أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016
2280
التاريخ: 8-8-2016
1393
التاريخ: 5-8-2016
1675
التاريخ: 1-9-2016
1184
|
...التكلّم في حجيّة القطع بنفسه وعدم إمكان النهي عنه وعدم قابليّته للأمر المولوي و...البحث في أحكام التجرّي كلّها إنّما هو في القطع الطريقي؛ فإنّ القطع قد يكون طريقا صرفا، والأثر لنفس متعلّقه، ولازم هذا حجيّته على الإطلاق من أيّ سبب حصل ولأىّ شخص كان وفي أيّ زمان وجد، وقد يكون مأخوذا على وجه الموضوعيّة وحينئذ ففي سعة دائرته وضيقها وإطلاقه وتقييده يتبع دليله اللفظى؛ فإنّه في ذلك تابع لنظر الجاعل وجعله، فقد يجعل القطع موضوعا مطلقا وقد يجعل القطع الخاص موضوعا كالقطع الحاصل من الحسّ لا الحدس أو من غير الجفر والرمل إلى غير ذلك من الخصوصيات.
ثمّ أخذ القطع موضوعا يتصوّر على نحوين:
الأوّل: أن يكون تمام الموضوع بأن يكون تمام الدخل للقطع من دون دخل للواقع، فمتى تحقّق القطع وإن كان جهلا مركّبا تحقّق الموضوع الواقعي كما إذا تعلّق الحرمة بمقطوع الخمريّة وإن لم يكن خمرا واقعا، وما لم يقطع بخمريّته كان حلالا واقعا وإن كان في الواقع خمرا.
والثاني: أن يكون جزء الموضوع بأن يكون القطع والواقع كلاهما دخيلا وكلّ منهما منفردا لا يوجب أثرا، كما لو تعلّق بالخمر المقطوع الخمريّة بحيث لو كان خمرا ولم يكن مقطوعا كان حلالا واقعا، وكذا لو كان مقطوعا ولم يكن خمرا أيضا؛ فإنّ في هذا الفرض يتحقّق التجرّي.
وعلى كلا التقديرين إمّا يؤخذ القطع على وجه الصفتيّة، وإمّا يؤخذ على وجه الطريقيّة، فهذه أربعة أقسام: القطع المأخوذ تمام الموضوع على وجه الصفتيّة، والمأخوذ جزء الموضوع على هذا الوجه، والمأخوذ تمام الموضوع على وجه الطريقيّة، والمأخوذ جزئه على هذا الوجه.
والفرق بين نحو الصفتيّة ونحو الطريقيّة أنّ الموضوع إن كان هو الأوّل لم يقم الأمارات وبعض الاصول مقام القطع، فلو كان معلوم الخمريّة بالعلم على نحو الصفتيّة حراما فالمائع الذي قام على خمريّته البنيّة أو الاستصحاب ليس بحرام لانتفاء جزء الموضوع وهو صفة القطع، وإن كان الموضوع هو الثاني يقوم الأمارات وبعض الاصول مقامه، هذا حاصل التقسيم والفرق الذين ذكرهما شيخنا المرتضى قدّس سرّه.
واستشكل عليه المحقّق الخراساني قدس سرّه في قيام الأمارات وبعض الاصول مقام القطع الموضوعي على نحو الطريقيّة، وحاصل ما ذكره في تقريب الإشكال أنّ العلم له نسبة إلى العالم ونسبة إلى المعلوم؛ فإنّه نور وانكشاف قائم بنفس العالم ومنوّر ومظهر للشيء المعلوم، فيراد بصفتيته اعتباره من حيث قيامه بالنفس وبطريقيته اعتباره من حيث حكايته ومظهريّته للمعلوم.
وحينئذ فنقول: المفروض أنّ موضوع الأثر هو الخمر المقطوع بدخل الخمر والقطع معا مع أخذ القطع طريقا، ولازم ذلك عدم قيام الأمارات وبعض الاصول مقامه؛ لأنّ دليل حجيّتها لا يخلو من حالين: إمّا مفاده التنزيل من حيث آثار المعلوم، وإمّا من حيث آثار العلم، فعلى الأوّل لا بدّ من أن يكون النظر إلى القطع والظن طريقيّا بأن ينظر بهما إلى المعلوم والمظنون فيصير معنى أنّ البيّنة- مثلا- حجّة أنّ: المائع الذي قام على خمريّته البيّنة بمنزلة الخمر المعلوم، وهذا يوجب ترتيب كلّ أثر يترتّب على نفس الخمر على هذا المائع، وقد فرضنا كون الأثر للخمر والقطع معا، فكلّ أثر كان للقطع لا يترتّب يعني لا يفيده هذا الدليل، فيحتاج إلى دليل آخر على تنزيل الظنّ أيضا مقام القطع حتّى يحصل كلا جزئي الموضوع.
وعلى الثاني لا بدّ من أن يكون النظر إليهما استقلاليا ويحكم بأنّ الظن كالقطع وهذا لا يوجب إلّا ترتيب جميع الآثار التي تمام موضوعها القطع على الظن، وينفي الآثار التي تمام موضوعها الواقع أو هو مع القطع، فيحتاج إلى تنزيل آخر بنظر طريقي حتّى ينزّل مؤدّى الظن أيضا منزلة مؤدّى القطع حتى يحكم بتلك الآثار أيضا.
فعلم أنّ قيام الأمارة والأصل مقام العلم في جميع الآثار يحتاج إلى تنزيلين تكفلهما دليلان، وأمّا الدليل الواحد فلا يتكفّلهما؛ ضرورة أنّهما لحاظان متباينان لا يمكن جمعهما في لحاظ واحد.
ثمّ العمومات الدالّة على حجيّة الأصل والأمارة يكون التنزيل منزلة الواقع قدرا متيقّنا منها، ومع ذلك لا يمكن دلالتها على التنزيل الآخر، ولازم ذلك عدم قيام الأمارات والاصول مقام العلم في الآثار التي يكون العلم تمام موضوعها أو جزئه وإن كان العلم موضوعا على وجه الطريقيّة.
هذا حاصل الإشكال ولا بدّ أوّلا من فهم معنى الطريقيّة والصفتيّة، فنقول: إن كان المراد بالطريقية كون العلم مرآتا صرفا لمتعلّقه، بحيث لا ينظر فيه أصلا، فيلزم عدم دخله في الموضوع؛ لأنّ المفروض أنّ الجاعل لم ينظر إلى القطع إلّا بالنظر المرآتي، والحكم المجعول في هذا النظر لا محالة يكون تمام موضوعه الواقع؛ لأنّه لا يرى إلّا إياه.
وإن كان المراد أن ينظر ثانيا إلى حيث طريقيّة القطع بنظر الاستقلالي فما المراد بالصفتية إن كان المقصود حيث كون القطع صفة نفسانيّة؟ فهذا جامع لجميع الصفات النفسانيّة من الحسد والبخل وغيرهما، فيلزم كونها أيضا موضوعا.
وإن اريد هذه الصفة الخاصّة والحالة النفسانيّة المخصوصة المقابلة لسائر الصفات والحالات النفسانيّة، فالخصوصيّة التي بها تمتاز هذه الصفة عن سائر صفات النفس وتصير مقابلة لها ليس إلّا كونه كشفا تامّا، فبالكشف تمتاز عن جميع الصفات غير الظن كالحسد والبخل ونحوهما؛ حيث لا كشف فيها أصلا، وبقيد التمام تمتاز عن الظن؛ حيث إنّه وإن كان كشفا لكنّه ناقص.
وبالجملة، فيصير على هذا مرجع الصفتيّة إلى الطريقيّة؛ إذ المنظور في الثانية أيضا هو الكشف التام، وإلّا فإن كان منظورا على نحو المرآتية وبالمعنى الحرفي فقد عرفت أنّه يلزم عدم دخله في الموضوع أصلا، فاللازم هو التزام أنّ القطع بمعنى الكشف التامّ الملحوظ بالاستقلال لا يكون إلّا ذا حيثيّة واحدة وليس له حيثيتان حتى يسمّى باعتبار إحداهما صفة وبالاخرى طريقا.
وعلى هذا فلا بدّ من حمل الطريقيّة والصفتية في كلام شيخنا المرتضى على معنى آخر، بأن يقال: إنّ جعل معلوم الخمريّة موضوعا يتصوّر على نحوين:
الأوّل: أن يكون المقصود هو الخمر المفروغ عن خمريّته بقيام طريق متّبع عليها، وبعبارة اخرى: الخمر الذي له كاشف وطريق أعمّ من أن يكون كاشفه وطريقه هو القطع أو طريقا معتبرا آخر، ووجه تخصيص القطع بالذكر كونه أظهر أفراد الكاشف وأتمّها.
والثاني: أن يكون نفس هذه الصفة التي هي الكشف التام بخصوصيّته هذه معتبرا، فعلى هذا لا يقوم طريق آخر مقامه؛ إذ غاية الأمر إحراز نفس الواقع بقيام طريق آخر بسبب دليل حجيّته، فيبقى خصوص صفة القطع والكشف التام الذي هو جزء الموضوع أو تمامه منتفيا، وأمّا على الأوّل- وهو أن يكون النظر إلى جهة طريقيته وكشفه مع قطع النظر عن خصوصيّة كونه تامّا- فيقوم مقامه الأمارات وبعض الاصول لو اخذ بهذا النحو موضوعا.
لا يقال: إنّه على هذا ليس الأصل والأمارة قائما مقام القطع بل هما أيضا في عرض القطع؛ فإنّ الدليل نسبته إليهما على حدّ سواء؛ إذ لم يعتبر فيه إلّا وجود الطريق المطلق، وكما أنّ القطع أحد أفراد الطريق فكذا الأصل والأمارة، فيكون ترتيب الأثر عليهما بنفس هذا الدليل كالقطع لا بدليل التنزيل.
لأنّا نقول: معنى قيامهما مقام القطع حينئذ إنّما هو بالنسبة إلى نفس الواقع؛ فإنّ الأثر يكون لنفس الواقع والطريق، فلا بدّ من إحراز شيئين: نفس الواقع والطريق، فلو لم يكن دليل التنزيل في البين فالظن بخمريّة مائع وإن كان يتحقّق به الطريق لكن يحتاج إلى تنزيل هذا المائع المظنون الخمريّة أيضا منزلة الخمر الواقعي ليرتّب عليه أثر الخمر الواقعي، فيكون أحد الجزءين وهو الظنّ مثلا حاصلا بالوجدان والجزء الآخر وهو الخمر حاصلا بالتنزيل للمؤدّى منزلة الواقع، فيكون قيام الظن مثلا مقام القطع في الجزء التنزيلي لا في الجزء الوجداني.
فإن قلت: لا أثر لنفس الواقع بالفرض، بل له مع الطريق، وتنزيل المظنون منزلة الواقع يفيد في ترتيب الآثار المترتّبة على نفس الواقع.
قلت: يكفي الأثر التعليقي المترتّب على جزء الموضوع، فيفيد التنزيل إثبات هذا الأثر التعليقي للمظنون، نظير الأصل والأمارة القائمين على إثبات جزء الموضوع في سائر الموارد كالبيّنة القائمة على تعديل عدل واحد ليكون موضوعا لقبول الشهادة إذا انضمّ إليه عدل آخر، أو إثبات الكريّة بالاستصحاب ليرتّب عليها عدم الانفعال إذا انضمّ إليها الطهارة والإطلاق.
وبالجملة فإذا قام الظنّ أو البيّنة على خمريّة مائع فيقوم هذا الظنّ أو البيّنة مقام القطع بواسطة دليل تنزيلهما منزلته، فيحكم بكون المائع خمرا، وبعد إثبات خمريّته بذلك يصير ذا طريق قهرا، فدليل التنزيل يثبت خمريّة المائع تشريعا وطريقيّة الظن والبيّنة تكوينا، هذا كلّه فيما إذا كان القطع جزء موضوع.
وأمّا إذا كان تمام موضوع فإن كان لمتعلّقه أثر آخر غير ما اخذ القطع تمام موضوعه فالأمارة والأصل يقومان مقامه؛ إذ بلحاظ ذاك الأثر يصحّ التنزيل وبه يتحقّق مصداق الطريق، فالصغرى أعني طريقيّة الأمارة تثبت به، والكبرى أعني ثبوت الأثر الذي تمام موضوعه القطع لكلّ طريق معتبر بدليل هذا الأثر، فكون الأمارة طريقا يثبت بالتنزيل، وكون كلّ طريق حكمه كذا ثبت بدليل هذا الحكم، وإن لم يكن لمتعلّقه أثر أصلا فلا يشمل دليل التنزيل إيّاه، إذ هو بلحاظ الأثر، وإذ ليس فليس، فلا يقوم الأمارة والأصل مقام القطع، فتبيّن أنّ قيام المقام مخصوص بموضع قابل له.
تتمّة: القطع بحكم لا يمكن جعله موضوعا لمثل هذا الحكم ولا لضدّه، أمّا الأوّل فللزوم اللغويّة في الأمر والنهي المولويين كما تقدّم، لا من جهة اجتماع المتماثلين؛ إذ هو غير لازم لاختلاف الرتبة كما تقدّم أيضا، وكذا في الثاني ليس الجهة لزوم التناقض لعدم لزومه باختلاف الرتبة، بل الجهة لزوم الإذن في المخالفة وهو أيضا كالمخالفة في القبح.
مثلا القطع بوجوب موضوع لو صار موضوعا لوجوب آخر لهذا الموضوع فهذا لغو، وإن صار موضوعا لحرمته لزم الإذن في ترك الواجب، ولو لم يلزم أحد المحذورين فلا بأس كما في جعل القطع بإباحة شيء موضوعا لوجوبه أو حرمته أو استحبابه أو كراهته، وكما في جعل القطع بالكراهة موضوعا للحرمة دون العكس، أو جعل القطع بالاستحباب موضوعا للوجوب دون عكسه، وفي مورد لزوم أحدهما لا بدّ من جعله موضوع الحكم على موضوع آخر مثل قولك: إذا قطعت بكون المائع خمرا وحراما فتصدّق بدرهم.
ثمّ إنّه يرد على المحقّق المذكور القائل بعدم قيام الأمارات مقام العلم المأخوذ على نحو الكشف والطريقية موضوعا النقض بالاصول العمليّة؛ فإنّ غايتها العلم، فقاعدة الطهارة مغيّاة بالعلم بالنجاسة، وقاعدة الاستصحاب مغيّاة بيقين مثل اليقين السابق، وهكذا سائر الاصول؛ فإنّها مجعولة في حقّ الشاكّ ما دام الشكّ، فإذا ارتفع الشكّ وتبدّل بالعلم ارتفع موضوعها، ولا إشكال أنّ العلم المذكور وإن اخذ طريقا محضا بالنسبة إلى حكم متعلّقة، لكنّه موضوع بالنسبة إلى عدم جريان الأصل.
فلازم القول المذكور عدم كون الأمارة القائمة على خلاف الاصول واردة عليها، بل اللازم هو التعارض بين الأصل والأمارة، فإذا شكّ في حدوث خمريّة مائع قطع بخليّته سابقا فقضيّة عدم نقض اليقين السابق بالشكّ بل بيقين مثله هو البناء على كون هذا المائع خلّا ما دام الشكّ في خمريّته باقيا، فإذا قام أمارة على خمريّة هذا المائع فقضيّة دليل اعتبار هذه الأمارة المفيد لتنزيل نفس المؤدّى منزلة الواقع دون تنزيل الشكّ منزلة اليقين ليس إلّا تنزيل هذا المائع منزلة الخمر وترتيب آثار الخمر الواقعي عليه، لا تنزيل شكّ المكلّف وترديده النفساني منزلة اليقين، ومن المعلوم أنّ تنزيل المائع بمنزلة الواقع لا يرفع الشكّ، فيكون المائع خمرا بمقتضى دليل التنزيل، ويكون المكلّف شاكا لعدم حصول العلم له لا وجدانا- بلا إشكال- ولا تنزيلا كما هو الفرض، فيكون موضوعا للاستصحاب وعدم نقض اليقين بالشكّ، فيكون مقتضى هذا هو الحكم بالخليّة، ومقتضى دليل الأمارة هو الحكم بالخمريّة فيقع التعارض بينهما بدون الورود.
ومبنى هذا المحقّق في باب ورود الأمارة على الأصل هو أنّ العلم المجعول غاية للأصل، المراد به هو العلم بالحكم الفعلي لا خصوص العلم بالحكم الواقعي، ولا شكّ أنّ من تقوم عنده أمارة على وجوب شيء- مثلا- يعلم بأنّ حكم اللّه في حقّه فعلا هو وجوب هذا لشيء، وبهذا يخرج عن موضوع الشاكّ، وينقطع الأصل الجاري في حال الشكّ في الوجوب.
وأنت خبير بعدم تأتّي ذلك في الشبهة الموضوعيّة، فمن شكّ في حرمة شرب التتن لو قام عنده خبر العادل الثقة على حرمته يعلم وجدانا بأنّ الحكم الفعلي هو الحرمة بضميمة وجوب العمل على طبق خبر العادل الثقة، وأمّا من شكّ في خمريّة مائع مع العلم بخليّته سابقا وقام البيّنة على خمريّته فهو لا يحصل له العلم بالخمريّة؛ فإنّها غير قابلة للجعل، فليست كالحكم القابل له، ومن المعلوم أنّ دليل عدم نقض اليقين بالشكّ إنّما يعتبر اليقين والشكّ فيه في الشبهات الموضوعيّة في نفس الموضوعات، فمفاده أنّ العلم بالخليّة في السابق لا ينقض إلّا بالعلم بالخمريّة وقد عرفت أنّ دليل الأمارة لا يصير سببا للعلم بنفس الخمر وإن كان يصير سببا للعلم بحكمه.
وبالجملة، فكلّ ما يختاره هذا المحقّق الجليل في ورود الأمارة على الأصل في الشبهة الموضوعيّة نختاره نحن في هذا الباب أعني قيام الأمارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع على نحو الكشف، ونجيب به عن إشكاله قدّس سرّه، فبين اختيارية قدّس سرّه في المقامين تهافت وتدافع.
لا يقال: إنّه إذا قام الأمارة على خمريّة المائع المذكور فقد حصل كلا جزئي الغاية، أحدهما بالتنزيل والآخر بالوجدان؛ فإنّ الغاية لحكم الأصل وعدم نقض اليقين بالخليّة السابقة هو شيئان، خمر وعلم به، وقبل قيام الأمارة ليس شيء منهما محرزا، وأمّا بعده فالخمر يحرز بالتنزيل، وأمّا العلم فيحصل حينئذ بالوجدان؛ إذ بعد قيام الأمارة وإن كان لا يحصل العلم بالخمر الواقعي، ولكن يحصل العلم بالخمر التعبّدي بالوجدان، فيتحقّق الخمر المعلوم الذي هو الغاية والموضوع، نظير إحراز موضوع الكرّ الطاهر بإحراز كريّته بالوجدان وطهارته بالتنزيل.
لأنّا نقول: نعم يمكن إحراز أحد جزئي الموضوع بالتنزيل مع إحراز جزئه الآخر بالوجدان كإحراز جميع أجزائه بالتنزيل، لكن بشرط أن يكون الجزء المحرز بالوجدان عين ما اخذ في الدليل الأوّل لا شيئا آخر غيره، وفي المقام الجزء الوجداني هو العلم بالخمر التعبّدي، ولو كان المأخوذ دليل الأصل علما وخمرا منفردين كانا حاصلين، ولكن من المعلوم أنّ المأخوذ فيه هو الخمر والعلم بالخمر الواقعي لا مطلق العلم ولو بشيء أجنبيّ عن الخمر الواقعي وبعد قيام الأمارة وإن كان نفس الخمر محرزا بدليل التنزيل، ولكنّ العلم الوجداني غير ما اخذ في غاية حكم الأصل؛ فإنّه علم بالخمر الواقعي، وهذا علم بالخمر التعبّدي، فالعلم الذي هو الجزء غير محرز لا بالوجدان ولا بالتنزيل كما هو المفروض، والعلم الذي هو محرز ليس بجزء.
ثمّ على تقدير تماميّة ما ذكر فمن الواضح عدم اختصاصه بما إذا كان القطع الموضوعي مأخوذا على وجه الطريقيّة، بل يعمّ ما إذا كان على وجه الصفتية، فيلزم قيام الأمارة مقام القسم الثاني أيضا بهذا البيان كما هو واضح.
ثمّ إنّه قدّس سرّه بعد ما جوّز قيام الأمارات مقام القطع الطريقي المحض لم يجوّز قيام الاصول غير الاستصحاب مقامه معلّلا بأنّ قيام المقام ليس إلّا ترتيب ما للواقع من الآثار والأحكام، والاصول ليست إلّا وظائف مقرّرة في حقّ الجاهل.
وفيه أنّ كونها وظائف مقرّرة في حقّ الجاهل في مقام العمل لا يضرّ بقيامها في حقّه مقام العلم بمعنى ترتيب آثار الواقع على مؤدّاها، فقاعدة الطهارة قائمة مقام العلم بمعنى أنّه يحكم بسببها بجميع آثار موضوع الطاهر كما لو علم بهذا الموضوع، وهذا أيضا هو الموجود في الأمارة؛ فإنّها أيضا لا تفيد أزيد من ترتيب الآثار، فالأمارة على كلّ موضوع تقوم مقام العلم بهذا الموضوع في ترتيب جميع آثاره، وأصل الطهارة أيضا يقوم مقام العلم بها في ترتيب جميع آثار الطهارة.
وكذا الكلام في قاعدة الفراغ؛ فإنّها تقوم مقام القطع بالصحّة، فكما يرتّب على هذا القطع عدم وجوب الإعادة، فكذا يحكم به بهذا الأصل أيضا، وهكذا سائر الاصول الشرعيّة.
نعم لا معنى لقيام الأصل العقلي وهو الاحتياط والبراءة مقامه، ووجهه أنّ الاحتياط ليس إلّا عبارة عن نفس حكم العقل بتنجّز التكليف وكونه ثابتا في رقبة المكلّف وكونه معاقبا بالمخالفة لو كان التكليف موجودا واقعا، والبراءة ليست إلّا عبارة عن حكم العقل برفع التنجيز واستحقاق العقوبة على تقدير ثبوت التكليف، ومن المعلوم أنّ العلم إن كان بوجود التكليف فهو موجب للحكم بالتنجّز واستحقاق العقوبة بالمخالفة، لا أنّ مؤدّاه نفس هذا الحكم، وإن كان بعدمه فهو موجب لرفع التنجّز والاستحقاق لا أنّ نفس مؤدّاه ذلك.
وبالجملة، لو كان الاحتياط مؤدّيا إلى شيء يكون من آثاره التنجيز، وكانت البراءة مؤدّية إلى شيء هو موجب لرفع التنجيز صحّ قيامهما مقام العلم؛ فإنّ مؤدّاه أيضا إمّا منجّز وإمّا رافع للتنجيز، لكن ليسا كذلك، بل هما كما عرفت نفس التنجيز العقلي والمعذوريّة العقليّة وليسا مؤدّيين إلى شيء من آثاره أحد هذين.
ثمّ إنّه قدّس سرّه بعد ما بيّن عدم قيام الأمارة مقام العلم الموضوعي بيّن عدم قيام الاستصحاب مقامه أيضا، ولعلّ وجه ذكره بالخصوص مع معلوميّة حاله من الأمارة وعدم كونه أقوى منها أنّ في دليله ذكر لفظ الشكّ واليقين، فربّما يتوهّم وفائه بتنزيل الشكّ منزلة اليقين فيما إذا كان له دخل في الموضوع، فصرّح به أيضا دفعا لهذا التوهّم وأنّه لا بدّ إمّا من ملاحظة المتيقّن السابق والمشكوك بجعل اليقين طريقا إلى متعلّقه ليفيد تنزيل المشكوك منزلة المقطوع بلحاظ آثار نفس الواقع، وإمّا من ملاحظة اليقين والشكّ على وجه الاستقلال ليفيد التنزيل بلحاظ آثار نفس القطع، وحيث إنّ الدليل ظاهر في اللحاظ الأوّل والجمع بينه والثاني أيضا غير ممكن فتعيّن عدم وفاء دليله بقيامه مقام القطع فيما له دخل في الموضوع.
ثمّ إنّه قدّس سرّه ذكر كلاما ذكره في حاشيته مع جوابه، وحاصل ما ذكره في الحاشية إمكان أن لا يفيد دليل الأمارة والاستصحاب إلّا تنزيل المؤدّى والمستصحب ومع ذلك كان كافيا للتنزيل منزلة القطع؛ فإنّه إذا حكم بالأمارة أو الاستصحاب بالخمريّة فالقطع بالخمريّة التعبديّة يحصل، وكما يدّل دليل الأمارة والاستصحاب على تنزيل المشكوك منزلة الخمر يدّل على تنزيل هذا القطع أيضا منزلة القطع بالواقع؛ للملازمة بين هذين التنزيلين.
وحاصل الجواب أنّ الملازمة ليست بعرفيّة قطعا بحيث يلزم عرفا من الانتقال إلى الأوّل الانتقال إلى الثاني، كما يلزم من الانتقال إلى تنزيل شخص منزلة الأب لشخص آخر الانتقال إلى تنزيل الشخص الثاني منزلة الابن للشخص الأوّل، فلو كان حكم مرتّبا على مجموع الابوّة والبنوّة فالتنزيل في أحدهما فقط كاف لإحراز موضوع هذا الحكم بتمامه؛ فإنّه وإن كان دلالة الدليل على تنزيل أحد الجزءين في طول دلالته على تنزيل الآخر لكنّهما بحسب الواقع في عرض واحد، ففي مقام الثبوت قد نزّل كلاهما في عرض واحد وإن كان في مقام الإثبات قد دلّ على أحدهما في طول الدلالة على الآخر.
وهذا بخلاف المقام؛ فإنّ الملازمة هنا إنّما يدّعى من جهة عدم لزوم اللغويّة وذلك لأنّ التنزيل يكون في موضوع ذي أثر وفي غيره لغو، فإذا فرضنا أنّ نفس الخمر لا أثر له، فالتنزيل فيه إنّما لا يكون لغوا إذا كان جزء آخر للموضوع وهو القطع بالخمر محرزا إمّا بالوجدان أو بتنزيل آخر في عرض التنزيل الأوّل.
ولهذا لو كان هنا دليل خاص على تنزيل هذا الخمر تعيّن القول بالملازمة بين تنزيله وتنزيل القطع بالخمر التعبّدي أيضا منزلة القطع بالخمر الواقعي لئلّا يلزم اللغويّة؛ فإنّ تنزيل الخمر بدون تنزيل القطع مع فرض عدم كون الخمر ذا أثر لغو وإنّما يخرج عن اللغويّة إذا كان الجزء الآخر محرزا بالوجدان أو بالتنزيل الآخر.
وهذا غير جار في الدليل العام؛ فإنّ غايته أنّ أصالة العموم محفوظة بالنسبة إلى هذا الخمر فيكشف عن ثبوت التنزيل في القطع أيضا لعدم لزوم اللغويّة، لكن لا إشكال أنّ التمسّك بإطلاق حكم أو عمومه إنّما يصحّ فيما هو مصداق موضوعه مع قطع النظر عن إجراء عموم الحكم فيه لا فيما يصير مصداقا للموضوع بسبب الإجراء؛ فإنّه في رتبة الإجراء غير مصداق، فلا يجري بالنسبة إليه أصالة العموم من باب التخصّص لا التخصيص.
فنحن إذا فرضنا أنّ موضوع دليل العام للتنزيل هو كلّ ذي أثر، فلا بدّ أوّلا من إحراز كون هذا الخمر ذا أثر ليصير مصداقا للموضوع ليصحّ التمسّك فيه بعموم الحكم وإجراء التنزيل فيه، وكونه ذا أثر يتوقّف على كون القطع بالخمر الواقعي مورد التنزيل في عرض ذاك التنزيل، وكونه موردا للتنزيل يتوقّف على دلالة الدليل على تنزيل نفس الخمر لكي يحكم صونا له عن اللغويّة بالتنزيل في القطع أيضا، وبالجملة، فمصداقيّته لذي الأثر الذي هو موضوع دليل التنزيل إنّما يتحقّق بسبب إجراء عموم التنزيل فيه، وبعده فلا يشمله العموم للتخصّص ولا التخصيص.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|