أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2020
3655
التاريخ: 22-7-2020
7174
التاريخ: 14-7-2020
5170
التاريخ: 20-7-2020
3392
|
قال تعالى:{ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوالْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [الرعد: 16]
لما بين سبحانه في الآية الأولى أنه المستحق للعبادة وأن له من في السماوات والأرض عقبه بما يجري مجرى الحجة على ذلك فقال: { قل} يا محمد لهؤلاء الكفار { مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: من مدبرهما ومصرفهما على ما فيهما من البدائع؟ فإذا استعجم عليهم الجواب ولا يمكنهم أن يقولوا الأصنام ف { قل } أنت لهم: رب السماوات والأرض وما بينهما من أنواع الحيوان والنباتات والجماد { الله } فإذا أقروا بذلك { قل } لهم على وجه التبكيت والتوبيخ لفعلهم { أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } توجهون عبادتكم إليهم فالصورة صورة الاستفهام والمراد به التقريع.
ثم بين أن هؤلاء الذين اتخذوهم من دونه أولياء { لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} ومن لا يملك لنفسه ذلك فالأولى والأحرى أن لا يملك لغيره ومن كان كذلك فكيف يستحق العبادة وإذا قيل كيف يكون هوالسائل والمجيب والملزم بقوله { قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} فالجواب أنه إذا كان القصد بالحجاج ما يبينه من بعد من بعد لم يمتنع ذلك فكأنه قال الله الخالق فلما ذا اتخذتم من دون الله أولياء لأن الأمر الظاهر الذي لا يجيب الخصم إلا به لا يمتنع أن يبادر السائل إلى ذكره ثم يورد الكلام عليه تفاديا من التطويل ويكون تقدير الكلام :أ ليس الله رب السماوات والأرض فلم اتخذتم من دونه أولياء ثم ضرب لهم سبحانه مثلا بعد إلزام الحجة فقال { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} أي: كما لا يستوي الأعمى والبصير كذلك لا يستوي المؤمن والكافر لأن المؤمن يعمل على بصيرة ويعبد الله الذي يملك النفع والضر والكافر يعمل على عمى ويعبد من لا يملك النفع والضر.
ثم زاد في الإيضاح فقال:{ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} أي: هل يستوي الكفر والإيمان أوالضلالة والهدى أوالجهل والعلم { أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} أي: هل جعل هؤلاء الكفار لله شركاء في العبادة خلقوا أفعالا مثل خلق الله تعالى من الأجسام والألوان والطعوم والأراييح والقدرة والحياة وغير ذلك من الأفعال التي يختص سبحانه بالقدرة عليها { فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} أي: فاشتبه لذلك عليهم ما الذي خلق الله وما الذي خلق الأوثان فظنوا أن الأوثان تستحق العبادة لأن أفعالها مثل أفعال الله فإذا لم يكن ذلك مشتبها إذ كان ذلك كله لله تعالى لم يبق شبهة أنه الإله لا يستحق العبادة سواه فـ{ قل} لهم: { الله خالق كل شيء } يستحق به العبادة من أصول النعم وفروعها { وهوالواحد } ومعناه أنه يستحق من الصفات ما لا يستحقه غيره فهو قديم لذاته قادر لذاته عالم لذاته حي لذاته غني لا مثل له ولا شبه وقيل: الواحد هو الذي لا يتجزأ ولا يتبعض وقيل: هو الواحد في الإلهية لا ثاني له في القدم { القهار}: الذي يقهر كل قادر سواه ولا يمتنع عليه شيء.
واستدلت المجبرة بقوله { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} على أن أفعال العباد مخلوقة لله لأن ظاهر العموم يقتضي دخول أفعال العباد فيه وبقوله { أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} قالوا لأنه أنكر أن يكون خالق خلق كخلقه وأجيب عن ذلك بأن الآية وردت حجة على الكفار إذ لوكان المراد ما قالوا لكان فيها لهم على الله لأنه إذا كان الخالق لعبادتهم الأصنام هو الله فلا يتوجه التوبيخ إلى الكفار ولا يلحقهم اللوم بذلك بل يكون لهم أن يقولوا إنك خلقت فينا ذلك فلم توبخنا على فعل فعلته فينا؟ فيبطل حينئذ فائدة الآية.
وأيضا فإن أكثر أصحابنا لا يطلقون على غيره سبحانه أنه يخلق أصلا فضلا عن أن يقولوا إنه يخلق كخلق الله ولكن يقولون إن العباد يفعلون ويحدثون ومعنى الخلق عندهم الاختراع ولا يقدر العباد عليه ومن جوز منهم إطلاق لفظ الخلق في أفعال العباد فإنه يقول إنه سبحانه إنما نفى أن يكون أحد يخلق مثل خلقه ونحن لا نقول ذلك لأن خلق الله اختراع وإبداع وأفعال غيره مفعولة في محل القدرة عليها مباشرا أومتولدا في الغير بسبب حال في محل القدرة ولا يقدر على اختراع الأفعال في الغير على وجه من الوجوه إلا الله سبحانه الذي أبدع السماوات والأرض وما فيهما وينشىء الأجناس من الأعراض التي لا يقدر عليها غيره فكيف يشبه الخلق مع هذا التمييز الظاهر على أن عندهم كل حركة هي كسب للعبد وفعل لله تعالى ولا يتميز فقد حصل التشابه هنا ونحن نقول إن أحدنا يفعل بقدرة محدثة يفعلها الله تعالى فيه والله يفعل لكونه قادرا لذاته فالفرق والتمييز ظاهر فعلمنا أن المراد بقوله { خالق كل شيء } ما قدمناه من أنه خالق كل شيء يستحق لخلقه العبادة .
_________________
1- تفسير مجمع البيان، الطبرسي،ج6،ص25-27.
{ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ والأَرْضِ }. بعد ان ذكر سبحانه ان كل ما في الكون خاضع لقدرته عاد إلى المشركين ، وسألهم بلسان نبيه الكريم : من الذي خلق الكون بأرضه وسمائه ؟ . هل خلقه اللَّه أو أصنامكم التي تعبدون ؟ . ولما كان السؤال يحمل معه الجواب ، ولا يستطيع المسؤول إنكاره أمر اللَّه محمدا ان يجيب عنهم { قُلِ اللَّهُ }.
{ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً ولا ضَرًّا }. مرة ثانية ، وتأكيدا للحجة يأمر اللَّه محمدا ان يقول للمشركين : انكم تعبدون أحجارا لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا فكيف تملك ذلك لغيرها ؟ . . وليست هذه الآية ردا على المشركين وحدهم بل هي رد أيضا على من قال : ان في عقول الناس غنى عن إرسال الرسل وإنزال الكتب من السماء ، فلقد كان عبدة الأحجار ، وما زالوا من أهل العقول عند أنفسهم وعند كثير من الناس .
{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمى والْبَصِيرُ }المراد بالأعمى الكافر لأنه لم يفرق بين الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وبين مالك الضر والنفع . . والمراد بالبصير المؤمن الذي يفرق بينهما { أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ والنُّورُ }الظلمات كناية عن الكفر ، والنور كناية عن الإيمان ، قال تعالى : « كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ - 1 إبراهيم » أي من الكفر إلى الإيمان .
{ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهً الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ }. هذا رد على المشركين ، وخلاصته ان الأحجار التي تعبدونها لا تخلق شيئا مثل خلق اللَّه كي تقولوا : اللَّه يخلق ، والأصنام أيضا تخلق مثله تماما ، وإذا كان اللَّه مستحقا للألوهية والعبادة فهي أيضا تستحق الألوهية والعبادة ، والتوضيح فيما يلي .
عقول الناس لا تغنيهم عن دين اللَّه :
تنقسم معرفة الإنسان إلى قسمين : فطرية ذاتية ، ونظرية اجتهادية ، والفطرية هي التي لا تحتاج إلى جد واجتهاد ، بل تحصل تلقائيا بمجرد التصور ، كالعلم بأن النور غير الظلام ، والعمى غير البصر ، والطول غير القصر ، والحجر مخلوق غير خالق ، ويشترك في هذه المعرفة ( 2 ) العالم والجهل على السواء ، ومن أخطأ فيها
فهو غير معذور .
أما المعرفة النظرية الاجتهادية فلا تحصل تلقائيا وبمجرد التصور ، بل تحتاج إلى إعمال الفكر والجد والاجتهاد ، كالعلم بأن الماء بسيط أو مركب ، وان هذا المرض من الأمراض المعدية أو غيرها ، ويسمى هذه النوع بالقضايا النظرية التي تختلف فيها الأنظار باختلاف الأشخاص ومواهبهم ومعارفهم ، والخطأ فيها مغتفر لصاحبه إذا كان بعد الجد وبذل الجهد ، لأن ادراك الصواب في كل شيء متعذر أو متعسر .
والأصنام التي عبدها المشركون لا شبه بينها وبين الإله في وجه من الوجوه من قريب أو بعيد كي يعذر من شك أو احتمل انها شريكة للَّه في خلقه ، كيف وقد بالت عليها الكلاب والثعالب ؟ . فعبادتها أكثر قبحا وسفها من وصف الظلام بالنور ، والعمى بالبصر .
وتسأل : لا ريب في أن المعرفة منها فطرية لا يختلف فيها اثنان ، ومنها اجتهادية يعذر فيها المخطئ ، وان نفي الألوهية عن الأحجار من البديهات دون النظريات كما قلت . . ولكن المشركين قد عبدوها بالفعل ، وكانوا عقلاء في تصرفاتهم ، فما هو التعليل ؟
الجواب : ان فريقا منهم عبدها على حرف ، وبقصد الكسب والمنفعة ، وفريقا آخر عبدها تقليدا بعامل التلقين والوراثة . . ومن الواضحات الفطرية ان سلطان العقل يضعف ويتراجع أمام التقاليد والعادات ، بخاصة إذا طال عليها الزمن ، وتوارثها جيل عن جيل ، ومن هنا كان الدين السليم حتما وضرورة تفرضها طبيعة الإنسان بالغا ما بلغ من العلم والعقل . . فإن كثيرا من الذين تعودوا أساليب العلم وطرقه الدقيقة في هذا العصر يؤمنون بالخرافات . . قال ( غوستاف لوبون ) في كتاب « الآراء والمعتقدات » : « ان العلماء تبدو عليهم السذاجة كما تبدو على الجهلة الأميين . . فالعالم قلما يبدو أسنى من الجاهل في الأمور التي ليست من اختصاصه ، وبهذه الملاحظة ندرك السبب في أن أفضل العلماء يؤمنون بأشد الأوهام خطلا » . ثم ضرب على ذلك كثيرا من الأمثلة ، منها ان عالما كبيرا في عصره كان لا يخرج من بيته إلى المختبر الا ومعه قطعة من حبل المشنوق تقيه بزعمه حسد الحاسدين ، وسحر الساحرين .
{ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ }. واحد في ذاته ، وفي صفاته وفي خلقه ، وقاهر لكل معاند وعاص لحكم من أحكامه . وفي ج 2 ص 344 ذكرنا الأدلة على وحدانية الباري ، ونعطف عليها ما جاء في كتاب « دفاع عن الإسلام » تأليف ( لورا فيشيا فاغليري ) ترجمة الأستاذ منير البعلبكي ، قالت المؤلفة :
« دعا الرسول العربي إلى عقيدة التوحيد ، وخاض صراعا مكشوفا مع بعض النزعات الرجعية التي تقود المرء إلى الشرك . . دعا محمد الناس إلى قراءة كتاب الحياة ، والتفكير في الكون وسننه ، إذ كان واثقا بأن كل عاقل لا بد أن يؤمن آخر الأمر بإله واحد » .
_________________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 390-393.
2- فرق البعض بين العلم والمعرفة بأن العلم يتعلق بالكليات ، والمعرفة تتعلق بالجزئيات ، اما نحن فلا نجد فرقا بينهما ، قال تعالى : « قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ » ولم يقل قد عرف ، مع العلم بأن مشرب كل سبط من أسباط إسرائيل كان خاصا .
قوله تعالى:{ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} الآية بما تشتمل على أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاحتجاج على المشركين بمنزلة الفذلكة من الآيات السابقة.
وذلك أن الآيات السابقة تبين بأوضح البيان أن تدبير السماوات والأرض وما فيهما من شيء إلى الله سبحانه كما أن خلقها منه وأنه يملك ما يفتقر إليه الخلق والتدبير من العلم والقدرة والرحمة وأن كل من دونه مخلوق مدبر لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا وينتج ذلك أنه الرب دون غيره.
فأمر تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسجل عليهم نتيجة بيانه السابق ويسألهم بعد تلاوة الآيات السابقة عليهم الكاشفة عن وجه الحق لهم بقوله:{من رب السماوات والأرض} أي من هو الذي يملك السماوات والأرض وما فيهما ويدبر أمرها؟ ثم أمره أن يجيب هو نفسه عن السؤال ويقول:{الله} لأنهم وهم مشركون معاندون يمتنعون عن الإقرار بتوحيد الربوبية وفي ذلك تلويح إلى أنهم لا يعقلون حجة ولا يفقهون حديثا.
ثم استنتج بمعونة هذه النتيجة نتيجة ثانية بها يتضح بطلان شركهم أوضح البيان وهي أن مقتضى ربوبيته تعالى الثابتة بالحجج السابقة أنه هو المالك للنفع والضرر فكل من دونه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف لغيره؟ فاتخاذ أرباب من دون الله أي فرض أولياء من دونه يلون أمر العباد ويملكون لهم نفعا وضرا في الحقيقة فرض لأولياء ليسوا بأولياء لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فكيف يملكون لغيرهم ذلك؟.
وهذا هو المراد بقوله مفرعا على السؤال السابق:{ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} أي فكيف يملكون لغيرهم ذلك: أي إذا كان الله سبحانه هو رب السماوات والأرض فقد قلتم باتخاذكم أولياء آلهة من دونه قولا يكذبه نفسه وهو عدم ولايتهم في عين ولايتهم وهوالتناقض الصريح بأنهم أولياء غير أولياء وأرباب لا ربوبية لهم.
وبالتأمل فيما قدمناه أن الآية بمنزلة الفذلكة من سابق البيانات يعود مفاد الآية إلى مثل قولنا: إذا تبين ما تقدم فمن رب السماوات والأرض إلا الله؟ أ فاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون نفعا ولا ضرا؟ فالعدول عن التفريع إلى أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: قل كذا وقل كذا وتكراره مرة بعد مرة إنما هو للتنزه عن خطابهم على ما بهم من قذارة الجهل والعناد وهذا من لطيف نظم القرآن.
قوله تعالى:{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} مثلان ضربهما الله سبحانه بعد تمام الحجة وإتمامها عليهم وأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يضربهما لهم يبين بأحدهما حال المؤمن والكافر فالكافر بالحجة الحقة والآيات البينات غير المسلم لها أعمى والمؤمن بها بصير فالعاقل لا يسوي بينهما ببديهة عقله، ويبين بالثاني أن الكفر بالحق ظلمات كما أن الكافر الواقع فيها غير بصير والإيمان بالحق نور كما أن المؤمن الأخذ به بصير ولا يستويان البتة فمن الواجب على المشركين إن كان لهم عقول سليمة - كما يدعون - أن يسلموا للحق ويرفضوا الباطل ويؤمنوا بالله وحده.
قوله تعالى:{ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ - إلى قوله – وهو الواحد القهار} في التعبير بقوله:{جعلوا} و{عليهم} دون أن يقال جعلتم وعليكم دليل على أن الكلام مصروف عنهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون أن يؤمر بإلقائه إليهم.
ثم العود في جواب هذا الاحتمال الذي يتضمنه قوله:{ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} إلى الأمر بإلقائه إليهم بقوله:{ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} دليل على أن السؤال إنما هو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمطلوب من إلقاء توحيد الخالق إليهم هو الإلقاء الابتدائي لا الإلقاء بنحو الجواب، وليس إلا لأنهم لا يقولون بخالق غير الله سبحانه كما قال تعالى:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }: لقمان: 25، الزمر: 38 وقد كرر تعالى نقل ذلك عنهم.
فهؤلاء الوثنيون ما كانوا يرون لله سبحانه شريكا في الخلق والإيجاد وإنما كانوا ينازعون الإسلام في توحيد الربوبية لا في توحيد الألوهية بمعنى الخلق والإيجاد، وتسليمهم توحيد الخالق المبدع وقصر ذلك على الله يبطل قولهم بالشركاء في الربوبية وتتم الحجة عليهم لأن اختصاص الخلق والإيجاد بالله سبحانه ينفي استقلال الوجود والعلم والقدرة عن غيره تعالى ولا ربوبية مع انتفاء هذه النعوت الكمالية.
ولذلك لم يبق لهم في القول بربوبية شركائهم مع الله سبحانه إلا أن ينكروا توحده تعالى في الخلق والإيجاد ويثبتوا بعد الخلق والإيجاد لآلهتهم وهم لا يفعلونه وهذا هو الموجب لذكره تعالى هذا الاحتمال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من دون أن يخاطبهم به أويأمره أن يخاطبهم.
فكأنه تعالى إذ يقول:{ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} يقول لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): هؤلاء تمت عليهم الحجة في توحيد الربوبية من جهة اختصاصه تعالى بالخلق والإيجاد فلم يبق لهم إلا أن يقولوا بشركة شركائهم في الخلق والإيجاد فهل هم قائلون بأن شركائهم خلقوا خلقا كخلقه ثم تشابه الخلق عليهم فقالوا بربوبيتهم إجمالا مع الله.
ثم أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلقي إليهم ما يقطع دابر هذا الاحتمال فقال:{ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} والجملة صدرها دعوى دليلها ذيلها أي أنه تعالى واحد في خالقيته لا شريك له فيها، وكيف يكون له فيها شريك وله وحدة يقهر كل عدد وكثرة وقد تقدم في تفسير قوله تعالى:{ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ:} يوسف: 39 بعض الكلام في معنى كونه تعالى هو الواحد القهار، وتبين هناك أن مجموع هاتين الصفتين ينتج صفة الأحدية.
وقد بان مما ذكرناه وجه تغيير السياق في قوله:{أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} والإعراض عن سياق الخطاب السابق فتأمل في ذلك واعلم أن أكثر المفسرين اشتبه عليهم الحال في الحجج التي تقيمها الآيات القرآنية لإثبات ربوبيته تعالى وتوحيده فيها ونفي الشريك عنه فخلطوا بينها وبين ما أقيمت لإثبات الصانع فتنبه لذلك.
___________________
1- تفسير الميزان ، الطباطبائي،ج11،ص266-268.
لماذا عبادة الأصنام؟
كان البيان في الآيات السابقة عن معرفة الله وإثبات وجوده، وهذه الآية تبحث عن ضلال المشركين والوثنيين وتتناوله من عدّة جهات، حيث تخاطب ـ أوّلا ـ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تقول: و { قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. ثمّ تأمر النّبي أن يجيب على السؤال قبل أن ينتظر جوابهم {قل الله} ثمّ إنّه يلومهم ويوبّخهم بهذه الجملة { قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا }.
لقد بيّن ـ أوّلا ـ عن طريق ربوبيته أنّه المدبّر والمالك لهذا العالم، ولكلّ خير ونفع من جانبه، وقادر على دفع أي شرّ وضرّ، وهذا يعني أنّكم بقبولكم لربوبيته يجب أن تطلبوا كلّ شيء من عنده لا من الأصنام العاجزة عن حلّ أيّة مشكلة لكم. ثمّ يذهب إلى أبعد من ذلك حيث يقول: إنّ هذه الأصنام لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرّاً فكيف يمكنها أن تنفعكم أوتضرّكم؟ وهم والحال هذه لا يحلّون أي عقدةً لكم حتّى لوقمتم بعبادتهم، فهؤلاء لا يستطيعون تدبير أنفسهم فماذا يُنتظر منهم؟
ثمّ يذكر مثالين واضحين وصريحين يحدّد فيها وضع الأفراد الموحّدين والمشركين، فيقول أوّلا: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} فكما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المؤمن والكافر، ولا يصحّ قياس الأصنام على الخالق جلّ وعلا.
ويقول ثانياً: { أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} كيف يمكن أن نساوي بين الظلام الذي يعتبر قاعدة الإنحراف والضلال، وبين النّور المرشد والباعث للحياة، وكيف يمكن أن نجعل الأصنام التي هي الظّلمات المحضة إلى جنب الله الذي هوالنّور المطلق، وما المناسبة بين الإيمان والتوحيد اللذان هما نور القلب والروح، وبين الشرك أصل الظلام؟!
ثمّ يُدلِل على بطلان عقيدة المشركين عن طريق آخر فيقول: { أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} والحال ليس كذلك، فإنّ المشركين أنفسهم لا يعتقدون بها، فهم يعلمون أنّ الله خالق كلّ شيء، وعالم الوجود مرتبط به، ولذلك تقول الآية: { قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }.
_______________
1- تفسير الامثل، ناصر مكارم الشيرازي، ج6،ص415-416.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|