المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8120 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
النقل البحري
2024-11-06
النظام الإقليمي العربي
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
2024-11-06
تقييم الموارد المائية في الوطن العربي
2024-11-06
تقسيم الامطار في الوطن العربي
2024-11-06
تربية الماشية في الهند
2024-11-06



حجج المجوزين لحجية الخبر الواحد[آية النفر]  
  
2322   08:03 صباحاً   التاريخ: 23-7-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏1، ص: 598
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / مباحث الحجة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016 973
التاريخ: 6-9-2016 1339
التاريخ: 18-8-2016 937
التاريخ: 5-9-2016 784

من جملة الآيات التي استدلّ بها لحجيّة خبر الواحد آية النفر، وهي قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] حيث دلّت الآية على وجوب الحذر عقيب الإنذار، فيدلّ على وجوب القبول عند التفقّه والإخبار.

 

أمّا دلالتها على وجوب الحذر عقيب الإنذار فمن وجوه:

الأوّل: أنّ معنى كلمة «لعلّ» هو الطلب مع الرجاء للحصول، واحتمال عدم الحصول وقيد الرجاء غير ممكن في البارى تعالى فينسلخ عنه ويبقى الطلب المجرّد، وبعد ذلك يصير المحصّل أنّ الحذر مطلوب.

فنقول: إذا ثبت رجحان الحذر ثبت وجوبه لوجهين، الأوّل: ما ذكره في المعالم من أنّ مقتضى الوجوب إمّا موجود وإمّا لا، وبعبارة اخرى: إمّا تكون الحجّة تامّة وإمّا لا، فعلى الأوّل يجب الحذر وعلى الثاني لا يحسن، والثاني: الإجماع على أنّه متى ثبت هنا الرجحان ثبت الوجوب، وذلك لأنّهم في هذا الباب بين من لا يجوّز العمل بخبر الواحد وبين من يوجبه، ولا قائل بالرجحان وعدم الوجوب.

والوجه الثاني: أنّ الحذر وقع غاية للإنذار وهو واجب؛ لأنّه وقع غاية للنفر وهو واجب بواسطة كلمة «لو لا» وغاية الواجب واجبة إذا كانت من فعل المكلّف.

و الوجه الثالث: أنّ الإنذار واجب لما تقدّم، ووجوبه مستلزم لوجوب الحذر والقبول؛ إذ لو لم يجب القبول لزم لغويّة وجوب الإنذار، وبنظير ذلك استدلّوا في باب وجوب قبول شهادة المرأة بما في رحمها، لثبوت النهي عن كتمان ما في أرحامهنّ في الآية، فبهذه الوجوه الثلاثة ثبت وجوب الحذر والقبول عقيب الإنذار، فيكون خبر الواحد في الأحكام الشرعيّة واجب القبول.

أقول: أمّا ما ذكر في الوجه الأوّل من انسلاخ لفظة «لعلّ» عن معنى الترجّي فمبنيّ على كون مثل هذه الكلمة من هيئة الأمر ونحوها حقيقة في الصفات الموجودة في النفس كالترجّي الحقيقي والإرادة الحقيقيّة، وأمّا على قول من يقول بأنّ تلك الهيئات والألفاظ حقيقة في المعنى الذي يوجدها تلك الألفاظ، وبعبارة اخرى:

هيئة الأمر موضوعة للطلب الإيقاعي دون الطلب الواقعي، ولفظة «لعلّ» موضوعة للترجّي الإيقاعي دون الواقعي، فهي أبدا مستعملة في معناها الحقيقي الإيقاعي، والاختلاف إنّما هو في الدواعي، فقد يكون إيقاع هذا المعنى بداعي الوصف الواقعي، وقد يكون بداع آخر.

فحينئذ لا يلزم الانسلاخ لإمكان تمشّي الترجّي الإيقاعي في حقّ الباري؛ لعدم منافاة إيقاع هذا المعنى مع العلم بالحصول أو عدم الحصول، بخلاف القول الأوّل أعني كون هذه الألفاظ كواشف عن الصفات المتحقّقة في النفس دون كونها موجدة لمعانيها- كما قوّيناه- غاية الأمر أنّ الصفة القائمة بالنفس المحكيّة بهذه الألفاظ قد تكون حاصلة عن مصلحة في المتعلّق، وقد تكون ناشئة عن المصلحة في نفسها يعني يوجدها الإنسان لمصلحة فيها، فإنّه كما أنّ الترجّي الحقيقي الناشئ من المصلحة في المتعلّق غير ممكن في حقّ الباري لابتنائه على الشكّ الممتنع في حقّه تعالى، كذلك ما يوجد لأجل المصلحة في نفسه، فإنّه صفة قائمة بانفسنا، ولو قلنا به في حقّه تعالى لزم كونه تعالى محلا لهذه الصفة الإيجاديّة وقيامها بذاته تعالى وهو محال.

ولكن يمكن حفظ المعنى الحقيقي لهذه اللفظة وأمثالها إذا وقعت في كلامه تعالى على هذا القول أيضا بأن يقال: ربّما يكون المتكلّم عالما وينزّل نفسه منزلة الشاكّ فيستفهم، فحينئذ يستعمل كلمة الاستفهام في كلامه في معناه، كذلك ربّما ينزّل من هو عالم بحصول أمر نفسه منزلة الشاكّ بحصول هذا الأمر المتوقّع لحصوله، فيستعمل لفظة «لعلّ» فتقع اللفظة في كلامه مستعملة في معناها الحقيقي من دون حاجة إلى تجريد وانسلاخ.

وبالجملة، بحسب مقام المحاورة والمكالمة يمكن أمثال ذلك في حقّه تعالى أيضا، والأمر في ذلك سهل، ولعلّ من هذا القبيل كلمة «لعلّ» فيما إذا كان المقصود إلقاء التّرجي وإبدائه للمخاطب بدون أن يكون الغرض إظهار ترجّي نفس المتكلّم كما في قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } [عبس: 3].

وكيف كان فالحق عدم جواز الاستدلال بالآية لحجيّة الخبر(1)، والوجوه‏ المذكورة كلّها مخدوشة، أمّا توجيه الملازمة بين رجحان الحذر عقيب الإنذار وبين وجوبه بما ذكره في المعالم، فلأنّه إنّما يتمّ بالنظر إلى العقاب؛ إذ هو إمّا معلوم الاستحقاق فيجب الحذر، وإمّا غير معلوم فلا يحسن، للعلم بعدمه بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فإنذار المنذر إمّا حجّة فيجب الحذر، وإمّا لا فلا يحسن، ولكنّه بالنظر إلى المصلحة والمفسدة غير تامّ(2)‏ ؛ إذ يمكن فرض الرجحان بدون الوجوب للحذر عن فوت المصلحة أو الوقوع في المفسدة الكامنتين في الفعل، فيحسن لأجل ذلك الاحتياط والتحذّر وإن كان لا يحسن من حيث العقوبة.

وأمّا توجيه الملازمة بالإجماع المركّب والوجه الثاني- أعني إثبات وجوب الحذر بكونه غاية للانذار الواقع غاية للنفر الواجب بقضيّة لفظة «لو لا»- والوجه الثالث اعني- إثبات الوجوب في الإنذار بما ذكروا في الحذر بلزوم اللغويّة- فالخدشة في الكلّ من جهتين.

الاولى: أنّ الآية إنّما تدلّ على المدّعى لو استفيد منها وجوب الحذر مطلقا، سواء كان الإنذار مفيدا للعلم أم لا، وليس كذلك، فليست الآية إلّا بصدد أصل مطلوبيّة النفر والتفقّه والإنذار والحذر عقيبه، أمّا أنّ مطلوبيّة الحذر تكون مطلقة أو مشروطة بحصول العلم فالآية ساكتة عن هذه الجهة.

وبالجملة الآية متعرّضة لتكليف النافرين وفي مقام تحريصهم على النفر والتفقّه، وذكر الحذر من المتخلّفين يكون على سبيل الفائدة، فتكون من جهته في مقام الإهمال.

فحينئذ من الممكن أن يكون وجوب الحذر مخصوصا بما إذا حصل العلم بصدق الإنذار، لصدوره من طائفة وجماعة واحدا بعد واحد، بل ربّما يستظهر ذلك من كلمة «لعلّ» ومن استدلال الإمام عليه السلام بهذه الآية لوجوب النفر لمعرفة الإمام؛ إذ يعلم منه أنّ الآية إمّا مخصوصة بالاصول أو عامّة لها وللفروع، ومن المعلوم أنّ الإنذار في الاصول يجب قبوله لو أفاد العلم لا غير.

والثانية: أنّ النفر وجب لأجل تفقّه المسائل التي هي من الدين واقعا، والإنذار بهذه المسائل أيضا واجب، فالحذر إنّما يجب عقيب الإنذار بالامور التي تكون من الدين واقعا، وهذا لا يصير منجّزا إلّا بعد إحراز كون إنذار المنذر إنّما تعلّق بالأمر الواقعي، وهو لا يتحقّق إلّا مع العلم بصدقه، وأمّا لو لم يعلم أنّه أنذر بالواقع أو لا فلا يجب الحذر، والحاصل أنّه لا يستفاد من الآية حكم تعبّدي بلزوم قبول إخبار المنذر وإن لم يفد العلم.

فإن قلت: إنّ ما ذكرت من عدم كون الآية بصدد إيجاب تصديق المنذر وقبول قوله تعبّدا، وعدم استفادة التعبّد منها أصلا ينافيه إيجاب جميع أفراد الإنذار ما أفاد منها العلم وما لم يفد؛ إذ الطائفة الغير المفيدة للعلم يكون إيجابها على هذا لغوا، لعدم إيجاب قبوله.

قلت: لو كان بين هاتين الطائفتين مميّز خارجي أو أمكن التقييد في الكلام بقيد يساوق الأفراد المفيدة للعلم كان ما ذكرته حقّا، ولكن ليس تلك الأفراد متمايزة بنفسها، وليس هنا قيد حصل الامتياز بسببه أيضا وإن كان هو علم المنذر بحصول العلم للمنذر بإنذاره، فإنّ الشارع رأى أنّه لو قيّد بذلك فأوجب الإنذار الذي يعلم المنذر أنّه مفيد للعلم فربّما يخطأ في تشخيص مصداقه، فيعلم المفيد غير المفيد، فلهذا أوجب عليه جميع الأفراد إدراكا لما فيها من الواجب الأصلي، ولا يعدّ هذا من اللغو في شي‏ء.

وإن شئت توضيح ذلك بالمثال فلاحظ حاكم البلد حيث يأمر الحفظة بالليل بأخذ كلّ من وجدوه بعد مضيّ أربع ساعات من الليل مثلا، مع أنّ من الواضح أن ليس المقصود إلّا أخذ السارق، ولكن لمّا لم يكن للسارق علامة يمتاز بها عن غيره، والإحالة إلى نظر الحفظة أيضا قد يؤدّي إلى خلاف الواقع، إذ اللازم حينئذ عدم أخذ مشكوك الحال لأجل الشبهة المصداقيّة فلا جرم جعلوا المأمور به أخذ كلّ من يخرج بالليل بعد المدّة المعيّنة.

وهنا فرد آخر وهو ما إذا حصل العلم بسبب إنذار المتعدّد منضمّا لا من كلّ واحد منفردا، فحينئذ حاله حال ما إذا لم يتمكّن العشرة كلّ منهم منفردا لرفع الحجر مع قدرة المجموع بهيئة الاجتماع عليه، فحينئذ وإن كان إعمال قوّة كلّ مطلوبا مقدّميّا- وقد قلنا في باب المقدّمة: إنّ وجوب المقدّمة مختصّة بحال وجود سائر المقدّمات- ولكنّ الواجب هنا تعليق الحكم بنحو الإطلاق نحو عمل كلّ واحد واحد؛ إذ لو كان الوجوب في حقّ كلّ مشروطا بإقدام غيره فيلزم أن يتقاعدوا جميعا ولا يكونوا في هذا الفرض بعاصين، فيلزم نقض الغرض، فإذا انحصر طريق دفع نقض الغرض بتوجيه الأمر المطلق نحو كلّ واحد يجب عقلا ذلك وإن كان ملاك الحبّ مخصوصا بحالة الاجتماع، فهذا نظير أمر العسكر بالتهاجم على العدو بإلزام كلّ فرد منهم على سبيل الإطلاق وتوعيده على التخلّف، غاية الأمر حمل كلّ على الإقدام هناك بالعمل الخارجي يعني بالزجر الخارجي، وهنا يكون بالأمر التشريعي.

فقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ الآية لا تنفع لحجيّة الإنذار تعبّدا أصلا، وإنّما يفيد وجوب الحذر لو حصل العلم من الإنذار، فكلّ فرد من الإنذار واجب على المنذر بالكسر، لكن لا يجب القبول على المنذر بالفتح إلّا عقيب خصوص الإنذار المفيد للعلم.

ثمّ إنّ شيخنا المرتضى قدّس سرّه- بعد الغضّ عن الإشكالين السابقين وتسليم دلالة الآية على لزوم الحذر مطلقا سواء حصل العلم من قول المنذر أم لا- استشكل في دلالة الآية على حجيّة الخبر أيضا بما حاصله: أنّ الراوي ليس له الإنذار للمجتهد؛ لابتنائه على فهم معنى ألفاظ الحديث، فإنّ الإنذار إنّما هو بمعناها، وربّما اختلف فهمه مع فهم المجتهد في ذلك، ففهم هو الوجوب فلهذا أنذر، والمجتهد يفهم عدم الوجوب فلا إنذار بحسب رأيه، نعم له حقّ ذلك بالنسبة إلى من يكون رأيه متّبعا في حقّه كمقلّديه؛ وأمّا المجتهد فليس للراوي إنذاره ممّا فهمه من معنى الرواية، وإنّما يكون له بالنسبة إليه نقل ألفاظ الحديث فقط.

فالآية حيث إنّها مشتملة على وجوب الحذر عقيب الإنذار، ووجوب قبوله مختصّة بإنذار المجتهد لمقلّديه فهي إنّما تدلّ على حجيّة الإنذار في مقام الفتوى، ولا دلالة له لحجيّته في مقام الخبر والرواية، فالاستدلال بها لوجوب التقليد أولى منه لوجوب تصديق الرواة.

قلت: قد عرفت أنّ مع عدم الإغماض عن الإشكالين لا دلالة للآية لحجيّة الإنذار أصلا لا في مقام الإفتاء ولا في مقام الإخبار، وإنّما تفيد وجوب القبول في مقام حصول العلم، وأمّا مع الغضّ عنهما فالإنصاف تماميّة دلالتها على حجيّة الخبر دون الإفتاء، وذلك لأنّ الاجتهاد والتقليد قد حدثا في هذه الأزمنة بعد عدمهما في زمان حضور الإمام.

فحال الرواة في تلك الأزمنة كان كحال نقلة الفتاوى للمقلّدين في هذه الأزمنة، فكما أنّه قد ينذر ناقل الفتوى للعوام كأن قال: قال العالم الفلاني: من شرب الخمر عوقب بكذا من دون مدخليّة رأي الناقل في ذلك أصلا، كذلك في تلك الأزمنة كان ناقل الأحكام عن الإمام بلفظه أو بالمعنى قد ينذر المنقول إليهم، وكان الغالب تصديقهم له في فهم المعنى من دون إظهار مخالفة له في فهمه كما هو الحال في نقل الفتوى في زماننا.

والحاصل: كان همّ الرواة مصروفا بضبط المطالب والمعاني دون مجرّد الألفاظ، وكان المهمّ في النقل أيضا نقل المطالب، وكان تفقّههم ذلك، والاختلاف في فهم المعاني كان كما هو كذلك الآن في غاية الندرة، وعلى هذا فصدق الإنذار على نقل الراوي لا إشكال فيه، هذا.

ويمكن أن يقال: إنّ ظاهر الآية وجوب الحذر عقيب الإنذار بطور الإطلاق وهو ينافي مع كونها في مقام الحجيّة على المجتهد الذي شأنه الفحص في سائر ما بيده من الأمارات والأدلّة، وملاحظة وجود المعارض وعدمه، وقوّته وعدمه، ثمّ بعد اليأس عن المعارض الأقوى يحذر من قول المنذر، وظاهر الآية أن لا يكون للمنذر بالفتح بعد الإنذار حالة منتظرة، بل يتحذّر ويتخوّف بنفس الإنذار ويكون الإنذار علّة تامّة لحذره، فالآية مناسبة بحال المستفتي والمفتي.

وإن شئت التوضيح فلاحظ منذرين أحدهما ينذر مقلّده والآخر ينذر المجتهد، فالأوّل بمحض إنذاره يذهب مقلّده نحو العمل بلا مهلة، وأمّا المجتهد فيقول: اصبر حتّى اراجع لأن أفهم هل في البين دليل أقوى أولا، فعلى الثاني اتحذّر من قولك، فأنصف من نفسك أيّهما ألصق وأنسب بالمدلوليّة للآية؟.

وحاصل الكلام أنّ الحذر أوّلا ليس هو العمل، وثانيا ليس للآية إطلاق حتى في حال الشكّ، وثالثا سلّمنا أنّ الحذر بمعنى العمل وأنّ للآية الإطلاق، ولكن ليس في مقام التعبّد وإنّما الحكم متعلّق بنفس الواقع المنذر به، وأين هو من التعبّد وجعل الإنذار حجّة في مقام الظاهر، ورابعا سلّمنا أنّ الحذر بمعنى العمل، والآية لها إطلاق وتكون بمقام التعبّد، لكن ليس مرتبطا بجعل حجيّة الخبر وقول الراوي، وإنّما ترتبط بحجيّة قول المفتي في حقّ المستفتي، وذلك لأنّ استناد العمل في الأوّل إلى‏ فهم نفس المنذر بالفتح، وفي الثاني أيضا وإن كان العمل يحتاج إلى الفهم، ولكنّ الفهم فيه فهم مدّعى المنذر بالكسر، وفي الأوّل يكون فهم مستنده، وظاهر الآية أن يكون الحذر مستندا إلى الإنذار بلا واسطة شي‏ء في ما بين العمل والإنذار.

والحاصل: في مقام الرواية الإنذار سبب لفهم المنذر، وفهمه سبب لحذره، ولكن في مقام الفتوى الإنذار سبب بلا واسطة للحذر، غاية الأمر الالتفات شرط تأثيره، ولعلّ مراد شيخنا المرتضى أيضا ذلك فراجع عبارته.

وبالجملة فالآية على هذا تدلّ على حجيّة الرواية مع الإنذار، وتكون دالّة على الحجيّة بدونه بضميمة عدم القول بالفصل، بمعنى أنّه تكون الآية دليلا فيما يشتمل على الوجوب أو التحريم ونفي غيره ممّا يشتمل على الإباحة أو الكراهة أو الاستحباب، ويتمّ الحكم فيه بعدم القول بالفصل بين الأخبار.

_________________

(1) الأولى في ردّ التمسّك بالآية أن يقال: مفاد الآية وجوب الإنذار ومطلوبيّة الحذر، لكنّ الحذر عبارة عن الخوف النفساني لا العمل الأركاني، فإنّه يحصل للإنسان عقيب الوعظ والإنذار حالة الخوف، ويكفي فيه مجرّد احتمال صدق المنذر، فعند هذا الاحتمال والخوف يبعثه عقله نحو أحد الأمرين: إمّا الاحتياط، أو الفحص والوصول إلى الواقع، فالآية غير مرتبطة بمقام الحجيّة أصلا.

فإن قلت: الجاهل نفس جهله واحتماله يكفي في جريان حكم العقل في حقّه. قلت:

فرق واضح بين الجاهل العامل أو الملتفت المغمور في الشهوات، وبين من يعظه وينذره شخص عالم فقيه خبير بالمطالب، وبالجملة إنكار ثمرة الإنذار حتّى في حقّ العالم فضلا عن الجاهل بمثابة إنكار البديهي. منه قدّس سرّه الشريف.

(2) الإنصاف أنّ هذا الإشكال بعد تسليم أنّ المراد مطلوبيّة العمل بعد الحذر ولأجله غير وارد من وجهين، الأوّل: أنّ الظاهر من الحذر في الآية هو الخوف عن العقوبة الاخرويّة، والثاني: أنّ المصالح والمفاسد يختصّ فهمها بالأوحديّ من الناس ممّن يحكم عقله باستتباع الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلّقات، وبعد الفهم أيضا يختصّ الارتداع عن الوقوع في ضررها بالأوحديّ من الأوحدي. منه قدّس سرّه الشريف.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.