنا : ان العذاب يتجدد آنا فآنا ، وحالا بعد حال ، وكل حال أشد وأسوأ من سابقتها . . اللهم عفوا ولطفا بمن آمن بك وبجنتك ونارك ، ولا يبرئ نفسه من معصيتك ، ولكنه يطمع في رحمتك .

_________________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص432-434.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } هذا تهديد منهم بعد ما عجزوا في مناظرتهم وخسروا في محاجتهم، والخطاب في قولهم:{لنخرجنكم} إلخ للرسل والذين آمنوا معهم فما كانوا ليرضوا أن يعود الرسل في ملتهم ويبقى أتباعهم على دين التوحيد.

على أن الله سبحانه صرح بذلك في قصص بعضهم كقوله في شعيب:{ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}: الأعراف: 88.

وقوله:{أو لتعودن في ملتنا} عاد من الأفعال الناقصة بمعنى الصيرورة وهي الحيلولة من حال إلى حال سواء كان عليها سابقا أولا ومن الدليل عليه - كما قيل - قوله:{في ملتنا} ولوكان بمعنى الرجوع إلى ما كان لتعين أن يقال: إلى ملتنا.

ومن هنا يظهر فساد ما قيل: إن ظاهر الآية أن الرسل كانوا قبل الرسالة في ملتهم فكلفهم الكفار أن يعودوا إلى ما كانوا عليه.

على أن خطابهم لم يكن للرسل خاصة بل لهم ولمن آمن بهم ممن كان على ملة الكفار من قبل فالخطاب لهم ولرسلهم بالعود إلى ملتهم على تقدير كون العود بمعنى الرجوع، إنما هو من باب التغليب.

ومن لطيف الصناعة في الآية دخول لام القسم ونون التأكيد على طرفي الترديد:{لنخرجنكم أولتعودن} مع أن أوللاستدراك وتفيد معنى الاستثناء ولا معنى لأن يقال: إلا أن تعودوا والله في ملتنا، إلا أن عودهم لما كان بإجبار من الكفار كان في معنى الإعادة وعاد قوله:{لتعودن} طرف الترديد وصح دخول اللام والنون وآل المعنى إلى قولنا: والله لنخرجنكم من أرضنا أونعيدنكم في ملتنا.

قوله تعالى:{ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ } إلى آخر الآية، ضمير الجميع الأول والثاني للرسل والثالث للذين كفروا بدلالة السياق، والتعبير عنهم بالظالمين للإشارة إلى سببية ظلمهم للإهلاك فإن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية كما أن قوله:{ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} مشعر بعليه الخوف للإسكان.

وقوله:{مقامي} مصدر ميمي أريد به قيامه تعالى على الأمر كله أو اسم مكان أريد به مرتبة قيمومته تعالى للأمر كله، والمراد من وعيده تعالى ما أوعد به المخالفين عن أمره من العذاب.

فالمراد بالخوف من مقامه تعالى تقواه بما أنه الله القائم بأمر عباده والمراد بالخوف من وعيده تقواه بما أنه الله الذي حذر عباده من مخالفة أمره بلسان أنبيائه ورسله فيعود على أي حال إلى التقوى وينطبق على قول موسى لقومه:{ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}: الأعراف: 128 كما أشار إليه في الكشاف.

والمعنى فأوحى رب الرسل إليهم - وقد أخذت صفة الربوبية الخاصة بهم لمكان توكلهم الجالب للرحمة والعناية - وأقسم لنهلكن هؤلاء المهددين لكم بظلمهم ولنسكننكم هذه الأرض التي هددوكم بالإخراج منها ونورثكم إياها لصفة مخافتكم مني ومن وعيدي وكذلك نفعل فنورث الأرض عبادنا المتقين.

قوله تعالى:{ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} الاستفتاح طلب الفتح والنصر.

والخيبة انقطاع الرجاء والخسران والهلاك، والعنيد هواللجوج ومنه المعاند.

والضمير في{واستفتحوا} للرسل أي طلبوا النصر من الله لما انقطعت بهم الأسباب من كل جانب وبلغ بهم ظلم الظالمين وتكذيب المعاندين كقول نوح فيما حكاه الله:{أني مغلوب فانتصر}: القمر: 10، ويمكن رجوع الضمير إلى الرسل والكفار جميعا فإن الكفار أيضا كانوا يصرون على أن يأتيهم الرسل بما يقضي بينهم كقولهم:{متى هذا الفتح}: الم السجدة: 28{متى هذا الوعد}: يس: 48، وعلى هذا التقدير يكون المعنى: واستفتح الرسل والكفار جميعا، وكانت الخيبة للجبارين وهو عذاب الاستئصال.

قوله تعالى:{ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ } إلى آخر الآيتين.

الصديد القيح السائل من الجرح، وهو بيان للماء الذي يسقونه في جهنم.

والتجرع تناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار، والإساغة إجراء الشراب في الحلق يقال: ساغ الشراب وأسغته أنا كذا في المجمع والباقي ظاهر.

_______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص27-28.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

خطط الجبّارين المعاندين ومصيرهم!

عندما يعلم الظالمون بضعف منطقهم وعقيدتهم، يتركون الإستدلال، ويلجأون إلى القوّة والعنف، ونقرأ هنا أنّ الأقوام الكافرة العنيدة عندما سمعوا منطق الأنبياء المتين والواضح قالوا لرسلهم: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} وكأنّ هؤلاء القوم يعتبرون جميع ما في الأرض ملكهم، حتّى أنّهم لم يمنحوا لرسلهم حقوق المواطنة، ولذلك يقولون «أرضنا». وفي الحقيقة فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق الأرض وكلّ مواهبها للصالحين، وهؤلاء الجبابرة في الواقع ليس لهم أي حقّ فيها.

وقد يتوهّم البعض أنّ جملة {لتعودنّ في ملّتنا} إشارة إلى أنّ الأنبياء السابقين كانوا من أنصار عبادة الأصنام، مع أنّ الحقيقة ليست كذلك، لأنّهم ـ وبصرف النظر عن كونهم معصومين حتّى قبل نبوّتهم ـ فعقلهم ودرايتهم كان أكبر من أن يفعلوا هذا العمل غير الحكيم، فيسجدوا أمام الأحجار والأخشاب.

ويمكن أن يكون هذا التعبير بسبب أنّ الأنبياء قبل بعثهم لم يؤمروا بالتبليغ، فسكوتهم أوجد هذا الوهم بأنّهم من المشركين.

بالإضافة إلى أنّ الخطاب وإن كان موجّهاً للرسل، إلاّ أنّه في الواقع يشمل حتّى الأصحاب، ونعلم أنّهم كانوا مع المشركين من قبل، فنظر المشركين كان منصرفاً إلى الأصحاب فقط، وتعبير «لتعودنّ» من باب التغليب (يعني حكم الأكثرية يسري على العموم)(2).

وهناك جواب آخر لهذا الوهم وهو أنّ «عود» إذا عدّيت بـ«إلى» يكون معناها الرجوع، وإذا عُدِيَت بـ«في» فتفيد تغيير الحال .. لذلك فمعنى الآية {لتعودنّ في ملّتنا} يكون مفهومها أن تغيّروا من حالكم وتدخلوا في ملّتنا، وقد إختار هذا المعنى العلاّمة الطباطبائي في الميزان، ولكن عند مراجعتنا لبعض الآيات ومنها { كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}(السجدة،20) تبيّن أن «عود» حتّى لو عُدّيت بـ«في» فمعناها الرجوع أيضاً (فتدبّر).

ثمّ يضيف القرآن الكريم لتسلية قلوب الأنبياء { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} فلا تخافوا من وعيدهم، ولا تُظهروا الضعف في إرادتكم.

وبما أنّ الظالمين كانوا يهدّدون الأنبياء بالتبعيد عن أرضهم، فإنّ الله في مقابل ذلك كان يعد الأنبياء { وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ } ولكن هذا النصر والتوفيق لا يناله إلاّ { ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } فلطفه ومنّه ليس بدون حساب ودليل، ولا يناله إلاّ من أحسّ بمسؤوليته في مقابل العدل الإلهي، لا الظالمين والمعاندين لطريق الحقّ.

وحين إنقطعت الأسباب بالأنبياء من كلّ جانب، وأدّوا جميع وظائفهم في قومهم، فآمن منهم من آمن، وبقي على الكفر من بقي، وبلغ ظلم الظالمين مداه، في هذه الأثناء طلبوا النصر من الله تعالى {واستفتحوا...} وقد استجاب اللّه عزّوجلّ دعاء المجاهدين المخلصين{ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}.

«خاب» من الخيبة بمعنى فقدان المطلوب.

و «جبّار» بمعنى المتكبّر هنا، ورد في الحديث أنّ امرأة جاءت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فأمرها بشيء، فلم تطعه فقال النّبي: دعوها فإنّها جبّارة(3).

وتطلق هذه الكلمة أحياناً على الله جلّ وعلا فتعطي معنىً آخر، وهو (جبر وإصلاح من هو بحاجة إلى الإصلاح) أو بمعنى (المتسلّط على كلّ شيء)(4).

و «العنيد» في الأصل من «العَنَد» على وزن (رَنَد) بمعنى الإتّجاه، وجاءت هنا بمعنى الإنحراف عن طريق الحقّ.

ولذلك نقرأ في رواية عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «كلّ جبّار عنيد من أبى أن يقول لا إله إلاّ الله».(5)

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «العنيد المعرض عن الحقّ».(6)

ومن الطريف أنّ «جبّار» تشير إلى صفة نفسانية بمعنى روح العصيان، و «عنيد» تشير إلى آثار تلك الصفة في أفعال الإنسان حيث تصرفه عن طريق الحقّ. ثمّ يُبيّن نتيجة عمل الجبّارين في الآخرة ضمن آيتين في خمسة مواضع:

1 ـ على أثر هذه الخيبة، أو أنّ مثل هذا الشخص: {من ورائه جهنّم}.

مع أنّ كلمة «وراء» بمعنى «الخلف» في مقابل أمام، إلاّ أنّها في هذه الموارد تعني نتيجة وعاقبة العمل.

2 ـ أمّا في جهنّم فإنّه { وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ }.

«الصديد» القيح المتجمّع بين اللحم والجلد، وهو بيان للماء المتعفّن الكريه الذي يسقونه.

3 ـ فهذا المجرم المذنب عندما يرى نفسه في مقابل هذا الشراب {يتجرّعه ولا يكاد يسيغه} يسيغه: من إساغة، وهي وضع الشراب في الحلق.

4 ـ ووسائل التعذيب كثيرة بحيث { وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}. حتّى يذوق وبال عمله وسيّئاته.

5 ـ وقد يتصوّر أن ليس هناك عقاباً أكثر من ذلك، ولكن { وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }.

وبهذا الترتيب فإنّ كلّ ما يخطر في ذهن الإنسان وما لا يخطر من شدّة العقاب هو في إنتظار هؤلاء الظالمين والجبّارين والمذنبين، أسوؤها الشراب المتعفّن الكريه، والعقوبات المختلفة من كلّ طرف، وفي نفس الوقت عدم الموت، بل الإستمرار في الحياة وإدامة العذاب.

ولكن لا يتصوّر أنّ هذا العقاب غير عادل، لأنّه ـ وكما قلنا مراراً ـ النتيجة الطبيعيّة لعمل الإنسان، بل تجسيم أفعالهم في الآخرة، فكلّ عمل يجسّم بشكل مناسب، وإذا ما شاهدنا جنايات بعض المجرمين في عصرنا أو في التاريخ القديم لقلنا: حتّى هذه العقوبات قليلة.

_______________

1- تفسير الامثل،الشيخ مكارم الشيرازي،ج6،ص503-506.

2- وكذلك أجيب هذا التوهم بجواب أخر وهو (عود)إذا تعدى بـ(إلى)يكون بمعنى الرجوع ،وأذا تعدى بـ(في ) يكون بمعنى التغيير والتحول ولايعطي معنى الرجوع ،فعليه أن هذه الجملة (لتعودنا في ملتنا) مفهومها يجب  أن تغييروا أنفسكم وتتحول من عقيدتكم إلى عقيدة اخرى وتنصاعوا الى ديننا ، هذا مااختاره العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان، ولكن عند مراجعة الآية 20 من سورة السجدة { كلما ارادوا أن ييخرجوا منها اعيدوا فيها } وآيات قرأنية أخرى أن كلمة (عود) حتى لو تعدت بـ(في )أيضاً تعطي معنى الرجوع.(فتأمل).

3- التفسير الكبير ،ج19،ص102.

4 ـ للتوضيح أكثر راجع تفسير الآية 20-26 من سورة المائدة من تفسيرنا هذا.

5 ـ نور الثقلين، ج2، ص532،ح37.

6 ـ المصدر السابق ح38.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .