أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-8-2019
723
التاريخ: 12-8-2019
1383
التاريخ: 14-8-2019
733
التاريخ: 8-8-2019
600
|
(إن الثنوية قد) ذهبوا إلى قدم النور والظلمة، وقالوا: بأنّ النور يفعل الخير بطبعه، والظلمة تفعل الشرّ بطبعها، وإنّهما كانا لم يزل متباينين، النّور في جهة العلو، والظلمة في جهة السفل، ولكنهما يتنافيان من الجهة التي يتلاقيان فيها، قالوا: ثمّ امتزجا فحصل من امتزاجهما العالم، بما فيه. وأثبتوا للنور خمسة أجزاء، جزء منها روح في الكلّ. وكذا أثبتوا للظّلمة خمسة أجزاء، جزء منها روح في كلّها. ثمّ افترقوا ثلاث فرق، المانويّة الذين يثبتون النور والظلمة حيّين، والديصانيّة الذين يثبتون النور حية والظلمة مواتا، والمرقونيّة الذين يثبتون ثالثا للنور والظلمة.
والردّ عليهم هو أن نقول: النور والظلمة جسمان، وقد دلّلنا على حدوث الأجسام، فكيف يكونان قديمين؟.
ثم نقول لهم، ولم أثبتم فاعلين قديمين؟
فمن قولهم إنّ الخير والشرّ متضادان فلا يصحّ صدورهما من فاعل واحد.
يعنون بالخير الملاذّ والمسارّ وبالشرّ الهموم والمضارّ.
فنقول: غير مسلّم تضادّ الخير والشرّ، بل الشر قد يكون من جنس الخير، بل نفس ما يقع خيرا يجوز أن يقع شرا زائدا على إيجادها في الجنس. ألا ترى أنّ لطمة اليتيم ظلما شر، وإن كانت بنية التأديب كانت خيرا، وما استلذّه الإنسان لاشتهائه لم يصحّ أن يتألم به ويستضرّ به، بأن ينفر طبعه عنه.
ثم ولو سلّمنا تضادّ الخير والشرّ، فلم لا يجوز صدورهما عن فاعل واحد؟
أليس سواد الشعر مضادّا لبياض الوجه في الجنس، ثمّ هما مستلذان، فيكون كلّ واحد منهما خيرا، وهو صادر عن النور عندكم، وعلى العكس سواد الوجه وبياض الشعر غير مستحسن فهو من فعل الظلمة، لأنّ عندهم كلّ مكروه فهو من الظلمة، وكلّ محبوب فهو من النور، فبطل قولهم إنّ تضادّ الفعل يدلّ على تضادّ الفاعل.
ثمّ يقال لهم، والامتزاج بين النور والظلمة من أيهما حصل.
فإن قالوا: من النور، كانوا قد اضافوا إلى النور الشرّ، لأنّ خروج النور من كونه نورا محضا صافيا خالصا، إلى كونه ممزوجا بالظلمة منكدرا بها شرّ.
فإن قالوا: ما زجها ليلتها ويؤدّبها ويردّها إلى الخير، والامتزاج على هذا الوجه لا يكون منكدرا شرّا.
قلنا لهم: فهذا إضافة شر آخر إليه، وهو الجهل، لأنّ الظلمة عندهم موجبة للشرّ غير قابلة للخير والنور إذا مازجها ليزيلها عن طبيعتها كان جاهلا بحالها، والجهل من النقائص.
ثمّ يقال لهم: إن كان الامتزاج من فعل النور، والظلمة ضدّ النور، كان يجب أن يحصل من الظلمة المباينة التي هي ضدّ الامتزاج.
وإن قالوا: الظلمة أسرت النور، فبهذا السبب وقع الامتزاج.
كانوا قد أضافوا إلى الظلمة فضيلة هي القوّة على الغلبة والأسر، وإلى النور نقيصة هي العجز والضعف.
فإن قال المرقونيّة: إن الامتزاج من فعل ثالث على ما يذهبون إليه.
قلنا لهم: أقديم ذلك الثالث أم محدث؟
إن قالوا: قديم.
قلنا: أ موجب هو أو مختار؟
فإن قالوا: موجب.
قلنا: فهلا أوجب الامتزاج لم يزل. ثمّ وهذا إبطال القول بالاثنينيّة ومصير إلى القول بالثلاثة.
ويقال لهم: أفامتزاج النور والظلمة خير أم شرّ؟
فإن قالوا خير.
قلنا: فذلك القديم الثالث يجب أن يكون من جنس النور.
وإن قالوا: شرّ.
قلنا: وكان يجب أن يكون الثالث من حين الظلمة ويبطل القول بالثالث.
وإن قالوا: ذلك القديم الثالث مختار.
قلنا: فاختياره الامتزاج خير أم شرّ؟ ويعود ما أوردنا على الموجب.
ثم ويقال لهم: إن كان الثالث قادرا مختارا قديما، فهو واجب الوجود بذاته، ويجب أن يكون متصفا بالصفات التي ذكرناها، فيكون هو اللّه تعالى، ويبطل هذياناتهم.
وإن قالوا: الثالث محدث.
قلنا: فيلزم أن ينتهي ذلك المحدث عند القديم المختار جلّ جلاله، لأنّ التسلسل باطل، ثمّ يلزم الفرق الثلاثة قبح الأمر والنهي والمدح والذمّ لأنّ الموجب لا يحسن أمره ولا نهيه ولا مدحه ولا ذمّه. وهذا إلزام للديصانيّة حيث أثبتوا الظلمة مواتا لا حياة فيها.
ثمّ يقال لهم: قد نجد الضياء يدلّ الظالم على المظلوم فيظلمه ويؤذيه، وهذا شرّ صدر من النور، والظلمة تخفي المظلوم، فيندفع بذلك إضرار الظالم وهو خير صدر من الظلمة، وعلى هذا قال الشاعر:
و كم لظلام الليل عندك من يد تخبّر أنّ المانويّة تكذب
ثم يقال لهم: جناية الإنسان وإساءته إلى الخير ممّن يصدر من الظلمة أم من النور؟ فلا بدّ من أن يقولوا: إنّما صدرت من الظلمة.
قلنا: فإذا تاب وندم على فعله فممّن يصدر الندم والتوبة.
إن قالوا: من الظلمة، كانوا قد أضافوا إليها خيرا، وهو الندم على الشرّ والتوبة منه.
و إن قالوا: من النور، كانوا قد أضافوا إلى النور، شرّا، لأنّ التوبة والاعتذار ممّا لم يفعله الإنسان قبيح.
فإن قالوا: أليس راكب الدابّة يعتذر من رفس دابته، ولا يقبح ذلك منه.
قلنا: معاذ اللّه أن يكون معتذرا من رفس الدابّة، وإنّما يعتذر من تفريطه في سوق الدابّة وامتناعه من إيذاء الغير. وعلى هذا فإنّه لو لم يكن راكبها معها ورفست الدابّة غيره ما كان يحسن منه الاعتذار إلى المرفوس، فان أظهر شيئا يشبه الاعتذار فانّما ذلك إظهار التوجّع والتألم بما أصاب الغير، وليس ذلك اعتذارا حقيقيّا.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|