أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-5-2020
3397
التاريخ: 31-5-2020
2469
|
قال تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُو الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُو الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوالْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ : 1 - 6]
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1)
{الحمد لله} معناه قولوا الحمد لله وهو تعريف لوجوب الشكر على نعم الله سبحانه وتعليم لكيفية الشكر {الذي له ما في السموات وما في الأرض} أي الذي يملك التصرف في جميع ما في السماوات وجميع ما في الأرض ليس لأحد الاعتراض عليه ولا منعه {وله الحمد في الآخرة} أي هو المستحق للحمد على أفعاله الحسنى في الدارين لكونه منعما فيهما والآخرة وإن كانت ليست بدار تكليف فلا يسقط فيها الحمد والاعتراف بنعم الله تعالى بل العباد ملجئون إلى ذلك لمعرفتهم الضروري بنعم الله عليهم من الثواب والعوض وضروب التفضل ومن حمد أهل الجنة قولهم الحمد لله الذي هدانا لهذا والحمد لله الذي صدقنا وعده وقيل إنما يحمده أهل الجنة لا على جهة التعبد لكن على جهة السرور والتلذذ بالحمد ولا يكون بالحمد عليهم فيه تعب ولا مشقة وقيل يحمده أهل الجنة على نعمه وفضله ويحمده أهل النار على عدله .
{وهو الحكيم} في جميع أفعاله لأنها كلها واقعة على وجه الحكمة {الخبير} بجميع المعلومات {يعلم ما يلج في الأرض} أي ما يدخل فيها من مطر وكنز أو ميت {وما يخرج منها} من زرع ونبات أو جواهر أو حيوان {وما ينزل من السماء} من مطر أو رزق أو ملك {وما يعرج} أي يصعد {فيها} من الملائكة وأعمال العباد فهو يجري جميع ذلك على تقدير تقتضيه الحكمة وتدبير توجبه المصلحة {وهو الرحيم} بعباده مع علمه بما يعملون من المعاصي فلا يعاجلهم بالعقوبة ويمهلهم للتوبة {الغفور} أي الساتر عليهم ذنوبهم في الدنيا المتجاوز عنها في العقبي كما قال ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
{وقال الذين كفروا} يعني منكري البعث والنشور {لا تأتينا الساعة} يعني القيامة {قل} لهم يا محمد {بلى وربي} أي وحق الله ربي الذي خلقني وأوجدني {لتأتينكم} القيامة {عالم الغيب} يعمل كل شيء يغيب عن العباد علمه {لا يعزب عنه} أي لا يفوته {مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض} بل هو عالم بجميع ذلك {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} يعني اللوح المحفوظ وقد مضى هذا مفسرا في سورة يونس كذب الله سبحانه في هذه الآية الكفار الجاحدة للبعث وبين أن القيامة آتية كائنة لا محالة وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن يحلف على ذلك تأكيدا له ثم مدح نفسه بأنه يعلم ما غاب عن العباد علمه مما هو كائن أو سيكون ولم يوجد بعد .
ثم قال {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي إنما أثبت ذلك في الكتاب المبين ليكافئهم بما يستحقونه من الثواب على صالح أعمالهم {أولئك لهم مغفرة} لذنوبهم وستر لها ولهم مع ذلك {رزق كريم} أي هنيء لا تنغيص فيه ولا تكدير وقيل هو الجنة عن قتادة {والذين سعوا في آياتنا معاجزين} أي والذين عملوا بجهدهم وجدهم في إبطال حججنا وفي تزهيد الناس عن قبولها مقدرين إعجاز ربهم وظانين أنهم يفوتونه وقيل معاجزين مسابقين ومعجزين ومثبطين وقد مضى تفسير هذه الآية في سورة الحج {أولئك لهم عذاب من رجز} أي سيء العذاب عن قتادة {أليم} أي مؤلم .
ثم ذكر سبحانه المؤمنين واعترافهم بما جحده من تقدم ذكرهم من الكافرين فقال {ويرى الذين أوتوا العلم} أي ويعلم الذين أعطوا المعرفة بوحدانية الله تعالى وهم أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن قتادة وقيل هم المؤمنون من أهل الكتاب عن الضحاك وقيل هم كل من أوتي العلم بالدين وهذا أولى لعمومه {الذي أنزل إليك من ربك} يعني القرآن {هو الحق} أي يعلمونه الحق لأنهم يتدبرونه ويتفكرون فيه فيعلمون بالنظر والاستدلال أنه ليس من قبل البشر فهؤلاء لطف الله سبحانه لهم بما أداهم إلى العلم فكأنه سبحانه قد أتاهم العلم .
وقوله {ويهدي} أي ويعلمون أنه يهدي إلى القرآن ويرشد {إلى صراط العزيز الحميد} أي دين القادر الذي لا يغالب المحمود على جميع أفعاله وهو الله تعالى وفي هذه الآية دلالة على فضيلة العلم وشرف العلماء وعظم أقدارهم .
_______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص191-195 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1)
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ ولَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وهُو الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} . اللَّه سبحانه هو المستحق للحمد في الدارين ، ومالك الكون ومدبره بما فيه على مقتضى علمه وحكمته . وفي نهج البلاغة : نحمده على عظيم إحسانه ، ونير برهانه ، ونوامي فضله وامتنانه ، حمدا يكون لحقّه قضاء ، ولشكره أداء ، وإلى ثوابه مقربا ، ولحسن مزيده موجبا .
{يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأَرْضِ وما يَخْرُجُ مِنْها وما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وما يَعْرُجُ فِيها وهُو الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} . تكرر هذا المعنى في العديد من الآيات ، منها الآية 59 من سورة الأنعام ج 3 ص 200 والآية 61 من سورة يونس ج 4 ص 174 ، وملخصه ان اللَّه بكل شيء عليم .
{وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى ورَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} . تقدم مثله في الآية 53 من سورة يونس ج 4 ص 168 {عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ ولا فِي الأَرْضِ ولا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ ولا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} .
الكتاب المبين كناية عن الحفظ ، والمعنى ان علم الساعة عند اللَّه لا يجلَّيها لوقتها إلا هو . أنظر تفسير الآية 187 من سورة الأعراف ج 3 ص 431 .
{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ والَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} . هذا بيان للحكمة من البعث ، وهي أن يجزي اللَّه الذين أحسنوا بالحسنى ، والذين أساؤا بما كانوا يعملون . أنظر ج 4 ص 132 فقرة (الحساب والجزاء حتم) .
{ويَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُو الْحَقَّ ويَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} . المراد بالذين أوتوا العلم كل عالم منصف في كل زمان ومكان ، والمراد بالذي انزل إليك القرآن ، والمعنى ان أي عالم يدرس القرآن دراسة صحيحة لا بد أن ينتهي إلى أنه حق من عند اللَّه ، لأنه يهدي للتي هي أقوم في عقيدته وشريعته وجميع تعاليمه .
_______________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص247-248 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1)
تتكلم السورة حول الأصول الثلاثة أعني الوحدانية والنبوة والبعث فتذكرها وتذكر ما لمنكريها من الاعتراض فيها والشبه التي ألقوها ثم تدفعها بوجوه الدفع من حكمة وموعظة ومجادلة حسنة وتهتم ببيان أمر البعث أكثر من غيره فتذكره في مفتتح الكلام ثم تعود إليه عودة بعد عودة إلى مختتمه .
وهي مكية بشهادة مقاصد آياتها على ذلك .
قوله تعالى : {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} إلخ ، المطلوب بيان البعث والجزاء بيانا لا يعتريه شك بالإشارة إلى الحجة التي ينقطع بها الخصم والأساس الذي يقوم عليه ذلك أمران أحدهما عموم ملكه تعالى لكل شيء من كل جهة حتى يصح له أي تصرف أراد فيها من إبداء ورزق وإماتة وإحياء بالإعادة وجزاء ، وثانيهما كمال علمه تعالى بالأشياء من جميع جهاتها علما لا يطرأ عليه عزوب وزوال حتى يعيد كل من أراد ويجزيه على ما علم من أعماله خيرا أوشرا .
وقد أشير إلى أول الأمرين في الآية الأولى التي نحن فيها وإلى الثانية في الآية الثانية وبذلك يظهر أن الآيتين تمهيد لما في الآية الثالثة والرابعة .
فقوله : {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} ثناء عليه على ملكه المنبسط على كل شيء بحيث له أن يتصرف في كل شيء بما شاء وأراد .
وقوله : {وله الحمد في الآخرة} تخصيص الحمد بالآخرة لما أن الجملة الأولى تتضمن الحمد في الدنيا فإن النظام المشهود في السماوات والأرض نظام دنيوي كما يشهد به قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم : 48] . وقوله : {وهو الحكيم الخبير} ختم الآية بالاسمين الكريمين للدلالة على أن تصرفه في نظام الدنيا ثم تعقيبه بنظام الآخرة مبني على الحكمة والخبرة فبحكمته عقب الدنيا بالآخرة وإلا لغت الخلقة وبطلت ولم يتميز المحسن من المسيء كما قال {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ} [ص : 27 ، 28] ، وبخبرته يحشرهم ولا يغادر منهم أحدا ويجزي كل نفس بما كسبت .
والخبير من أسماء الله الحسنى مأخوذة من الخبرة وهي العلم بالجزئيات فهو أخص من العليم .
قوله تعالى : {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} الولوج مقابل الخروج والعروج مقابل النزول وكان العلم بالولوج والخروج والنزول والعروج كناية عن علمه بحركة كل متحرك وفعله واختتام الآية بقوله : {وهو الرحيم الغفور} كان فيه إشارة إلى أن له رحمة ثابتة ومغفرة ستصيب قوما بإيمانهم .
قوله تعالى : {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب} إلخ ، يذكر إنكارهم لإتيان الساعة وهي يوم القيامة وهم ينكرونه مع ظهور عموم ملكه وعلمه بكل شيء ولا مورد للارتياب في إتيانها مع ذلك كما تقدم فضلا عن إنكار إتيانها ولذلك أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجيب عن قولهم بقوله : {قل بلى وربي لتأتينكم} أي الساعة .
ولما كان السبب العمدة في إنكارهم هو اختلاط الأشياء ومنها أبدان الأموات بعضها ببعض وتبدل صورها تبدلا بعد تبدل بحيث لا خبر عن أعيانها فيمتنع إعادتها من دون تميز بعضها من بعض أشار إلى دفع ذلك بقوله : {عالم الغيب لا يعزب} أي لا يفوت {عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} .
وقوله : {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} تعميم لعلمه لكل شيء وفيه مع ذلك إشارة إلى أن للأشياء كائنة ما كانت ثبوتا في كتاب مبين لا تتغير ولا تتبدل وإن زالت رسومها عن صفحة الكون وقد تقدم بعض الكلام في الكتاب المبين في سورة الأنعام وغيرها .
قوله تعالى : {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم} اللام في {ليجزي} للتعليل وهو متعلق بقوله : {لتأتينكم} وفي قوله : {لهم مغفرة ورزق كريم} نوع محاذاة لقوله السابق : {وهو الرحيم الغفور} .
وفي الآية بيان أحد السببين لقيام الساعة وهو أن يجزي الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة والرزق الكريم وهو الجنة بما فيها والسبب الأخير ما يشير إليه قوله : {والذين سعوا في آياتنا معاجزين} إلخ .
قوله تعالى : {والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم} السعي الجد في المشي والمعاجزة المبالغة في الإعجاز وقيل : المسابقة والكلام مبني على الاستعارة بالكناية كان الآيات مسافة يسيرون فيها سيرا حثيثا ليعجزوا الله ويسبقوه والرجز كالرجس القذر ولعل المراد به العمل السيىء فيكون إشارة إلى تبدل العمل عذابا أليما عليهم أو سببا لعذابهم ، وقيل : الرجز هو سيء العذاب .
وفي الآية تعريض للكفار الذين يصرون على إنكار البعث .
قوله تعالى : {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق} الموصول الأول فاعل يرى والموصول الثاني مفعوله الأول والحق مفعوله الثاني والمراد بالذين أوتوا العلم العلماء بالله وبآياته ، وبالذي أنزل إليه القرآن النازل إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وجملة {ويرى} إلخ ، استئناف متعرض لقوله السابق : {وقال الذين كفروا} أوحال من فاعل كفروا ، والمعنى : أولئك يقولون : لا تأتينا الساعة وينكرونه جهلا ، والعلماء بالله وآياته يرون أن هذا القرآن النازل إليك المخبر بأن الساعة آتية هو الحق .
وقوله : {ويهدي إلى صراط العزيز الحميد} معطوف على الحق أي ويرون القرآن يهدي إلى صراط من هو عزيز لا يغلب على ما يريد محمود يثنى على جميع أفعاله لأنه لا يفعل مع عزته إلا الجميل وهو الله سبحانه ، وفي التوصيف بالعزيز الحميد مقابلة لما وصفهم به في قوله : {الذين سعوا في آياتنا معاجزين} .
_________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص287-289 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1)
هو المالك لكلّ شيء والعالم بكلّ شيء :
خمس سور من القرآن الكريم إفتتحت «بحمد الله» ، وإرتبط (الحمد) في ثلاثة منها بخلق السموات والأرض وهي {سبأ وفاطر والأنعام} بينما كان مقترناً في سورة الكهف بنزول القرآن على قلب الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وجاء في سورة الفاتحة تعبيراً جامعاً شاملا لكلّ هذه الإعتبارات {الحمد لله ربّ العالمين} . على كلّ حال ، الحمد والشكر لله تعالى في مطلع سورة سبأ هو في قبال مالكيته وحاكميته تعالى في الدنيا والآخرة .
يقول تعالى : {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة} .
لذا فإنّ الحاكمية والمالكية في الدنيا والآخرة له سبحانه ، وكلّ موهبة ، وكلّ نعمة ، ومنفعة وبركة ، وكلّ خلقة سوية عجيبة مذهلة ، تتعلّق به تعالى ، ولذا فإنّ «الحمد» الذي حقيقته «الثناء على فعل إختياري حسن» كلّه يعود إليه تعالى ، وإذا كانت بعض المخلوقات تستحقّ الحمد والثناء ، فلأنّها شعاع من وجوده عزّوجلّ ولأنّ أفعالها وصفاتها قبس من أفعاله وصفاته تعالى . وعليه فكلّ مدح وثناء يصدر من أحد على شيء في هذا العالم ، فإنّ مرجعه في النهاية إلى الله سبحانه وتعالى .
ثمّ يضيف تعالى قائلا : {وهو الحكيم الخبير} .
فقد إقتضت حكمته البالغة أن يُخضع الكون لهذا النظام العجيب ، وأن يستقرّ ـ بعلمه وإحاطته ـ كلّ شيء في محلّه من الكون ، فيجد كلّ مخلوق ـ كلّ ما يحتاج إليه ـ في متناوله .
وقد تحدّث المفسّرون كثيراً في هذه الآية عن المقصود من الحمد والشكر في الآخرة . .
فذهب بعضهم : إنّ الآخرة وإن لم تكن دار تكليف ، إلاّ أنّ عبّاد الرحمن الذين تسامت أرواحهم بعشق بارئهم هناك ، يشكرونه ويحمدونه وينتشون بلذّة خاصّة من ذلك .
وقال آخرون : إنّ أهل الجنّة يحمدونه على فضله ، وأهل النار يحمدونه على عدله .
وقيل : إنّ الإنسان ـ نتيجة وجود الحجب المختلفة على قلبه وعقله في الدنيا ـ لا يمكنه أن يحمد الله حمداً خالصاً ، وعندما ترتفع هذه الحجب يوم القيامة تتّضح مالكيته تعالى وهيمنته على عالم الوجود للجميع مصداقاً لقوله تعالى {الملك يومئذ لله} وحينها تلهج الألسن بحمده والثناء عليه بكامل خلوص النيّة .
وكذلك فإنّ الإنسان قد يغفل في هذه الدنيا فيحمد بعض المخلوقات ، متوهماً إستقلالها ، إلاّ أنّه في الآخرة ، وحيث يتّضح إرتباط الكلّ به تعالى كإرتباط أشعّة الشمس بقرصها ، فإنّ الإنسان لن يؤدّي الحمد والثناء إلاّ لله سبحانه .
فضلا عن كلّ هذا ، فقد ورد مراراً في القرآن الكريم ـ أيضاً ـ أنّ أصحاب الجنّة يحمدون الله حين دخولهم جنّات الخلد : {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ } [فاطر : 34] .
{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس : 10] .
على كلّ حال فإنّ هذا الحمد والثناء لا ينطلق من ألسنة الناس والملائكة فقط ، بل تُسمع همهمة الحمد والتسبيح من كلّ ذرّة في عالم الوجود بإدراك العقل ، فليس من موجود إلاّ ويحمده ويسبّحه تعالى .
تنتقل الآية التي بعدها إلى التوسّع في إظهار جانب من علم الله اللامحدود ، تناسباً مع وصف الآية السابقة له تعالى بالحكيم والخبير ، فيقول سبحانه : {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها} .
نعم ، فقد أحاط علماً بكلّ حبّة مطر وقطرة ماء تنفذ وتلج في أعماق الأرض حتّى إذا وصلت طبقة صلدة تجمّعت هناك وصارت ذخيرة للإنسان .
ويعلم بالبذور التي تنتقل على سطح الأرض بواسطة الريح أو الحشرات ، لتنبت في مكان ما وتصبح شجرة باسقة أو عشباً طريّاً .
يعلم بجذور الأشجار عند توغلها في أعماق التربة بحثاً عن الماء والغذاء .
يعلم بالموجات الكهربائية والغازات المختلفة ، بذرّات الهواء التي تنفذ في الأرض ، يعلم بالكائنات الحيّة التي تشقّ طريقها فيها ، ويعطيها الحياة .
وكذلك ، يعلم بالكنوز والدفائن وأجساد الموتى من الإنسان وغيره . . نعم إنّه مطّلع على كلّ هذا .
وكذلك فهو عارف وعالم بالنباتات التي تخرج من الأرض ، والناس الذين يبعثون منها ، بالعيون التي تفور بالماء منها ، بالغازات التي تتصاعد منها ، بالبراكين التي تلوّح بجحيمها ، بالحشرات التي تتّخذ أوكاراً فيها ، وتخرج منها .
والخلاصة ، فهو عالم بكلّ الموجودات التي تلج الأرض وتخرج منها أعمّ ممّا نعلمه أو ما لا نعلمه .
ثمّ يضيف قائلا : {وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} .
فهو يعلم بحبّات المطر ، وبأشعّة الشمس التي تنثر الحياة ، بأمواج الوحي والشرائع السماوية العظيمة ، وبالملائكة التي تهبط إلى الأرض لإبلاغ الرسالات أو أداء الأوامر الإلهيّة المختلفة . بالأشعة الكونية التي تدخل جو الأرض من الفضاء الخارجي ، بالشهب والذرّات المضطربة في الفضاء والتي تهوي نحو الأرض ، فهو تعالى محيط بهذا كلّه .
وكذلك فإنّه يعلم بأعمال العباد التي تعرج إلى السماء ، والملائكة التي تقفل صاعدة إلى السماء بعد أداء تكاليفها ، وبالشياطين الذين يرتقون إلى السماء لإستراق السمع ، وبفروع الأشجار التي تتطلّع برؤوسها إلى السماء ، وبالأبخرة التي تتصاعد من البحار إلى أعالي السماء لتتكاثف مكونةً سحباً . وبالآهات التي تنطلق من قلب المظلوم متصاعدة إلى السماء . . . نعم هو عالم بكلّ ذلك .
فهل هناك من مطّلع على كلّ ذلك غيره تعالى؟ وهل يمكن لعلوم جميع العلماء مجتمعة أن تحيط ولو بجزء من هذه المعلومات؟
وفي ختام الآية يضيف تعالى : {وهو الرحيم الغفور} .
لقد وصف الله تعالى نفسه بهاتين الصفتين إمّا لأجل أنّه من جملة الاُمور التي تعرج إلى السماء أعمال العباد وأرواحهم فيشملها برحمته . . .
أو لأنّ نزول البركات والعطايا السماوية تترشّح من رحمته ، والأعمال الصالحة المتصاعدة من العباد مشمولة بغفرانه بمقتضى (والعمل الصالح يرفعه) .
أو لكون «الرحمة» تشمل من يشكر هذه النعم ، و«الغفران» يشمل المقصّرين في ذلك .
والخلاصة : أنّ الآية أعلاه ، لها معان واسعة من جميع الوجوه ، ولا يجب حصر مؤدّاها في معنىً واحد .
وقوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} [سبأ : 3 - 5] .
أقسم بالله لتأتينكم القيامة :
تتعرّض الآيات مورد البحث إلى موضع التوحيد وصفات الله في نفس الوقت الذي تهيء أرضيّة لموضوع المعاد ، لأنّ مشكلات (بحث المعاد) لا يمكن حلّها إلاّ عن طريق العلم اللامتناهي للباريّ عزّوجلّ ، كما سنرى .
لذا فإنّ الآيات مورد البحث تبدأ أوّلا بقوله تعالى : {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة} . فما هو إلاّ كذب وإفتراء ، بل إنّ القيامة لا تأتي أحداً من الناس .
ويريدون بذلك الفكاك والتحرّر من قيود هذه الإعتقادات; الحساب والكتاب والعدل والجزاء ، ليرتكبوا ما يحلوا لهم من الأعمال .
ولكنّ القرآن بناءً على وضوح أدلّة القيامة يخاطب الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بصورة حاسمة وفي معرف بيان النتيجة ، فيقول : {قل بلى وربّي لتأتينكم} .
والتركيز على كلمة «ربّ» لأنّ القيامة في الأصل من شؤون الربوبية . فكيف يمكن أن يكون الله مالكاً ومربياً للبشر يقودهم في سيرهم التكاملي ، ثمّ يتخلّى عنهم في منتصف الطريق لينتهي بالموت كلّ شيء ، فتكون حياتهم بلا هدف وخلقهم هباءً وبلا معنى .
وقد ركّز القرآن في الآية السابعة من سورة التغابن أيضاً على هذا الوصف ، فقال تعالى : {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربّي لتبعثنّ ثمّ لتنبئنّ بما عملتم} .
وبما أنّ أحد إشكالات الكافرين بالمعاد ، هو شكّهم ـ من جانب ـ في إمكانية جمع وإعادة بناء أعضاء الإنسان الميّت بعد تبعثرها وتفسّخها في التراب . وكذلك ـ من جانب آخر ـ في إمكانية وجود من يمكنه النظر في جميع أعمال العباد التي عملوها في السرّ والعلن والظاهر والباطن ، لذا فإنّ الله تعالى يضيف في تتمّة الآية الكريمة {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاّ في كتاب مبين}(2) .
ولذا ، فلا يغيب عن علمه تبعثر ذرّات جسم الإنسان في التراب ، ولا إختلاطها بسائر الموجودات ، ولا حتّى حلولها في أبدان اُناس آخرين عن طريق الغذاء ، ولا يشكّل مشكلة أمام إعادة بنائه من جديد . . وأعمالهم في هذه الدنيا تبقى محفوظة أيضاً ، وإن تغيّر شكلها ، فهو سبحانه المحيط بها علماً .
وقد ورد نظير هذا التعبير في الآيات الثالثة والرّابعة من سورة (ق) في قوله تعالى : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } [ق : 3 ، 4] .
ولكن ما هو المقصود من «الكتاب المبين» ؟
أغلب المفسّرين قالوا بأنّه «اللوح المحفوظ» ولكن السؤال هو : ما هو اللوح المحفوظ ؟!
وكما ذكرنا سابقاً فإنّ أقرب تفسير (للّوح المحفوظ) ، هو «لوح العلم الإلهي اللامتناهي» نعم في ذلك اللوح ضُبط وقُيّد كلّ شيء ، بدون أن يجد التغيير والتبديل طريقه إليه .
وعالم الوجود المترامي الأطراف ، هو الآخر إنعكاس عن ذلك اللوح المحفوظ ، بلحاظ أنّ كلّ ذرّات وجودنا وكلّ أقوالنا وأفعالنا ، تبقى محفوظة فيه ، وإن كانت الظواهر تتغيّر ، لكنّها لا تخرج عن حدّها أبداً .
ثمّ يوضّح تعالى الهدف من قيام القيامة في آيتين ، أو بتعبير آخر إعطاء الدليل على لزوم مثل ذلك العالم بعد عالمنا الحالي لمنكري القيامة ، فيقول تعالى : {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك لهم مغفرة ورزق كريم} .
فإن لم يُجازِ المؤمنين بصالح عملهم ثواباً ، أفلا يعني ذلك تعطيل أصل العدالة الذي هو أهم أصل من اُصول الخلقة؟ وهل يبقى معنى لعدالة الله بدون ذلك المفهوم ؟! في الوقت الذي نرى أنّ أغلب هؤلاء الأفراد الصالحين ، لا يتلقون جزاء أعمالهم الحسنة في هذه الدنيا أبداً ، إذن لابدّ من عالم آخر لكي يتحقّق فيه هذا الأصل .
تقديم «المغفرة» على «الرزق الكريم» ربّما كان سببه : أنّ أشدّ ما يقلق المؤمنين هو الذنوب التي إرتكبوها ، لذا فإنّ الآية تطمئنهم بعرض المغفرة عليهم أوّلا ، فضلا عن أنّ من لم يغتسل بماء المغفرة الإلهية لن يكون أهلا (للرزق الكريم) والمقام الكريم !
(الرزق الكريم) يشمل كلّ رزق ذي قيمة ، ومفهوم ذلك واسع إلى درجة أنّه يشمل كلّ المواهب والعطايا الإلهية ، ومنها ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وبتعبير آخر فإنّ «الجنّة» بكلّ نعمها المعنوية والماديّة جمعت في هذه الكلمة ، والبعض فسّر «الكريم» بأمرين : الجيد والخالي من المنغّصات ، ولكن يبدو أنّ مفهوم الكلمة أوسع من ذلك بكثير .
ثمّ تضيف الآية الكريمة التالية ، موضّحة نوعاً آخر من العدالة فيما يخصّ عقاب المذنبين والمجرمين ، فيقول تعالى : إنّ الذين كذّبوا آياتنا وسعوا في إنكارها وإبطالها وتصوّروا أنّهم يستطيعون الخلاص من دائرة قدرتنا . . . {والذين سعوا في آياتنا معاجزين اُولئك لهم عذاب من رجز أليم} .
فهناك كان الحديث عن «الرزق الكريم» وهنا عن «الرجز الأليم» .
«الرِّجْز» : في الأصل بمعنى الإضطراب وعدم القدرة على حفظ التوازن ، ومنه قيل «رَجَزَ البعيرُ رجزاً» فهوأرجز ، وناقةٌ «رجزاءُ» إذا تقارب خطوها وإضطرب لضعف فيها . واُجبرت على تقصير خطواتها لحفظ توازنها ، ثمّ اُطلقت الكلمة على كلّ ذنب ورجس . كذلك فإنّ إطلاق كلمة «الرَجَزْ» على المقاطع الشعرية الخاصّة بالنزال في الحرب ، من باب قصر مقاطعها وتقاربها .
على كلّ حال فالمقصود من (الرجز) هنا ، أسوأ أنواع العذاب ـ الذي يتأكّد بإرداف كلمة «الأليم» أيضاً وأنواع العقوبات البدنية والروحية الأليمة .
والتفت البعض إلى هذه النكتة ، وهي أنّ القرآن الكريم حين ذكر نِعم أهل الجنّة لم يستعمل كلمة «من» ليدلّل على سعتها ، بينما جاءت هذه الكلمة عند ذكر العذاب لتكون دليلا على محدوديته النسبية ، ولتتضح رحمته تبارك وتعالى .
«سعوا» : من السعي ، بمعنى كلّ جهد وجدٍّ في أمر ، والمقصود منها هنا ، الجدّ والجهد في تكذيب وإنكار آيات الحقّ وصدّ الناس عن طريق الله سبحانه وتعالى .
معاجزين : من المعاجزة ، بمعنى معجّزين ، أي مثبّطين ، وفي مثل هذه الموارد تطلق على من يفرّ من شخص آخر بحيث لا يمكّنه من التسلّط عليه ، وبديهي أنّ هذا الوصف يستخدم للمجرمين لتوهمّهم الذي يظهرونه عملياً بهذا الإتّجاه ، وعملهم يشبه إلى حد كبير من يتصوّر أنّه يستطيع القيام بأيّة جناية يشاء ، ثمّ يستطيع الفرار من سلطة القدرة الإلهيّة!! .
{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُو الْحَقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
كان الحديث في الآيات السابقة عن عمي البصائر ، المغفّلين الذين أنكروا المعاد مع كلّ تلك الدلائل القاطعة ، وسعوا سعيهم لتكذيب الآيات الإلهية ، وإضلال الآخرين .
وعلى هذا ، فإنّ الآيات مورد البحث ، تتحدّث عن العلماء والمفكّرين الذين صدّقوا بآيات الله وسعوا سعيهم لتشجيع الآخرين على التصديق بها ، يقول تعالى : {ويرى الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد} .
فسّر بعض المفسّرين عبارة (الذين اُوتوا العلم) ، بتلك المجموعة من علماء أهل الكتاب الذين يتّخذون موقف الخضوع والإقرار للحقّ عند مشاهدة آثار حقّانية القرآن الكريم .
وليس هناك مانع من إعتبار علماء أهل الكتاب أحد مصاديق الآية ، ولكن تحديدها بهم يفتقد إلى الدليل ، بل مع الإلتفات إلى الفعل المضارع (يرى) وسعة مفهوم «الذين اُوتوا العلم» يتّضح شمول الآية لكلّ العلماء والمفكّرين في كلّ عصر وزمان ومكان .
وإذا فُسّرت بكونها إشارة إلى «أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام» ، كما في تفسير علي بن إبراهيم ، فإنّ ذلك توضيح وإشارة إلى أتمّ وأكمل مصاديق الآية .
نعم ، فأي عالم موضوعي وغير متعصّب إذا تأمّل في ما ورد في هذا الكتاب السماوي ، وتدبّر في معارفه العميقة ، وأحكامه المتينة ، ونصائحه الحكيمة ، ومواعظه المؤثّرة في الوجدان إلى قصصه التأريخية المشعّة بالعِبرة ، وبحوثه العلمية الإعجازية ، فسيعلم بأنّها جميعاً دليل على حقّانية هذه الآيات .
واليوم ، فإنّ هناك كتباً متنوّعة كتبها مفكّرون غربيون وشرقيون حول الإسلام والقرآن ، تحوي إعترافات ظاهرة على عظمة الإسلام وصدق الآية مورد البحث .
التعبير بـ «هو الحقّ» تعبير جامع ينطبق على جميع محتوى القرآن الكريم ، حيث أنّ «الحقّ» هو تلك الواقعة العينية والوجود الخارجي ، أي إنّ محتوى القرآن يتساوق وينسجم مع قوانين الخلق وحقائق الوجود وعالم الإنسانية .
ولكونه كذلك فهو يهدي إلى صراط الله ، الله «العزيز» و«الحميد» أي أنّه تعالى الأهل لكلّ حمد وثناء وفي ذات الوقت فانّ قدرته غاية القدرة والغلبة ، وليس هو كأصحاب القدرة من البشر الذي يتعامل منطلقاً من كونه على عرش القدرة بالدكتاتورية والظلم والتجاوز والتلاعب .
وقد جاء نظير هذا التعبير في الآية الاُولى من سورة «إبراهيم» حيث قال جلّ من قائل : {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربّهم إلى صراط العزيز الحميد} .
وواضح أنّ من كان مقتدراً وأهلا للحمد والثناء ، ومن هو عالم ومطّلع رحيم وعطوف ، من المحتّم أن يكون طريقه أكثر الطرق إطمئنان وإستقامة . فمن يسلك طريقه إنّما يقترب من منبع القدرة وكلّ الأوصاف الحميدة .
_____________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص 505-514 .
2- «يعزب» : من مادة «عزوب» وتعني المتباعد في طلب الكلأ عن أهله ، يُقال عَزَبَ يعزُبُ ويعزِب ثمّ أطلق على كلّ غائب ، يقال رجل عزبٌ ، وامرأة عزبةٌ إذا غاب عنها زوجها .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|