أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-7-2020
21470
التاريخ: 22-7-2020
7174
التاريخ: 14-7-2020
15654
التاريخ: 14-7-2020
3853
|
قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُو أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 19 - 25]
بين سبحانه الفرق بين المؤمن والكافر فقال: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } يا محمد { مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} عنه أخرج الكلام مخرج الاستفهام والمراد به الإنكار أي لا يكونان مستويين فإن الفرق بينهما هو الفرق بين الأعمى والبصير لأن المؤمن يبصر ما فيه رشده فيتبعه والكافر يتعامى عن الحق فيتبع ما فيه هلاكه { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي: إنما يتفكر فيه ويستدل به ذووالعقول والمعرفة قال علي بن عيسى وفي هذا حث على طلب العلم وإلزام له لأنه إذا كانت حال الجاهل كحال الأعمى وحال العالم كحال البصير وأمكن هذا الأعمى أن يستفيد بصرا فما الذي يقعده عن طلب العلم الذي يخرجه عن حال العمى بالجهل إلى حال البصير.
{ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} أي: يؤدون ما عهد الله إليه وألزمهم إياه عقلا وسمعا فالعهد العقلي ما جعله في عقولهم من اقتضاء صحة أمور وفساد أمور أخر كاقتضاء الفعل للفاعل وإن الصنائع لا بد أن ترجع إلى صانع غير مصنوع وإلا أدى إلى ما لا يتناهى وإن للعالم مدبرا لا يشبهه والعهد الشرعي ما أخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على المؤمنين من الميثاق المؤكد باليمين أن يطيعوه ولا يعصوه ولا يرجعوا عما التزموه من أوامر شرعه ونواهيه وإنما كرر ذكر الميثاق وإن دخل جميع الأوامر والنواهي في لفظ العهد لئلا يظن ظان أن ذلك خاص فيما بين العبد وربه فأخبر أن ما بينه وبين العباد من المواثيق كذلك في الوجوب واللزوم وقيل إنه كرره تأكيدا { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} قيل المراد به الإيمان بجميع الرسل والكتب كما في قوله { لا نفرق بين أحد من رسله } وقيل هو صلة محمد وموازرته ومعاونته والجهاد معه عن الحسن وقيل هو صلة الرحم عن ابن عباس.
وروى أصحابنا أن أبا عبد الله (عليه السلام) لما حضرته الوفاة قال أعطوا الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين وهو الأفطس سبعين دينارا فقالت له أم ولد له أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة فقال لها ويحك أ ما تقرئين قوله تعالى { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } الآية وقيل هو ما يلزم من صلة المؤمنين بأن يتولوهم وينصروهم ويذبوا عنهم ويدخل فيه صلة الرحم وغير ذلك عن الجبائي وأبي مسلم وروى جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بر الوالدين وصلة الرحم يهونان الحساب ثم تلا هذه الآية.
روى محمد بن الفضيل عن موسى بن جعفر الكاظم (عليهماالسلام) في هذه الآية قال: صلة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) معلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وهي تجري في كل رحم وروى الوليد بن أبان عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال قلت له هل على الرجل في ماله سوى الزكاة قال نعم أين ما قال الله { والذين يصلون } الآية { ويخشون ربهم } أي: ويخافون عقاب ربهم في قطعها { ويخافون سوء الحساب } قد بينا ما قيل فيه وروى هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سوء الحساب أن يحسب عليهم السيئات ولا يحسب لهم الحسنات وهوالاستعصاء.
وروى حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لرجل يا فلأن ما لك ولأخيك قلت جعلت فداك لي عليه شيء فاستقصيت حقي عنه قال أبوعبد الله (عليه السلام) أخبرني عن قول الله سبحانه { ويخافون سوء الحساب } أ تراهم خافوا أن يجور عليهم أويظلمهم لا والله ولكن خافوا الاستقصاء والمداقة { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } أي: الذين صبروا على القيام بما أوجبه الله عليهم وعلى بلاء الله من الأمراض والعقوبة وغير ذلك وعن معاصي الله سبحانه لطلب ثواب الله تعالى لأن ابتغاء وجه الله هو ابتغاء الله وابتغاء الله يكون ابتغاء ثوابه تقول العرب في تعظيم الشيء هذا وجه الرأي وهذا نفس الرأي للرأي المعظم فكذلك وجه ربهم هونفسه المعظم فلا شيء أعظم منه ولا شيء يساويه في العظم وقيل إن ذكر الوجه هنا عبارة عن الإخلاص وترك الرياء.
{ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } أي: أدوها بحدودها وقيل: داموا على فعلها { وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} أي: ظاهرا وباطنا { وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } أي: يدفعون بفعل الطاعة المعصية قال ابن عباس يدفعون بالعمل الصالح السيىء من العمل كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لمعاذ بن جبل إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها وقيل معناه يدفعون إساءة من أساء إليهم بالإحسان والعفوولا يكافئون كقوله سبحانه { ادفع بالتي هي أحسن السيئة } عن قتادة وابن زيد والقتيبي قال الحسن إذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا وإذا قطعوا وصلوا وقيل معناه يدفعون بالتوبة معرة الذنب عن ابن كيسان { أولئك } يعني أن هؤلاء الذين هذه صفاتهم { لهم عقبى الدار } أي: ثواب الجنة فالدار الجنة وثوابها عقباها التي هي العاقبة المحمودة عن ابن عباس والحسن ثم وصف الدار فقال { جنات عدن } أي: بساتين إقامة تدوم ولا تفنى وقيل هي الدرجة العليا وسكانها الشهداء والصديقون عن ابن عباس وقيل هي مدينة في الجنة فيها الأنبياء والأئمة والشهداء عن الضحاك وقيل قصر من ذهب لا يدخله إلا نبي أوصديق أوشهيد أوحاكم عدل عن الحسن وعبد الله بن عمر.
ثم بين سبحانه ما يتكامل به سرورهم من اجتماع قومهم معهم فقال دْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } أي أولادهم يعني من آمن منهم وصدق بما صدقوا به وذلك أن الله سبحانه جعل من ثواب المطيع سروره بما يراه في أهله من إلحاقهم به في الجنة كرامة له كما قال ألحقنا بهم ذريتهم عن ابن عباس ومجاهد { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} من أبواب الجنة الثمانية وقيل من كل باب من أبواب البر كالصلاة والزكاة والصوم وقيل من أبواب قصورهم وبساتينهم بالتحية من الله سبحانه والتحف والهدايا عن ابن عباس .
ويقولون { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ } والقول محذوف لدلالة الكلام عليه والسلام والتحية والبشارة منهم بالسلامة والكرامة وانتفاء كل أمر تشوبه مضرة أي سلمكم الله من الأهوال والمكاره بصبركم على شدائد الدنيا ومحنها في طاعة الله تعالى { فنعم عقبى الدار } أي: نعم عاقبة الدار ما أنتم فيه من الكرامة .
لما ذكر سبحانه الذين يوفون بعهد الله ووصفهم بالصفات التي يستحقون بها الجنة عقبه بذكر من هوعلى خلاف حالهم فقال { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } قد ذكرنا معنى عهد الله وميثاقه وصلة ما أمر الله به أن يوصل { وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ } بالدعاء إلى غير الله عن ابن عباس وقيل: بقتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين عن الحسن وقيل: بالعمل فيها بمعاصي الله والظلم لعباده وإخراب بلاده وهذا أعم { أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ } وهي الإبعاد من رحمة الله والتبعيد من جنته { وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } أي: عذاب النار والخلود فيها.
______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص32-36.
{ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ } . بعد أن شبّه سبحانه الكافر بالأعمى ، والمؤمن بالبصير في الآية 16 ، ثم شبّه الحق بالماء والباطل بالزبد في الآية 17 - بعد هذا ذكر هنا ان من يؤمن بمحمد فهو البصير المحق ، ومن كفر به فهو الضال الأعمى ، وأخبر تعالى عن هذه الحقيقة بصيغة الاستفهام لتقريع المنكر وتوبيخه { إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ } الذين يصغون لصوت العقل ، ومن لا يصغي إليه الا إذا وافق هواه فهو كمن لا عقل له . ثم ذكر سبحانه أوصاف أولي الألباب ، وهي تدل بوضوح على أن المراد بأولي الألباب المؤمنون المتقون .
1 - { الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ } . وكل ما قام عليه الدليل فهو عهد اللَّه ، وعلى الإنسان أن يعمل بمؤداه . . ولكن الأبالسة يحرّفون الحقائق على أهوائهم ، ثم ينسبون هذه الأهواء الشيطانية إلى اللَّه والحق . . تعالى اللَّه عما يصف المفترون { ولا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ } هذا تأكيد لقوله : يوفون بعهد اللَّه ، حيث يلزم من الوفاء بالعهد انتفاء نقضه ونقيضه .
2 - { والَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } . ذكر المفسرون أقوالا في تفسير ما أمر اللَّه به أن يوصل ، وأقربها إلى روح الإسلام ومبادئه قول من قال : ان المراد به مناصرة الإنسان لأخيه الإنسان ، والتعاون معه على كشف الضر عنه ، وجلب النفع له قريبا كان أو بعيدا .
3 - { ويَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ويَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ } عمليا لا نظريا ، وفعلا لا قولا فقط ، قال الإمام علي : بالايمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الايمان .
4 - { والَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } . يجاهدون في سبيل اللَّه ، ويصبرون على جراح الجهاد وآلامه ، لا يبتغون جزاء ولا شكورا الا مرضاة اللَّه وحده .
5 - { وأَقامُوا الصَّلاةَ } التي أولها التكبير : اللَّه أكبر ، لا كبير سواه كائنا من كان ، والكل لديه سواء ، وآخرها التهليل والتسليم ، لا إله الا هو ولا يعبد سواه ، فلا المال ولا الجاه ولا الأنساب آلهة تعبد ، ولا قوة يخضع لها الا قوة اللَّه وحده لا شريك له .
6 - { وأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً } . المال هو المحك . . أنظر ما كتبناه تحت هذا العنوان في تفسير الآية 92 من سورة آل عمران ج 2 ص 107 .
7 - { ويَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } . المراد بالحسنة هنا العفو والصفح ، وبالسيئة الحق الخاص يكون بين اثنين كالقصاص ، قال تعالى : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ والْعَبْدُ بِالْعَبْدِ والأُنْثى بِالأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ - 178 البقرة » . أما حق اللَّه فلا هوادة فيه ، قال تعالى : « ولا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ - 2 النور » .
{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ومَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وأَزْواجِهِمْ وذُرِّيَّاتِهِمْ } . كل الصالحين والطيبين يدخلون الجنة ، وإذا كانوا في الدنيا أرحاما وأحبابا يزدادون فرحا وسرورا بجمع الشمل ، ويتذكرون أيام الدنيا ، ويشكرون اللَّه على الخلاص من همومها وأعبائها ، وإذا اختلفت الأعمال في الخير والشر تقطعت الأنساب والأسباب بينهم يومئذ ، ولا يتساءلون : « فريق في الجنة وفريق في السعير » .
{ والْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } . يزور الملائكة أهل الجنة تكريما وتعظيما . وقوله : بما صبرتم يومئ إلى أن الجنة محرمة إلا على من جاهد وصبر وتحمل متاعب الجهاد ومشاقه . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : « الجنة حفت بالمكاره ، والنار حفت بالشهوات ، واعلموا انه ما من طاعة اللَّه شيء إلا يأتي في كره ، وما من معصية اللَّه شيء إلا يأتي في شهوة » .
{ والَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ } . بعد ان ذكر سبحانه الصالحين وأوصافهم ، وما أعد لهم من حسن الثواب والمآب ذكر الفاسدين والمفسدين . .
وبالتعبير الدارج بعد أن ذكر أنصار الثورة على الفساد ذكر أنصار الثورة المضادة ، وطبيعي أن يكون هؤلاء في صفاتهم وأعمالهم على الضد من أولئك ، فالصالحون يوفون بعهد اللَّه ، فيعملون بوحي من العقل والضمير وبكل ما دل عليه الدليل والمفسدون ينقضون عهده جل وعلا فيعملون بوحي من الشيطان ، يلبسون الحق بالباطل ، ويكتمون الحق وهم يعلمون { ويَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } . فيتولون الطغاة المجرمين ، ويناصرونهم على الأحرار الطيبين ، تماما على العكس مما أمر اللَّه به ، ونهى عنه .
{ ويُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ } بمظاهرة الظالم الغاشم ، وإثارة الفتن والقلاقل ،
وتضليل السذج الأبرياء ، وإشاعة التفسخ والانحلال ، ونشر الجرائم والموبقات ، ونحو ذلك من أنواع الفساد والضلال { أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } . وإذا كان الأشرار في أعمالهم على العكس من الأخيار فمن الطبيعي أن يكونوا أيضا على العكس في الجزاء والثواب . . للأخيار الجنة ونعم الدار ، وللأشرار جهنم وبئس القرار .
_________________________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص397-400.
قوله تعالى:{ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} استفهام إنكاري وهو في موضع التعليل لما تتضمنه الآية السابقة، وبيان تفصيلي لعاقبة حال الفريقين من حيث استجابة دعوة الحق وعدمها.
وملخص البيان: أن الحق يستقر في قلوب هؤلاء الذين استجابوا لربهم فتصير قلوبهم ألبابا وقلوبا حقيقية لها آثارها وبركاتها وهو التذكر والتبصر، ومن خواص هذه القلوب التي يعرف بها صاحبوها أن أولي الألباب يثبتون على الوفاء بعهد الله المأخوذ عنهم بفطرتهم فلا ينقضون ميثاق ربهم، ويثبتون على احترام ما وصلهم الله به وهي الرحم التي أجرى الله الخلقة من طريقها فيصلونها وهم خاشعون خائفون، ويثبتون بالصبر عند المصائب وعن المعصية وعلى الطاعة، ويجرون بالتوجه إلى ربهم وهو الصلاة، وإصلاح المجتمع وهو الإنفاق، ودرء السيئات بالحسنات.
فهؤلاء لهم عاقبة الدار المحمودة وهي الجنة يدخلونها وتنعكس إليهم فيها مثوبات أعمالهم الحسنة المذكورة فيصاحبون فيها الصالحين من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم كما وصلوا الرحم في الدنيا، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب مسلمين عليهم بما صبروا كما فتحوا أبواب العبادات والطاعات المختلفة في الدنيا فهذا هو أثر الحق.
وقوله:{ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} الاستفهام فيه للإنكار - كما تقدم - وفيه نفي التساوي بين من استقر في قلبه العلم بالحق ومن جهل الحق وفي توصيف الجاهل بالحق بالأعمى إيماء إلى أن العالم به يصير وقد سماه بالأعمى والبصير في قوله آنفا:{قل هل يستوي الأعمى والبصير} الآية، فالعلم بالحق بصيرة والجهل به عمى والتبصر يفيد التذكر ولذا عده من خواص أولي العلم بقوله:{إنما يتذكر}.
وقوله:{إنما يتذكر أولوا الألباب} في مقام التعليل لما سبقه أعني قوله:{أ فمن يعلم} إلخ، أي أنهما لا يستويان لأن لأولي العلم تذكر ليس لأولي العمى والجهل، وقد وضع في موضع أولي العلم أولوا الألباب فدل على دعوى أخرى تفيد فائدة التعليل كأنه قيل: لا يستويان لأن لأحد الفريقين تذكرا ليس للآخر، وإنما اختص التذكر بهم لأن لهم ألبابا وقلوبا وليس ذلك لغيرهم.
قوله تعالى:{ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} ظاهر السياق أن الجملة الثانية عطف تفسيري على الجملة الأولى فالمراد بالميثاق الذي لا ينقضونه هو عهد الله الذي يوفون به، والمراد بهذا العهد والميثاق بقرينة ما ذكر في الآية السابقة من تذكرهم هو ما عاهدوا به ربهم وواثقوه بلسان فطرتهم أن يوحدوه ويجروا على ما يقتضيه توحيده من الآثار فإن الإنسان مفطور على توحيده تعالى وما يهتف به توحيده، وهذا عهد عاهدته الفطرة وعقد عقدته.
وأما العهود والمواثيق المأخوذة بوسيلة الأنبياء والرسل عن أمر من الله والأحكام والشرائع فكل ذلك من فروع الميثاق الفطري فإن الدين فطري.
قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} إلخ، الظاهر أن المراد بالأمر هو الأمر التشريعي النازل بشهادة ذيل الآية{ويخافون سوء الحساب} فإن الحساب على الأحكام النازلة في الشريعة ظاهرا وإن كانت مدركة بالفطرة كقبح الظلم وحسن العدل فإن المستضعف الذي لم يبلغه الحكم الإلهي ولم يقصر لا يحاسب عليه كما يحاسب غيره، وقد تقدم في أبحاثنا السابقة أن الحجة لا تتم على الإنسان بمجرد الإدراك الفطري لو لا انضمام طريق الوحي إليه قال تعالى:{ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}: النساء: 165.
والآية مطلقة فالمراد به كل صلة أمر الله سبحانه بها ومن أشهر مصاديقه صلة الرحم التي أمر الله بها وأكد القول في وجوبها، قال تعالى:{ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ }: النساء: 1.
وقد أكد القول فيه بما في ذيل الآية من قوله:{ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} فأشار إلى أن في ترك الصلة مخالفة لأمر الله فليخش الله في ذلك وعملا سيئا مكتوبا في صحيفة العمل محفوظا على الإنسان يجب أن يخاف من حسابه السيىء.
والظاهر أن الفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تأثر القلب من إقبال الشر أوما في حكمه، والخوف هو التأثر عملا بمعنى الإقدام على تهيئة ما يتقى به المحذور وإن لم يتأثر القلب ولذا قال سبحانه في صفة أنبيائه:{ولا يخشون أحدا إلا الله}: الأحزاب: 39.
فنفى عنهم الخشية عن غيره وقد أثبت الخوف لهم عن غيره في مواضع من كلامه كقوله:{ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى }: طه: 67 وقوله:{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً}: الأنفال: 58.
ولعله إليه يرجع ما ذكره الراغب في الفرق بينهما أن الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم.ولذا خص العلماء بها في قوله:{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وكذا قول بعضهم: إن الخشية أشد الخوف لأنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية أي يابسة.وكذا قول بعضهم: إن الخوف يتعلق بالمكروه وبمنزله يقال: خفت المرض وخفت زيدا بخلاف الخشية فإنها تتعلق بالمنزل دون المكروه نفسه يقال: خشيت الله.
ولو لا رجوعها إلى ما قدمناه لكانت ظاهرة النقض وذكر بعضهم أن الفرق أغلبي لا كلي، والآخرون أن لا فرق بينهما أصلا وهو مردود بما قدمناه من الآيات.
قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا} إلى آخر الآية، إطلاق الصبر يدل على اتصافهم بجميع شعبه وأقسامه وهي الصبر عند المصيبة والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية لكنه مع ذلك مقيد بقوله:{ابتغاء وجه ربهم} أي طلبا لوجه ربهم فصفتهم التي يمدحون بها أن يكون صبرهم لوجه الله لأن الكلام في صفاتهم التي تنشأ وتنمو فيهم من استجابتهم لربهم وعلمهم بحقية ما أنزل إليهم من ربهم لا كل صفة يمدحها الناس فيما بينهم وإن لم ترتبط بعبوديتهم وإيمانهم بربهم كالصبر عند الكريهة تمنعا وعجبا بالنفس أو طلبا لجميل الثناء ونحوه كما قيل:
وقولي كلما جشأت وجاشت. مكانك تحمدي أو تستريحي.
والمراد بوجه الرب تعالى هو الجهة المنسوبة إليه تعالى من العمل ونحوه وهي الجهة التي عليها يظهر ويستقر العمل عنده تعالى أعني المثوبة التي له عنده الباقية ببقائه وقد قال تعالى:{ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}: آل عمران: 195، وقال:{ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ }: النحل: 96 وقال:{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ }: القصص: 88.
وقوله:{وأقاموا الصلاة} أي جعلوها قائمة غير ساقطة بالإخلال بأجزائها وشرائطها أو بالاستهانة بأمرها، وعطف الصلاة وما بعدها على الصبر من عطف الخاص على العام اعتناء بشأنه وتعظيما لأمره. كما قيل.
وقوله:{ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً } المراد به مطلق الإنفاق أعم من الواجب وغيره، والآية مكية لم ينزل وجوب الزكاة عند نزولها بعد، وتقييد الإنفاق بقوله:{سرا وعلانية} للدلالة على استيفائهم حقه فإن من الإنفاق ما يحسن فيه الإسرار ومنه ما يحسن فيه الإعلان فعلى من آمن بما أنزله الله بالحق أن يستوفي من كل حقه فيسر بالإنفاق إذا كان في إعلانه مظنة الرياء أو السمعة أو أهانة أو إذهاب ماء الوجه، ويعلن فيه فيما كان في إعلانه تشويق الناس على البر والمعروف ودفع التهمة ونحو ذلك.
وقوله:{ويدرؤن بالحسنة السيئة} الدرء الدفع والمعنى إذا صادفوا سيئة جاءوا بحسنة تزيد عليها أو تعادلها فيدفعون بها السيئة، وهذا أعم من أن يكون ذلك في سيئة صدرت من أنفسهم فدفعوها بحسنة جاءوا بها فإن الحسنات يذهبن السيئات أو دفعوها بتوبة إلى ربهم فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له أو في سيئة أتى بها غيرهم بالنسبة إليهم كمن ظلمهم فدفعوه بالعفو أو بالإحسان إليه أو من جفاهم فقابلوه بحسن الخلق والبشر كما إذا خاطبهم الجاهلون فقالوا.
سلاما أو أتى بمنكر فنهوا عنه أو ترك معروف فأمروا به.
فذلك كله من درء السيئة بالحسنة ولا دليل من جانب اللفظ يدل على التخصيص ببعض هذه الوجوه البتة.
وقد اختلف التعبير في هذه الصفات المذكورة لأولي الألباب:{الذين يوفون، ولا ينقضون، ويصلون، ويخشون، ويخافون، وصبروا، وأقاموا، وأنفقوا، ويدرءون} فأتي في بعضها - وهي ستة بلفظ المضارع، وفي بعضها - وهي ثلاثة - بلفظ الماضي.
وقد نقل عن بعضهم في وجه ذلك أن التعبير في قوله:{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} إلخ بلفظ الماضي وفيما تقدم بلفظ المضارع على سبيل التفنن في الفصاحة لأن هذه الأفعال وقعت صلة للموصول يعني{الذين} والموصول وصلته في معنى اسم الشرط مع الجملة الشرطية، والماضي والمضارع يستويان معنى في الجملة الشرطية نحو إن ضربت ضربت وإن تضرب أضرب فكذا فيما بمعناه.
ولذا قال النحويون: إذا وقع الماضي صلة أوصفة لنكرة عامة احتمل أن يراد به المضي وأن يراد به الاستقبال فمن الأول{الذين قال لهم الناس} ومن الثاني{إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم}.
وفيه أن إلغاء خصوصية زمان الفعل من المضي والاستقبال في الشرط وما في معناه لا يستوجب إلغاء لوازم الأزمنة كالتحقق في الماضي والجريان والاستمرار ونحوهما في المضارع فإن في الماضي مثلا عناية بالتحقق وإن كان ملغى الزمان فصحة السؤال عن نكتة اختلاف التعبير في محله بعد.
ويستفاد من كلام بعض آخر في وجهه أن المراد بالأوصاف المتقدمة أعني الوفاء بالعهد والصلة والخشية والخوف الاستصحاب والاستمرار لكن الصبر لما كان مما يتوقف على تحققه التلبس بتلك الأوصاف اعتني بشأنه فعبر بلفظ الماضي الدال على التحقق وكذا في الصلاة والإنفاق اعتناء بشأنهما.
وفيه أن بعض الصفات السابقة لا يقصر في الأهمية عن الصبر والصلاة والإنفاق كالوفاء بعهد الله الذي أريد به الإيمان بالله بإجابة دعوة الفطرة فلو كان الاعتناء بالشأن هو الوجه كان من الواجب أن يعبر عنه بلفظ الماضي كغيره من الصبر والصلاة والإنفاق.
والذي أحسب - والله أعلم - أن مجموع قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} مسوق لبيان معنى واحد وهو الإتيان بالعمل الصالح أعني إتيان الواجبات وترك المحرمات وتدارك ما يقع فيه من الخلل استثناء بالحسنة فالعمل الصالح هو المقصود بالأصالة ودرء السيئة بالحسنة الذي هو تدارك الخلل الواقع في العمل مقصود بالتبع كالمتمم للنقيصة.
فلو جرى الكلام على السياق السابق وقيل:{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } فاتت هذه العناية وبطل ما ذكر من حديث الأصالة والتبعية لكن قيل:{والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم} فأخذ جميع الصبر المستقر أمرا واحدا مستمرا ليدل على وقوع كل الصبر منهم ثم قيل:{ويدرؤن} إلخ ليدل على دوام مراقبتهم بالنسبة إليه لتدارك ما وقع فيه من الخلل وكذا في الصلاة والإنفاق فافهمه.
وهذه العناية بوجه نظيرة العناية في قوله تعالى:{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة} الآية، حيث يدل على تفرع تنزل الملائكة على تحقق قولهم{ربنا الله} واستقامتهم دون الاستمرار عليه.
وقوله:{أولئك لهم عقبى الدار} أي عاقبتها المحمودة فإنها هي العاقبة حقيقة لأن الشيء لا ينتهي بحسب ما جبله الله عليه إلا إلى عاقبة تناسبه وتكون فيها سعادته، وأما العاقبة المذمومة السيئة ففيها بطلان عاقبة الشيء لخلل واقع فيه، وإنما تسمى عاقبة بنحو من التوسع، ولذلك أطلق في الآية عقبى الدار وأريدت بها العاقبة المحمودة وقوبلت فيما يقابلها من الآيات بقوله:{ولهم سوء الدار}، ومن هنا يظهر أن المراد بالدار هذه الدار الدنيا أي حياة الدار فالعاقبة عاقبتها.
قوله تعالى:{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } العدن الاستقرار يقال: عدن بمكان كذا إذا استقر فيه ومنه المعدن لمستقر الجواهر الأرضية وجنات عدن أي جنات نوع من الاستقرار فيه خلود وسلام من كل جهة.
وجنات عدن{إلخ} بدل أو عطف بيان من قوله:{عقبى الدار} أي عاقبة هذه الدار المحمودة هي جنات العدن والخلود فليست هذه الحياة الدنيا بحسب ما طبعها الله عليه إلا حياة واحدة متصلة أولها عناء وبلاء وآخرها رخاء نعيم وسلام، وهذا الوعد هو الذي يحكي وفاءه تعالى به حكاية عن أهل الجنة بقوله:{ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ }: الزمر: 74.
والآية - كما سمعت - تحاذي قوله:{يصلون ما أمر الله به أن يوصل} وبيان لعاقبة هذا الحق الذي أخذوه وعملوا به وبشرى لهم أنهم سيصاحبون الصالحين من أرحامهم وأهليهم من الآباء والأمهات والذراري والإخوان والأخوات وغيرهم ويشمل الجميع قوله:{آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} لأن الأمهات أزواج الآباء والإخوان والأخوات والأعمام والأخوال وأولادهم ذريات الآباء والآباء، من الداخلين فمعهم أزواجهم وذرياتهم ففي الآية إيجاز لطيف.
قوله تعالى:{ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} وهذا عقبى أعمالهم الصالحة التي داموا عليها في كل باب من أبواب الحياة بالصبر على الطاعة وعن المعصية وعند المصيبة مع الخشية والخوف.
وقوله:{ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} قول الملائكة وقد خاطبوهم بالأمن والسلام الخالد وعقبى محمودة لا يعتريها ذم وسوء أبدا.
قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} إلى آخر الآية، بيان حال غير المؤمنين بطريق المقابلة وقد قوبل بقوله:{ويفسدون في الأرض} بقية ما ذكر في الآيات السابقة بعد الوفاء بعهد الله والصلة، من الأعمال الصالحة وفيه إيماء إلى أن الأعمال الصالحة هي التي تضمن صلاح الأرض وعمارة الدار على نحو يؤدي إلى سعادة النوع الإنساني ورشد المجتمع البشري، وقد تقدم بيانه في دليل النبوة العامة.
وقد بين تعالى جزاء عملهم وعاقبة أمرهم بقوله:{ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} واللعن الإبعاد من الرحمة والطرد من كل كرامة، وليس ذلك إلا لانكبابهم على الباطل ورفضهم الحق النازل من الله، وليس للباطل إلا البوار.
________________
1- تفسير الميزان ، الطباطبائي،ج11،ص280-285.
الأبواب الثّمانية للجنّة وصفات اُولي الألباب:
تتحدّث هذه الآيات عن سيرة اُولي الألباب وصفاتهم الحسنة، وفيها تكميل للبحث السابق.
في الآية الأُولى من هذه المجموعة إستفهام إنكاري: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}.
وهذا وصف رائع، فهو لم يقل: أفمن يعلم أنّ هذا القرآن على الحقّ كمن لا يعلم؟ بل قال: كمن هو أعمى؟ وهذه إشارة لطيفة إلى أنّه من المحال أن لا يعلم أحد بهذه الحقيقة إلاّ أن يكون أعمى القلب، فكيف يمكن لإنسان يمتلك عيناً سليمة ولا يرى نور الشمس، وهذا القرآن كالشمس. ولذلك يجيء في نهاية الآية قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
«الألباب» جمع لبّ بمعنى جوهر الشيء، ويقابل اُولي الألباب اُولو الجهل والعمى.
إنّ هذه الآية ـ وكما يذهب إليه بعض المفسّرين ـ تحثّ الناس على طلب العلم ومحاربة الجهل، لأنّها تعدّ الفرد الفاقد للعلم كمن هو أعمى. ثمّ بيّن سيرة اُولي الألباب من خلال ذكر صفاتهم الحميدة،والصفة الاولى وأوّل ما أشار القرآن إليه وفاؤهم بالعهد وعدم نقضهم له {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}.
إنّ «عهد الله» له معنى واسع، ويشمل العهود الفطرية التي عاهدوا بها ربّهم كالفطرة على التوحيد وحبّ الحقّ والعدالة، والمواثيق العقليّة التي يدركها الإنسان من خلال التفكير والتعقّل لعالم الوجود، والمبدأ والمعاد، وتشمل كذلك العهود الشرعيّة، وهي ما عاهدوا الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه من الطاعة للأوامر الإلهيّة وترك المعاصي والذنوب.
وتشمل هذه المجموعة كذلك الوفاء بالعهد بين الأفراد، لأنّ الله سبحانه وتعالى أوصى بها، بل تدخل ضمن الوفاء الشرعي والميثاق العقلي.
الصفة الثّانية من صفات أُولي الألباب هي { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}.
لا نجد صيغةً أوسع من هذه في هذا المجال، فالإنسان له صلات وروابط كثيرة، صلته مع ربّه، ومع الأنبياء والقادة، وروابطه مع الأصدقاء والجيران والأقرباء ومع كلّ الناس، والآية تأمر أن تُحترم هذه الصلات، وتنهى عن أي عمل يؤدّي إلى قطع هذه الصلات والروابط.
والإنسان في الحقيقة ليس منزوياً أو منفكّاً من عالم الوجود، بل تحكم كلّ وجوده الصلات والروابط، ومن جملة هذه الصلات:
1 ـ صلته بالله سبحانه وتعالى، والتي إذا ما قطعها الإنسان تؤدّي إلى هلاكه كما في إنطفاء نور المصباح في حالة قطع التيار الكهربائي عنه، وعلى هذا فإنّ هذه الصلة التكوينيّة بين الإنسان وربّه يجب أن تتبعها صلة بأوامره وأحكامه من حيث الطاعة والعبودية.
2 ـ صلته بالأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) على أساس أنّهم قادة للبشرية وقطعها يؤدّي بالإنسان إلى الضلال والإنحراف.
3 ـ صلته بالمجتمع كافّة وخصوصاً بذوي الحقوق عليه أمثال الأب والاُمّ والأقرباء.
4 ـ صلته بنفسه، من حيث أنّه مأمور بحفظها وإصلاحها وتكاملها.
إنّ إقامة أي صلة من هذه الصلات، هي في الواقع مصداق للآية {يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} وقطعها قطع لما أمر الله به أن يوصل، لأنّ الله سبحانه وتعالى أمر بأن توصل ولا تقطع.
وبالإضافة إلى ما قلناه، فهناك أحاديث واردة بخصوص هذه الآية يتّضح منها أنّ المراد القرابة مرّة، ومرّة الإمامة أو آل الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومرّة أُخرى كلّ المؤمنين! فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية قال: «قرابتك» وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: «نزلت في رحم آل محمّد وقد يكون في قرابتك» ومن الطريف أنّه (عليه السلام) يقول في نهاية الحديث: «فلا تكونن ممّن يقول للشيء أنّه في شيء واحد»(2) وهذه الجملة إشارة واضحة إلى المعاني الواسعة للقرآن الكريم.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث ثالث يقول: «هو صلة الإمام في كلّ سنة (أي بالمال) بما قلّ أو أكثر، ثمّ قال: وما اُريد بذلك إلاّ تزكيتكم»(3).
الصفة الثّالثة والرّابعة من سيرة اُولي الألباب هي قوله تعالى: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}.
لمعرفة الفرق بين «الخشية» و «الخوف» المتقاربان في المعنى يقول البعض: «الخشية» هي حالة الخوف مع إحترام الطرف المقابل ومع العلم واليقين، ولذلك عدّها القرآن الكريم من خصوصيات العلماء حيث يقول: {إنّما يخشى الله من عباده العلماء}.(فاطر،28).
ولكن بالنظر إلى إستخدام القرآن الكريم لكلمة الخشية مرّات كثيرة يتّضح لنا أنّها تأتي بمعنى الخوف وتستعمل معها بشكل مترادف.
هنا يُطرح هذا السؤال: إذا كان الخوف من الخالق هو نفس الخوف من حسابه، فما هو الفرق بين {يخشون ربّهم} و {يخافون سوء الحساب}؟
الجواب: إنّ الخوف من الله سبحانه وتعالى ليس ملزماً دائماً أن يكون خوفاً من حسابه وعقابه، بل إنّ العظمة الإلهيّة والإحساس بالعبوديّة له توجد حالة من الخوف في قلوب المؤمنين (بغضّ النظر عن الجزاء والعقاب)، والآية (28) من سورة فاطر قد تشير إلى هذا المعنى.
وهناك سؤال آخر يتعلّق بسوء الحساب، وهو: هل من الصحيح أنّ هناك ظلم في محاسبة الأفراد؟
وقد تقدّم الجواب على هذا السؤال قبل عدّة آيات من هذه الآية وقلنا أنّ المراد هو التدقيق الشديد في الحساب من دون عفو أو تسامح وذكرنا أيضاً حديثاً في هذا الصدد.
الصّفة الخامسة من صفات اُولي الألباب الإستقامة في مقابل جميع المشاكل التي يواجهها الإنسان في مسيرة الطاعة وترك المعصية، وجهاد الأعداء ومحاربة الظلم والفساد(4)، والصبر في مرضاة الخالق، ولذلك يقول تعالى: {والذين صبروا إبتغاء وجه ربّهم} لقد أشرنا مراراً إلى مفهوم الإستقامة التي هي المعنى الواسع للصبر.
أمّا معنى العبارة {وجه ربّهم} فقد تشير إلى أحد معنيين:
أوّلا: كلمة الوجه في هذه الموارد تعني العظمة، كما نقول للرأي الصائب والمهمّ «هذا وجه الرأي» بإعتبار أنّ الوجه يمثّل الشكل الظاهر والمهمّ للشيء، كما في وجه الإنسان الذي يعتبر أهمّ جزء من جسده، وفيه يقع السمع والبصر والنطق.
ثانياً: الوجه هنا بمعنى رضا الخالق، فهم يصبرون على المحن والمشاكل لجلب مرضاة الله، فإستعمال الوجه بهذا المعنى بسبب أنّ الإنسان عندما يريد أن يجلب رضا شخص يمعن النظر في وجهه (وعلى ذلك فهو يستعمل للكناية عن الشيء). وعلى أيّة حال فإنّ هذه الجملة تبيّن أنّ كلّ صبر وعمل خير تكون له قيمة عندما يصبح لوجه الله، وأيّ عمل آخر يقع تحت تأثير الرياء والغرور لا قيمة له مطلقاً.
يقول بعض المفسّرين: إنّ الإنسان يصبر مرّةً لكي يقول عنه الناس: إنّ هذا كثير الإستقامة. وأُخرى لخشيته أن يقولوا عنه أنّه قليل الصبر، أو يصبر حتّى لا يشمت به الأعداء، أو يعلم أن لا فائدة من الجزع .. كلّ هذه الأُمور والنيّات لا تدخل ضمن الكمال الإنساني إلاّ إذا كانت خالصة لوجه الله. فهو يصبر ويستقيم لأنّه يعلم أنّ أيّ فاجعة أو مصيبة لها حكمة ودليل، ولا يقول ما يسخط الربّ، فهذا الصبر هو المعني بقوله تعالى: {إبتغاء وجه الله}.
الصفة السّادسة من صفاتهم هي {وأقاموا الصلاة}. رغم أنّ إقامة الصلاة هي مصداق للوفاء بعهد الله وكذلك المصداق البارز لحفظ ما أمر الله به أن يوصل، ومصداق للصبر والإستقامة، ولكن هناك بعض مصاديق تلك المفاهيم الكلّية أكثر أهميّة في مصير الإنسان، فهذه الجملة والجمل التي ما بعدها تشير إلى ذلك.
أي شيء أهمّ من هذا؟! إنّ الإنسان يجدّد عهده وصلته بالله سبحانه وتعالى صباحاً ومساءاً، ويتفكّر بعظمة الخالق ويدعوه، ويُطهّر نفسه من الذنوب، ويرتبط بالحقّ المطلق، نعم .. فإنّ الصلاة لها كلّ هذه الآثار والبركات.
ثمّ يبيّن الصفة السّابعة لدعاة الحقّ حيث يقول تعالى: {وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّاً وعلانية}.
وهذه الآية ليست الوحيدة التي تشير إلى مسألة الإنفاق أو الزكاة بعد ذكر الصلاة، فكثير من الآيات تشير إلى هذا الترادف، فواحدة تُحكم الصلة بين العبد وربّه والثّانية بين العباد.
والجملة {ممّا رزقناهم} تشمل كلّ العطايا من الأموال والعلوم والقوّة والجاه، والإنفاق كذلك يشمل جميع هذه الأبعاد. والعبارة {سرّاً وعلانية} إشارة أُخرى إلى هذه الحقيقة وهي أنّ إنفاقهم يتمّ بشكل مدروس، فتارةً يكون سرّاً ويترتّب عليه أثر كبير، وذلك في الحالات التي توجب أن يحفظ فيها ماء الوجه للطرف الآخر أو تصون الطرف المنفق من الرياء، ومرّةً يكون الإنفاق العلني أكثر تأثيراً وذلك في الحالات التي تدعو الآخرين لكي يتأسّوا بهذا العمل الخيّر ويقتدوا به، فيكون سبباً لكثير من أعمال الخير.
ومن هنا يتّضح أنّ القرآن الكريم يدّقق في أعمال الخير بشكل كبير، ليس فقط في أصل العمل، بل حتّى في كيفيّة تنفيذه.
الصفة الثّامنة والأخيرة هي قوله تعالى: {ويدرئون بالحسنة السيّئة}.
ومعنى هذه العبارة أنّهم لم يكتفوا بالتوبة والإستغفار فقط عند إرتكابهم الذنوب، بل يدفعونها كذلك بالحسنات على مقدار تلك الذنوب، حتّى يطهّروا أنفسهم والمجتمع بماء الحسنات.
«يدرئون» مضارع «درأ» على وزن «زرع» بمعنى دفع.
ويحتمل في تفسير الآية أنّهم لا يقابلون السيء بالسيء، بل يسعون من خلال إحسانهم للمسيئين أن يجعلوهم يعيدون النظر في مواقفهم، كما نقرأ في الآية (34)من سورة فصلت قوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم}.
وفي نفس الوقت ليس هناك مانع من أنّ الآية تشير إلى هذين المعنيين، كما أشارت إليها الأحاديث الإسلامية. ففي الحديث عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لمعاذ بن جبل: «إذا عملت سيّئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها»(5).
وعن الإمام علي (عليه السلام) قال «عاتب أخاك بالإحسان إليه واردُد شرّه بالإنعام عليه»(6).
ولابدّ هنا من الإلتفات إلى هذه النقطة، وهي أنّ هذه الأحكام أخلاقية تخصّ الحالات التي يحصل فيها تأثير على الآخرين، وهناك قوانين وأحكام جزائية واردة في التشريع الإسلامي لمعاقبة المسيئين.
وبعد ما ذكر القرآن الكريم الصفات الثمانية لاُولي الألباب، أشار في نهاية الآية إلى عاقبة أمرهم حيث يقول تعالى: {أُولئك لهم عقبى الدار}(7).
الآية الاُخرى توضّح هذه العاقبة {جنّات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم}.
والشيء الذي يكمل هذه النعم الكبيرة واللامتناهية {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} فهذه السلامة جاءت بعد ما صبرتم على الشدائد وتحمّلتم المسؤوليات الجسام والمصائب، ولكم هنا كامل الطمأنينة والأمان، فلا حرب ولا نزاع، وكلّ شيء يبتسم لكم، والراحة الخالية من المتاعب ـ هنا ـ معدّة لكم.
المفسدون في الأرض!
بعد ما ذكرت الآيات السابقة صفات اُولي الألباب ودعاة الحقّ، أشارت هذه الآيات إلى قسم من الصفات الأصليّة للمفسدين الذين فقدوا حظّهم من العلم والمعرفة حيث يقول جلّ وعلا: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
في الحقيقة يتلخّص فساد عقيدتهم في الجمل الثلاث الآتية:
1 ـ نقض العهود الإلهيّة: وتشمل المواثيق الفطرية والعقليّة والتشريعيّة.
2 ـ قطع الصلات: وتشمل الصلة مع الله والرسل والناس ومع أنفسهم.
3 ـ الإفساد في الأرض: وهو نتيجة حتمية لنقض العهود وقطع الصلات.
أو ليس المفسد هو الذي ينقض عهد الله ويقطع الصلات؟!
فهذا السعي من قبل هذه المجموعة من الأفراد بهدف الوصول إلى الأغراض المادّية، وعوضاً أن تصل بهم هذه الجهود المبذولة إلى الأهداف النّبيلة تُبعدهم عنها، لأنّ اللعن هو عبارة عن الإبتعاد من رحمة الله(8).
ومن الظريف أنّ الدار هنا وفي الآية السابقة جاءت بصيغة مطلقة، وهذه إشارة إلى أنّ الدار الحقيقيّة هي الدار الآخرة، وأي دار ما عداها فانية وزائلة.
___________________
1- تفسير الامثل،مكارم السيرازي ،ج6،ص430-440.
2- نور الثقلين، ج2، صفحة 494،ح84.
3- المصدر السابق، صفحة 495،ح90.
4-ليس الصبر على الطاعة والمعصية والمصيبة فقط بل الصبر على النعم كذلك حتّى لا يصيب الإنسان الغرور.
5- تفسير مجمع البيان،ج6،ص289،ذيل الأية مورد البحث.
6- الكلمات القصار في نهج البلاغة، الكلمة 158.
7- «العقبى» بمعنى العاقبة أو نهاية العمل خيراً كان أو شرّاً، ولكن بالنظر إلى قرينة الحال في الآية أعلاه تشير إلى العاقبة الحسنة.
8- يقول الراغب في مفرداته: اللعن بمعنى الطرد مع الغضب، واللعن في الآخرة تشير إلى العقوبة وفي الدنيا الإبتعاد من رحمة الله، وإذا كان من قبل الناس فمعناه دعاء السوء.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|