أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-03-2015
9262
التاريخ: 4-03-2015
1269
التاريخ: 4-03-2015
1756
التاريخ: 4-03-2015
3186
|
و في عهد أبي القاسم السهيلي، يطالعنا مفكر نحوي آخر، هو أحمد بن عبد الرحمن اللخمي المعروف بابن مضاء الأزدي الإشبيلي، و هو من بين من درسوا كتاب سيبويه على ابن الرماك(1) في الأندلس، ثم اجتاز إلى المغرب و عين قاضيا بمراكش في أوج دولة الموحدين. لكن تفقهه و ممارسته للقضاء لم يحولا بينه و بين التفكير في النحو و الكتابة في قضاياه، فذكر له المؤرخون ثلاث مصنفات، منها «المشرق في النحو» ، و هو الذي رد عليه ابن خروف بكتاب (تنزيه أئمة النحو عما نسب إليهم من الخطإ و السهو)(2)، و كتاب الرد على النحاة، و هو المؤلف الوحيد الذي وصل إلى أيدي الباحثين، بعد ما اكتشفه و نشره الدكتور شوقي ضيف، مع مدخل حول ما سماه «ثورة ابن مضاء» ، فهالته تلك الطرفة النفيسة، و اعتبرها امتدادا لثورة الموحدين على فقهاء المشرق، و على آرائهم و مذاهبهم في التشريع، و اعتقد أن كتاب الرد على النحاة يقصد به نحو المشرق على الخصوص، ذلك أن ابن مضاء أبطل نظرية العامل، فأنكر أن يكون في الكلام عامل و معمول و استهجن في كتب النحويين كثرة التقديرات في العوامل و الصيغ غير المستعملة في أمثلة التنازع، و البنية الصرفية المصطنعة.
و يقول إنه شرع في كتاب يشتمل على أبواب النحو كلها فإن قضى اللّه تعالى بإكماله انتفع به من لم يعقه عنه التقليد، و إلا فيستدل بهذه الأبواب على غيرها(3).
ص257
و تطرق الدكتور شوقي ضيف إلى آراء ابن مضاء في منع العوامل، «و في تهجين نظرية العامل و ما تجره من تقدير قد يؤدي في كثير من الأحوال إلى رفض أساليب صحيحة في العربية، و قال إن هذه النظرية تجر وراءها حشدا من علل و أقيسة يعجز الثاقب الحس و العقل عن فهم كثير منها، ثم ذكّرنا بقول الخليل إنه لا يصل أحد من علم النحو إلى ما يحتاج إليه حتى يتعلم ما لا يحتاج إليه. و ختم مقدمة الكتاب بقوله إننا حين نطبق على أبواب النحو ما دعا إليه ابن مضاء من منع التأويل و التقدير في الصيغ و العبارات، كما تطبق على هذه الأبواب ما دعا إليه من إلغاء نظرية العامل نستطيع أن نصنف النحو تصنيفا جديدا يحقق ما نبتغيه من تيسير قواعده تيسيرا محققا(4).
كان هذا في عام 1947 م، و بعد خمس و ثلاثين سنة، أي في عام 1982 م أخبرنا الأستاذ شوقي ضيف أنه قد منّ اللّه عليه بتأليف كتاب يعرض النحو عرضا حديثا ينسق أبوابه، و يذلل صعابه و ييسر قواعده. و أنه الثمرة النهائية لمباحثه المتصلة بتحقيق كتاب ابن مضاء، و سنتحدث عن الكتاب فيما بعد.
و في كتاب أصول النحو العربي للدكتور محمد عيد، يظهر المؤلف إعجابا فائقا و تحمسا كبيرا لآراء ابن مضاء، الذي قال عنه إنه «لم ينل من التقدير ما يستحقه مجتهد مثله، هذا مع أن تلك الكتب قد خصصت كثيرا من الصحائف لنحاة لا يرقى-بأي حال-محصولهم الابتكاري إلى مرتبته، و ربما كانت الفكرة القائلة إن الناس أصدقاء المألوف و أعداء الجديد، صادقة في هذا المقام)(5)،
ثم قال مرة أخرى إن ابن مضاء (يكشف لنا منذ البداية طريقه الذي اختار في النحو من بين النحاة. لقد اختار طريق الرواد المتمردين على التبعية المتحمسين لاكتشاف جديد مجهول. إن مأساة العلم-و الفن أيضا-تكمن في التبعية المطلقة التي ترتّل الأقوال الجاهزة و تتعبد بها ثم لا شيء)(6).
و يقول أيضا: (لقد سار ابن مضاء في طريق الحرية الفكرية التي تعرّف و تقوّم ثم تحكم، حرية تغلغلت في روحه مع مذهبه الظاهري حتى الأعماق) (7).
و قد تناول محمد حسن عواد، في مقدمته لكتاب الكوكب الدرّي لجمال الدين الأسنوي آراء الدكتور العيد، فقال إنها مدعاة للحيرة لما تضمنت من مبالغات لا مبرر لها، ثم أوضح ما فيها من مغالاة في تقديم ابن مضاء و كأنه المفكر العظيم و المظلوم (8).
ص258
و قد قام الأستاذ علال الفاسي بمقارنة بين آراء ابن مضاء في النحو، و بين مذهب ابن حزم الظاهري، فقال: «الثورة الظاهرية على المذهب المالكي في الفقه زمن ابن حزم، و لا سيما زمن الموحدين، صاحبتها فيما يظهر ثورة ظاهرية على المدارس النحوية، لا أقول المشرقية كما يقول الأستاذ شوقي ضيف في مقدمة نشره لكتاب ابن مضاء في الرد على النحويين، و لكن على جميع الذين جنحوا إلى القياس و إلى التعليلات و ما يضمه النحو من الحشويات التي سبق أن قال عنها الخليل بن أحمد حسبما نقله الجاحظ في كتابه الحيوان (لا يصل أحد من علم النحو إلى ما يحتاج إليه حتى يتعلم ما لا يحتاج إليه) « .
(و لقد أشار ابن حزم في كتابه التقريب لحد المنطق إلى أن علم النحو يرجع إلى مقدمات محفوظة عن العرب الذين يريد معرفة تفهمهم المعاني بلغتهم، و أما العلل فيه ففاسدة جدا) .
(و مفهوم ما يرمي إليه ابن حزم بإظهاره فساد العلل النحوية، لأنه إذا فسدت العلل لم يبق مجال للقياس، و هو ما يريد ابن حزم أن يطبق فيه مذهبه الفقهي بعدم القول بالقياس على النحو، و لم يستطع السيد سعيد الأفغاني أن يتصور نحوا لا قياس فيه، كما لم يستطع الفقهاء أن يتصوروا فقها لا قياس فيه، مع أن وجهة نظر الظاهرية واضحة لمن أراد، لأن عدم القول بالقياس يبقى ما لم يجئ فيه نص على فطرته اللغوية أي سليقته العربية، كما أن ما لم يرد فيه نص يبقي على أساس إباحته الشرعية، فالمذهب الظاهري في النحو توسعة في اللغة تمكن المجتمع من اعتماد السليقة في ابتكار ما لم يقل لا في القياس على ما قيل) .
و يزيد الأستاذ قائلا: (فقد ظل الميل المغربي لمذهب الكوفة في النحو قائما حتى بدت نظرية ابن حزم أولا ثم جاءت الثورة الموحدية فصرف نظارها النظر فيما يجب تغييره من علم الكلام. و ذهب آخرون منهم إلى نقض الفقه المالكي، و طائفة ثالثة يتزعمها ابن مضاء اتجهت إلى محاولة تفجير الرأي الذي عبر عنه ابن حزم تفجيرا ينبع بنحو ظاهري مستقر، و قد لا يكون ابن مضاء نجح كل النجاح و لكنه على كل حال فتح باب العمل على تعديل النحو بكيفية إيجابية أو فتح باب الاجتهاد في النحو للتقدم به إلى الأمام) .
(و من العبث أن يقال إن هذه المحاولات لا شيء، لأن ابن مضاء لم يوفق في بعض ادعاءاته، فالنظرية لا تخرج كاملة من أول مرة، و لذلك نجد ابن مضاء الموحدي الظاهري ينصح النحاة و لا سيما البصريين أن يغيروا منهجهم في دراسة النحو)(9).
ص259
و بعد الإشارات إلى الآراء حول منهج ابن مضاء، نعود إلى كتابه الوحيد، الذي اعتمد عليه كل من تحدث عنه، لنقدم مقتطفات منه قد تكون معالم على طريق من يروم فهم منهجه، و هي تمثل رأيه في عمل النحاة و في نظرية العوامل و العلل. و يقول ابن مضاء: و إني رأيت النحويين-رحمة اللّه عليهم-قد وضعوا صناعة النحو لحفظ كلام العرب من اللحن، و صيانته عن التغيير، فبلغوا من ذلك إلى الغاية التي أموا، و انتهوا إلى المطلوب الذي ابتغوا، إلا أنهم التزموا ما لا يلزمهم و تجاوزوا فيه القدر الكافي فيما أرادوه منها، فتوعرت مسالكها، و وهنت مبانيها، و انحطت عن رتبة الإقناع حججها، حتى قال شاعر فيها:
ثم قال: و لعل قائلا يقول «أيها الأندلسي المسرور بالإجراء بالخلاء، المضاهي بنفسه الحفي ذكاء و أي ذكاء، أتزاحم بغير عود، و تكاثر برذاذك الجود.
فيقال له: إن كنت أعمى لا تنهض إلا بقائد، و لا تعرف الزائف من الخالص إلا بناقد، فليس هذا بعشك فادرجي:
ص260
يقول ابن مضاء: (قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغنى عنه، و أنبه على ما أجمعوا على الخطإ فيه. فمن ذلك ادعاؤهم أن النصب و الخفض و الجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، و أن الرفع منها يكون بعامل لفظي و بعامل معنوي» . ثم ينكر على سيبويه قوله إنه ذكر ثمانية مجار، أي حركات أواخر الكلم، لما يحدثه فيها العامل لأن القول إن العامل أحدث الإعراب قول بيّن الفساد. و قد صرح بخلافه ابن جني و غيره، و عمل الأعمال إنما هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره، و القول بأن الألفاظ يحدث بعضها بعضا فباطل عقلا و شرعا)(11) و إذا كان ابن مضاء ينفي كون العامل يحدث إعرابا. فإنه لا ينفي نوعا من الترابط المؤثر بين الكلم، الذي سماه تعليقا، إذ في كلامه عن التنازع يقول: «و أنا في هذا الباب لا أخالف النحويين إلا في أن أقول «علقت» ، و لا أقول «أعلمت» و التعليق يستعمله النحويون في المجرورات، و أنا أستعمله في المجرورات و الفاعلين و المفعولين. تقول قام و قعد زيد، فإن علقت «يد» بالفعل الثاني، فبين النحويين في ذلك اختلاف، الفراء لا يجيزه و الكسائي بجيزه على حذف الفاعل. و يرجح ابن مضاء مذهب الكسائي قائلا: و من الدليل على صحة مذهب الكسائي قول علقمة:
و يقول: و كان الأعلم رحمه اللّه على بصره بالنحو مولعا بهذه العلل الثواني و يرى أنه إذا استنبط منها شيئا فقد ظفر بطائل. و كذلك كان صاحبنا أبو القاسم السهيلي على شاكلته رحمه اللّه يولع بها و يخترعها، و يعتقد ذلك كمالا في الصنعة و بصرا بها (14).
و كما أنا لا نسأل عن عين عظلم و جيم جعفر و باء برثن لم فتحت هذه و ضمت هذه و كسرت هذه فكذلك أيضا لا نسأل عن رفع «زيد» فإن قيل «زيد» متغير الآخر قيل كذلك عظلم يقال في تصغيره بالضم، و في جمعه على فعالل بالفتح.
ص261
لكن ابن مضاء لم يقل بإلغاء جميع العلل الثواني لأنه ذكر أنها على ثلاثة أقسام: قسم مقطوع به و قسم فيه إقناع، و قسم مقطوع بفساده.
فمثال القسم المقطوع به: قول القائل كل ساكنين التقيا في الوصل و ليس أحدهما حرف لين فإن أحدهما يحرك مثل «أكرم القوم» ، و قال تعالى: (قُمِ اَللَّيْلَ ) (المزمل-الآية 1) و يقال مدّ، فيقال لم حركت من «أكرم» و هو أمر فيقال له لأنه لقي ساكنا. فإن قيل و لم لم يتركا ساكنين فالجواب لأن النطق بهما ساكنين لا يمكن الناطق فهذه قاطعة. و هي ثانية و من العلل الثواني المقبولة عنده تعليل دخول همزة الوصل على الأمر في نحو «اكتب» لأن الابتداء بالساكن لا يمكن. و ذكر من العلل الثواني الواضحة، إبدال الواو ياء في نحو «مويزين» لأن ذلك أخف على اللسان. و لكنه قال إنه يمكن الاستغناء عن هذه العلة.
و القسم الذي قال إن فيه إقناعا: هو قولهم إن المضارع أعرب لشبه الاسم في العموم و في قابلية التخصيص، فالاسم يكون نكرة، و يعرّف، و الفعل يدل على عموم الزمان، و يخصص بالسين و سوف، و إن كلا منهما تدخل عليه لام الابتداء نحو إن زيدا ليقوم كما يقول إن زيدا لقائم. ورد ابن مضاء هذا التعليل بأن العلة الموجبة لإعراب الاسم هي موجودة في الفعل، و كما أن للأسماء أحوالا مختلفة فإن للأفعال أحوالا مختلفة فحاجتها إلى الإعراب كحاجة الأسماء و أن الشيء لا يقاس على الشيء إلا إذا كان حكمه مجهولا، و الشيء المقيس عليه معلوم الحكم. و كانت العلة الموجبة للحكم في الأصل موجودة في الفرع.
و مثال ما هو بيّن الفساد قول محمد بن يزيد (المبرد) إن نون ضمير جماعة المؤنث إنما حرك لأن ما قبله ساكن، نحو «ضربن و يضربن» ، و قال فيما قبلها أنه أسكن لئلا تجتمع أربع حركات، لأن الفعل و الفاعل كالشيء الواحد، فجعل سكون الحرف الذي قبل النون من أجل حركة النون، و جعل حركة النون من أجل سكون ما قبلها. فجعل العلة معلولة لما هي علة له، و هذا بين الفساد (15).
و كلامه عن القياس هنا يظهر أنه لا ينكره أساسا، و لكن يشترط وجود أركانه المعروفة ليكون قياسا صحيحا.
و لنعد إلى رأي الدكتور شوقي ضيف حول ابن مضاء، في كتابه المدارس النحوية، و بدلا من الحماس الفائق في مقدمة «الرد على النحاة» ، نرى بحثا رزينا استطاع الكاتب فيه، أن يعيد «ثورة» ابن مضاء إلى آراء أئمة النحو السابقين.
ص262
ففي معرض نظرية العامل، بيّن الكاتب أن ابن جني لاحظ قبل ابن مضاء أن المتكلم هو الذي يعمل الرفع و النصب و الجر، و أن الكسائي لا يقول بأن تقدم الفاعل في قولنا «زيد قام» يدعو إلى تقدير فعل سابق. و أن الأخفش يرى أن الألف و الواو و النون، في قولنا «قاما» و «قاموا» و قمن، ليست ضمائر، و إنما هي محض علامات تدل على التثنية و الجمع، و إن الجرمي سبقه إلى إنكار التنازع في الأفعال المتعدية إلى أكثر من مفعول، لما في ذلك من تكلف صيغ لم تأت عن العرب، كما استلهم من الجرمي أيضا إنكار إضمار «أن» في نصب المضارع بعد (الفاء) و (الواو)(16).
و هكذا يظهر أن ثورة ابن مضاء ليست سوى محاولة إصلاح محدود مستلهم من أراء الظاهرية في نفي القياس و التعليل، فرمى إلى استبعاد العوامل التقديرية و العلل الثواني و الثوالث، و الصيغ التمرينية غير المسموعة و أنكر منها كل ما ليس له نظير، و مثل له بقولهم في باب التنازع: «أعلمت و أعلمونيهم إياهم الزيدين العمرين منطلقين» ، و رأيه في هذه المسألة و ما شاكلها أنها لا تجوز لأنه لم يأت لها نظير في كلام العرب، و في أبنية الصرف قولهم: «ابن مثال كذا من كذا» . و هذه المحاولة، بالرغم من طرافتها، كان مصيرها شبيها بمصير المذهب الظاهري نفسه، و لعل ذلك يعود أن هذه العيوب التي ثار ضدها ليست في الحقيقة بالحجم الذي يتصوره دعاتها.
فالقضايا التمرينية محدودة جدا، قليل منها في أبنية الصرف، و بعضها في تراكيب التوابع و تداخلها مع صلة الموصول، و قد أوردنا نموذجا منها في كتاب المقتضب.
______________________
(1) ابن الرماك عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الأشبيلي المتوفى سنة 542 ه، ترجمته في بغية الوعاة 2 /86.
(2) شوقي ضيف: مقدمة الرد على النحاة ص 20 نقلا عن ارتشاف الضرب لأبي حيان.
(3) الردّ على النحاة.
(4) شوقي ضيف: مقدمة الرد على النحاة ص 67.
(5) محمد عيد: أصول النحو العربي، ص 45.
(6) المرجع نفسه، ص 49.
(7) المرجع نفسه، ص 50.
(8) محمد حسين عواد مقدمة الكوكب الدري للأسنوي.
(9) علال الفاسي: محاضرة في ملتقى الذكرى الألفية لسيبويه.
(10) ابن مضاء: الرد على النحاة، ص 72-75.
(11) ابن مضاء: الرد على النحاة. ص 74-77.
(12) المصدر نفسه، ص 74-75.
(13) المصدر نفسه، ص130.
(14) المصدر نفسه، ص137.
(15) ابن مضاء: الرد على النحاة. ص 131-138.
(16) المدارس النحوية ص 304.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|