المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

Iron(III) ions and carbonate ions
29-11-2018
association line
2023-06-05
أحوال عدد من رجال الأسانيد / إسحاق بن عمار.
2023-03-20
زكريا بن إبراهيم الأزدي
3-9-2017
الفوائد الطبية للمانجو
2023-12-22
أنواع ملكية وسائل الإعلام في المجتمعات الديمقراطية
30-1-2023


الإيجاز  
  
20263   04:34 مساءاً   التاريخ: 25-03-2015
المؤلف : أبو هلال العسكري
الكتاب أو المصدر : كتاب الصناعتين الكتابة والشعر
الجزء والصفحة : ص173-189
القسم : الأدب الــعربــي / البلاغة / المعاني /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-9-2020 24093
التاريخ: 26-03-2015 15252
التاريخ: 26-03-2015 2587
التاريخ: 26-03-2015 3947

  قال أصحاب الإيجاز الإيجاز قصور البلاغة على الحقيقة وما تجاوز مقدار الحاجة فهو فضل داخل في باب الهذر والخطل وهما من أعظم أدواء الكلام وفيهما دلالة على بلادة صاحب الصناعة  وفي تفضيل الإيجاز يقول جعفر بن يحيى لكتابه إن قدرتم أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا  وقال بعضهم الزيادة في الحد نقصان وقال محمد الأمين عليكم بالإيجاز فإن له إفهاما وللإطالة استبهاماً وقال شبيب بن شبة القليل الكافي خير من كثير غير شاف وقال آخر إذا طال الكلام عرضت له أسباب التكلف ولا خير في شيء يأتي به التكلف وقد قيل لبعضهم ما البلاغة فقال الإيجاز قيل وما الإيجاز قال حذف الفضول وتقريب البعيد  وسمع رسول رجلا يقول لرجل كفاك الله ما أهمك فقال هذه البلاغة وسمع آخر يقول عصمك الله من المكاره فقال هذه البلاغة وقوله أوتيت جوامع الكلم  وقيل لبعضهم لم لا تطيل الشعر فقال حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق وقيل ذلك لآخر فقال لست ابيعه مذارعة .

وقيل للفرزدق ما صيرك إلى القصائد القصار بعد الطوال فقال لأني رأيتها في الصدور أوقع وفي المحافل أجول  وقالت بنت الحطيئة لأبيها ما بال قصارك أكثر من طوالك فقال لأنها في الآذان أولج وبالأفواه أعلق وقال أبو سفيان لابن الزبعري قصرت في شعرك فقال حسبك من الشعر غرة لائحة وسمة واضحة  وقيل للنابغة الذبياني ألا تطيل القصائد كما أطال صاحبك ابن حجر فقال من انتحل انتقر  وقيل لبعض المحدثين مالك لا تزيد على أربعة واثنين قال هن بالقلوب أوقع وإلى الحفظ أسرع وبالألسن أعلق وللمعاني أجمع وصاحبها أبلغ وأوجز  وقيل لابن حازم ألا تطيل القصائد فقال ( أَبَى لِي أن أُطِيلَ الشعرَ قَصْدِي ** إلى المعنى وعِلْمي بالصَّوَابِ ) ( وإيجازي بمختصَرٍ قريبٍ ** حذفتُ به الفضولَ مِنَ الجوابِ ) ( فأبْعَثُهنَّ أَرْبعةً وسِتًّا ** مثقفةً بألفاظٍ عِذَابِ ) ( خَوَالدَ ما حَدَا ليلٌ نَهَاراً ** وما حَسُنَ الصِّبَا بأَخي الشَّبَابِ ) ( وَهُنّ إذا وَسمْتُ بِهنَّ قَوْمَا ** كأطواقِ الحمائم في الرِّقَابِ ) ( وكنَّ إذا أقمتُ مسافراتٍ ** تهادَاها الرُّوَاةُ مع الرِّكابِ )  وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما رأيت بليغا قط إلا وله في القول إيجاز وفي المعاني إطالة  وقيل لإياس بن معاوية ما فيك عيب غير أنك كثير الكلام قال أفتسمعون صوابا أم خطأ قالوا بل صوابا قال فالزيادة من الخير خير وليس كما قال لأن الكلام غاية ولنشاط السامعين نهاية وما فضل عن مقدار الاحتمال دعا إلى

الاستثقال وصار سببا للملال فذلك هو الهذر والإسهاب والخطل وهو معيب عند كل لبيب  وقال بعضهم البلاغة بالإيجاز أنجع من البيان بالإطناب وقال المكثار كحاطب الليل وقيل لبعضهم من أبلغ الناس قال من حلى المعنى المزيز باللفظ الوجيز وطبق المفصل قبل التحزيز  المزيز الفاضل والمز الفضل وقوله ( ( وطبق المفصل قبل التحزيز ) ) مأخوذ من كلام معاوية رضي الله عنه وهو قوله لعمرو بن العاص لما أقبل أبو موسى يا عمرو إنه قد ضم إليك رجل طويل اللسان قصير الرأي والعرفان فأقلل الحز وطبق المفصل ولا تلقه بكل رأيك فقال عمرو أكثر من الطعام وما بطن قوم إلا فقدوا بعض عقولهم والايجاز القصر والحذف  فالقصر تقليل الألفاظ وتكثير المعاني وهو قول الله عز وجل ! ( ولكم في القصاص حياة ) !  ويتبين فضل هذا الكلام إذا قرنته بما جاء عن العرب في معناه وهو قولهم ( ( القتل أنفى للقتل ) ) فصار لفظ القرآن فوق هذا القول لزيادته عليه في الفائدة وهو إبانة العدل لذكر القصاص وإظهار الغرض المرغوب عنه فيه لذكر الحياة واستدعاء الرغبة والرهبة لحكم الله به والإيجاز في العبارة فإن الذي هو نظير قولهم ( ( القتل أنفى للقتل ) ) إنما هو ( ( القصاص حياة ) ) وهذا أقل حروفا من ذاك ولبعده من الكلفة بالتكرير وهو قولهم ( ( القتل أنفى للقتل ) ) ولفظ القرآن برئ من ذلك وبحسن التأليف وشدة التلاؤم المدرك بالحس لأن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة  ومن القصر أيضا قوله تعالى ( إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) لا يوازي هذا الكلام في الاختصار شيء وقوله تعالى ( يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ) وقوله عز اسمه ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ) وإنما كان سوء عاقبة المكر والبغي راجعا عليهم وحائقا بهم فجعله للبغي والمكر اللذين هما من فعلهم إيجازا واختصارا وقوله سبحانه ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) وقوله تعالى ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ) وقوله تعالى ( فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا ) تحير في فصاحته جميع البلغاء ولا يجوز أن يوجد مثله في كلام البشر وقوله تعالى ( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) وقوله تعالى ( يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ) الآية تتضمن مع الإيجاز والفصاحة دلائل القدرة وقوله تعالى ( ألا له الخلق والأمر ) كلمتان استوعبتا جميع الأشياء على غاية الاستقصاء وروى أن ابن عمر رحمه الله قرأها فقال من بقي له شيء فليطلبه وقوله تعالى ( واختلاف ألسنتكم وألوانكم ) اختلاف اللغات والمناظر والهيئات وقوله تعالى في صفة خمر أهل الجنة ( لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) انتظم قوله سبحانه ( ولا ينزفون ) عدم العقل وذهاب المال ونفاد الشراب وقوله تعالى ( أولئك لهم الأمن ) دخل تحت الأمن جميع المحبوبات لأنه نفى به أن يخافوا شيئا أصلا من الفقر والموت وزوال النعمة والجور وغير ذلك من أصناف المكاره فلا ترى كلمة أجمع من هذه  وقوله عز وجل ( والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ) جمع أنواع التجارات وصنوف المرافق التي لا يبلغها العد والإحصاء ومثله قوله سبحانه ( ليشهدوا منافع لهم ) جمع منافع الدنيا والآخرة  وقوله تعالى ( فاصدع بما تؤمر ) ثلاث كلمات تشتمل على أمر الرسالة وشرائعها وأحكامها على الاستقصاء لما في قوله ( ( فاصدع ) ) من الدلالة على التأثير كتأثير الصدع  وقوله تعالى ( وكل أمر مستقر ) ثلاث كلمات اشتملت على عواقب الدنيا والآخرة

وقوله تعالى ! ( وله ما سكن في الليل والنهار ) ! وإنما ذكر الساكن ولم يذكر المتحرك لأن سكون الأجسام الثقيلة مثل الأرض والسماء في الهواء من غير علاقة ودعامة أعجب وأدل على قدرة مسكنها  وقوله عز وجل ! ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) ! فجمع جميع مكارم الأخلاق بأسرها لأن في العفو صلة القاطعين والصفح عن الظالمين وإعطاء المانعين وفي الأمر بالعرف تقوى الله وصلة الرحم وصون اللسان عن الكذب وغض الطرف عن الحرمات والتبرؤ من كل قبيح لأنه لا يجوز أن يأمر بالمعروف وهو يلابس شيئا من المنكر وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وتنزيه النفس عن مقابلة السفيه بما يوتغ الدين ويسقط القدرة  وقوله تعالى ! ( أخرج منها ماءها ومرعاها ) ! فدل بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للناس من العشب والشجر والحطب واللباس والنار والملح والماء لأن النار من العيدان والملح من الماء والشاهد على أنه أراد ذلك كله قوله تعالى ! ( متاعا لكم ولأنعامكم ) !  وقوله تعالى ( تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) فانظر هل يمكن أحدا من أصناف المتكلمين إيراد هذه المعاني في مثل هذا القدر من الألفاظ  وقوله عز وجل ! ( ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) ! جمع الأشياء كلها حتى لا يشذ منها شيء على وجه  وقوله تعالى ! ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) ! جمع فيه من نعم الجنة ما لا تحصره الأفهام ولا تبلغه الأوهام

  وقول رسول الله : ( ( إياكم وخضراء الدمن ) ) وقوله : ( ( حبك الشيء يعمي ويصم ) ) وقوله : ( ( إن من البيان لسحرا ) ) وقوله : ( ( مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ) ) وقوله : ( ( الصحة والفراغ نعمتان ) ) وقوله : ( ( نية المؤمن خير من عمله ) ) وقوله : ( ( ترك الشر صدقة ) ) وقوله : ( ( الحمى في أصول النخل ) )  فمعاني هذا الكلام أكثر من ألفاظه وإذا أردت أن تعرف صحة ذلك فحلها وابنها بناء آخر فإنك تجدها تجيء في أضعاف هذه الألفاظ  قوله : ( ( إذا أعطاك الله خيرا فليبن عليك وابدأ بمن تعول وارتضخ من الفضل ولا تلم على الكفاف ولا تعجز عن نفسك ) )  وقوله : ( ( فليبن عليك ) ) أي فليظهر أثره عليك بالصدقة والمعروف ودل على ذلك بقوله ( ( وابدأ بمن تعول وارتضخ من الفضل ) ) أي اكسر من مالك وأعط واسم الشيء الرضيخة ( ( ولا تعجز عن نفسك ) ) أي لا تجمع لغيرك وتبخل عن نفسك فلا تقدم خيرا  وقول أعرابي اللهم هب لي حقك وأرض عني خلقك.

  وقال آخر أولئك قوم جعلوا أموالهم مناديل لأعراضهم فالخير بهم زائد والمعروف لهم شاهد أي يقون أعراضهم بأموالهم  وقيل لأعرابي يسوق مالا كثيرا لمن هذا المال فقال لله في يدي  وقال أعرابي لرجل يمدحه إنه ليعطي عطاء من يعلم أن الله مادته  وقول آخر أما بعد فعظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك واستحى من الله بقدر قربه منك وخفه بقدر قدرته عليك  وقال آخر إن شككت فاسأل قلبك عن قلبي  ومما يدخل في هذا الباب المساواة وهو أن تكون المعاني بقدر الألفاظ والألفاظ بقدر المعاني لا يزيد بعضها على بعض وهو المذهب المتوسط بين الإيجاز والإطناب وإليها أشار القائل بقوله كأن ألفاظه قوالب لمعانيه أي لا يزيد بعضها على بعض  فما في القرآن من ذلك قوله عز وجل ! ( حور مقصورات في الخيام ) ! وقوله تعالى ! ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) ! ومثله كثير  ومن كلام النبي : ( لا تزال أمتي بخير ما لم تر الأمانة مغنما والزكاة مغرما ) وقوله : ( إياك والمشارة فإنها تميت الغرة وتحي العرة )  ومن ألفاظ هذه الفصول ما كانت معانيه أكثر من ألفاظه وإنما يكره تميزها كراهة الإطالة  ومن نثر الكتاب قول بعضهم سألت عن خبري وأنا في عافية لا عيب فيها إلا فقدك ونعمة لا مزيد فيها إلا بك.

  وقوله علمتني نبوتك سلوتك وأسلمني يأسي منك إلى الصبر عنك وقوله فحفظ الله النعمة عليك وفيك وتولى إصلاحك والإصلاح لك وأجزل من الخير حظك والحظ منك ومن عليك وعلينا بك  وقال آخر يئست من صلاحك بي وأخاف فسادي بك وقد أطنب في ذم الحمار من شبهك به  ومن المنظوم قول طرفه ( ستُبْدِي لك الأيامُ ما كنت جَاهِلاً ** وَيأْتيك بالأخْبَار مَنْ لم تُزَوّدِ ) وقول الآخر ( تُهْدَى الأمورُ بأَهْلِ الرَّأْي ما صَلَحَتْ ** فإن تَأَبَّتْ فبالأشْرَار تَنْقَادُ ) وقول الآخر ( فأمَّا الَّذِي يحصيهم فَمُكَثِّر ** وأمَّا الَّذِي يُطْرِيهم فمُقَلِّلُ ) وقول الآخر ( أَهابُكِ إِجلالاً ومَا بِكِ قُدْرَةٌ ** عليَّ ولَكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُها ) ( وما هجرتْكِ النَّفْسُ أنك عِنْدها ** قليلٌ وَلَكِن قلَّ مِنْكِ نصيبها ) وقول الآخر ( أصدّ بأيْدِي العيس عَنْ قَصْدِ أَهْلِهَا ** وقَلْبِي إليها بالمودَّةِ قاصِدُ ) وقول الآخر ( يقول أُنَاسٌ لا يَضِيركَ فَقْدُهَا ** بَلى كل ما شَفَّ النفوسَ يَضِيرها ) وقال الآخر ( يَطُولُ اليَوْمُ لا ألقاكَ فيه ** وحَولٌ نَلْتَقِي فيه قَصِير )

وقالوا ( لا يَضِيرُكَ نَأْيُ شَهْرٍ ** فقلتُ لصاحبيّ فمن يَضِير ) قوله ( ( لصاحبي ) ) يكاد يكون فضلا  وأما الحذف فعلى وجوه منها أن تحذف المضاف وتقيم المضاف إليها مقامه وتجعل الفعل له كقول الله تعالى ! ( واسأل القرية ) ! أي أهلها  وقوله تعالى ! ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ! أي حبه  وقوله عز وجل ! ( الحج أشهر معلومات ) ! أي وقت الحج  وقوله تعالى ! ( بل مكر الليل والنهار ) ! أي مكركم فيهما  وقال المتنخل الهذلي ( يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ ** من الخُرْسِ الصَّرَاصِرَة القِطَاطِ ) يعني صاحب حانوت فأقام الحانوت مقامه  وقال الشاعر ( لَهُمْ مَجْلِسٌ صُهْبُ السِّبَال أذِلَّةٌ ** سَوَاسِيَةٌ أحْرَارُها وعَبِيدُها ) يعني أهل المجلس  ومنها أن يوقع الفعل على شيئين وهو لأحدهما ويضمر للآخر فعله وهو قوله تعالى ! ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ) ! معناه وادعوا شركاءكم وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود  وقال الشاعر ( تراه كأنَّ اللهَ يَجْدَعُ أنْفَه ** وعَيْنَيْه إنْ مَوْلاَهُ ثَابَ له وَفْرُ ) أي ويفقأ عينيه.

وقول الآخر ( إذا ما الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْماً ** وزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا ) العيون لا تزجج وإنما أراد وكحلن العيون  ومنها أن يأتي الكلام على أن له جوابا فيحذف الجواب اختصارا لعلم المخاطب كقوله عز وجل ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا ) أراد لكان هذا القرآن فحذف  وقوله تعالى ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم ) أراد لعذبكم  وقال الشاعر ( فأُقْسمُ لوْ شيءٌ أَتانا رسولُه ** سِواكَ ولكن لم نجد لك مَدْفَعَا ) أي لرددناه  وقوله تعالى ! ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ) ! فذكر أمة واحدة ولم يذكر بعدها أخرى وسواء يأتي من اثنين فما زاد  وكذلك قوله تعالى ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ) ولم يذكر خلافه لأن في قوله تعالى ( قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون ) دليلا على ما أراد  وقال الشاعر ( أراد فما أدْري أهَمٌّ هَمَمُته ** وذو الهمِّ قِدْماً خاشعٌ مُتَضائلُ ) ولم يأت بالآخر  وربما حذفوا الكلمة والكلمتين كقوله تعالى ( فأما الذين اسودت وجوههم

أكفرتم ) وقوله تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) أي ووصى بالوالدين إحسانا  وقال النمر ( فإنَّ المنيَّة مَنْ يَخْشَها ** فسَوْفَ تصادِفُه أيْنَما ) أي أينما ذهب  وقال ذو الرمة ( لعِرفَانِها والعَهْدُ نَاءٍ وقَدْ بَدَا ** لِذِي نُهْيَةٍ أَنْ لا إلى أُمِّ سَالِمِ ) المعنى أن لا سبيل إليها ولا إلى لقائها فاكتفى بالإشارة إلى المعنى لأنه قد عرف ما أراد كما قال النمر بن تولب ( فلا وأبي الناس لا يعلمون ** لا الخير خير ولا الشر شر ) أي ليسا بدائمين لأحد والنهية العقل والجمع نهى  وقوله تعالى ( في يوم عاصف ) أي في يوم ذي عاصف وقوله تعالى ( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ) أي ولا من في السماء بمعجز  ومثل قول الشنفري ( لا تدفنُونِي إِنَّ دَفْنِي مُحَرَّمُ ** عليكم ولكنْ خَامِرِي أمَّ عامرِ ) أي ولكن دعوني للتي يقال لها خامري أم عامر إذا صيدت يعني الضبع ومنها القسم بلا جواب كقوله تعالى ( ق والقرآن المجيد بل عجبوا ) معناه و الله أعلم ق والقرآن المجيد لتبعثن والشاهد ما جاء بعده من ذكر البعث في قوله ! ( أئذا متنا وكنا ترابا ) !  ومن الحذف قوله تعالى ( إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ) أي كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه  وقال الشاعر ( إِني وإِيَّاكم وَشَوْقاً إليكم ** كقابض ماءٍ لَمْ تَسِقْهُ أنَامِلُه ) ومن الحذف إسقاط ( ( لا ) ) من الكلام في قوله تعالى ! ( يبين الله لكم أن تضلوا ) ! أي ( ( لأن لا تضلوا ) ) وقوله تعالى ! ( أن تحبط أعمالكم ) ! أي لا تحبط أعمالكم  وقال امرؤ القيس ( فقلت يَمينَ اللهِ أبرَحُ قَاعِداً ** ولو قَطًعُوا رَأْسِي لديك وأَوْصَالِي ) أي لا أبرح قاعدا  وقال آخر ( فلا وأبي دُهْمَانَ زالتْ عزيزةً ** على قَوْمِها ما فتّل الزَّنْد قادِحُ )  ومن الحذف أن تضمر غير مذكور كقوله تعالى ! ( حتى توارت بالحجاب ) ! يعني الشمس بدأت في المغيب وقوله تعالى ! ( ما ترك على ظهرها من دابة ) ! يعني على ظهر الأرض وقوله تعالى ! ( فأثرن به نقعا ) ! أي بالوادي وقوله تعالى ! ( والنهار إذا جلاها ) ! يعني الدنيا أو الأرض ! ( ولا يخاف عقباها ) ! يعني عقبى هذه الفعلة

وقول لبيد ( حتى إِذَا ألْقَتْ يَدَاً في كافرٍ ** وأجَنَّ عَوْرَاتٍ الثُّغُور ظَلاَمُها ) يعني الشمس تبدأ في المغيب  وضرب منه آخر قوله تعالى ! ( واختار موسى قومه سبعين رجلا ) ! أي من قومه  وقال العجاج ( تحتَ الذي اخْتَارَ لَهُ اللهُ الشَّجَرْ )  أي من الشجر  وضرب منه ما قال تعالى في أول سورة الرحمن ! ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ! وذكر قبل ذلك الإنسان ولم يذكر الجان ثم ذكره  ومثله قول المثقب ( فما أدْرِي إذا يَمَّمْتُ أرضاً ** أريد الخير أيّهُما يَلِيني ) ( أألخيرُ الذي أنا أبتغِيه ** أم الشر الذي هو يَبْتَغِيني ) فكنى عن الشر قبل ذكره ثم ذكره  ومن الحذف قوله تعالى ! ( يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل ) ! أراد يشترون الضلالة بالهدى وقوله تعالى ! ( وتركنا عليه في الآخرين ) ! أي أبقينا

ص186

له ذكرا حسنا في الباقين فحذف الذكر ومن ذلك قوله تعالى ! ( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ) ! أي يبحث التراب على غراب آخر ليواريه فيرى هو كيف يواري سوأة أخيه وقوله تعالى ! ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ) ! أي في مرضاتهم  ومن الحذف قول صعصعة وقد سئل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لم يقل فيه مستزيد لو أنه ولا مستقصر إنه جمع الحلم والعلم والسلم والقرابة القريبة والهجرة القديمة والبصر بالأحكام والبلاء العظيم في الإسلام  وقال علي رضي الله عنه سبق رسول : وصلى أبو بكر وثلث عمر وخبطتنا فتنة فما شاء الله  وقال القيسي ما زلت أمتطي النهار إليك وأستدل بفضلك عليك حتى إذا جنني الليل فقبض البصر ومحا الأثر أقام بدني وسافر أملي والاجتهاد عاذر وإذا بلغتك فقط  فقوله ( ( فقط ) ) من أحسن حذف وأجود إشارة 

 وأخبرنا أبو أحمد قال

 أخبرنا إبراهيم بن الزغل العبشمي قال

 حدثنا المبرد أن عبد الله بن يزيد بن معاوية أتى خالدا فقال يا أخي لقد هممت اليوم أن أفتك بالوليد بن عبد الملك فقال خالد بئس والله ما هممت به في ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين فقال إن خيلي مرت به بعث بها وأصغرني فيها فقال أنا أكفيك فدخل على عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إن الوليد

ابن أمير المؤمنين مرت به خيل ابن عمه عبد الله بن يزيد فعبث بها وأصغره فيها وعبد الملك مطرق ثم رفع رأسه وقال ! ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) ! فقال خالد ! ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) ! فقال عبد الملك أفي عبد الله تكلمني لقد دخل علي فما أقام لسانه لحنا فقال خالد أفعلى الوليد تعول فقال عبد الملك إن كان الوليد يلحن فإن أخاه سليمان فقال خالد إن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالد فقال له الوليد اسكت فوالله ما تعد في العير ولا في النفير فقال اسمع يا أمير المؤمنين ثم أقبل عليه فقال ويحك فمن للعير والنفير غيري جدي أبو سفيان صاحب العير وجدي عتبة بن ربيعة صاحب النفير ولكن لو قلت غنيمات وحبيلات والطائف ورحم الله عثمان قلنا صدقت  وذلك أن النبي : طرد الحكم بن أبي العاص فصار إلى الطائف يرعى غنيمه ويأوي إلى حبلة وهي الكرمة ورحم الله عثمان أي لرده إياه فهذا حذف بديع  وكذلك قول عبد الملك إن كان الوليد يلحن فإن أخاه سليمان وقول خالد إن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالد حذف حسن أيضا ومثل هذا كثير في كلامهم ولا وجه لاستيعابه .

  ومن الحذف الرديء قول الحارث بن حلزة ( والعَيْشُ خَيْرٌ في ظِلاَلِ ** النوكِ ممَّنْ عَاشَ كدَّا ) وإنما أراد والعيش الناعم خير في ظلال النوك من العيش الشاق في ظلال العقل وليس يدل لحن كلامه على هذا فهو من الإيجاز المقصر  ومن الحذف الرديء أيضا قول الآخر ( أعَاذِل عَاجِلُ ما أَشْتَهِي ** أحبُّ من الأَكْثَرِ الرائثِ ) يعني عاجل ما أشتهي مع القلة أحب إلى من رائثه مع الكثرة  ومثله قول عروة بن الورد ( عَجِبْتُ لهُمْ إِذْ يَقْتُلونَ نَفوسَهم ** ومَقْتَلُهم عِنْدَ الوَغَى كانَ أعْذَرَا ) يعني إذ يقتلون نفوسهم في السلم  ومثله من نثر الكتاب ما كتب بعضهم فإن المعروف إذا زجا كان أفضل منه إذا توافر وأبطأ وتمام المعنى أن يقول ( ( إذا قل وزجا ) ) فترك ما به يتم المعنى وهو ذكر القلة  وكتب بعضهم فما زال حتى أتلف ماله وأهلك رجاله وقد كان ذلك في الجهاد والإبلاء أحق بأهل الحزم وأولى والوجه أن يقول فإن إهلاك المال والرجال في الجهاد والإبلاء أفضل من فعل ذلك في الموادعة  ومثل هذا مقصر غير بالغ مبلغ ما تقدم في هذا الباب من الحذف الجيد.

  وأقبح من هذا كله قول الآخر ( لا يَرْمضُون إذا جرَّتْ مَشَافِرُهم ** ولا ترى مثلهُم في الطَّعْنِ مَيَّالاَ ) ( ويَفْشَلُونَ إِذا نادَى ربيئهم ** ألاَ اركَبُنَّ فقد آنَسْتُ أبْطَالاَ ) أراد ( ( ولا يفشلون ) ) فتركه فصار المعنى كأنه ذم  وقول المخبل في الزبرقان ( وأَبُوكَ بَدْرٌ كان يَنْتَهِسُ الحَصَى ** وأبي الجَواد رَبيعةُ بن قَبالِ ) فقال الزبرقان لا بأس شيخان اشتركا في صنعة.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.